الغزل والوجد
أما الغزل فقد كتب ابن ثعلي فيه بشكل متميز وأكثر منه وأجاد حيث يعتبر من أوضح أغراض الشعر لديه. نحن لا ندري ان كان طرق ابن ثعلي لباب الغزل بكثرة ناتجا عن معاناة معينة ولكن من المؤكد أن قوة موهبته الشعرية دعته لطرق الغزل بكثرة لأنه مجال فسيح لإثبات الشاعرية وفيه يتسابق الشعراء. لذلك فان فوران الموهبة لديه في نظرنا هو المبرر لهذا... لنقرأ له وهو يقول متحدثا عن تغلغل الهوى بين الجوانح:
ناسٍ يعَرفون الهوى بالتمني = ما يعرفون الحب ألا بطاريه
أول عراقيل الهوى ضحك سني = وبين القلوب مناقش الهرج يوشيه
ويقول طرّاد الهوى يرجهني = حلو القدوم وسم ساعة بتاليه
ويقول في أبيات أخرى لا تقل روعة:
إليا تبسم في ثمانٍ كما اللول = يُودع صناديق الضماير حطيبه
وعنقٍ طويل وأشقر جزل مجدول = امجدّل ٍ كفّ الحواقن سبيبه
وصدرٍ وقدٍّ... مبيـّن الفصل مفصول = لا هب ذعذاع النسيم يغَدي به
والعين عينٍ لأشقر الريش ناجول = حر ٍ على بُرق الحباري مصيبه
أما هذه الأبيات فتمثل قمة الشعر الغزلي العذري حيث التجاوز عن زلات من أحب ، يقول:
قالوا لي انسى قلت ماهوب معقول = قالوا نسِيك وقلت ماهي معيبه
الحب ما بين المحبين بوصول = ما أرضى ولا يرضى عليَ المعيبه
إن عالج الدا بالدوا منه مكفول = وليا تحمّل ذنبي الله حسيبه
وخاتمة اختياراتنا الغزلية لابن ثعلي قوله يصف من يحب:
عليه من هو جامعٍ داي ودواي = ما غير ياخذني على ما يريدي
لا مقفيٍ عني ولا مقبلٍ جاي = اقريّب مني عليـّه بعيدي
جاني يجر اخطاه مشيه تهدّاي = تهدِّي الذرب الفريد الوحيدي
يكسر بعينه في نظره التخزراي = رسا ليا شبّت نظرها حديدي
وحار القدم يمه وهوجلت ممشاي = مشي القضيب اللي برجليه قيدي
من المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر التوجّد على حياة البادية بجمالها ورونقها الذي افتتن به. ابن ثعلي بدوي صريح أحب البادية ووصفها بما هي أهل له. هو لم يكن بعيدا عن المنازل والقفار والشديد والإبل وتتبع الأمطار فهاهو يقول:
اشد وانزل في مربّ الخواوير = وامشي مع الحزم السماح الوساعي
اليا اختلط نبت الزهر والنواوير = ركزت بالعبله عمود الشراعي
غربٍ من النفره جنوب المخاضير = شرقٍ من الفيضة شمال الكراعي
ياوي.. مرباع ٍ بهاك المزابير = وياوي.. سلفان بها القلب ياعي
يقول أيضا في شديد البدو:
شافوا لهم برقٍ على نجد سمّار = تحت مطاليع النجوم وقمرها
يبون مرباع ٍ من الوسم ويسار = اقفوا على درب البروق ومطرها
ذعذع هوى الغربي وساقوا بمحدار = وروّح ربيع العين واقبل دهرها
آخر المناحي المميزة التي نحاها ابن ثعلي في شعره هو ما يمكن أن يطلق عليه شعر الاعتداد بالنفس والمجموع والقبيلة. ابن ثعلي يصهر كل ذلك في فلسفة فطرية ترتكز على التميز وان كان يشوبها بعض القلق ومقارفة السكون لأنه مصدر الدعة والراحة وهو لا يريد ذلك. يقول مخاطبا من يحدث نفسه لاعتلاء المراقيب:
يابادي المرقاب لا تعتلي فيه = ما دام قلبك دالهٍ عن عذابه
حوّل وخله للشقاوي يعدّيه = على نحا قلبه يكسّر حسابه
ويتحدث ابن ثعلي بشيء من القلق عن فلسفة خاصة به هنا:
النوم ثلث من اول الليل يكفيه = يكفيه ثلثٍ بأوله عن عقابه
وثلثين منها الثلث الأوسط وتاليه = يأخذ على الجنبين كل انقلابه
كم هي جميلة هذه الاشراقة الشعرية التي أهدتها موهبة عبد المعين ابن ثعلي الشعرية لمحبي الشعر ومتذوقيه. انه شاعر مجيد رائع له العديد من القصائد الفائقة الجودة و من المؤكد أن يسعد بها من يبحر عبر لججها الزاخرة بالجزالة والأصالة. من الجدير بالذكر أننا لم نر له ديوان مطبوع وهذا ما يدعونا للتساؤل عن أسباب التقصير في هذا الجانب وربما كان هناك من يأخذ زمام المبادرة في هذا الجانب فأشعار ابن ثعلي شاهدة على عصر نعيش طرفاً منه شهادة تاريخية وأدبية.
سيرته الذاتية
الحديث عن شاعر بارع بهذه الصفة حديث رائع وابن ثعلي شاعر أصيل غير مطبوع. وفي نبذة وجدتها مخطوطة بخط الشاعر تركي الغنامي "ابن ثعلي هو عبد المعين بن عقل بن هذال بن ثعلي العتيبي ولد في المحاني عام 1331 هـ. عاش ابن ثعلي بادياً يتنقل في طلب المرعى بإبله وذلك بين أطراف الحجاز نزولا إلى عالية نجد مرورا بمنطقة ركبه واستمر على هذا الحال إلى وقت ليس ببعيد عندما استقر في المحاني وامتلك مزرعة فيها قبل أن يتقدم به السن ليستقر أخيرا بالطائف" انتهى ماخطه الغنامي. بالطبع ليس أكثر من تعريف للشاعر ابن ثعلي من تعريفه هو لنفسه، ومن هذا المنطلق يقول عبد المعين ابن ثعلي عن نفسه:
يا ناشد عني ولا تعرفني = يكفيك ما تسمع من العنواني
اصلي عتيبي ٍ عريبٍ ساسه = على ما قال بديوي الو قداني
يقولها راع الدلايل قبلي = خير الدلايل جُرّة الفرساني
http://www.alyaum.com/issue/article....9&I=206132&G=1