بشكل إنساني فتتم معالجتها وتسويتها، وقديما قيل ( العدل أساس الملك) ، فالعدل مبدأ إنساني مهم في حفظ الأمن الاستقرار و السلم و ما يتحقق به من طمأنينة أكثر بكثير مما يمكن أن تقوم به جيوش من الشرطة والمباحث.
ثم أن القيمة الإنسانية في العمل الأمني مهمة للغاية وليس فيها ما قد يعني الضعف رغم أن كثيرين قد يرون ذلك ومهما يكن الأمر فإن الأدلة على عدم صحة ذلك كثيرة ، منها دليل أسوقه من الواقع.
وذلك من خلال المواجهة الأخيرة لرجال الأمن مع المطلوبين الأربعة ، والتي كان مسرحها حي الجامعيين في مدينة جدة ، وهو ذلك النوع من المواجهات الذي يتطلب بداهة الضرب بيد من حديد لأنه جزء من حالة أمنية عامة تتطلب التعامل معها بقوة ، وبالفعل ذلك ما حدث في بداية المواجهة وانطلق كثير من الرصاص من والى وقريب من مدنيين أبرياء .
ولم يتم حسم المواجهة بتبادل الرصاص وإن كان ذلك ممكنا في خاتمة المطاف، ولكن تم الحسم أخيرا بمكالمة هاتفية لأحد أرفع القيادات الأمنية في وزارة الداخلية وهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.. كيف حدث ذلك؟.
أثناء حمى وطيس المواجهة بين رجال الأمن و المطلوبين الأربعة طلب المطلوب تركي هلال المطيري- وهو أحد الفارين من سجن الملز - مهاتفة سمو الأمير الذي لبّى طلبه وتحدث اليه و أكد له أنه في حال تسليم نفسه هو ومن معه من المطلوبين الثلاثة فإنه الأسلم لهم والأحقن لدمائهم, وأكد سموه انه هو ورجال الأمن الذين حاصروهم حريصون على حياتهم وسلامتهم وأنهم لن يهانوا حال تسليمهم أنفسهم وأنهم سيمكنون من الاتصال بأهلهم, وكان نتيجة ذلك استجابتهم لصوت العقل من مساعد الوزير للشؤون الأمنية وإنهاء المواجهة وتسليم أنفسهم.
هذا الأسلوب الحكيم هو الذي حقن الدماء وأنهى المواجهة قبل أن يزيد ضررها الأمني, وبمقارنة بسيطة وسريعة مع مبدأ عدم التحدث إلى إرهابيين أو مفاوضتهم الذي تتبعه الإدارة الأمريكية نجد أنها تفوت فرصًا مهمة وثمينة لمنع تفاقم الأزمات وازدياد أعداد الإرهابيين وهي ولا شك تدفع الثمن مضاعفًا نتيجة هذه السياسة المتغطرسة, وبصرف النظر عن ذلك الإجراء وغيره من الإجراءات الأمنية ، فطالما أننا على حق وهم على باطل فليس صعبًا إقناعهم بباطل فعلهم وسوء عملهم.
محادثة سمو الأمير محمد للمطلوب المطيري فضلاً عن التواضع الذي فيها, أرست مبدأ أمنيًا مهمًا في علاج مثل هذه الأزمات في أكثر حالاتها حرجًا, وذلك بالتزامها البعد الإنساني ، وأثبتت أن الحوار ممكن مع هؤلاء .
ثم إن هؤلاء الشباب مهما ضلّوا وأساءوا لوطنهم ومجتمعهم ففيهم بذرة خيرة وثغرة مضيئة يمكن النفاذ منها إليهم وإعادتهم إلى جادة الصواب والحق.
ولعمري أن هذا السلوك القيادي غير كثيرًا من المفاهيم في وسائل التعامل مع المطلوبين فالقيادة حريصة على سلامة هؤلاء رغم كل ما قاموا به لإدراكها أن ذلك ليس أصيلا فيهم وأن الحالة التي هم فيها ظرفية ويمكن بقليل من الحوار المنطقي تخليصهم منها وإعادتهم إلى رشدهم واستتابتهم عما بدر منهم, أي أن هناك دائمًا عمقا إنسانيا عادلا ومسالما ولا أدل على ذلك من قرارات العفو التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله) بعد توليه الحكم وبعد ذلك.
وهو ما يؤكد أن القيادة تتعامل من منطلقات أبوية وإنسانية وقبل كل شيء في إرساء الأمن والاستقرار في بلادنا وهو منهج ونظام أمني أكثر صلابة وفعالية من الغلظة والعنف والشدة في أخذ الناس بجرائر أفعالهم.
هنا كانـــ مروريــــ
معــ كلــ الودــ
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |