تكفون يابرقا وتكفون ياروق

[المجتهد العتيبي]

صدقوا ...لا تصدقوا !!

أ. د. سالم بن أحمد سحاب

الأربعاء الماضي نشرت هذه الصحيفة الغراء مقابلة مع صالح أبو نوير أحد الناجين من حادثة العبّارة المنكوبة (السلام 98). في المقابلة السريعة حكى صالح بكل صدق وبساطة قصته مع البحر ومع الأمواج ومع الحريق الذي بدأ المسلسل الطويل ومع ستر النجاة المحدودة عددًا ونوعية.

ولكن الذي ما زال (بالنسبة لي على الأقل) مذهلاً ومفزعًا وغير قابل للتصديق، ما رواه الأستاذ صالح من فصول القصة التي جرت له يوم الأحد (الذي أعقب نجاته) في القنصلية السعودية في مدينة الإسكندرية.

يقول السيد صالح أنه قابل الأستاذ سعد القثامي نائب القنصل السعودي هناك، وطلب منه ببساطة وعفوية استخراج وثيقة سفر ليتمكن بها من العودة إلى المملكة مسرورًا محبورًا شاكرًا لله حياته بعد موت مؤكد. لكن سعادة نائب القنصل لطشه بسؤال بوليسي جميل: (وأنا ايش يثبت لي أنك سعودي، وأنك صالح علي أبو نوير؟)! هداك الله يا سيد صالح: لماذا كل هذا التقصير؟ لماذا لم تحتفظ بالشنطة الخاصة مربوطة إلى عنقك، فهي أولى بالنجاة؟ المهم أن ينجو الجواز، لماذا؟ حتى لا يحتار السيد نائب القنصل ويواجه بمحتال يزعم أنه سعودي، وأنه أيضًا صالح أبو نوير وليس ديك شيني مثلاً!!

طبعًا السيد صالح أشار إلى حالته ومشكلته التي علم عنها العالم بأسره، فأجاب نائب القنصل: (اتصل بأهلك يرسلوا إثبات هوية). مرة أخرى على السيد صالح تدبر أمره حتى يجري مكالمة هاتفية إلى المملكة مع أنه لا يحمل شيئًا من المال. ليس مهمًا، يمكن له أن يستلف أو يشحذ أو حتى يسرق. أما أن يُسمح له باستخدام هاتف القنصلية مثلا، فذلك تفريط في الأمانة وهدر للمال العام. وما يدريك! لعل الأخ صالح محتال كبير!!

وأما الخطوة السنية لتنفيذ الأوامر والتعليمات الرسمية، فمطالبة الأخ صالح بدفع 100 جنيه مصري مقابل إصدار وثيقة سفر بعد التأكد مليون في المئة أنه سعودي، وأنه صالح أبو نوير. خوش معاملة، وخوش نظام، وخوش اهتمام بالمواطن في أرض الغربة، وبعد هكذا نكبة.

وأما خاتمة المطاف، فكانت اهتمام سعادة نائب القنصل بكيفية عودة المواطن صالح إلى أرض الوطن: بالسيارة برًا أم بعبّارة أخرى بحرًا! أما ركوب الطائرة الذي توقعه المواطن صالح، فكان جواب نائب القنصل عليه: (اجعل أهلك يرسلون لك قيمة التذكرة). وفعلاً عاد المواطن صالح على حسابه الخاص حتى لا تُصاب ميزانية القنصلية بفقر شديد وأنيميا حادة!!

هذه كما يقول باحثو الطب: (حالة للدراسة)، أرفعها لسمو وزير الخارجية في الرياض ولمعالي السفير في القاهرة، ولا أحسب أن أيًا منهما يرضيه ما حدث، وأنا شخصيًا لا أتوقع حدوثه حتى في بلاد الواق الواق، فكيف بالدولة الأولى على قائمة السياحة السعودية.

وعشت يا صالح مواطنًا صالحًا صابرًا محتسبًا.