جميع النظريات الأمنية في جوهرها في غاية البساطة، ولكن يبدو أن الأفراد في تفكيرهم الأمني يتعاملون بإفراط في البساطة ، فإذا نسيت ربة المنزل أنبوبة الغاز مفتوحة فهذا فعل بسيط ولكنه سيكلف غاليا فيما بعد، أو إهمال إغلاق أبواب المنزل أيضا فعل بسيط ، ولكن له نتائج وخيمة ومكلفة على الممتلكات ، وبما أننا نبحث عن خيط البداية في الوقاية من الجريمة ، لذا سنتناول نظرية مهمة من النظريات الحديثة وهي نظرية النشاط الاعتيادي المألوف.
وهذه النظرية أول ما بدأت في تفسير جرائم السلب والنهب، ولكنها تطورت لتشمل كل أنواع الجرائم، وأساس هذه النظرية يرتكز على ثلاثة عناصر من الضروري أن تتواجد في نفس وقت ومكان ارتكاب الفعل الإجرامي، وهذه العناصر هي:
- إنسان منحرف أو مجرم لديه استعداد لارتكاب أو فعل الجريمة.
- وجود ضحية مناسبة أو هدف سهل يدفع المجرم لارتكاب جريمته.
- غياب السلطة أو الرقابة.
والنظرية من خلال هذه العناصر أكثر قدرة في تأكيد الاتجاهات الجنائية للمجرم وتخطيطه لاستهداف ضحاياه، وذلك بتركيزها على وجود مجرم لديه نية وترصد وإصرار على ارتكاب الجريمة وإفلاته منها إن خدمته الظروف، وتشير النظرية إلى أن نمط (النشاط المعتاد أو المألوف) الذي يمارسه الأفراد يقوم بإبعادهم عن منازلهم وأحيائهم في أغلب الأوقات، سواء بالسفر أو العمل أو التسوق وخلافه، وذلك يوفر للمجرمين أهدافا سهلة تفتقد الرقابة القادرة على حمايتها.
ولعل التباين الاقتصادي بين الأفراد واختلاف أوضاعهم المادية يزيد من كثرة الأهداف المناسبة بالنسبة للمجرمين، فهناك من المجرمين من يسرق ما خفّ حمله وغلا ثمنه، لذا يستهدف الشقق الفاخرة التي تقف أمامها السيارات الفارهة، وآخرون من اللصوص يستهدفون كل غال أو ثمين بصرف النظر عن وزنه.
وهذه النظرية تهتم بالنشاطات المألوفة، كما أنها لم تلغ الدوافع والعوامل البيولوجية النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل المجرمين يرتكبون الجريمة.
وبالنسبة للعامل البيئي في النظرية فإنه يكمن في الأنشطة المعتادة للناس كخروج المرأة أو عمل الزوج والسفر، ولذلك تقول هذه النظرية: إن نمط الحياة يؤثر في أن يكون الأفراد ضحايا وأهدافا سهلة للمجرمين، ولا تنفصم جميع النظريات الخاصة بالوقاية من الجريمة عن اتخاذ سهولة الأهداف كمعطى أو محور لفرضياتها بحيث تبحث في العوامل التي تقود لاختراق الأمن الشخصي أو الجمعي، وهذا ما يدعو إلى حث الأفراد على الاهتمام بثقافتهم الأمنية وتطوير قدراتهم الذاتية في حماية أنفسهم أو ممتلكاتهم، فشراء سيارة مزودة بجهاز إنذار يمثل حدا أدنى للوعي الأمني، وبناء جراج لها مرحلة متقدمة من تأمينه، وذلك بالطبع إضافة إلى إحكام إغلاقها والتأكد من ذلك، حتى أن ذلك يصبح نشاطا أوتوماتيكيا مألوفا يحمي هذه الملكية، وكذا الحال بالنسبة للممتلكات بما فيها محفظة النقود التي تعتبر هدفًا سهلاً للنشال الذي يترصدها وهي منتفخة بشكل بارز في جيب صاحبها.
وبقليل من التركيز والاهتمام يمكن أن تكون البرامج والأنشطة اليومية للأمن الشخصي أنشطة مألوفة ومعتادة توفر قدرًا كبيرًا من الحماية لصاحبها، وتجعل هذه الممتلكات أهدافًا صعبة بالنسبة للمجرم، لأن أيِ فرد صاحب ملكية يظل هدفًا وضحية محتملة لمجرم يتربص به، ويمكن الوقاية من ذلك بالتزام نشاط أمني بسيط وشخصي في المنزل أو الشارع، وذلك بالحرص واليقظة واتباع إجراءات سلامة بسيطة تسد الثغرات وتقف حاجزًا بين المجرم المتربص وهدفه أو ضحيته، ولذلك فإن الوقاية من الجريمة تبدأ بالفرد وتنتهي بالأجهزة الأمنية وليس العكس.
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |