حديث الأعرابي، ويسمى حديث المسيء، الأعرابي مسيء، وهو حديث رواه الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما، وذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، تحية المسجد، ثم جاء وسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، فرجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: وعليك السلام، ارجع فصل، فإنك لم تصل، ثم رجع الرجل، فصلى مثل صلاته الأولى نقرها نقر الغراب، ما يتم الركوع، ولا السجود، ينقرها نقر الغراب حتى فعل هذا ثلاث مرات، في كل مرة، يقول النبي وعليك السلام: ارجع فصل، فإنك لم تصل، فقال الرجل في المرة الثالثة: والذي بعثك بالحق نبيا، لا أحسن غير هذا، فعلمني فعلمه، قال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تعتدل جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تنزل جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها أرشده إلى الطمأنينة، والشاهد من الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه من الفوائد: أن الإنسان إذا صلى يسلم، صلى وسلم مرة ثانية، فالصلاة فاصلة، رجع فصلى فسلم، ورد عليه السلام، ولم ينكر عليه.
الشاهد من الحديث، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ارجع فصل فإنك لم تصل وجه الدلالة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنك لم تصل، نفى عنه الصلاة، ولكنه مصل هو صلى، هو صلى، ولا لا، قال: في الحديث جاء رجل الأعرابي، فصلى فقال له النبي: ارجع فصل، فإنك لم تصل كيف يقول: فصلى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنك لم تصل، أثبت الصلاة، ونفاها عنه، هل هذا تناقض؟ لا؛ لأن الجهة منفكة.
قلت فيما سبق: إن شرط التناقض، أن يكون على شيء واحد، قال: فرجع فصلى يعني صلاة صورية بالاسم، وقال النبي: لم تصلي يعني صلاة حقيقية؛ لأن ما فيها طمأنينة، فهذا الرجل ثبت له اسم الصلاة، ونفي عنه الصلاة، ما هو الذي أثبت له، وما هو الشيء الذي نفي عنه؟
الشيء الذي أثبت له، الصلاة الصورية، الصورة، أنه صلى أربع ركعات، أو ركعتين، يركع ويسجد، هذه صلاة صورية، والذي نفي الصلاة، الحقيقة الشرعية؛ لأنها ما فيها طمأنينة، باطلة، فهذا الرجل بقي له الاسم، ونفي عنه الحقيقة، فهو مثل المؤمن العاصي، له الاسم والأصل، وينفى عنه الحقيقة والكمال واضح هذا؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "وأما السنة، فحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي يحدث به رفاعة في الأعرابي الذي صلى صلاة فخففها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ارجع فصل، فإنك لم تصل حتى فعلها مرارا، كل ذلك يقول: فصلي وهو قد رآه يصليها، أفلست ترى أنه مصل بالاسم؟ يعني صلاة صورية، وغير مصل بالحقيقة؛ لأنها ليست فيها طمأنينة،