الرئيسية التسجيل التحكم


اختيار تصميم الجوال

العودة   الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة > المنتدى الإسلامي > شريعة الإسلام

« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: البيت لاعجبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: كل عضو او شاعر يسجل بيتين غزل الفهاا من قصائده .. بشرط ان تكون غزليه فقط .. (آخر رد :الريشاوي)       :: ودي ولا ودي وابيهم ولا ابيه (آخر رد :الريشاوي)       :: واكتبي هذا أنا أنا ليلى العامرية (آخر رد :الريشاوي)       :: البيت لاعْجَبني اجاريه باحساس (آخر رد :الريشاوي)       :: أنـا لا تلوموني ولو ملـت كل الميل (آخر رد :الريشاوي)       :: اوافق .. واقول النفس صعبه مطالبها (آخر رد :الريشاوي)       :: الحب اقفى في ديانا ودودي (آخر رد :الريشاوي)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)       :: امير قبيلة المحاقنة قبل الدولة السعودية (آخر رد :متعب الوحيدب)      

إضافة رد
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
غير مقروء 29-Jul-2005, 10:33 PM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
النافذ
عضو مهم

الصورة الرمزية النافذ

إحصائية العضو





التوقيت


النافذ غير متواجد حالياً

افتراضي عقيدة السلف وأصحاب الحديث

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإننا -إن شاء الله- بحول الله وقوته في هذا الكتاب سوف نشرح عقيدة السلف هذه الرسالة المسماة عقيدة السلف وأصحاب الحديث للإمام المحدث المفسر شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وهو من علماء القرن الرابع والخامس الهجري؛ فإن ولادته عام ثلاث وسبعين وثلاثمائة، ووفاته عام تسع وأربعين وأربعمائة.

وهذه العقيدة عاملة شاملة بيَّن فيها المؤلف -رحمه الله- عقيدة السلف وأصحاب الحديث في ألوهية الرب وربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، وأفاض وتوسع في الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع كصفة الكلام، وبيان أن القرآن كلام الله، وأطال في هذا، وناقش أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق، وإن القرآن مخلوق، وبيَّن أن هذا كفر وضلال، وكذلك في صفة النزول بيَّن النصوص في هذا، وأنها متواترة في الصحاح والسنن، والمسانيد، وأنه يجب إثبات النزول لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، وكذلك صفة الاستواء وصفة الرؤية، هذه الصفات الثلاث اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع ؛ ولذلك أفاض فيها المؤلف -رحمه الله-، وهي صفة الكلام وصفات العلو وصفة الاستواء وصفة الرؤية، وهذه الصفات الثلاث هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وأهل البدع فمن أثبتها فهو من أهل السنة -صفة الكلام، صفة العلو، صفة الرؤية-، ومن أنكرها فهو من أهل البدع

وكذلك بيَّن عقيدة أهل السنة في عذاب القبر ونعيمه، وفي الجنة والنار، وفي الخير والشر، وفي المقتول هل هو مقتول بِأَجَلِهِ؟ وفي القضاء والقدر، وفي الموت، وفي الإيمان وصفة الإيمان، وعقيدة أهل السنة في الإيمان، وأنه قول باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة في أنهم لا يُكَفِّرون بالذنب خلافًا للخوارج والمعتزلة وكذلك -أيضًا- بيَّن عقيدة أهل السنة في الصحابة وأنهم يترضون عنهم، ويتولونهم، وينزلونهم منازلهم التي تليق بهم بالعدل والإنصاف على حسب النصوص لا بالهواء والتعصب، خلافا للرافضة الذين كفَّروا الصحابة وفسقوهم وطعنوا فيهم، وعبدوا آل البيت وغلوا فيهم، وخلافا للنواصب الذين نصبوا العداوة لأهل البيت.

وكذلك -أيضًا- بيَّن عقيدة أهل السنة في وسوسة الشياطين، والسحر والسحرة، وأن السحر له حقيقة، وله خيال، خلافا لمن قال: إنه ليس منه حقيقة، وإنما هو خيال، وبيَّن آداب أصحاب الحديث، وبيَّن علامات أهل البدع وعلامات أهل السنة وبيَّن عواقب العباد، ومشيئة الله، وبيان الإرادة، وأنها تنقسم إلى نوعين، وتكلم عن الخير والشر، وعن الهداية، وأنها من الله، وأقسام الهداية، وبيَّن أن أفعال العباد مخلوقة لله، خلافا للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعل نفسه، وكذلك عقيدة أهل السنة في الحوض والكوثر والشفاعة والبعث بعد الموت، وهو أصل من أصول الإيمان، فمن أنكر البعث فهو كافر بنصِّ القرآن، وموقف السلف من الأخبار الواردة في إثبات الصفات، وأنهم إذا ثبت الخبر بنقل العدول الثقات الضابطين، واتصل السند فإنه يُعْمَل به، يقبل في العقائد وفي الأعمال وفي كل شيء إذا اتصل سند الحديث، وعُدِّلت رواته، ولم يكن فيه شذوذ ولا علة، فإنه مقبول في العقائد وفي الأعمال وفي الأخلاق وفي كل شيء، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة خلافًا لأهل البدع الذين لا يقبلون أخبار الآحاد من المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: لا نقبل خبر الآحاد في العقائد، هذا مذهب باطل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة فهي عقيدة شاملة، بيَّن فيها المؤلف -رحمه الله- عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وفق ما دلَّت عليه النصوص في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما أجمع عليه الصحابة

والآن نبدأ نقرأ من ترجمة المصنف، نعم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فنسبه -رحمه الله- هو أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد الصابوني النيسابوري الحافظ المحدث المفسر الفقيه الواعظ الملقب بشيخ الإسلام، وأما لفظ "الصابوني" فقد ذكر السِّمعاني في كتاب الأنساب أنه نسبة إلى عمل الصابون.

وقال: وبيت كبير بنيسابور الصابونية لعل بعض أجدادهم عمل الصابون فعرفوا به.

وأما نسبه من جهة أمه فقد ذكر تاج الدين السُّبْكي -في طبقات الشافعية الكبرى- نقلا عن عبد الغافر الفارسي في كتابه "السياق في ذيل تاريخ نيسابور" أنهم نسيب... مُعِمٌ مُخْوِل الْمُدْلي من جهة الأمومة إلى الحنفية والفضلية والسيسانية والقرشية والتميمية والمزنية والضِّبية من الشِّعب النازلة إلى الشيخ أبي سعد يحيى بن منصور السلمي الزاهد الأكبر على ما هو مشهور من أنسابهم عند جماعة من العارفين بالأنساب بأنه أبو عثمان إسماعيل بن زين البيت ابنة الشيخ أبي سعد الزاهد بن أحمد بن مريم بنت أبي سعد الأكبر الزاهد

حياته رحمه الله:

ولد في بوشنج من نواحي هَرَاة في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة من الهجرة، قال عبد الغافر الفارسي كان أبوه عبد الرحمن أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور فَفُتِكَ به لأجل التعصب والمذهب وَقُتِلَ، وإسماعيل بعد حوالي سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي في تربيته وتهيئة أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني والأستاذ الإمام أبي بكر بن فُورك وسائر الأئمة كانوا يحضرون مجلس تذكيره ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله وحسن إيراده الكلام عربيه وفارسيه وحفظه الأحاديث حتى كبر، وبلغ مبلغ الرجال.

ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات، ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة، وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يُضرب به المثل، ووصفه عبد الغافر بأنه الإمام شيخ الإسلام الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أَوْحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع يعني بنيسابور نحوًا من عشرين سنة، وقال: كان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعًا وحفظًا ونشرًا لمسموعاته وتصنيفاته وجمعا وتحريضا على السماع، وإقامة لمجالس الحديث.

سمع الحديث بنيسابور وبسرخس وبهراة وبالشام وبالحجاز وبالجبال وَحَدَّث بكثير من البلاد، وأكثر الناس السماع منه، وقد ذكر السيوطي والداودي في كتابيهما طبقات المفسرين، وأوردا أنه أقام شهرًا في تفسير آية، وهذا يدل على سعة علمه في تفسير القرآن العظيم، وكان الصابوني -رحمه الله- يحترم الحديث، ويهتم بالأسانيد فقد حكى الفقيه أبو سعيد السُّكَرِي عن بعض من يوثق بقوله من الصالحين أن الصابوني قال: ما رويت خبرا ولا أثرا في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بين الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس إلا على طهارة.

وكان -رحمه الله- ينظم الشعر -أحيانا- قال عبد الغافر الفارسي من فضائله: نظم الشعر على ما يليق بالعلماء من غير مبالغة في تعمق يُلْحِقه بالمنهي، وهذا نموذج من شعره قال -رحمه الله-:

ما لي أرى الدهر لا يشكو بذي كرم

ولا يجوز بمعـــوان ومفضــال

ولا أرى أحـدا فـي الناس مشتريا

حـسن الثنــاء بإنعـام وإفضـال

صاروا سواسـية في لؤمهم شرعا

كأنمــا نســجوا فيه بمنــوال


وقال -رحمه الله-:

إذ لم أصـب مـن مـالكم ونـوالكم

ولم أسأل المعروف منكم ولا البرا

وكــنتم عبيـدا للـذي أنـا عبـده

فمن أجـل ماذا أتعب البدن الحرا؟


أسرته -رحمه الله-:

له رحمة الله ولدان هما عبد الله أبو نصر مات في حياة والده في بعض ثغور أذربيجان وهو متوجه إلى الحجاز للحج، والآخر هو عبد الرحمن أبو بكر سمع أباه بنيسابور وسمع الحديث وأسمعه، وعقد مجلس الإملاء، وتولى القضاء بأذربيجان مات بأصبهان في حدود سنة خمسمائة.

ومع أن كنية الصابوني أبو عثمان إلا أني لم أجد له ولدا بهذا الاسم في الكتب التي ترجمت له، وله أخ هو إسحاق بن عبد الرحمن الصابوني أبو يعلى الواعظ ينوب عنه في الوعظ سمع الحديث بهراة ونيسابور وبغداد كان مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة للهجرة، ووفاته في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وأربعمائة للهجرة.

ويتضح مما سبق أن عائلة إسماعيل الصابوني عائلة علم ومعرفة وإرشاد، حيث كان أبوه من كبار الواعظين، وكان ابنه عبد الرحمن ممن اشتغل بالحديث، وتولى القضاء، وكان أخوه إسحاق ينوب عنه في وعظ الناس، وسمع الحديث بعدة نواح.


--------------------------------------------------------------------------------

أقول: أبو عثمان إسماعيل عبد الرحمن الصابوني عالم مفسر محدث فقيه من أهل السنة والجماعة نشأ في بيت علم، وتتلمذ على العلماء، وأخذ عنه العلم عدد من التلاميذ، وهو من أهل السنة والجماعة ومن العلماء الذين يشار إليهم بالبنان -رحمه الله وتغمده برحمته-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
رب يَسِّرْ وأَعِنْ بفضلك ورحمتك.

أخبرنا قاضي القضاة بدمشق نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الصالحي الحنبلي إجازة مشافهة، قال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد بن المحب المقدسي إجازة إن لم يكن سماعا، قال: أخبرنا الشيخان جمال الدين عبد الرحمن أحمد بن عمر بن شكر وأبو عبد الله محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسيين قال الأول: أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن الحسين بن محمد العراقي سماعا، قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن أحمد الْخِرَقِي إجازة.

وقال الثاني: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم وأخبرنا المحدث تاج الدين محمد بن الحافظ عماد الدين إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي في كتابه، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن الخباز شفاهًا قال: أخبرنا أحمد بن عبد الدائم إجازة إن لم يكن سماعا، قال: أخبرنا الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي قال: أخبرنا الخرقي سماعا، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني قال: حدثنا، والدي شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن فذكره.

وأخبرنا قاضي القضاة عز الدين عبد الرحيم بن محمد بن الفرات الحنفي إجازة مشافهة، قال: أخبرنا محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي إجازة، قال: أخبرنا الجمال عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر بسنده...


--------------------------------------------------------------------------------

هذا السند سند الكتاب إلى المؤلف -رحمه الله- فالرسالة ثابتة للمؤلف رحمه الله.

والمقصود من ذكر السند حتى يتبين ويتحقق طالب العلم أن هذه الرسالة للمؤلف، وأنها ليست منسوبة إليه، وكثير من أهل البدع يشكِّكُّون في نسبه كثير من المؤلفات إلى العلماء وهي ثابتة؛ لأنهم يريدون ألا تثبت هذه الرسائل لمؤلفيها؛ لأجل أن يطعنوا في معتقد أهل السنة والجماعة فهم يشككون في رسالة الإمام أحمد في الرد على الزنادقة حيث بعض المبتدعة في هذا الزمن يقول في ثبوت رسالة الرد على الزنادقة للإمام أحمد نظر، وفي ثبوت رسالة الصراط للإمام أحمد فيها نظر، وهكذا والسند يبطل دعواهم، ولولا السند لقال من شاء ما شاء.

ولهذا قال كثير من المحدثين: بيننا وبينكم القوائم وهي الإسناد؛ فالإسناد يبطل دعوى كثير من أهل البدع الذين يطعنون في ثبوت الرسائل والعقائد والكتب إلى الأئمة.

فهذه الرسالة ثابتة بهذه الأسانيد إلى الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني من كلامه -رحمه الله-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ


سبب تأليف الرسالة
قال: الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجها إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام- سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولًا في أصول الدين التي استمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، وَهُدوا ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين، ووالوا في اتباعها، وعادوا فيها، وبدَّعوا وكفَّروا من اعتقد غيرها، وأحرزوا لأنفسهم... ولمن دعوهم إليها بركتها ويمنها وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها، واستمساكهم بها، وإرشاد العباد إليها، وحملهم وحثهم إياهم عليها.

فاستخرت الله- تعالى-، وأثبت في هذا الجزء ما تيسر منها على سبيل الاختصار، رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار، الله سبحانه يحقق الظن، ويجزل علينا المن بالتوفيق للصواب والصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله.


--------------------------------------------------------------------------------

المؤلف -رحمه الله- افتتح هذه الرسالة بالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، افتتحها بالحمد لله اهتداء بالكتاب العزيز فإن الله -سبحانه وتعالى- افتتح كتابه العظيم بـ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والحمد هو الثناء على المحمود بالصفات الاختيارية، أما الثناء عليه بالصفات الجِبِلِّية التي جُبِلَ الإنسان عليها فإنه يُسمَّى مدحا، ولا يسمى حمدا، فإذا كان الحمد فإن كان الثناء على الصفات الاختيارية التي يفعلها الموصوف باختياره مع حبه وإجلاله سُمِّي حمدا، وإن كان الثناء عليه بالصفات الجبلية التي جبل عليها، فإنه يُسمَّى مدحا، والحمد أكمل من المدح.

ولهذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ولم يقل: أمدح الله رب العالمين، الحمد معناه هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله وتعظيمه، فالله -تعالى- محمود بصفاته، لما له من الصفات العظيمة، ولما له من الأسماء الحسنى، ولما له من النعم العظيمة على عباده، هو الذي خلقهم، وأوجدهم من العدم، وربَّهم بنعمة، ومنَّ على المؤمنين بالإسلام والإيمان، وهو محمود على صفاته العظيمة، ومحمود على أسمائه، وهو -سبحانه وتعالى- المالك لجميع أنواع المحامد.

فالمحامد بجميع أنواعها هي ملك لله، وهو مستحق لها -سبحانه وتعالى-، بخلاف الثناء على المحمود بالصفات التي جُبِل عليها كالأسد إذا مدحته، وقلت: إنه قوي، وإنه مفتول الساعدين، هذا يُسمَّى مدحا، ولا يُسمَّى حمدا؛ لأن الأسد جبله الله، وخلقه عليها، فهذه الصفات مجبول عليها فكونه قويا، يفترس غيره، هذه القوة التي أعطاه الله جبل عليها، بخلاف الإنسان إذا مدحته قلت: فلان كريم، فلان محسن، فلان يحسن إلى الناس، فلان مقدام شجاع، هذه صفات اختيارية، فَعَلَها باختياره، يُسَمَّى هذا حمدا.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أثبت الربوبية لله، الْحَمْدُ لِلَّهِ "ال" للاستغراق أي: أن الله -تعالى- له جميع أنواع المحامد كلها له -سبحانه وتعالى-، وهو المالك لها، وهو المستحق لها.

"لله": لفظ الجلالة، لا يسمى به غيره -سبحانه وتعالى- أعرف المعارف والله هو المألوه ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين الذي تألهه القلوب محبة وإجلالًا وتعظيمًا، أصل الله الإله، ثم سهلت الهمزة، وأدغمت اللام في اللام.

ولفظ الله أعرف المعارف، وتأتي أسماء الله كلها صفات له، كما قال -سبحانه وتعالى- هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

لفظ الجلالة يأتي أولًا، ثم تأتي بعده الأسماء والصفات.

وأسماء الله نوعان أو قسمان:

1 - قسم لا يسمى به إلا هو مثل: الله، الرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك.

2 - وقسم يسمى به غيره "مشترك": العزيز، والرحيم، والحي، والسميع، والبصير، والملك، هذه أسماء مشتركة، تطلق على الله، وتطلق على غيره قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ .

وأسماء الله مشتقة مشتملة على معانٍ، كل اسم مشتمل على صفة؛ فالله مشتمل على الألوهية، والرحمن مشتمل على صفة الرحمة، والعليم صفة العلم، والقدير صفة القدرة، وهكذا أسماء الله مشتملة على المعاني وعلى الصفات بخلاف الصفة، فصفة العلم لا يشتق منها اسم فيقال له: عالم، وإنما الأسماء مشتملة على الصفات، ومشتملة على المعاني، كل اسم مشتمل على صفة، فهي مشتقة.

"رب العالمين" خاص بالله -عز وجل- فهو رب العالمين، يعني: هو يربيهم بنعمه، هو الذي أوجدهم من العدم وربَّاهم بنعمه -سبحانه وتعالى- فالله هو الرب، وغيره المربوب، هو الخالق وغيره المخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبِّر وغيره المدبَّر، والعالمين: كل ما سوى الله، فكل ما سوى الله يسمى عالما، فالله -تعالى- رب المخلوقات كلها، وأنت واحد من ذلك العالم، فالله -تعالى- هو رب العوالم في السماوات وفي الأرضين، وفي البحار، وفي الجو، فكل هذه المخلوقات عالم.

ثم قال: "والعاقبة للمتقين"، والعاقبة يعني: ما يعقب الشيء، ويأتي بعده، والمتقين: جمع متقٍ، والمتقي هو الذي اتقى غضب الله وسخطه وناره بالإيمان والتوحيد، فالمتقون هم المؤمنون الموحدون سُمُّوا متقين؛ لأنهم اتقوا غضب الله وسخطه بإيمانهم، وتوحيدهم، وآدائهم الواجبات، وتركهم المحرمات فاستحقوا هذا الاسم.

كما قال -سبحانه- في أول سورة البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ثم ذكر أوصافهم الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

يقول المؤلف: العاقبة للمتقين أي: العاقبة الحميدة للمتقين، فَمَنْ اتقى الله فوحَّده وأخلص له العبادة، واتقى الشرك، واتقى المحرمات، وأدى الواجبات؛ فالعاقبة الحميدة له، لهم في الدنيا النصر وَالْغَلَبَة والتأييد، وفي الآخرة هم أهل الجنة وأهل الكرامة الذين رضي الله عنهم وأسكنهم جنته، وأحلَّ عليهم رضوانه، فالعاقبة الحميدة للمتقين.

ثم بعد أن حمد المؤلف الله -سبحانه وتعالى-، وصلى على نبيه فقال: "وصلى الله على محمد"، فصلاة الله على عبده أحسن ما قيل في تفسيرها ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي العالية التابعي الجليل قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تسأل الله "صلى الله" وتدعوه أن يصلي على نبيه أي: يثني عليه في الملأ الأعلى، كأن تقول: اللهم أَثْنِ على عبدك ورسولك محمد في الملأ الأعلى أي: الملائكة.

"وعلى آله" وهم أتباعه على دينه، ويدخل في الآل ذريته وقرابته والمؤمنون وأزواجه والصحابة كلهم داخلون في الآل، ويطلق الآل على الذرية، والأقارب، ويشمل الأزواج، ويشمل -أيضًا- أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، فكل من تبعه على دينه فهو من آله عليه الصلاة والسلام، والصحابة يدخلون في ذلك دخولا أوليا.

ثم قال: "وأصحابه الكرام" عطف الأصحاب على الآل من عطف الخاص على العام، فالصحابة يصلى عليهم مرتين: المرة الأولى في العموم في قوله: "وعلى آله" يدخل فيهم الصحابة والمرة الثانية بالخصوص في قوله: "وأصحابه" فكأن المؤلف صلى على الصحابة مرتين، المرة الأولى في قوله، وعلى آله لأنه يدخل في الآل الصحابة والمرة الثانية بالخصوص في قوله: وأصحابه "الكرام" يعني: الذين اتصفوا بصفة الكرم، والصحابة لا شك أنهم كرام، أكرم الناس بعد الأنبياء، ومن كرمهم أنهم سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، وإنفاق أموالهم، وبذلوا علمهم، ونشروا دين الله، فهل فيه أعظم من هذا الكرم؟.

ثم قال المؤلف -رحمه الله-: "أما بعد": هذه كلمة يؤتى بها للدخول في الموضوع الذي يريد أن يتكلم الإنسان فيه، فهي تفصل ما بين السابق واللاحق، كأن المؤلف انتقل من الخطبة إلى الدخول في صلب الموضوع، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: أما بعد في خطبه كثيرًا فثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول يوم الجمعة: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها .

اُخْتُلِفَ في أول من قال "أما بعد"، فقيل: أول من قالها داود -عليه الصلاة والسلام-، وإنها من فصل الخطاب الذي أوتيه -عليه السلام-، وقيل: أول من قالها قس بن ساعدة الإيادي وعلى كل حال فأما بعد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعملها في خطبه وفي رسائله، وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لما كتب لملك الروم قال: من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من اتبع الهدى، أما بعد أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين و: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا إلى آخر الآية.

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي بها في خطبه وفي رسائله، ينبغي الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام وبعض الخطباء وبعض الكتاب يقول: وبعد، وأما بعد أحسن من وبعد، ثم قال المؤلف -رحمه الله- مبينا سبب تأليف هذه الرسالة، قال: فإني لما وردت آمد طبرستان وبلاد جيلان متوجهًا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولًا في أصول الدين.

فإذن سبب تأليف هذه الرسالة أنها جواب لسؤال، جواب لسؤال وجه إلى المؤلف، والذي وجه السؤال إلى المؤلف عدد من الإخوان، لم يبينهم المؤلف وطلبوا منه أن يجمع لهم فصولا في أصول الدين التي استمسك بها أئمة الدين وعلماء المسلمين فكتب هذه الرسالة -رحمه الله- رسالة طويلة، وبين فيها معتقد أهل السنة والجماعة في ألوهية الله وفي وربوبيته وفي أسمائه وفي صفاته وفي الإيمان وفي الجنة وفي النار وفي البعث بعد الموت وفي الصحابة وفي الخير والشر إلى غير ذلك.

