07-Apr-2006, 07:38 AM
|
رقم المشاركة : 4
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
 |
|
 |
|
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ القدير ابو ضيف الله
بعد أن انتهت الانتخابات البرلمانية الأخيرة, يطرح السؤال نفسه, وماذا بعد؟ وفي كثير من الاجابات المتداولة هناك تأكيد أن الحياة الحزبية بحاجة الي تطوير جذري, وأن نقطة البداية التي لاغني عنها تكمن في اصدار تشريع متكامل ينفي القيود عن انشاء أحزاب جديدة ويبيح لها حرية الحركة والتواصل مع المواطنين, ويوفر آليات للمشاركة بدون اللجوء الي البلطجة والعنف والاستخدام المفرط وغير القانوني للأموال بغية شراء أصوات المواطنين للحصول علي عضوية البرلمان, فإصدار مثل هذا القانون كفيل بأن يضع الأحزاب القديمة أمام مسئوليات تطوير واصلاح أوضاعها الداخلية جنبا الي جنب افساح مجال أرحب للمنافسة مع أحزاب جديدة قد تنشأ لغرض الدفاع عن مصالح فئات اجتماعية ورؤي فكرية وسياسية مشروعة في المجتمع, ولكنها لاتجد في أي من الأحزاب الموجودة مايصلح للتعبير عن هذه المصالح.
والنقطة الأخيرة بالذات أي الرغبة والدعوة الي تشكيل حزب جديد يمثل الفئات الغائبة عن الساحة السياسية الراهنة, هي نقطة وجيهة ويدافع عنها كثير من المفكرين ورموز وطنية من المسلمين والمسيحيين معا ورجال أعمال بارزون, بل ويقدمون التعهدات بتوفير كل الدعم الممكن لانشاء هذا الحزب الجديد ومساندته بكل السبل حتي يمثل الطرف الثالث الذي يسهم في اعادة التوازن بين الفريقين الكبيرين الممثلين في مجلس الشعب, وهما الحزب الوطني ذو الأغلبية والمنتمون الي جماعة الاخوان المحظورة قانونا, وهنا يلحظ المرء افتراضا مهما يتمثل في أن نتائج الانتخابات قد أوضحت غياب التيار الليبرالي بمعناه العام, والذي يستند الي رؤي غير دينية للسياسة ويرفض تحويل المجتمع الي ساحة صراع ديني, وينادي بالاندماج في النظام الاقتصادي العالمي, ويدافع عن الحريات واصلاح الحياة السياسية وفق أولويات مصرية وليست خارجية, والتساؤل الذي يطرح نفسه من المسئول عن محدودية تأثير الفكر الليبرالي في مصر؟ وهل هناك ليبراليون حقيقيون أم أنهم مدعون؟
وليس بخاف علي أحد أن نتائج الانتخابات في مرحلتها الثانية تحديدا قد ولدت كثيرا من القلق لدي قطاعات كبيرة في المجتمع, لاسيما كبار رجال الأعمال وعناصر الطبقة الوسطي الذين يعتقدون أنهم حريصون علي دينهم وليسوا بحاجة لمن ينكر عليهم تدينهم أو يعتبر أنهم خارجون علي روح الدين لمجرد كونهم غير أعضاء في جماعة بعينها, وبعض الحوارات معلنة وغير معلنة قد دارت حول مدي قابلية البقاء في البلاد اذا هيمن التوجه الديني علي الحياة السياسية وقلب التوازنات بين عنصري الأمة, وصحيح أن بعض الاستجابات المحدودة فضلت فكرة الخروج من الوطن, لكن الغالبية العظمي كانت مع البقاء والكفاح في داخله مهما تكن الصعاب, وهو مؤشر ايجابي علي كل حال فهؤلاء الذين يفضلون الهروب يعبرون عن توجه الخلاص الفردي وقدر من الأنانية الذاتية المفرطة وذلك علي عكس الذين يؤمنون بأن الوطن يستحق كل تضحية ولايرون بديلا غيره أيا كانت المغريات الخارجية التي سوف تتحول لاحقا الي عبء كبير لن يتحمله أحد.
