سيكولوجية التعصب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يعرِّف علم النفس الحديث التعصب بأنه "اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك موضوعاً معيناً أو فرداً آخر غيره أو جماعة من الناس أو طائفة أو مذهباً (إدراكاً إيجابياَ محباً) أو (إدراكاً سلبياً كارهاً) دون أن يكون لطبيعة هذا الإدراك بجانبيه ما يبرره من المنطق أو الأحداث أو الخبرات الواقعية" ووفقاً لهذا التعريف، فإن المتعصب عندما يقوم بإدراك موضوع ما (رؤية عقدية مثلا) إدراكاً إيجابياً متعاطفاً معها فإنه لا يأخذها على أنها مجرد أحد المعطيات النسبية للحياة الإنسانية، أو أنها مجرد رأي ينضاف إلى آراء أخرى عديدة لكل منها الحق في خوض غمار تأويله الخاص لذلك الموضوع المثار، لا بل إنه حينما يدركها إدراكاً إيجابياً محباً فسينظر إليها باعتبارها حقيقة وحيدة كاملة ناصعة البيان دامغة الحجة لا تضاهيها حقيقة أخرى في تماهيها مع المطلق، أما عندما يدركها في جانبها السلبي (رؤى الآخرين المخالفة) فسيراها ثاويةً في أقصى يسار الحقيقة عارية من كل ما يمت إليها بصلة، متفاصلة مع كل ما يتصل بالخير أو الجمال أو الفاعلية أوالإبداع الإنساني مفاصلة نهائية لا رجعة فيها، ويترتب على تلك النظرة (اللاواعية) أنه سيعتبر كل من يشاركه الإدراك بجانبيه (الإيجابي تجاه رؤيته المذهبية والسلبي تجاه رؤى الآخرين) فهو السعيد سعادة لن يشقى بعدها أبدا، بنفس الوقت الذي يرى فيه كل من لا يشاركه إدراكه ذلك على أنه هالك لا محالة.
من هنا فالتعصب كما يرى عالم النفس العربي الدكتور مصطفى زيور "ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية" وبالتالي فيمكن أن تتعدد مظاهرها بدون أن يغير ذلك من ظاهريتها الاجتماعية البحتة، فالتعصب الديني مثلاً لا يختلف في شيء البتة عن أي تعصب آخر سواء أكان قومياً أو طائفياً أو قبلياً أو وطنياً أو مناطقياً أو عرقياَ، فكلها صور وتشكلات لظاهرة اجتماعية واحدة لكل صورة منها بواعثها النفسية الداخلية، ومن هذا المنطلق - أعني اجتماعية ظاهرة التعصب - فقد تناول علم النفس الحديث الاتجاهات التعصبية على أساس دراسة جذورها ومكوناتها البيئية والثقافية التي عملت على تعميقها وتضمينها (اللاشعور) الفردي، وهو ما يعني أنها ليست صفة بيولوجية تنتقل تأثيراتها عبر المورثات الجينية من جيل إلى جيل، إنها ببساطة شديدة ظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري يستطيع الناس اكتسابها وفق شروط ثقافية واجتماعية معينة.
بناءً على ما تقدم من تقرير (اجتماعية) الظاهرة التعصبية بكافة تحولاتها وتمظهراتها بما فيها التعصب الديني، فإنه يجب بالتالي إخضاعها كباقي الظواهر الاجتماعية الأخرى للدراسة العلمية المعمقة التي تعتمد على توصيف الظاهرة وتحليلها وصولاً إلى أسبابها الحقيقية ومن ثم اقتراح الحلول الناجعة لها اعتماداً على علاج السبب الدافع والموجه.
السبب الدافع والموجه
موفقين خير يالغالين