أما قول المؤلف -رحمه الله-: "متوجهًا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-"، فهذا مما يُلاحظ على المؤلف -رحمه الله- قوله: "وزيارة قبره"، فإنه لا يشرع شد الرحل إلى زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يشرع السفر إلى زيارة القبر بهذه النية، وإنما يشرع أن يشد الرحل، وأن ينوي السفر لزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم إذا وصل إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى فيه ركعتين، زار قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبر صاحبيه.

هذا هو المشروع لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحديث الصحيح: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى والحديث رواه الشيخان وغيرهما فالسفر إنما يُنشأ لزيارة المسجد النبوي، وإن أنشأ السفر لزيارة المسجد وزيارة القبر بالنية فلا بأس، وأما أن تكون النية لأجل زيارة القبر فقط فهذا ممنوع، وإنما تكون النية لزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد ذكر المحقق في هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- وقال: إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بسط هذا الموضوع في مجموع الفتاوى، وفيه قوله "وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعه، لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئًا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة، كره أن يقول الرجل: زرت قبره -صلى الله عليه وسلم- ولو كان هذا اللفظ معروفًا عندهم أو مشروعا أو مأثورًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكرهه عالم المدينة" انتهى.

فإذا الْأَوْلَى أن يقول المؤلف -رحمه الله-: متوجهًا إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو الأولى.

فإذن سبب تأليف هذه الرسالة كما سبق سؤال وجه إلى المؤلف بأن يجمع لهم فصولا في أصول الدين التي تمسك بها، واستمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين وعلماء المسلمين والسلف الصالحين، بَدَأَ بالأئمة، ثم العلماء، ثم السلف والسلف هم الصحابة

والتابعون هم من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين هم صدر هذه الأمة وصفهم المؤلف بقوله: "وهدوا" أي: هداهم الله، "ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا"، يعني في كل زمان لا بد أن يوجد فيه من يقوم بالحق، ويظهر الحق، ويدعو إلى الحق، ويستمسك بالحق لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى.

ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ودعوا الناس إليها في كل حين، ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين"، أي: أن هؤلاء الأئمة وهؤلاء العلماء وهؤلاء السلف نهوا عما يضاد أصول الدين، والذي يضاد أصول الدين هي البدع فنهوا عما يضادها، أي من البدع، وينافها نهوا جملة المؤمنين المصدقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بخلاف غير المؤمنين فلا يقبلون، وإن كان الدعوة عامة، فالدعوة عامة لكل أحد، لكن خص المؤلف -رحمه الله- جملة المؤمنين المصدقين المتقين؛ لأنهم هم الذين يقبلون وينتفعون بالنصائح والمواعظ.

ولهذا قال: "ونهوا عما يضادها وينافيها جملة المؤمنين المصدقين المتقين ووالوا في اتباعها وعادوا فيها" "والوا في اتباعها"، أي والوا المؤمنين في اتباع هذه الأصول مثل الإيمان بالله والإيمان بالملائكة والإيمان بالكتب المنزلة والإيمان بالرسل والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره والإيمان بالصراط والميزان والحوض والجنة والنار والإيمان بربوبية الله وألوهيته وأسمائه وصفاته أي من اتبعها وآمن بها والوه، جعلوه وليا، وأحبوه، وجعلوه من أحبابهم، "وعادوا فيها" أي: عادوا من خالف هذه الأصول، وتنكر لها، فعادوه وأبغضوه، وبدعوا وكفروا من اعتقد غيرها أي: من لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

ثم قال: "والذين هم أحرزوا لأنفسهم ولمن دعوا إليها بركتها ويمنها وخيرها" يعني حصلوا وأثبتوا لأنفسهم ولمن دعوا إليها وحصل لهم البركة والخير، والفضل والأجر والثواب بسبب إيمانهم بهذه الأصول وموالاتهم عليها ومعاداتهم لمن خالفها، ثم قال المؤلف: "وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها"، أفضوا أي: لما توفاهم الله وانتهت آجالهم قَدِموا على ما قَدَّمُوا من خير عظيم.

ووجدوا ثواب اعتقادهم بها واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( من دعا إلى هدى كان له من الخير مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا )، فهؤلاء العلماء وهؤلاء الأئمة وهؤلاء السلف الذين دعوا إلى هذه الأصول، أصول الدين ودعوا إلى الإيمان بما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- مما يجب اعتقاده من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حصلت لهم بركة هذه الدعوة وخيرها، وأفضوا إلى ما قدموه من ثواب اعتقادهم لها واستمساكهم بها وإرشاد العباد إليها، حصل لهم مثل أجور من أرشدوه وانتفع بإرشادهم ودعوتهم.

ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "وإرشاد العباد إليها وحملهم وحثهم إياهم عليها، فاستخرت الله -تعالى- وأثبتُّ في هذا الجزء ما تيسر فيه على سبيل الاختصار"، يقول المؤلف -رحمه الله-: لما سألني هؤلاء الإخوان أن نكتب لهم فصولا في أصول الدين التي استمسك بها الأئمة، ودعوا إليها، ونهوا عما يضادها، وأفضوا إلى الثواب والأجر الذي حصل لهم بسبب نشرهم لدين الله ودعوتهم إلى توحيد الله استخرت الله.

فالاستخارة مشروعة في الأمور التي يكون فيها إشكال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- شرع الاستخارة وقال: إذا هم أحدكم فليصل ركعتين من غير الفريضة ثم ليدعُ فيقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم... .

أما الأمور الواضحة فليس فيها استخارة فلا تستخير هل تصلي الجماعة أو لا تصلى ولا تستخير في صوم رمضان ولا تستخير في دفع الزكاة ولا تستخير في الحج إلا إذا كان الطريق غير آمن فهو يستخير هل يحج هذا العام أو لا يحج، لكن الأمور التي فيها إشكال فيها استخارة كأن يستخير الله أن هل يتزوج من آل فلان، أو يستخير الله هل يدخل في هذه التجارة مع فلان، ومع الاستخارة يشاور، ويمضي إلى ما ينشرح صدره إليه، فإن لم يتبين له شيء يعيد الاستخارة ويكررها وهكذا.

والمؤلف -رحمه الله- استخار، لكن هل الكتابة هذه فيها إشكال حتى يستخير، كونه يكتب عقيدة أهل السنة والجماعة هل في ذلك إشكال.

قد يقال: يستخير؛ لأن المؤلفات في العقيدة كثيرة؛ ولأن العلماء كفوه هذا، فهو أشكل عليه الأمر، هل الكتابة في هذا الأمر لها فائدة أم ليست لها فائدة؟ أو تحصيل حاصل؛ لأن العلماء كفوه، وكتبوا في هذا الموضوع، فأشكل عليه الأمر؛ فلهذا قال: استخرت الله -تعالى- ثم لما استخار ترجح له أن يكتب هذه الرسالة.

لأنها تلخيص لما كتبه العلماء، فالرسائل السابقة، قد تكون طويلة بينما هذه الرسالة مختصرة يستطيع الطالب أن يحفظها وأن يستوعبها في وقت وجيز.

فهو اختصر هذه العقيدة، ولخصها من كلام أهل العلم، وبين -رحمه الله- أن الذي حمله على ذلك رجاء الانتفاع كما قال: "رجاء أن ينتفع بها أولو الألباب والأبصار" وإذا اُنْتُفِعَ بها صار له مثل أجرهم، والذي ينتفع بها ليس كل واحد بل أولو الألباب والأبصار، وأولو الألباب هم أصحاب العقول، كما قال الله -تعالى- في كتابه: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ فأصحاب العقول الذين أرشدتهم عقولهم السليمة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له وقبول الحق، هم الذين ينتفعون، أما من لم يُرِدْ الله هدايته ولم يوفق ولم يرزق عقلا سليما ولبا من الألباب التي ترشده إلى قبول الحق فلا حيلة فيه؛ ولهذا قال: رجاء أن ينتفع به أولو الألباب والأبصار.

ثم قال -رحمه الله-: "والله -سبحانه وتعالى- يحقق الظن ويجزل عليه المن بالتوفيق إلى الصواب والصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وفضله".

فهذا دعاء من المؤلف -رحمه الله- بأن يحقق الله ظنه، ويجزل عليه المن، فَيَمُنَّ عليه بالتوفيق والصواب فيما كتبه، وأن يمن عليه بالصدق والهداية والاستقامة على سبيل الرشد والحق بمنه وكرمه وفضله، ونرجو أن الله -تعالى- حقق للمؤلف ما أراد إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

معتقد أصحاب الحديث في صفات الله
قال الشيخ أبو عثمان -رحمه الله-: قلت: -وبالله التوفيق- إن أصحاب الحديث ( المتمسكين بالكتاب والسنة ) حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم يشهدون لله -تعالى- بالوحدانية وللرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة والنبوة، ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- على ما ورد في الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه، ويثبتون له جل جلاله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه.


--------------------------------------------------------------------------------

نعم. يقول المؤلف -رحمه الله- أبو عثمان قلت -وبالله التوفيق- يعني: نسأل الله التوفيق، والتوفيق هو أن يوفق الإنسان للصواب وللحق، فيجعله الله يقول بالحق، ويعمل بالحق هذا سؤال، ومن سأل ربه بأن يوفقه للصواب، قلت -وبالله التوفيق-: "أصحاب الحديث أو أن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة"، يبين المؤلف -رحمه الله- أصحاب الحديث مَنْ هم؟ أصحاب الحديث هم المتمسكون بالكتاب والسنة، الذين يعملون بالكتاب والسنة هم أصحاب الحديث.

فإن الله -سبحانه وتعالى- أوحى إلى نبيه الكريم وحيين: الوحي الأول القرآن أوحاه الله إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بلفظه ومعناه، فهو كلام الله لفظه ومعناه، والوحي الثاني السنة المطهرة، وهي نوعان: النوع الأول الحديث القدسي، وهذا من كلام الله لفظًا ومعنى، مثل حديث أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عن ربه -عز وجل- أنه قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا .

فهذا حديث قدسي نسبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه -عز وجل- فهو من كلام الله لفظًا ومعنى، والنوع الثاني الحديث غير القدسي، وهذا من كلام الله معنى، ومن كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظا: لفظه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله كقوله -صلى الله عليه وسلم- إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .

فالحديث وحي من الله إلا أن اللفظ لفظ الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما معناه فهو من الله، قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .

أما الحديث القدسي فلفظه ومعناه من الله مثل القرآن، إلا أن له أحكامًا تختلف عن القرآن؛ فالقرآن يُتعبد بلفظه ويُتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، القرآن يقرأ في الصلاة والحديث القدسي لا يقرأ في الصلاة، القرآن معجز بلفظه ومعناه، والحديث القدسي قد لا يكون له وصف الإعجاز، القرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والحديث القدسي يمسه غير المتوضئ.

فالمؤلف -رحمه الله- يقول: إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة، إذن من هم أصحاب الحديث هم الذين يعملون بالقرآن والسنة، والسنة تفسر القرآن توضحه، وتبينه وتقيد مطلقه، وتخصص عمومه، فالسنة مع القرآن على أحوال ثلاثة:

الحالة الأولى: أنها تبين المجمل مثل الصلاة جاء في القرآن وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ جاءت السنة، وفصلت الصلاة، بينت أن الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، وبينت عدد ركعات الصلاة، ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع وصلاة العصر أربع، وصلاة المغرب ثلاث ركعات السنة وضحتها، وفصلت هذا الإجمال، الزكاة أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت، وبينت أن المال لا زكاة في المال حتى يحول عليه الحول، وأنه لا بد من النصاب، كذلك الحج جاء في القرآن، وجاءت السنة فصلت هذا الإجمال، فالسنة تفصل وتبين المجمل فهي تأتي لتبين.
الحالة الثانية: أن تقيد المطلق وتخصص العام.
الحالة الثالثة: أن تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن كتحريم كل ذي ناب من السباع، وتحريم كل ذي مخلب من الطير، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والجمع بين المرأة وخالتها، هذه أحكام ليست في القرآن، جاءت بها السنة، فالسنة وحي ثانٍ.


قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه فأصحاب الحديث هم الذين يعملون بالقرآن والسنة هم أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة دعا لهم المؤلف، قال: حفظ الله أحياءهم ورحم أمواتهم، هذا دعاء من المؤلف لأهل الحديث، دعا لهم بأن يحفظ الله الأحياء، ويرحم الأموات.

ما هي عقيدتهم؟ قال المؤلف -رحمه الله-: عقيدتهم يشهدون لله -تعالى- بالوحدانية وللرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة والنبوة، هذا أصل الدين وأساس الملة، أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية وتشهد لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة والنبوة وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدًا رسول الله أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله -تعالى- بالوحدانية، وأنه واحد في ربوبيته وواحد في ألوهيته، وواحد في أسمائه وصفاته، فواحد في ربوبيته.

فهو -سبحانه وتعالى- واجب الوجود لذاته، وهو فوق العرش، وهو الرب وغيره مربوب، وهو الخالق وغيره مخلوق، وهو المالك وغيره المملوك، وهو المدبر وغيره المدبر، وكذلك تشهد لله -تعالى- بالوحدانية في أسمائه وصفاته، وأنه ليس له شريك في أسمائه وصفاته، ولله الأسماء الحسنى، وليس له شريك في أفعاله -أيضًا- وليس له شريك في ألوهيته وعبادته.

فهو مستحق للعبادة في الألوهية والعبادة، ليس له شريك، فهو مستحق للعبادة، وغيره لا يستحق شيئا من العبادة، فلا يستحق العبادة أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل.

تشهد لله -تعالى- بالوحدانية بأن تنطق بلسانك تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وتعتقد بقلبك تصدق بأن الله هو الرب وغيره مربوب، وأنه الخالق وغيره مخلوق، وأنه المالك وغيره مملوك، وأنه مدبر وغيره مدبر، وتشهد بأن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلا التي لا يشاركه فيها أحد في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وتشهد بأن الله هو مستحق العبادة بجميع أنواعها، لا يستحقها غيره لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.

فالله -تعالى- هو المعبود بالحق هو الذي يدعى، ولا يدعى غيره، يذبح له، وينذر له، يتوكل عليه، يرجى يُخاف يصلى له، يدعى يرجى ويخاف ويتوكل عليه.

العبادة حق الله، لا يستحقها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا جبريل ولا غيره، فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغيره فهو مشرك كافر، وتنتقض عليه الشهادة، قال: لا إله إلا الله، ثم دعا غير الله وعبد وذبح لغير الله، ونذر لغير الله بطلت شهادته، فالشهادة لله -تعالى- بالوحدانية وللنبي -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة أصل الدين وأساس الملة.

ويداوم على شهادة أن لا إله إلا الله تشهد بربوبية الله، وتشهد بألوهيته، وتشهد بأسمائه وصفاته، فلا تصرف شيئا منها لغير الله، وكذلك ولا يقع في عملك شرك حتى لا تنتقض هذه العبادة الشهادة لله -تعالى- بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله بشرط ألا يفعل الإنسان ناقضا من نواقض الإسلام، فإن فعل ناقضا من نواقض الإسلام بطلت هذه الشهادة، كما لو يتوضأ الإنسان، وأحسن الوضوء، وتطهر أحسن الطهارة، ثم خرج منه البول أو غائط أو ريح بطلت الشهادة بطلت الطهارة.

وكذلك إذا شهد لله -تعالى- بالوحدانية، ثم دعا غير الله أو ذبح لغير الله، أو فعل ناقضا من نواقض الإسلام بأن اعتقد أن الصلاة غير واجبة أو الحج غير واجب أو الصوم غير واجب أو اعتقد أن الزنا ليس بمحرم أو الربا غير محرم، أو أنكر تحريم الربا وتحريم الزنا وتحريم الخمر أو تحريم عقوق الوالدين، ما هو معلوم من الدين بالضرورة بطلت الشهادة، وانتقضت.

أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله -تعالى- بالوحدانية وتشهد لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة والنبوة، تشهد أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العربي المكي ثم المدني هو رسول الله حقا، وأنه خاتم النبيين، وأن الرسالة عامة للعرب وللعجم وللجن والإنس، وأنه خاتم النبيين ليس بعده نبي.

فمن قال: إن الرسالة خاصة بالعرب أو خاصة بالإنس أو بعده نبي، فهو كافر بإجماع المسلمين، ولا تنفعه وتبطل شهادة أن لا إله إلا الله؛ فالشهادتان لا بد منهما جميعًا، فهما متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم تقبل منه، ومن شهد أن محمدًا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

فمن قال: إن محمدًا -عليه الصلاة- بعده نبي، أو ليست رسالته عامة، ما تنفعه شهادة أن لا إله إلا الله، ما تنفعه؛ لأنه لم يأت بشرطها؛ ولذلك لما أنكر اليهود رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- اليهود والنصارى وهم يزعمون أنهم مؤمنون بالله، بين الله أن إيمانهم لاغٍ، وأنه لا قيمة له. قال -تعالى-: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .

فنفى عنهم الإيمان، قال: لا يؤمنون بالله، وهم يزعمون أنهم يؤمنون بالله، لكن لما لم يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نفى الله الإيمان عنهم، فالشهادتان متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمدًا رسول الله لم تقبل منه، ومن شهد أن محمدًا رسول الله، ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه، حتى يشهد بأن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدًا رسول الله.

ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- في بيان عقيدة أصحاب الحديث: والسلف يشهدون لله -تعالى- بالوحدانية، يعني بالوحدانية في ألوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يفعلوا ناقضًا من نواقض الإسلام، وللرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة والنبوة يشهدون أن محمدًا رسول الله، ويصدقونه في أخباره -عليه الصلاة والسلام- ويمتثلون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ويتعبدون لله بما شرعه، ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله هذه -أيضًا- من عقيدة أصحاب الحديث أنهم يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، الصفات التي جاءت في القرآن، والله -تعالى- وصف بها نفسه بأنه الحي القيوم، وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت وصف نفسه بالعلم والسمع والبصر والقدرة.

يعرفون ربهم بالأسماء والصفات التي وصف بها نفسه، قال الله -تعالى-: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ .

يعرفون ربهم بأنه -سبحانه وتعالى- لا إله إلا هو ولا معبود بحق سواه، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه الرحمن الرحيم هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ يعرفونه بأسمائه سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى .

يؤمنون بذلك ويعرفون ربهم بأسمائه وصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- فما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات يجب إثباتها لله -عز وجل- إذا ورد اسم من أسماء الله في القرآن العظيم أو صفة يجب الإيمان بها أو ورد اسم من أسماء الله في السنة المطهرة، وثبت وصح سند الحديث، وعدلت الرواة ولم يكن شاذا ولا معللا، فإنه يجب إثبات ما ورد في السنة من أسماء الله وصفاته؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، وهو القرآن العظيم أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- على ما ورد في الأخبار الصحاح به.

ولذلك قَيَّد المؤلف الأخبار للأحاديث الصحاح جمع صحيح يعني الحديث الصحيح، أما الحديث الضعيف فلا، فالحديث الضعيف الذي في سنده انقطاع أو في سنده راوٍ ضعيف في الحفظ أو في الديانة، فلا يصح الحديث، ولا يقبل ما دل عليه، لا بد أن يكون الحديث صحيحا، معروف شروط الحديث الصحيح عند المحدثين.

خمسة شروط للحديث الصحيح: اتصال السند، وعدول الرواة، وضبطهم، وألا يكون الحديث شاذًا ولا معلا، فإن وجد هذه الشروط الخمسة فإنه حديث صحيح، يكون السند متصلا ما فيه انقطاع، ويكون الرواة عدولا ضابطين، شرطهم العدالة والضبط، وألا يكون الحديث شاذًا مخالفًا للأحاديث الصحيحة، مخالفًا لأصول الشريعة، خالف الثقة من هو أوثق منه، ولا يكون الحديث فيه علة، علة قادحة، علة خفية، فإذا وجدت هذه الشروط فإن الحديث صحيح، ويجب قبوله والعمل بما دل عليه في العقائد وفي الأخلاق وفي الأعمال في كل شيء؛ خلافًا لأهل البدع من المعتزلة وغيرهم من الذين يقولون: لا نقبل خبر الآحاد في العقائد، إنما يقبل خبر الآحاد في الأعمال، أما العقائد فلا يقبل فيها أخبار الآحاد، هذا باطل، هذا منهج باطل.

أهل السنة والجماعة يقبلون ما دل عليه الحديث الصحيح، إذا صح السند، وكانوا الرواة عدولا ضابطين، ولم يكن الحديث شاذا ولا معلا، فإنه يجب قبوله في العقائد وفي الأعمال وفي الأخلاق وفي كل شيء.

ولهذا بوب البخاري -رحمه الله- في صحيحه باب اسمه سماه باب أخبار الآحاد، وذكر نصوصا كثيرة في قبول خبر الآحاد والنبي -صلى الله عليه وسلم- يرسل كتبه إلى الملوك والرؤساء، والذي يرسله واحد ومع ذلك يقبل خبر الواحد؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم- على ما ورد في الأخبار الصحاح به، ونقلته العدول الثقات عنه" هكذا قيد المؤلف -رحمه الله- لا بد وأن يكون الخبر صحيحا، ونقله العدول الثقات الضابطون، ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم.

هكذا أهل السنة يثبتون لله -عز وجل- ما أثبت لنفسه في كتابه العزيز من الأسماء والصفات أو ما ثبت في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سبق، كما مثلنا الآيات هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ مثل ما ورد في الحديث: إن الله جميل يحب الجمال وهكذا إن الله حيي ستير من أسماء الله الستير، وهكذا فما ثبت في الحديث مثل ما ثبت في القرآن الكريم، إذا كان الحديث صحيحا ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه.

هكذا أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات لله، ولا يشبهون ولا يمثلون كما قال -سبحانه- عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

فالصفات والأسماء ثابتة لله على ما يليق بجلالته وعظمته، لا يماثل أحدا من خلقه، أهل السنة لا يكيفون لا يقولون: صفات الله كيفيتها كذا ولا يمثلون ولا يقولون: مثل صفات المخلوقين، بل يثبتون الأسماء والصفات، ويثبتون المعنى ويفوضون الكيفية إلى الله كما قال الإمام مالك -رحمه الله- لما سئل عن الاستواء، قال: "الاستواء معلوم"، يعني: معلوم معناه في اللغة العربية، وهو الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع، "والكيف مجهول": كيفية استواء الله على عرشه هذا مجهول لا نعلمه، "والإيمان به واجب": يجب الإيمان بالاستواء، "والسؤال عنه بدعة": هذا يقال في جميع الأسماء والصفات النزول والاستواء والعلو والسمع والبصر كلها المعنى معلوم، معلوم معناه في اللغة العربية، نعرف أن العلم ضد الجهل، السمع ضد الصمم، البصر ضد العمى، العلو ضد السفول، الاستواء فسر بأربع تفسيرات الاستقرار والعلو والصعود والارتفاع.

أما كيفية استواء الرب كيفية علوه وكيفية سمعه وبصره لا يعلمه إلا الله هذا معنى قول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

ولعلنا نقف عند هذا الحد، ونسأل الله الجميع التوفيق والسداد والعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

فيه أسئله؟ تفضل..