وبالرغم من أن بعض المبادئ المشار اليها في صورتها الكلية محل توافق مع أحزاب موجودة بالفعل, إلا أنه علينا الاعتراف بأن طبيعة تشكيل هذه الأحزاب وعدم قدرتها علي الدفاع عن هذه المبادئ بصورة حقيقية تجعل من دعوة انشاء حزب ليبرالي حقيقي محل تقدير وأمرا يجب الدفاع عنه وتيسير نشأته, بيد أن هذا الموقف المبدئي يجب ألا يخفي الصعوبات الحقيقية التي تواجه مثل هذا الحزب الليبرالي الجديد, فمن بديهيات الحياة الحزبية أن تكون الأحزاب تعبيرا عن حركة تطور فعلي من حيث المصالح والأفكار في المجتمع نفسه, وليست مجرد برنامج مملوء بالتحليلات النظرية والروئ الافتراضية عن الحاضر والمستقبل, أيا كانت اللغة الجميلة التي كتبت بها.
ومن البديهات أيضا ان يكون الحزب تعبيرا عن الانتشار والامتداد في أكثر من اتجاه طبقيا واجتماعيا وجغرافيا, وإلا تحول الي مجرد يافطة وعدد محدود من الأعضاء كما هو حال العديد من الأحزاب الموجودة بالفعل, والأهم أن يؤمن أعضاؤه بالتوجه الفكري والسياسي الذي يعبر عنه هذا الحزب, ولا يكفي هنا أن يكون هناك نجوم سياسية وفكرية واقتصادية في الحزب, فالرموز وحدها تعني غياب القاعدة الشعبية وتعني أيضا فشلا في التواصل مع المواطنين واستقطابهم في وعاء واحد ليحمي مصالحهم ويعبر عن طموحاتهم وفق القانون والدستور.
إذا وضعنا في الاعتبار مثل هذه الأسس, يمكن القول ان انشاء حزب ليبرالي حقيقي في مثل الظروف التي تمر بها البلاد الآن, وبالرغم من ضرورته الملحة, فانه بحاجة الي قدر كبير من التريث والاعداد العلمي, فمجرد وجود عدد من المفكرين والسياسيين الاصلاحيين يؤمنون بالفكر الليبرالي وضرورات الإصلاح الشامل لايكفي في حد ذاته ولايشكل محفزا لتشكيل حركة اجتماعية حقيقية وقاعدة جماهيرية عريضة, خاصة اذا كان هؤلاء قد تربوا في معظم حياتهم المهنية علي كونهم نخبة عليا البعض منها يتوق الي المناصب والبعض الآخر يقوم بالتنظير السياسي وحسب, وكل اتصال لها بالقاعدة الجماهيرية هو عن طريق الصحف والقنوات الفضائية وبعض المجلات المتخصصة.
وعلينا هنا أن نشير الي ان تجارب سابقة في انشاء بؤر لنشر الوعي بالفكر الليبرالي ممثلة في بعض جمعيات أهلية لم تكن لها حصيلة تذكر, لأنها في الأول والأخير حصرت نفسها في نطاق نخبة فكرية محدودة ولم تنزل الي الفئات الاجتماعية المختلفة, ولم تتعامل مع احتياجات المواطنين العاديين إلا بقدر من الاستعلاء أو التغافل أو التصور أن مايقدمونه من أنشطة فكرية وثقافية كاف في حد ذاته وأتصور ان هناك ضرورة لأن يراجع الليبراليون الذين يدركون محدودية انتشارهم في المجتمع المصري أنفسهم ويقبلوا علي نوع من النقد الذاتي الذي يصل بأصحابه الي تصحيح المفاهيم واعادة بناء حركة فكرية ترتبط بالواقع المصري أولا وأخيرا, وألا يقدموا علي بناء أي حزب جديد دون الاستعداد لتقديم الكثير من التضحيات وكثير من الالتحام بمن هم في الشارع, الذي سيكون عليه إما احتضانهم بكل قوة أو أن يلفظهم مرة أخري. |
|
 |
|
 |
|
|
|