قراءة في شعر عبدالمعين بن ثعلي
للشاعر / داهم العصيمي
ابن ثعلي شاعر عرف في أوساط شعراء النخبة وشهرته إعلامياً لم تكن بمستوى حذقه الشعري وتفوقه. عاش ابن ثعلي جزءاً كبيراً من حياته بادياً بعيداً عن المدن فجاءت أشعاره تصدح بما حوله من عنفوان البادية وصفاء أجوائها وتكرس الاعتداد بالنفس والمجموع بين ثناياها و ليس أدل على شخصية ابن ثعلي من قوله:
|
خل القراش وما قفٍ عنـد راعيـهفي ما قفٍ يرخص طوال السبالي |
ما نيب راعي ما قفٍ فيه مـا فيـهيرخص به الرجّـال لـو كـان غالـي |
أبــوي وصّـانـي وجــدّي موصّـيـهعلى الشـرف وأنـا بوصّـي عيالـي |
|
هذه الجوانب الشخصية عند ابن ثعلي اعتمرتها الموهبة الشعرية لتبرز بشكل جلي في فلسفة معينة أخذت مكانها في أبياته.. يقول عن محرضه الشعري:
|
أنـا مغيـر مولّـع القلـب يــا بـديـراشـري وأبيـع بمشتـرايـه وبـاعـي |
والله ما أغير أصخّر القاف تصخيرتصخير ما دوب العصا لين أطاعي |
من دق به مثلي هجوس وحواشيرتضيـق بـه لـو الطريـق اتسـاعـى |
|
ابن ثعلي أبدع في شعر النظم وله فيه صولات وجولات. طغى على شعره الاعتداد بالنفس والقبيلة وانفرد بجميل شعر الغزل و أجاد في الحكمة والنصح وسبر جوانب الحياة. عبد المعين ابن ثعلي شاعر لا تنقصه الأصالة ولا العنفوان. أما العنفوان فهو مرتكز رئيسي لموهبته الشعرية يدور حوله محاور الاعتداد بالنفس والقبيلة ثم المدح وكثير من الغزل. الغزل غرض رئيسي في شعر ابن ثعلي وإبداعه فيه ناتج عن غنى موهبته الشعرية الصاخبة والمتفردة.
مما أثر عن الأمير الشاعر محمد السديري أنه لقب ابن ثعلي بشاعر عتيبة. ونحن وإن كنا نؤيد الأمير السديري تمام التأييد على تقدم شاعرية ابن ثعلي إلا أننا نعده من ضمن الطبقة الأولى من شعراء عتيبة سواء بسواء من دون أن يتقدم المبدعين منهم أو يتأخر عنهم. لنتفق أن الدلالة واضحة لشهادة من هو بحجم الأمير محمد السديري من ناحية علو كعب ابن ثعلي شعريا.
إبداعاته
يسرنا الإبحار مع رائع شعر ابن ثعلي من خلال قراءة سريعة لمقتطفات من أشعاره مرفقة باستدراكات فيها سبر لاتجاهات ابن ثعلي. ربما استعراض هذه الأمثلة تغني عن الكثير من الشرح والتعليق ويمكن للقارئ أن يستشف منها منهج هذا الشاعر وتقدم إنتاجه الشعري ونباهة معانيه وجزالتها.
المدح
مما أثر عن ابن ثعلي في المدح ما قاله من قصيدة رائعة طويلة سارية منوهاً بأهل العوجا ومنهم آل سعود حفظهم الله بطريقة مختلفة ومقارنة نابهة:
|
ألا هــل العـوجـا تكـلـمـت فـيـهـمالـلـي لـهـم روس الـعــلا مـــرام |
لو كان يكفيهم من المدح ما مضىأبـطــال وكـــرام عـيــال كـــرام |
هل الراية الخضـرا ليـا رزوا العلـملا رزت الأعـــــــلام لــــلأعــــلام |
عــلــى عـلـمـهـم لا الــــه إلا اللههـو اسمـه الغالـب عـلـى الآســام |
هل الدين والتوحيد والعز والشرفأقـامـوا عـمـود النـصـر لـلإســلام |
|
ثم يعرج على مدح الملك فيصل بن عبد العزيز بعاطفة جياشة بين ثنايا الصدق والمحبة فيقول:
|
ما هرولت بنـت الحصـان بمثلـهفالشرق والغرب وجنوب وشام |
أنشهـد انـه كـل عـذرا تلحلحـتعـن مثـل فيصـل جـايـةٍ بـغـلام |
يشهد له الله ثم تشهد له العربوالسـيـف والـتـاريـخ والأقـــلام |
|
كذلك فله أبيات توضح الالتصاق بالمكان الذي نشأ فيه والذي يسكنه ويرمز للوطن بشكل عام وغيرته الشديدة على ترابه، يقول:
|
يـا دار لـو ذقنـا لنـا فـيـك لــذاتيا ما شربنا فيك من سـم ساعـه |
تبقيـن للحييـن منـا ومــن مــاتوالإنقلاعـة مـا ش عنـك إنقلاعـه |
نرسي كما ترس الحيود المنيفاتمن دون حد الدار حمضه وقاعـه |
|
هناك نوع مختلف من المدح لدى ابن ثعلي وهو ما كان مشوبا ببعض الطلبات الموجزة . وأوضح مثال لهذا المذهب قصيدة يقول منها:
|
يا راكب من عندنا فوق عيـراتحـرايــرٍ بـوروكـهـنّ انـهـزاعــه |
فـج الزغـون وكلهـن صيعريـاتومرملات اعءن الحوار ورضاعه |
يلفـن منصـا ضـمّـر العيدهـيـاتراع القديمة والشرف والرفاعه |
|
ويقول:
|
ملفاك مسلط منوة الهاشلينـاعيد النظر مغلي بنات الحصانا |
قـلــه تـرانــا يـمّـهـا مقبلـيـنـاشدوا عن العد الذي صار مانـا |
|
وكما كان لابن ثعلي مع المدح صولات كان له مع الهجاء وقفات لكنها قليلة جداً ولم يكن فاحشا ولا متعدياً لأنه لم يكن يجنح للهجاء إلا في أضيق المجالات يقول مخاطبا احد الشعراء:
|
انت لك عامين تلعب بالربابـهكيف تلعب بالربابة والقصيدة |
تحسب إنا ما عليك النا انقلابهلو صبرنا عنك تحتـرّ الحديـدة |
|
الوعظ
المتتبع لقصائد ابن ثعلي يجد الأثر الجلي لنبرة التدين وحب الدين بين ثنايا أبياته وربما كان جوا تربويا عاما عاش عليه وتربى في عصر ولد فيه وعاش واشرب باتجاهاته النقية.. يقول :
|
يالله يـا مـن كـل حـيٍ يسيـلـهانته رجاهم يا رجـا كـل طـلاب |
فضلك ولا فضل اليدين البخيلـهإليا التجابك واحدٍ منك ما خـاب |
اللي شمل عفوه لمن يلتجي لهويا من ثنا عفوه لعبده ليا تـاب |
|
كما يقول:
|
يقـول ابــن ثعـلـي وهــذي هديـتـهعـلـى جمـيـع المسلمـيـن ســـلام |
قلـتـه وأنــا والله مــا ذم وامــدحمـنــيــب مــــــدّاحٍ ولا ذمّــــــام |
ولا أقول فـالمقفي ولا آكل عرضهعـلــي مـــن رب الـعـبـاد آثــــام |
|
الوصف والحكم
أبدع ابن ثعلي في الوصف حيث انتشر في ثنايا مدائحه وغزلياته.. يقول في إحدى وصفياته الجميلة :
|
لـديــت يـمــه قـلــت لا والله الـجـبــارلو أدّيت لي هرجتءك كلمه على السنه |
ولقـا وراه ليـا دمـوعـه عـلـى الأحـجـاروصدّيـت عــنءه ولا دمـوعـي كماهـنـه |
|
أما الحكم والتجارب فله منهما نصيب وافر وربما كان لعمره المديد وتجربته الزاخرة المتغيرة في الحياة وحياته بين البادية الحاضرة بعد ذلك وتقلبه في الدنيا أثر في ذلك يقول في التحذير من النميمة والغيبة:
|
احذر هروج اللي يسحّب شليلهوظيفته نقل الحكا بين الأقراب |
عندك حكا فيهم يبيك تحَكي لهحرصٍ على غرة رفيقه ليا غاب |
|
ويقول محذراً من اتباع طريق الشر والفتن بما يشابه أبيات زهير بن أبي سلمى في الجاهلية في التحذير من الحرب وعظم خسائرها..يقول ابن ثعلي:
|
الـشـر وأسـبـابـه حـبـالـه طـويـلـهتشمـل لهـا نــاسٍ مـدلّـي وجــذاب |
أول مـنـاشـه بـالـعـلـوم القـلـيـلـهوأتـلاه يـومٍ تلتـحـق فـيـه الأرقــاب |
ولـيـا تـنـاهـت بالـحـمـول الثقـيـلـهكل ٍ شمت حظه بمخطي وما صاب |
|
ويقول من باب تعرية جوانب واقعية معاشة:
|
الحُـر حُـر وماكـره مــن مجانـيـهيرجـع لمجنـى مـاكـره وانتسـابـه |
والبـوم لــو انــك تـهـدّه وتدعـيـهمدعى الصقور أقصاه لا بك ولا به |
والقصر لو زخرفت عالـي مبانيـهما يكتمل بنءيـه وساسـة خرابـه |
|
وفي حكمة بالغة وسبر لأمور الدنيا وان كلا مقدر لما خلق له بعلم الله يقول عبد المعين ابن ثعلي:
|
أبيـع واشـري فـي ليـال ٍ مضـنـيليت الزمان اللي بقى مثل ماضيه |
ولـــو الـلـيـال بغيـبـهـن علـمـنّـيتركت بعـض الشـي مـره وحاليـه |
|
كذلك ابن ثعلي على موعد مع هذه الأبيات الخالدة الموضحة لحقيقة يتم تناسيها كثيرا حيث يقول:
|
والله اللـي يقتضـي ممـن يـريـديلا تظنـه والـقـدر مــا فـيـه ظـنـه |
ويش بُعد الموت من حبل الوريديلا دنـــت تـلـقـا المـنـايـا يجـذبـنـه |
مـا خلقـت إلا شقـي ولا سعـيـديحطـك الله بيـن نــار وبـيـن جـنـه |
|
يتبع ،،،