بسم الله الرحمن الرحيم،
سائل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته-
ذكرتم -أحسن الله إليكم- أن الحديث له ثلاث حالات مع كتاب الله الكريم، أو أن السنة لها ثلاث حالات مع القرآن، فما هي ؟

بينا الحالة الأولى بيان المجمل تبين المجمل في القرآن العظيم، والحالة الثانية تخصيص العام وتقييد المطلق، والحالة الثالثة تأتي بأحكام جديدة فالسنة -أحيانا- تفصل وتبين ما أجمل في القرآن، مثل الصلاة جاء أوجبها الله في القرآن، وجاءت السنة وفصلت مواقيت الصلاة وعدد الركعات والزكاة جاءت في القرآن الكريم مجملة، وجاء في السنة بيان الشروط، وأنه لا بد من الحول ولا بد من النصاب، وكذلك الحج جاء مجملا في القرآن، وجاء التفصيل في السنة، وأن الحج محدد في أيام في خمسة أيام أو ستة أيام، وهي الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة.

وكذلك -أيضًا- فصلت السنة الطواف طواف الإفاضة وطواف الوداع والوقوف بعرفة والمبيت بمنى ورمي الجمار، وكل هذا جاء في السنة، وكذلك -أيضًا- تأتي السنة تقيد المطلق إذا كان مطلقا تأتي السنة تأتي بقيد تقيده، أو كان عامًا تأتي السنة بما يخصصه، والحالة الثالثة أنها تأتي بأحكام جديدة ليست في القرآن مثل ما ذكرت تحريم كل ذي ناب من السباع وتحريم كل ذي مخلب من الطير وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وتحريم الجمع بين المرأة وخالتها في النكاح، هذه أحكام في السنة، وليست في القرآن، نعم.

يقول السائل: ما معنى الخلق عيال الله حيث ذكرتم أن الله -تعالى- هو الذي يرب العالمين بنعمه؟

بمعنى أنه -سبحانه وتعالى- يربيهم، يربيهم -سبحانه وتعالى- بنعمه، هو الذي خلقهم وأوجدهم من العدم ورباهم بهذا، نعم.

يقول السائل: هل على طالب العلم القراءة عن الملل والنحل، وما ترتيبه في الطلب ؟

قراءة الملل والنحل هذا فيه تفصيل إذا كان طالب العلم مبتدئا فلا ينبغي له القراءة في الملل والنحل؛ لأن الملل جمع ملة وهي الدين، والنحل جمع نحلة، إذا قرأ وهي الفرقة إذا قرأ الفرق فرق المبتدعة وشبههم، قد يتشكك، يحصل له بلبلة في فكره، فلا ينبغي للمبتدأ أن يقرأ في الملل والنحل، لكن إذا كان الإنسان طالب علم متوسعا فلا بأس أن يقرأ الملل والنحل ليدري الاستثناء بتشبههم، وليجري الرد عليهم، لا بأس أن المبتدئ فلا ننصحه بقراءة الملل والنحل، وإنما يقرأ في كتب التوحيد كتب أهل السنة والجماعة ولا يقرأ كتب الملل والنحل لئلا تشوش عليه، ولئلا يحصل له تشويش وتشكيك وبلبلة.

يقول السائل: من هم الآل عند الشيعة ؟

الشيعة الآل يقصدون بهم ذريته، وهم يقصرونها على علي وفاطمة والحسن والحسين وبعضهم أدخل العباس وبعضهم لا يدخله، هذا قد يطلق على الآل، كما سبق، وله معاني: يطلق على الأزواج والذرية، وأتباعه على دينه، ويطلق على أتباعه على دينه إلى يوم القيامة، أما تخصيص الشيعة به بأنه بعلي وفاطمة والحسن والحسين وهذا من اصطلاحات الشيعة

يقول السائل: هل الذي يفتي بجواز شد الرحال لقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- مبتدع أم أن المسألة اجتهادية ؟

هذه المسألة حصل فيها نزاع، امتحن فيها شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله- وأوذي، والصواب مع شيخ الإسلام، والدليل الحديث: لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد هذا هو الصواب أنه لا يشد الإنسان السفر، لا يسافر لمكان يتعبد فيه إلا في هذه المواضع الثلاثة: المسجد الحرام ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى نعم.

ولهذا لما رحل أبو هريرة إلى جبل الطور أنكر عليه أبو ذر الغفاري قال: لو علمت ما سافرت إلى جبل الطور

يقول السائل: ما الضابط في كون الاسم خاص بالله -عز وجل- أو في كونه مشتركًا ؟

الضابط إذا كان لا يسمى به إلا هو -سبحانه وتعالى- ما كان من اختصاصه، مثل لفظ الجلالة، الله، والرحمن، رب العالمين، خالق الخلق، مالك الملك، هذا من أوصاف الله الخاصة.

وأما المشترك فما ورد في النصوص إطلاقه على غير الله، مثل الملك، وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي والله من أسمائه الملك والعزيز، قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ مثل الحي، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ومن أسمائه الحي، مثل السميع البصير من أسمائه.

وهذا أيضا يطلق على المخلوق كقوله -تعالى- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا نعم.

يقول: ذكرتم -حفظكم الله- أن الحديث القدسي لفظًا ومعنى من الله -جل وعلا- فهل نزل به جبريل -عليه الصلاة والسلام- كالقرآن أم هو نوع آخر من أنواع الوحي ؟

نعم. مثل القرآن هو وحي من الله لفظه ومعناه كالقرآن إلا أن له أحكامًا تختلف، وأما غير الحديث القدسي فلفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه من الله.

ولو قرأتم في كتب أصول التفسير والإتقان للسيوطي وغيره، فتجدونه يقول: إن الحديث المعنى من الله فقط، كما يقولون في القرآن؛ لأن هذا على مذهب الأشاعرة الأشاعرة يقولون: هذا الكلام معناه أن القرآن ليس كلام الله حروفه ومعناه، لكن المعنى يكون من الله القرآن هو كلام الله اسم للمعنى القائم بنفس الله ويقولون: إن الله -تعالى- اضطر جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بالقرآن فهذا القرآن لفظه ومعناه هذا القرآن تكلم به جبريل أو تكلم به محمد وأما القرآن كلام الله فهو معنى قائم بنفسه، ويقولون: إن القرآن الذي نقرؤه ليس كلام الله وإنما هو عبارة عن كلام الله، وهذا من أبطل الباطل، وبعض الأشاعرة يقول: إن جبريل أخذ من اللوح المحفوظ، وبعضهم يقول: إن القرآن عبر به محمد وبعضهم يقول: عبر به جبريل وهذا كله كلام باطل.

والصواب أن القرآن لفظه ومعناه من الله، الله -تعالى- تكلم به وسمعه جبرائيل ونزل به على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- كما قال الله -تعالى-: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ .

يقول بعض المبتدعة: نعم. إنه يجوز إدخال القبر ودفن الميت بالمسجد، ويقيسون ذلك على المسجد النبوي فما الرد على مثل هؤلاء ؟

هؤلاء وثنيون، يريدون إحياء الوثنية ليقول: إنه يجوز دفن الميت في المسجد، وهذا لا يجوز أبدا، ولا يجوز إبقاء القبر في المسجد والحكم للأسبق، فإن كان المسجد هو الأول، ثم دفن فيه الميت، فإنه يجب نبش القبر ودفنه في مقابر المسلمين، وإن كان السابق هو القبر وبني عليه المسجد يجب هدم المسجد، ويبنى في مكان آخر.

أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يدفن في مسجده ولم يبنَ مسجد على قبره، لا هذا، ولا هذا، الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما دفن في المسجد، وإنما دفن في بيته، والبيت خارج المسجد، ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بني على قبره بناه في حياته، ولكن الوليد بن عبد الملك لما أراد أن يوسع المسجد وسع المسجد، وأدخل البيت كاملا بل أدخل حجرات النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها.

وهذا خطأ؛ فكون الوليد أخطأ، وأدخل البيت كاملا، بل حجرات بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها أدخلها، هذا خطأ منه، ولا يقال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في مسجد، ولا أن مسجده بني على قبر، لا هذا ولا هذا، المحذور أن يدفن الميت في القبر، أو يبنى المسجد على القبر، وهذا وكل من الأمرين لم يوجد في النبي -صلى الله عليه وسلم- فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما دفن في المسجد، وإنما دفن في بيته، ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم - ما بني على قبره لا هذا ولا هذا.

غاية ما فيه أن الوليد أدخل البيت كاملا، أدخله في المسجد؛ لأنه وسع المسجد، وهذا خطأ منه، نعم.

يقول: هل يصح تشريك النية في زيارة المسجد النبوي وزيارة القبر معا ؟

لو شرك لا بأس لكن المحذور أن تتمحض النية لزيارة القبر، هذا ممنوع، لكن الأولي أن تكون النية لزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم بعد ذلك تأتي الزيارة، نعم.

يقول السائل: هل يقال إن صفة الرمي من صفات الله لقوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ؟

لا، هذا خبر، هذا من باب الخبر، هذا من باب الخبر، وباب الخبر أوسع من باب الصفة، أخبر الله عن نفسه أنه رمى هذا من باب الخبر، يخبر عن الله بأنه موجود، وبأنه ذات، وبأنه شيء، بأنه شخص، ولا يقال: من أسماء الذات ولا الموجود ولا الشيء، قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فباب الخبر أوسع من باب الصفات، نعم.

السؤال الأخير: يقول السائل: لوحظ في هذه الأيام كثرة طلاب العلم، ولله الحمد والمنة، ولكن يلاحظ مع ذلك قلة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل من تعليق لكم وفقكم الله ؟

نعم. يجب على طلبة العلم أن يكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر؛ لأن طلبة العلم أولى الناس بهذا، والله -تعالى- بين أن الخيرية لهذه الأمة إنما حصلت بذلك قال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .

فالخيرية إنما حصلت بهذه الأمور، الخيرية حصلت بهذه الأمور الثلاثة، بالإيمان بالله وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن عمل بهذه الصفات انطبقت عليه الصفات، حصلت له الخيرية، ومن فاتته هذه الصفات فاتته الخيرية، الخيرية ما حصلت إلا بهذا، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ قال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

هذا أمر من الله أن تكون أمة منتصبة بهذا الأمر، القيام بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -سبحانه- في وصف المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ .

سيرحمهم الله بهذه الصفات، الرحمة تحصل لهم بهذه الصفات، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، فينبغي لطلبة العلم أن يكونوا في المقدمة، وأن يمتثلوا أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ما قيمة العلم الذي لا يعمل به الإنسان من العمل بالعلم أن يكون طالب العلم آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لكن بالحكمة والموعظة الحسنة باللين والرفق، وإن كان المنكر له ثلاث مراتب، كما هو معلوم، الإنكار باليد إذا كان لا يستطيع إذا كان إنسان له سلطة كالأمير والإنسان في بيته، إذا كان يستطيع يغير بيده، وثانيا باللسان إذا عجز باللسان والبيان، ثم الإنكار بالقلب كما في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- الذي رواه الإمام مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.

والإنكار بالقلب لا بد فيه من البعد القيام عن المنكر إذا كنت لا تستطيع أن تقومه باللسان، لا تجلس معه بل تقوم، وتظهر علامة الإنكار على وجهك، إما إذا كنت تجلس معه، وتدعي أنك تنكر المنكر بقلبك، وأنت تجلس معهم فأنت شريك لهم في الإثم فإن كانوا يغتابون الناس يكون حكمك حكم مغتابين، وإن كانوا يشربون الخمر حكمك حكم من يشرب الخمر، إن كانوا يغتابون الناس، وأنت ساكت تستطيع أن تقوم حكمك حكمهم، إن كانوا يسبون الإسلام، ويسبون الله كفر، فحكمك حكمهم.

قال الله -تعالى-: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا .

