أرسل العلامة عبد الله بن حميد رسالة إلى الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - حال كونه وليا للعهد, وكان مما قال فيها :
"بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله بن محمد بن حميد، إلى حضرة المكرم: صاحب السمو ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، فيصل بن عبد العزيز، أعزه الله بطاعته، وأمده بعنايته، آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعده: لا يخفى على سموكم الكريم، ما قد حصل في هذه الأوقات الأخيرة، من النقص الكبير في الدين، وعدم الاكتراث بأوامره ونواهيه، من كثير من المسؤولين في الدولة، على ما أعطاهم الله من النعم الوافرة في الأبدان، وفي الأموال والجاه. ومع ذلك لم يعطوا هذه النعم حقها من الشكر، ولم يحصل عندهم أي غيرة على الدين، ولم يتأثروا بما أصيب به الإسلام من النقص الكبير، ولم يظهر منها كراهية لذلك، بل الكثير منهم- عياذا بالله- أصبحوا ضدا للدين وأهله، وصمدوا صمودا منكرا أمام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
ولا يخفى: أن مثل أولئك، لا تبرأ الذمة بتوليتهم أعمال المسلمين، فإذا كان هذا بالنسبة للمسؤولين في الدولة، فكيف بمن سواهم، الذين هم من الرعاع، الذين يقول في وصفهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (وسائر الناس همج رعاع أتباع كل ناعق) ؟! الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فهم اتباع كل ناعق ضد الدين، أتباع كل ناعق ضد السياسة، أتباع كل ناعق ضد الأخلاق وحسن السيرة، أتباع كل ناعق ضد الأمن والطمأنينة.
أتباع كل ناعق ضد الملوكية والولايات الشرعية، أتباع كل ناعق بالفتن، أتباع كل ناعق بالحرية المزعومة الغربية، أتباع كل ناعق بسقوط المروءات، أتباع كل ناعق وإن جهلوا غاية الناعق، ومبدأه ومقاصده، كما يقول المفتون في قبره: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.
فإذا كانت هذه أحوال البعض من الناس، ثم صار كثير من المسؤولين في الدولة مثلهم، متى تستقيم الأحوال؟ متى تتم الأمور؟ متى تقوم دعائم الدين؟ متى تتمكن أسس الملك؟ إن الدين والملك أخوان، فمن كان ضد الدين فهو ضد ملوك الإسلام وأهله؛ ومن كان ضد ولاة الأمور فهو ضد الدين، وإن تظاهر بالنصرة للإسلام؛ لأن الإسلام ينهاه عن كل ما يمس السياسة الرشيدة؛ والإسلام يقول: (من فارق الجماعة قيد شبر فمات، فميتته ميتة جاهلية) والإسلام يقول: (من أهان إمام المسلمين أهانه الله) ، والإسلام يقول: (السلطان ظل الله في أرضه، فمن خرج على الإمام يريد نصرة الإسلام بزعمه فهو كاذب، ما لم يعين ما أخل به الإمام، ويناصحه سرا مرارا، ثم يعلن له ذلك عند العجز عنها في السر) . ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون عليكم ولاة تعرفون منهم وتنكرون، قال رجل: أفلا تنابذهم يا رسول الله؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة" 1 فهذه سياسة الإسلام للشعوب مع ولاة أمورها، لما يترتب- على منازعة الوالي من ذهاب الإسلام، وتسلط الأعداء، وإراقة الدماء، والفوضى، وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال، كما هو مشاهد الآن في كثير من البلاد العربية وغيرها. كل انقلاب يحدث، يذهب فيه عشرات الألوف من الناس، كما هو مشاهد الآن في مصر، والعراق، وسوريا، واليمن، والجزائر، وغيرها نسأل الله السلامة.
وبما أنه قد علم أن الدين والملك أخوان، يقوى هذا بقوة صاحبه، ويضعف بضعفه، كان من المتعين على ملوك الإسلام، التمسك بالدين وحمايته، وصيانته عن كل ما يناقضه أو ينقصه، لا سيما مثلكم.
فإنه لم يبق الآن من ملوك الإسلام، من يؤمل فيهم النصرة للدين سوى هذه الأسرة الميمونة؛ ولا تزال هي محط أنظار العالم الإسلامي، كيف لا وأنتم حماة الحرمين الشريفين، وحماة قبلة المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها؛ وأسلافكم الأفاضل، هم كانوا حماة الدين، ومنارا ساطعا لرفع راية التوحيد ..."
الدرر السنية في الأجوبة النجدية (15/27 وما بعدها).
رحم الله علماء الإسلام , ما أنصحهم لهذه الأمة!!.
التوقيع |
قال أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - ( الموت أهون مما بعده، و أشدّ مما قبله )
حسبي الله ونعم الوكيل
كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي .. بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
فإن كتبت خيراً ستجزى بمثله .. وإن كتبت شرا عليها حسابها |