الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :
فقد انتشرت مع بداية شهر رمضان عددٌ من الرسائل التي تدعو إلى جمع التبرعات من أجل إسقاط القصاص عن أحد الإشخاص المحكوم عليه بذلك ، وبعد التأمل في تلك الرسائل وجد أنها حوت عدداً من الملحوظات التي لا يحسن السكوت عنها فمنها :
أولا : أن بعضها تضمن أن القاتل إنما قتل صاحبه دفاعا عن عرضه ، ولا شك أن في هذا تنقصاً للقضاء الشرعي إذ إنه متى ما ثبت ذلك فلا يمكن أن يحكم بالقتل ،وهذا يعني أن ذلك ادعاء لا صحة له ثم إن القضية تعرض على أكثر من عشرة قضاة ما بين نظر وتدقيق ، وحقيقة الأمر أن القاتل إنما قَتل ظلما وعدوانا وأزهق نفسا حراما ، ولكن الرسائل العاطفية تريد أن تحسن للقاتل ، ولا تدرك أنها في ذات الوقت تسيء إلى أولياء القتيل .
ثانيا : أن القصاص من القاتل حكم الله في كتابه فيجب أن لا تأخذنا العاطفة في ترك تطبيقه ، ثم إن بتطبيقه حياة للمجتمع كما أخبر المولى عزوجل ( ولكم في القصاص حياة ) خصوصا ونحن نرى تزايد قضايا القتل ، بل وجد من عفي عنه وعاد الى مسلك الجريمة .
ثالثا : أن المساهمة في دفع مثل هذا المبلغ هو إعانة لأهل الباطل على باطلهم إذ القصاص حق لأولياء الدم ، ولهم أن يتنازلوا عنه ، لكن ماوجه طلبهم مثل هذا المبالغ ، فإذا كانوا صادقين في تنازلهم فليكن لوجه الله تعالى وإلا فلهم حق القصاص ، ثم أين تذهب تلك المبالغ أليس الأولى صرفها في مساعدة الفقراء والمحتاجين و دعم المشاريع الخيرية ، بل إن نسبة كبيرة من تلك الأموال تذهب لسماسرة العفو .
رابعا : أن وصف مثل ذلك بأنه مساهمة في عتق رقبة وصف لا أصل له ، وعتق الرقبة المقصود به عتق المملوك بحكم الرق وهذا هو الذي وردت بفضله النصوص .
خامسا : أن إغراء بعض أولياء الدم بالمال ليتنازل قد يوغر صدور بقية الأولياء ممن لم يقبل ، ويصرّ أحدهم على الانتقام فتنشأ بعد ذلك قضية قتل جديدة ويقتل ذاك الذي جمعت لفدائه الأموال ، وفيه ضياع للوقت والمال وإزهاق للأنفس ونشر للعداوات ، وقد كفلت الشريعة الخلاص من ذلك كله بالقصاص وفي شرع الله نور وخير .
سادسا : أن عدم تكاتف القبيلة في تأمين المبلغ لضخامته وكلفته عليهم يوغر صدور بعضهم على بعض ويشكك في النوايا ويصنع القطيعة .
وبعد : فإن كل هذه السيئات تجعل من شأن التنادي للعفو عن القتلة بمزايدات مالية مبالغ فيها أمراً لا يقره الشرع ولا يرضاه ، والقاتل إنما أخطأ في الدنيا وجوزي بفعله ، وجزاؤه في الآخرة عند الله ، وقد يكون مشهد استيفاء القصاص منه في الدنيا دافعا له للتوبة والندم والاستغفار ، وكفارة له عند الله على تلك الجريمة التي ورد فيها ذلك الوعيد الشديد ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ) تولانا الله بحفظه وادام علينا نعمته ظاهرة وباطنة
بسام بن عبدالله السلطان
القاضي بمحكمة حفر الباطن سابقا
١٤٣٣/٩/١٠