فمن جلس مع قوم يكفرون بالله ولم ينكر عليهم ولم يقم حكمه حكمهم، من جلس مع قوم يغتابون الناس ولم ينكر عليهم ولم يقم -وهو يستطيع القيام- حكمه حكم المغتابين، ومن جلس مع قوم يشربون الدخان ولم ينكر عليهم ولم يقم حكمه حكم من شرب الدخان في الإثم، نسأل الله السلامة والعافية.

ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يتوفانا على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
=========================================
أصحاب الحديث يشهدون لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة
قال الإمام الصابوني -رحمه الله تعالى-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص -سبحانه- عليه - بيديه "وفي نسخه بيده- " فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله -عز من قائل-: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .

ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية -أهلكهم الله-، ولا يكيفونهما بكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوق تشبيه المشبهة -خذلهم الله-، وقد أعاذ الله -تعالى- أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله -عز وجل-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وكما ورد القرآن بذكر اليدين بقوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .

ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد: كخبر محاجة موسى وآدم وقوله له: خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته. ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي، كمن قلت له كن فكان وقوله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الله الفردوس بيده .


--------------------------------------------------------------------------------

وأيضا من معتقدهم أنهم يعرفون الله، بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين: من الكتاب ومن السنة. وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: "الأسماء والصفات توقيفية". معنى الأسماء والصفات توقيفية، يعني: يوقف فيها عند النصوص.

ما ورد في كتاب الله، أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء أو الصفات أو الأفعال يوقفها لله، وكذلك ما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لله من الأسماء والصفات والأفعال يثبتها لله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة... وما ورد نفيه في الكتاب أو في السنة ننفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه.

فإذن ما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز، أو في السنة المطهرة نثبته لله، ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السِّنة والنوم والعجز والظلم: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .

وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه: لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيز والعرض، والحد والجهة، والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها: لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها، من قال: إن الله جسم. أو قال: ليس بجسم. لا تطلق، لا نفيا ولا إثباتا.

فلا نقول: إن الله جسم، أو نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه حيز ولا غير متحيز؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا إثباتها ولا نفيها. ومن أطلقها نفيا أو إثباتا، فإننا نستفصل منه، نقول: ما مرادك؟ لو قال شخص: إن الله جسم. نقول: ما مرادك بأن الله جسم؟ قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات. نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ باطل، هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل.

فإذن المعنى الصحيح نقبله، لكن اللفظ نرده، نقول: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة من الخطأ، وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به لا نقبله، والمعنى صحيح.

فإذا قال: أنا مقصودي: إن الله جسم. يعني: يشبه المخلوقات. نقول: هذا باطل. المعنى باطل، واللفظ باطل، نرد المعنى واللفظ جميعا، لكن الأول قال: إن الله جسم. يعني: متصف بالصفات. نقول: إن المعنى صحيح، لكن اللفظ باطل، لكن اللفظ لا تطلقه هذا اللفظ. يقول ماذا أقول؟ قل ما قال الله وقال الرسول: إن الله متصف بالسمع، إن الله هو السميع، هو البصير، هو العليم، هو الحكيم.

نصوص، النصوص، ألفاظ النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله، والمعنى سليم. فإن قال: أنا مرادي: إن الله جسم يشبه المخلوقات. نقول: اللفظ باطل والمعنى باطل، لا نقبل اللفظ ولا المعنى.

إذن القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال ما ورد في الكتاب العزيز، أو في السنة المطهرة إثباته لله -السنة الصحيحة-، وجب إثباته لله، ما ورد في الكتاب أو في السنة نفيه عن الله، وجب نفيه عنه، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته، لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلق نفيا أو إثباتا نستفصل: فإن أراد المعنى الحق قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد المعنى الباطل رددنا اللفظ والمعنى جميعا.

وهذا هو ما قرره الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في قوله: "ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، على ما وردت في الأخبار الصحاح به".

يعني: إما أن تكون الصفات وردت في الكتاب العزيز، أو ترد في السنة المطهرة، لكن لا بد أن يكون الحديث صحيحا. وسبق الكلام في الحديث الصحيح.

ثم قال المؤلف -رحمه الله-: "ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم". ثم قال: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه".

أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات، لكن ينفون التمثيل والتشبيه، ويقولون: إن الله -تعالى- له سمع وله بصر، وله علم وله قدرة، لكن لا يماثل أحدا من مخلوقاته.

فالمعنى معلوم، معنى العلم ضد الجهل، معنى السمع ضد الصمم، معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع بالبصر بالعلم لا نعلم، هذا لا يعلمه إلا هو -سبحانه تعالى-، لا يعلم كيفية الصفات إلا هو، كما لا يعلم كيفية الذات إلا هو-سبحانه وتعالى-، لكن المعنى معلوم، معاني الصفات معلومة، خلافا للمفوضة والمفوضة: طائفة يفوضون المعنى، يقولون: ما نفهم المعنى، لا ندري ما معنى السمع، ولا نعلم معنى السمع، ولا نعلم معنى البصر. كأنه بمثابة الحروف الأعجمية، كأنها كلمات أعجمية، وهذا باطل، هذا من أبطل الباطل.

وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف مذهب السلف لا يفوضون، بل يعرفون المعنى، المعنى معلوم، لكن الذي يُفَوَّضُ علم الكيفية، كما قال الإمام مالك -رحمه الله، لما سئل عن الاستواء- فقال: الاستواء معلوم. يعني: معلوم معناه في اللغة العربية. الاستواء معناه: العلو والصعود والاستقرار والارتفاع. كما قال السلف استوى استقر وعلا وصعد وارتفع، هذا المعنى اللغوي، لكن الكيفية، كيفية استواء الرب، لا نعلم.

ولهذا قال الإمام مالك "الاستواء معلوم -يعني: معلوم معناه في اللغة العربية يفسر- والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". وهذا يقال في جميع الصفات، كل الصفات هكذا، معنى الصفات: السمع والبصر والعلم والقدرة، يقول: المعنى معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفة خلقه". لا يشبهون، لا نقول: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولا نكيف: لا نقول كيفيتها كذا، ولا نحرف ولا نعطل.


فالناس أقسام:

1 - من الناس من أثبت الصفات، لكن شبه، شبهه بصفات المخلوقين، قال: لله سمع كسمعنا، وبصر كبصرنا، وعلم كعلمنا، ويد كأيدينا. هذا مذهب المشبهة وهم غلاة "غلاة الشيعة "، ومنهم " البيانية " الذين ينتسبون إلى بيان بن سمعان التميمي و" السالمية " الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي

وكان بعضهم يقول: إن الله على صورة الإنسان، وإن الله ينزل عشية عرفة على جمل، ويحاضر ويسامر ويصافح. ومنهم من قال: إنه يندم ويحزن ويبكي. قبحهم الله، وتعالى الله عما يقولون، كما قالت اليهود هؤلاء المشبهة وهم كفرة، وأكثرهم من غلاة الشيعة

غلاة الشيعة بيانية وهاشمية يقولون: صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء بسواء. مشبهة، هؤلاء مشبهة، وهم كفرة، ومن شبه الله بخلقه، وشبه صفته بصفاته خلقه، فهو في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثنًا صوره له خياله ونحته له فكره، فهو من عبَّاد الأوثان لا من عبَّاد الرحمن، كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في "الكافية الشافية":

لسنا نشبه وصفه بصفاتنا

إن المشبه عابد الأوثان


المشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، وشبهوا عيسى بالله. ولهذا يقول العلامة ابن القيم

مـن شبه الله العظيم بخلقه

فهو النسيب لمشرك النصراني


فهؤلاء المشبهة شبهوا الله بخلقه.

2 - والطائفة الثانية: المعطلة وهم الذي نفوا الصفات من الله، نفوا السمع والبصر والعلم والقدرة، قالوا... أنكروا الصفات، قالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر، ولم يستو على العرش. ونفوا العلم وسائر الصفات، وهذا مذهب المعتزلة والجهمية يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات، للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا: لو قلنا: إن لله سمعا، لشبهنا الله بالخلق. ولو قلنا: إن الله له بصر، لشبهنا الخالق بالمخلوق. لو قلنا: إن لله بصرًا، لشبهناه بالمخلوق، لو قلنا: إن له استواء، لشبهناه بالمخلوق، فإذن ننفيه، ننفي الصفات كلها.

فهؤلاء على طرفي نقيض: المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا، وشبهوا الله بصفات المخلوقين، شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة يعني: الجهمية المعتزلة وكذلك الأشاعرة يثبتون لله سبع صفات، وبقية الصفات ينفونها.

هؤلاء نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر. هؤلاء غلوا في النفي بزعمهم، غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقات، وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات، لكن ما نغلو في الإثبات حتى نصل للتشبيه كما قالت المشبهة ونزهوا الله عن صفات المخلوقين، قالوا: إن الله لا يشبه صفات المخلوقين. لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعطيل؛ فصار مذهب أهل السنة وسطًا، وسط وحق بين باطلين، وهدى بين ضلالين، فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة

المعطلة معهم حق هو التنزيه، لكن معهم باطل، وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات، لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات، حتى شبهوا الله بالمخلوقين. أهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة وأخذوا الحق الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المشبهة ونفوا الباطل الذي مع المعطلة

أخذوا الحق الذي مع المشبهة وهو الإثبات "إثبات الصفات"، ونفوا الباطل وهو التشبيه، وأخذوا الحق الذي مع المعطلة وهو التنزيه، ونفوا الباطل الذي هو نفي الصفة، فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. من بين دم التشبيه وفرث التعطيل.

هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه". فيقولون -أي أهل السنة والجماعة -: إنه خلق آدم بيده أو بيديه، كما نص -سبحانه- عليه في قوله -عز وجل:- قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .

هذه الآية فيها إثبات اليدين لله. نقول: إن لله -سبحانه وتعالى- يدين، لا يشابه فيها أيدي المخلوقين, ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.

يقول المؤلف: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله". "أهلكهم الله"، هذا دعاء من المؤلف عليهم، دعا عليهم بالهلاك, المعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات، ماذا كان موقفهم؟

موقفهم النفي، فلما وردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله -سبحانه وتعالى-: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وكذلك الآية الأخرى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فيه إثبات اليدين لله -عز وجل-، وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف: خبر محاجة آدم موسى قال: خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته وحديث: خلق الفردوس بيده تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ والذي نفسي بيده كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده: المراد الجنس. والآية: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وهذا فيه إثبات جنس اليد، والمراد: يدا الله، إثبات اليدان لله، كلمتان.

لما أورد عليهم النصوص قالوا: نحن نفسر اليدين بالنعمتين، اليد بالنعمة، معناها النعمة، خلق الله آدم بيده يعني: بنعمته أو بالقدرة. لهم تفسيران:

التفسير الأول: فسروا اليد بالنعمة.
والتفسير الثاني: التفسير بالقدرة.


الرد أن نقول: هذا باطل بسببين:

أولا: لأنه تحريف للكلم عن مواضعه. الله -تعالى-عاجز عن أن يقول لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده-سبحانه وتعالى- النعمة والقدرة لقال، لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي. هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومعارضة للنصوص وإبطال لها.
الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد به المعنى، يفسد المعنى؛ لأن الله -تعالى- أخبر أن له يدين: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ لو لم يأت إلا إثبات يد واحدة، يمكن أن يكون لتأويلهم -يعني- تلبيس، اليد يقول: معناها النعمة والقدرة. لكن لما جاءت في النصوص إثبات اليدين: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ إذا فسرت اليد بالنعمة، ماذا تكون معناها؟ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بنعمتي، معناه حصر النعمة، هل ما فيه إلا النعمتان؟ والله له نعم كثيرة، فإذا فسرتها بالقوة "بقوتي"، إذن الله له قوتان فقط؟! فيفسد المعنى.

فتفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى.

أولا: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه.
وثانيا: أنه يفسد المعنى بتفسير اليد بالقدرة أو القوة، لأن اليد... لأنه جاء إثبات اليدين لله -عز وجل-، فليست يدًا واحدة، وإنما هو يدان؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله".

يقول المؤلف: ولا يكيفوهما بكيف: ما يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا، أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون: الله أعلم بالكيفية "كيفية اليد"، له يدان-سبحانه وتعالى-، كريمتان تليقان بجلالته وعظمته، لا تماثل أيدي المخلوقين. ولا نكيف: فلا نقول: كيفيتها كذا ولا كذا. لا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بيدي المخلوقين.

كذلك لا يقولون: إن يديه -سبحانه- تشبه أيدي المخلوقين. هذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون، هذا مذهب المشبهة ؛ ولهذا قال المؤلف: "لا يكيفونهما بكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله".

وقد أعاذ الله -تعالى - أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه، أعاذهم الله فلم يشبهوا: لم يقولوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين. ولم يكيفونها: يقولون: إن كيفيتها على كذا وكذا. ولم يشبهونها بصفات المخلوقين، فأعاذهم الله -سبحانه وتعالى-، أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، يعني: عرفهم وفهمهم الحق، فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة.

"منَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه": وحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين، فهم أثبتوا الصفات، ونزهوا الله عن مشابهة المخلوقات.

"وتركوا القول بالتعليل والتشبيه": ما عللوا ولا شبهوا ولا قالوا: إننا ننفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه، أو العلة كذا أو العلة كذا، فتركوا التعليل، وتركوا القول بالتعليل أو التشبيه، واتبعوا قول الله -عز وجل-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

فهذه الآية فيها رد على الطائفتين: رد على المشبهة والممثلة ورد على المعطلة قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر.

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة الذين يقولون: إن صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين. رد عليهم بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فهذه الآية الكريمة فيها رد على الطائفتين: على المشبهة الممثلة وعلى المعطلة

يقول المؤلف -رحمه الله-: وكما ورد القرآن بذكر اليدين، في قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فيه إثبات اليدين، وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وردت الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد. يعني يقول: كما ورد القرآن بذكر اليدين، وردت السنة بذكر اليدين. فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين جاء في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة، فكما ورد القرآن بذكر اليدين، وردت السنة المطهرة بذكر اليدين.

"ورد في الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد: كخبر محاجة آدم وقوله له: خلقك الله بيده". في الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: احتج آدم وموسى فقال موسى -عليه الصلاة والسلام- لآدم أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فكم وجدت مكتوبا عليَّ قبل أن أُخْلق؟ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى فقال: بكذا وكذا. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فحاج آدمُ موسى .

فحاجه يعني: غلبه بالحجة، وذلك أن آدم احتج عليهم بأن هذه المصيبة، وهي إخراجه من الجنة، هذه مصيبة مكتوبة عليه، احتج بالقدر؛ ولهذا حج آدمُ موسى والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي: يعصي الله ويحتج بالقدر، هذا طريقة المشركين لكن الاحتجاج بالقدر على المصائب فلا بأس به.

إذا أصاب الإنسان مصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل. آدم وموسى لما في خبر المحاجة، قال موسى لآدم خلقك الله بيده. أثبت اليد لله. ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل: وهو أن الملائكة قالت: يا ربنا، أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون ويشربون، فأعطنا الآخرة. فقال الله -عز وجل-: لا أجعلُ صالحَ من خلقتُ بيدِي، كمن قلت له كن فكان .

هذا احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة وأنهم أفضل، وهذا في النهاية، عند دخولهم الجنة، حين يكملهم الله -عز وجل- ويطهرهم.

فهذه المسألة، وهي مسألة تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: أن الأنبياء وصالح البشر أفضل.

ومن الأدلة هذا الحديث: أنه طلبت الملائكة من الله -عز وجل- أن يجعلهم أفضل من بني آدم، قالوا: ربنا، جعلت لهم الدنيا يأكلون ويشربون - والملائكة لا يأكلون ولا يشربون-، فاجعل لنا الآخرة. فقال الله -عز وجل-: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي... -من هو الذي خلقه بيده؟ آدم كمن قلت له كن فكان .

فآدم خلقه الله بيده، والملائكة خلقوا بكلمة "كن"، قال الله لهم: كن فكانوا، فهذا من الأدلة التي احتج بها، وهذا حديث لا بأس به، احتج به العلماء أو المحققون من أهل العلم، على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة.

وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الله الفردوس بيده وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، كما ذكر المحشي -رحمه الله- أنه أعل بالإرسال، ورواه متصلا الديلمي في مسند الفردوس، وفيه كلام لأهل العلم، وسواء صح الحديث أو لم يصح، فاليد ثابتة لله -عز وجل- في القرآن العزيز، وفي السنة المطهرة
========================================
السلف وأصحاب الحديث يثبتون جميع الصفات لله كما يليق بجلاله
وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت به الأخبار الصحاح، من السمع والبصر، والعين والوجه، والعلم والقوة، والقدرة والعزة والعظمة، والإرادة والمشيئة، والقول والكلام، والرضا والسخط، والحب والبغض، والفرح والضحك وغيرها، في نسخة: "والحياة واليقظة" من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين.

بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله -تعالى-، وقاله رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب وتضعه عليه، بتأويل منكر مستنكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله - وتعالى-، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله-وتعالى-: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ .

وفي نسخة تانية: وآيات الكتاب وأخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات، وغيرها كثيرة يطول الكتاب بإحصائها.

وذكر اتفاق أئمة الملة وعلمائها على صحة تلك بها الأخبار الواردة بها، وأكثرها مخرج بالأسانيد الصحيحة في كتاب الانتصار، وشرطنا في أول هذا الكتاب الاختصار، والاقتصار على أدنى المقدار، دون الإكثار برواية الأخبار، وذكر أسانيدها الصحيحة عن نقلة الآثار، وذكر أسانيدها الصحيحة عن نقلة الآثار، ومصنفي المسانيد الصحاح الكبار.


--------------------------------------------------------------------------------

يقول المؤلف -رحمه الله-: وكذلك معتقد السلف وأصحاب الحديث، يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح، يجرونها مجرى واحد، يثبتونها، يثبتون جميع الصفات كما يليق بجلال الله وعظمته، وينفون عنها التمثيل والتكييف، ويثبتون الصفات، يثبتون الصفات إثباتاً بلا تمثيل ولا تشبيه، وينفون عن الله مماثلته المخلوقين، وهم يثبتون الصفة، لا يعطلون الصفة كما تفعل المعطلة ولا يمثلونها بصفات المخلوقين كما تفعل المشبهة

يقول المؤلف -رحمه الله-: كما أن أهل السنة والجماعة يثبتون اليد لله، كما ورد فيها النصوص، كذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح. وإنما وردت الواو، أي يعني: لا يشترط في ثبوت الصفة أن تأتي في القرآن وفي السنة، بل إذا أتت في القرآن أو في السنة وجب إثباتها.

يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، أو وردت بها الأخبار الصحاح، ثم مثل لهذه الصفات قال: من السمع -صفة السمع يثبتونها لله-، والبصر يثبتونها لله، والعين والسمع، قال -تعالى-: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وهو السميع البصير هذا صفة السمع والبصر، والعين أيضا، هذا ثابت في حديث الدجال، وأن لله عينين.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن ربكم ليس بأعور، وإن المسيح الدجال أعور، عينه اليمنى كأن عينه عنبة طافية استدل العلماء بهذا الحديث على إثبات العينين لله، وأن لله -تعالى- عينين سليمتين، بخلاف الدجال فإن له عين واحدة، والعين الأخرى طافية، كأنها عنبة طافية، فيه إثبات العينين لله عز وجل.

وكذلك الوجه، إثبات الوجه، قال -تعالى-: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ والعلم: وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا والقوة: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ والقدرة: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ والعزة: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ والعظمة، كذلك في الحديث: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي والإرادة: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ .

والإرادة تنقسم إلى قسمين: إرادة كونيه قدرية ترادف المشيئة، وإرادة دينية شرعية ترادف المحبة. والمشيئة: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ والقول: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ والكلام: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا والرضا: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ والسخط: سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فثبطهم وفي نسخة: "والحياة واليقظة".

الحياة نعم ثابتة، وهو الحي القيوم، أما اليقظة فهذا يحتاج إلى دليل، في نسخة: نعم الحب والبغض، المحبة: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ والبغض: إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه. فيحبه جبريل وتوضع له المحبة في الأرض، وإذا أبغض شخصا نادى جبرائيل إني أبغض فلانا فأبغضه. فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه. فيبغضه أهل السمـاء، ثم توضع له البغضاء في الأرض وفي الآية الكريمة يقول الله -تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ والمقت: أشد البغض. فالحب والبغض ثابت لله.

فالنسخة الثانية فيها إثبات الحياة واليقظة، فاليقظة هذه تحتاج إلى دليل لثبوتها، أنها من صفات الله، لا نعلم الدليل في إثباتها من الكتاب أو من السنة، في إثبات صفة اليقظة لله، إنما الحب والبغض والحياة ثابتة. والفرح، هذه صفة ثابتة لله للحديث: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يفقد راحلته، وعليها طعامه ومتاعه... إلى آخر الحديث. والضحك: يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة وغيرها.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "إن أهل السنة والجماعة والسلف وأهل الحديث، يثبتون الصفات التي وردت في القرآن العزيز وفي السنة المطهرة". ومثَّل لهذه الصفات: من السمع والبصر، والعينين والوجه، والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة، والإرادة والمشيئة، والقول والكلام، والرضا والسخط، والحياة، والحب والبغض، والفرح والضحك وغيرها، هذه أمثلة.

"من غير تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبيين المخلوقين": أي لا يقولون: إن سمع الخالق مثل سمع المخلوق. لا يشبهون، بل ينفون التشبيه، فالله -تعالى- له صفات تليق بجلاله وعظمته، لا يماثل أحدا من خلقه، بل ينتهون فيها إلى ما قال الله -تعالى-، وقاله رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني: يقفون عند النصوص. "من غير زيادة عليه": من غير زيادة على قول الله وقول الرسول، من غير زيادة على النصوص. "ولا إضافة إليها": لا يضيفون إليها شيئا، بل يقولون كما قال الله. أثبت الله لنفسه السمع تثبت السمع، أثبت الله لنفسه البصر تثبت البصر، وهكذا.

"من غير زيادة عليه، ولا إضافة إليه ولا تكييف": لا يقولون كيف هذه الصفة كذا كذا؟ إن سمع الله على كيفية كذا، إن بصره على كيفية كذا، لا يكيفون. "ولا تشبيه": لا يشبهونها بصفات المخلوقين. "ولا تحريف": لا يحرفون الصفات ويقولون: معنى اليد: النعمة، ومعناها: القدرة. هذا تحريف وتبديل.

"ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير": لا يحرفون ولا يبدلون، لا يحرفون الألفاظ، ولا يحرفون المعاني. الجهمية حرفوا، قالوا: معنى استوى: استولى، استوى: استولى. هذا تحريف؛ ولهذا يقول العلماء: إن الجهمية هنا شابهوا اليهود ؛ فإن اليهود قال الله لهم: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ يعني: حط عنا يا الله، حط عنا يا الله ذنوبنا، واغفرها لنا. فحرفوا وقالوا: حنطة. حرفوا في اللفظ وفي المعنى، أمرهم الله أن يدخلوا سجدا، فدخلوا يزحفون على أستاههم "على أدبارهم"، وأمرهم الله أن يقولوا: حطة. فغيروا وقالوا: حنطة. غيروا في اللفظ وفي المعنى.

