شليويح من جديد في الصحافه - الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة

عبدالرحمن الهيلوم · 17-Sep-2008, 04:43 AM

بسم الله الرحمن الرحيم

عروة بن الورد وشليويح: نجد تستنسخ نفسها بعد ألف وخمسمائة عام!
فلا أترك الإخوان ما عشت للردى كما أنه لا يترك الماء شاربه ياناشد عني تراني شليويح قلبي على قطع الخرايم عزومي

عبدالله الجعيثن
ولد الفارس المشهود شليويح بن ماعز العطيوي الروقي العتيبي في القرن الثاني عشر الهجري، أي بعد مولد عروة بن الورد العبسي بألف وخمسمائة عام تقريبا، ومع ذلك نجد تشابها عجيبا في حياة وتصرفات الفارسين، فكلاهما شجاع مغوار، وشاعر، ويضحي من أجل رفاقه.. بل كلاهما قاد الصعاليك في زمانه وجعل لهم شأنا ورفع رؤوسهم وملأ جيوبهم لقوة بأسه وحسن قيادته وبراعته فيما يقتضيه زمانه من غارات ولو رجعنا الى حالة نجد قبل ان يوحد الملك عبدالعزيز الجزيرة العربية بعمله البطولي العظيم، لوجدناها تكاد تستنسخ نفسها قبل ألف وخمسمائة عام، فقطانها عادوا كما كانوا بدوا رحلاً ينتجعون المراعي ويتبعون مساقط المطر ولا يقرون على حال، حلالهم الإبل والأغنام وهوايتهم الحل والترحال وإنشاء الأشعار.
وعادت القبائل تغير على بعضها كما كانت قبل ألف وخمسمائة عام، وتفرح بالمطر اذا هطل، وتشكو من القحط اذا حل، وتقول شعراً بدويا هو أقرب ما يكون للشعر الجاهلي في صوره ومعانيه، ولا غرابة في هذا فإن الأم واحدة وهي (نجد).

وقبل توحيد المملكة بقليل خرج لنا شعراء شعبيون كأنما خرجوا من عباءات شعراء العربية الأولى: فمحسن الهزاني يشبه عمر بن أبي ربيعة، ومحمد بن لعبون يذكرك فوراً بذي الرمة، وحميدان الشويعر هو الحطيئة الجديد، أما راكان بن حثلين فهو أبو فراس الحمداني، وراشد الخلاوي قريب من زهير بن أبي سلمى، والدجيما يشبه مجنون ليلى، أما شليويح العطيوي فكأنما هو عروة بن الورد في سلوكه وتصرفاته وطموحه وأهدافه: الأرض هي الأرض، والبيئة لم تتغير، ونجد في معزل عن العالم كل العالم، والقبائل العربية الأصيلة يغير بعضها على بعضها، مع تمسكها بقيمها الأصيلة وفي مقدمتها الكرم والشجاعة وحماية المستجير والسفر على أجنحة الشعر الى البعيد حيث كان هو فنهم الوحيد.

@@@

قال صاحب الأغاني في ترجمة عروة:

(هو عروة بن الورد بن زيد العبسي الغطفاني شاعر وفارس من المقدمين الأجواد.. وكان يلقب بعروة الصعاليك لجمعه إياهم وقيامه بأمرهم إذا اخفقوا) ثم عد من شرفه الكثير..

(نظر الأغاني 70/3- 84) طبعة دار الثقافة - بيروت.

وقال المستشرق الهولندي (مارسيل كوربرشوك) في كتابه "البدوي الأخير":

(.. ذاع صيت شليويح بوصفه زعيماً غازيا.. وأثبت النجم الجديد استقلاله.. وشجاعته ومهارته في الغزو وإيمانه الراسخ بقدرته ورحمة الله.. وبمعرفته بحاجات أتباعه.. كل ذلك لم يكن فيه مراء، وعلى غرار "روبن هود" وضع نشاطه بممارسة الغزو في خدمة تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية في الصحراء، ولم يكن يعوزه الا اعجاب المحبوبة لتكتمل صورة الفارس الشهم، وقد سدت الثغرة في احدى الغزوات..".

كتاب البدوي الأخير ص 61بتصرف لسير. قلت:

ويلتقي الفارسان الشاعران: عروة بن الورد وشليويح العطيوي في هدف واحد وهو محاولة تحقيق جزء من العدالة الاجتماعية التي كانت أو كادت تضيع في صحراء العرب قبل الإسلام (في الجاهلية) ثم قبل توحيد الملك عبدالعزيز رحمه الله للمملكة، حيث عاد الغزو والسطو واحتربت كثير من القبائل على المرعى والكلأ في وقت كانت فيه نجد معزولة عن العالم.

