الرئيس الامريكي جورج بوش اكد امس ان هجمات المقاومة العراقية، وما تلحقه من خسائر بشرية ضخمة في صفوف القوات الامريكية، لن تدفعه الي الفرار من العراق. وحصل علي تصفيق حاد من مستمعيه علي هذه البلاغة الكلامية.
الكونغرس الامريكي اعتمد مبلغ 87 مليار دولار لتغطية نفقات الحرب في العراق، وهي نفقات تغطي الاكلاف العسكرية العملياتية فقط التي تقدر بحوالي اربعة مليارات دولار كل شهر علي اقل تقدير.
الرئيس بوش كان يتحدث في اعقاب نجاح المقاومة العراقية في اسقاط طائرة عمودية من طراز شينوك وقتل ستة عشر جندياً كانوا علي متنها، وكأنه يذكر بالهروب الامريكي الكبير من لبنان (1982) والصومال (1995) ويطمئن مستمعيه بان تعاظم الخسائر البشرية لن يؤدي الي مغادرة العراق، مثلما تمت مغادرة لبنان والصومال.
ولو عدنا الي الوراء قليلا، وبالتحديد الي تصريحات الرئيسين الامريكيين ليندون جونسون وخلفه نيكسون اثناء الحرب الفيتنامية نجد انهما قالا الكلام نفسه، وحصلا علي التصفيق نفسه وربما ما هو اكثر، ولكن النتائج جاءت مختلفة كليا، واضطرت القيادة الامريكية وتحت الضغط الشعبي والخسائر المتصاعدة الي البحث عن مخارج، حتي لو كانت غير مشرفة، من هذا المستنقع الدموي.
القادة الاسرائيليون ذهبوا الي ما هو ابعد من ذلك، فقد نفوا وجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني، واكدوا مراراً ان منظمة التحرير منظمة ارهابية لا يمكن التفاوض معها، واقسموا باغلظ الايمان انهم لن ينسحبوا من جنوب لبنان، وها هم يفعلون ما هو مناقض تماماً لكل اقوالهم وتعهداتهم تلك.
امريكا تواجه حرب استنزاف في العراق، وهي حرب دموية خطها البياني في تصاعد مستمر، وتؤكد العمليات الفدائية اليومية ان القوات الامريكية غير قادرة علي حماية المدن، او السيطرة علي الارياف، وعاجزة تماما عن حماية تواجدها، ناهيك عن توفير الامن للمواطنين العراقيين.
وفي ظل هذا الانهيار الامني، وعدم القدرة علي فتح المطارات، وتأمين الطرق ستصبح عملية اعادة اعمار العراق محفوفة بالمخاطر، ومحكومة بعدم النجاح. قرض الاموال لاعادة الاعمار من قبل الدول المانحة لا يعني ان البني التحتية العراقية ستعود الي صورتها الطبيعية، فالشركات العملاقة التي من المفترض ان تتولي عملية البناء والترميم واعادة الاعمار بحاجة الي ضمانات امنية، ولا نعتقد ان القوات الامريكية قادرة علي تقديم هذه الضمانات في الوقت الراهن.
فالهجوم علي مقرات الامم المتحدة والصليب الاحمر وبعض المنظمات الانسانية والسفارات الاجنبية لم يكن هجوما عشوائيا، وانما مخططا له بعناية لايصال رسالة الي الشركات والمنظمات الغربية بعدم القدوم الي بغداد لان حياة العاملين فيها ستكون مهددة.
والشيء نفسه يقال ايضا عن تصاعد عمليات الاغتيال التي استهدفت في الفترة الاخيرة قادة الشرطة وقضاة المحاكم، فالذين يقفون خلف هذه الهجمات لا يريدون وضعا طبيعيا هادئا في العراق، ويصرون علي تنغيص حياة قوات الاحتلال وجعل مهمتها صعبة بل مستحيلة.
الرئيس بوش ربما لن يتخذ قرار الانسحاب من العراق، لسبب بسيط، وهو ان فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية القادمة محدودة، تماما مثل الرئيس جونسون، ولكن استمرار المقاومة سيجبر الرئيس القادم علي اتخاذ هذا القرار، تماما مثلما فعل الرئيس نيكسون، وقرر تجرع كأس السم وسحب قوات بلاده من فيتنام معترفا بالهزيمة.
منقول من الساحات