ولكل من الفارسين: عروة وشليويح، أتباع اشبه ما يكون بالصعاليك، وفي مجتمع الصحراء وقتها حيث يكاد يأكل القوي الضعيف، عمل الفارسان على محاولة انصاف هؤلاء الصعاليك الفقراء، عبر تزعم كل واحد منهما لمجموعة من الصعاليك، وإذا كانت الزعامة هدفاً هاماً لكل منهما (عروة وشليويح) فالتاريخ أثبت أنهما كرماء جدا مع هؤلاء الأتباع، ويؤثرونهم على أنفسهم في كثير من المغانم وكان ذلك مصدر فخر للفارسين الشاعرين كما يتجلى فيما خلفا من أشعار.

1- يقول عروة بن الورد يخاطب رجلاً ثريا بخيلاً فخر عليه بماله وضخامته جسده:

(الجدير بالذكر ان عبدالملك بن مروان قال من اجل الأبيات القادمة: ما يسرني أن احداً من العرب ممن ولدني لم يلدني، إلا عروة بن الورد لقوله):

"إني امرؤ عافي إنائي شركة

وأنت امرؤ عافي أنائك واحد

أتهزأ مني أن سمنت وأن ترى

بوجهي شحوب الحق، والحق جاهد

أقسم جسمي في جسوم كثيرة

واحسو قراح الماء، والماء بارد

انظر كتاب الأغاني 71/3(ترجمة عروة بن الورد) وديوان عروة ص 29وكتاب (الصعاليك في العصر الجاهلي) لمحمد رضا مروة.

يقول عروة لهذا الثري البخيل الجسيم:

إنني حين أملأ أنائي باللبن أشرك فيه الكثيرين ولا أشرب منه إلا القليل، أما أنت فتأكل وتشرب وحدك لبخلك..

بل إن عروة بن الورد يعبر عن التضحية بكناية بليغة حين يقول:

"أقسم جسمي في جسوم كثيرة

واحسو قراح الماء والماء بارد"

فقد كنى عن الطعام بالجسم، لأن الطعام هو الذي يسمن الجسم، وعروة يقسم طعامه على ربعه حتى لا يبقى له شيء في كثير من الأحيان، فيكتفي بشرب الماء، والماء البارد في الشتاء، واخباره في ذلك متواترة في كتب التراث حتى لقبوه (ابا الصعاليك) لإكرامه لهم وإيثارهم على نفسه ورعايته إياهم.

2- كذلك كان شليويح العطيوي تقريبا، كان يضحي من اجل ربعه واتباعه، وأكثرهم من صعاليك زمانه، فكان نحيل الجسم غير مهتم بغذائه او ما يناله من غنيمة مع انه هو فارسهم وقائدهم، ولكنه يؤثرهم على نفسه. ومن شعر شليويح العطيوي الذي يشبه شعر عروة بن الورد السابق، مع ان شليويح قد لا يكون باسم عروة اصلاً، ولكن (أمهما) واحدة وهي (نجد) في ظروف متشابهة..

"يامل قلب عانق الفطر الفيح

كنه على كيرانهن محزومي

ما اخلف وعدهن يقع تخلف الريح

والا يشد الضلع ضلع البقومي

ياناشد عني تراني شليويح

قلبي على قطع الخرايم عزومي

ان قلت الوزنة خذوها المشافيح

اخلي (الوزنه) لربعي واشومي

والى رزقنا الله بذود المصاليح

يصير قسمي من خيار القسومي

والوزنة هي مكيال الماء في الحصراء، فحين يقل الماء مع الغازين او المسافرين ويحسون بالخطر والخوف من الموت ظمأ، يقسمون الماء بينهم كل مرة بحيث لا يشرب الواحد الا ما يسد رمقه، ولكن شليويح في هذا الموقف العصيب يترك نصيبه من الوزنه لقومه ويعف (اشومي)..

أما حين ينالون ذوداً من خيار الابل، فإن قسمه يكون من خيار القسومي، فيما انه قائدهم فهو الذي يقسم بينهم الغنائم بسماحة نفس (من خيار القسومي) كناية عن تفضيله ربعه على نفسه.

@@@

لقد كانت نجد.. قلب الجزيرة العربية ومولد الشعراء والفرسان.. ورمز الحب والشعر.. كانت قبل توحيد المملكة تلبس الخوف والجوع، وتغير القبائل على بعضها، ويجوس خلالها قطاع الطرق، وكانت فقيرة ومعزولة عن العالم، حتى قام بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بتوحيد المملكة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله فبدل الله البلاد بالخوف أمناً وبالجوع ثراء وبالحروب إخاء، لقد كان ذلك عزاً للعرب والمسلمين.

منقول