والجهمية غيروا "استوى"، قالوا: استولى. ولهذا يقول العلماء: "لام الجهمية مثل نون اليهود ". لام الجهمية في "استولى" زادوها، زادوا على نص "استوى"، قالوا: استولى. واليهود زادوا في النص، قال الله لهم: وَقُولُوا حِطَّةٌ فقالوا: "حنطة"، زادوا النون. فلام الجهمية كنون اليهود

فأهل السنة والجماعة لا يحرفون، ولا يغيرون ولا يبدلون كما تفعل الجهمية وكما يفعل اليهود ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "إنهم ينتهون إلى قول الله وقول الرسول، من غير زيادة ولا إضافة، ولا تكييف ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل، ولا تغيير لا في اللفظ ولا في المعنى".

لا في إضافة ولا زيادة، ولا يقولون: كيفية الصفة على كذا وكذا، ولا يقولون: تشبه صفة المخلوقين. ولا يحرفون اللفظ، ولا يحرفون المعنى، ولا يبدلون ولا يغيرون، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب. فالاستواء غير الاستيلاء، فتأويل "استوى" بـ"استولى" هذا تغيير، إزالة اللفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه في تأويل منكر.

فأهل السنة لا يزيلون لفظ الخبر عما تعرفه العرب وتأولوا عليه بتأويل منكر، مثل ما ذكرت لكم، مثل: تأويل الجهمية في "استوى" بـ"استولى"، هذا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب بتأويل منكر، تأويل استوى باستولى تأويل منكر.

"ويجرونه على الظاهر": يجرون الصفات على ظاهرها. "ويكلون علمه إلى الله عز وجل": علم الكيفية يكلونها إلى الله، يفوضونها إلى الله، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، تأويله يعني: تأويل الكيفية، لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم، أنهم يقولون في قوله -عز وجل-: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .

الراسخون في العلم يؤمنون بالنصوص، ولا يمثلون ولا يكيفون ولا يشبهون، يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا آمنا بالمتشابه وبالمحكم. يعملون بالمحكم ويؤمنون بالمتشابه، ولا يحرفون.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "وآيات الكتاب وأخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة". يقول: الآيات، والنصوص التي فيها إثبات الصفات، سواء من الكتاب أو من السنة كثيرة، يطول الكتاب بإحصائها، لكن أعطيك قاعدة وهي:

يجب على كل مسلم أن يثبت النصوص التي وردت في الكتاب والسنة، ولا يحرف ولا يكيف ولا يمثل. إثبات من غير تكييف ولا تمثيل، وتنزيه لله عن مشابهة المخلوقين، لكن من غير تعطيل للصفات. فأثبت الصفة، ولا تعطل ولا تمثل، لا تمثلها بصفات المخلوقين كما تفعل المشبهة، ولا تعطل بأن تنفي الصفة كما نفتها المعطلة.

هذه القاعدة، كل ما ورد نص في القرآن العزيز أو السنة المطهرة، بإثبات صفة من صفات الله، أو اسم من أسماء الله، أو فعل من أفعاله، أثبته لله: اجتنب باطلين، ما هما الباطلان؟ الباطل الأول: التمثيل بصفات المخلوقين. والباطل الثاني: تعطيل الصفة. إذًا من مثل فقد شابه المشبهة ومن عطل فقد شابه المعطلة

فأثبت الصفة، واحذر من التمثيل، واحذر من التعطيل؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "وآيات الكتاب وأخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة المنيرة، الناطقة بهذه الصفات وغيرها كثيرة، يطول الكتاب بإحصائها، وذكر اتفاق أئمة الملة وعلمائها على صحة تلك الأخبار الواردة بها".

يقول: لو أردنا أن نستقصي النصوص من الكتاب، التي فيها إثبات الصفات من الكتاب ومن السنة، ونذكر كلام العلماء وأن العلماء اتفقوا على صحة تلك الأخبار الواردة بها -لطال الكتاب.

ويقول: "وأكثرها، أكثر النصوص التي وردت في السنة المطهرة، مخرج بالأسانيد الصحيحة في كتاب الانتصار". كتاب "الانتصار" كتاب للمؤلف -رحمه الله-، والكتاب أطول من هذا، فالمؤلف أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني له كتاب سماه "الانتصار"، سرد فيه النصوص التي وردت في السنة، في إثبات الصفات بالأسانيد، سردها بالأسانيد، أما هذا الكتاب فهو مختصر حذف الأسانيد.

فيقول المؤلف -رحمه الله-: إذا أردت التوسع ارجع إلى كتابي "الانتصار"، وستجد أن النصوص من السنة بأسانيدها، أما هذا الكتاب فإنه حذف الأسانيد في الغالب، وقد يذكر الأسانيد، وحذف كثيرا منها طلبا للاختصار؛ ولهذا قال المؤلف: "وشرطنا في أول هذا الكتاب الاختصار، والاقتصار على أدنى مقدار دون الإكثار". يعني: هذا الكتاب الذي معنا، وهو "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، شرطت في أول الكتاب أني اختصر ولا أطول؛ حتى لا يمل القارئ، وشرطي أن اقتصر على أدنى مقدار، وأدنى مطلوب، دون الإكثار برواية الأخبار، وإذا أردت التطويل أو أردت الأسانيد، فارجع إلى كتابي "الانتصار"، الذي هو أطول من هذا الكتاب.

ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "شرطي الاقتصار على أدنى المقدار، دون الإكثار برواية الأخبار، وذكر أسانيدها الصحيحة عند نَقَلَةِ الآثار، ومصنفي المسانيد الصحاح الكبار". يقول: أنا لم أذكر أسانيدها الصحيحة التي وردت في مسند الإمام أحمد في البخاري في صحيح البخاري في صحيح مسلم في سنن أبي داود في سنن الترمذي في سنن ابن ماجه في سنن النسائي في صحيح ابن خزيمة في صحيح ابن حبان في مستدرك الحاكم في مسند الإمام أحمد مسند أبي يعلى سنن الدارمي أو غيرها.

يقول: لو أردت أن أستقصي أسانيدها الصحيحة عند نقلة الآثار لطال الكتاب، ولكني أحيلك على كتاب "الانتصار"، إذا أردت التطويل وأردت الأسانيد، فارجع إلى كتاب "الانتصار"، أما هذا الكتاب فإنه شرطت فيه الاختصار.
=========================================

القرآن كلام الله غير مخلوق
أصحاب الحديث يعتقدون أن القرآن كلام الله غير مخلوق
ويشهد أهل الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه ووحيه وتنزيله، غير مخلوق، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم، والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه، هو الذي نزل به جبريل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا كما قال -عز وجل-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ .

وهو الذي بلغه الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته، كما أمر به في قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فكان الذي بلغهم بأمر الله -تعالى- كلامه -عز وجل-، وفيه قال -صلى الله عليه وسلم-: أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي؟ وهو الذي تحفظه الصدور، وتتلوه الألسنة، ويُكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ، ولفظ لافظ، وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرئ، وكتب في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كلُّه كلام الله -جل جلاله- غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم.

سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: "القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: إن القرآن مخلوق، فهو كافر بالله العظيم، لا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه".


--------------------------------------------------------------------------------

هذا الكلام الذي ذكره المؤلف -رحمه الله- في إثبات القرآن، وأنه كلام الله عز وجل.

وصفة الكلام قلت لكم: إنها من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع وأنها من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع صفة الكلام وصفة الرؤية وصفة العلو، هذه الصفات اشتد فيها النزاع بين أهل السنة وبين أهل البدع من أثبتها فهو من أهل السنة ومن نفاها فهو من أهل البدعة

ثلاث صفات:

الصفة الأولى: صفة الكلام.

والصفة الثانية: صفة الرؤية، رؤية الله عز وجل.

والصفة الثالثة: صفة العلو.

فالكلام لا يثبته الجهمية ولا المعتزلة والأشاعرة يثبتون الكلام على أنه معنى قائم بالنفس، لا يثبتونه على أنه حرف وصوت، والرؤية كذلك ينكرونها، لا يثبتونها، الجهمية المعتزلة والأشاعرة وكذلك العلو.

فالمؤلف -رحمه الله- يقول: "إن أصحاب الحديث يعتقدون أن القرآن كلام الله وكتابه وخطابه". يبين المؤلف -رحمه الله- عقيدة السلف وأصحاب الحديث، أنهم يعتقدون أن القرآن كلام الله، تكلم به بصوت وحرف، تكلم الله بالقرآن وسمعه منه جبرائيل -عليه الصلاة والسلام-، ونزل به وحيا على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله -عز وجل-: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ .

أهل الحديث، وأهل السنة والجماعة والسلف الصالح يشهدون ويعتقدون أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، وأن الله تكلم به بحرف وصوت، سمعه منه جبرائيل والجهمية أنكروا أن يكون الله قد تكلم، يقولون: القرآن ليس كلام الله، وإنما هو مخلوق. وكذلك المعتزلة أنكروا، قالوا: إن الله لم يتكلم، ليس لله كلام. أنكروا اللفظ والمعنى، وقالوا: إن الله خلق الكلام وأضافه إليه. فيقولون: إن الله خلق الكلام في الشجرة، والشجرة هي التي كلمت موسى وقالت: يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .

الشجرة تقول: إني أنا الله رب العالمين؟! يقولون: خلق الكلام في الشجرة. يقولون: الكلام مخلوق. الجهمية المعتزلة الأشاعرة يقولون: الكلام... نحن نثبت الكلام، لكن لا نثبت الكلام على أنه لفظ ولا حرف ولا صوت، الكلام معنى قائم بنفسه الرب لا يسمع، قائم في نفسه، كما أن العلم في نفسه، فكذلك الكلام قائم في نفسه.

ماذا يقولون في القرآن؟ الأشاعرة هم أقرب الطوائف إلى أهل السنة ومع ذلك ما أثبتوا الكلام، يقولون: القرآن الموجود في المصاحف ليس كلام الله، كلام الله معنى قائم بنفسه، لكن هذا عبارة عن كلام الله، عبر به جبريل أو عبر به محمد

قالوا: إن الله لم يتكلم بحرف ولا صوت، ولم يسمع جبريل من الله حرفا ولا صوتا، ولكن الله اضطر جبريل اضطره ففهم المعنى القائم بنفسه، اضطره اضطرارا، جعل الله -والعياذ بالله-، كالأخرس لا يتكلم. يقولون: إنه عاجز عن الكلام لا يتكلم، فالكلام معنى قائم بالنفس، لا يستطيع أن يتكلم. نعوذ بالله، ولا يتكلم بقدرته ومشيئته. فإن قلنا: من أين هذا القرآن؟

قالوا: هذا القرآن، الله -تعالى- اضطر جبريل اضطرارا، ففهم المعنى القائم بنفسه، ثم ذهب فعبر بهذا القرآن وأوصله إلى محمد عبارة عبر بها جبريل اللفظ من جبريل والمعنى مفهوم، فهمه جبريل من الله فعبر.

وقالت طائفة من الأشاعرة الذي عبر به محمد ليس بجبريل وقالت طائفة من الأشاعرة إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ وأنزله على محمد وكل هذه أقوال باطلة، والذي يعتقده أهل السنة والجماعة وأهل الحديث والسلف أن كلام الله لفظه ومعناه بحرف وصوت، وأن الله تكلم به فسمعه جبرائيل ونزل به على محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذا هو عقيدة أهل السلف وعقيدة أهل السنة والجماعة

ولهذا قال العلماء: "من قال إن القرآن مخلوق فهو كافر". كما سمعنا، ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وكتابه وخطابه ووحيه وتنزيله، غير مخلوق". هذه عقيدة أهل السنة والجماعة القرآن لفظ ومعنى تكلم الله به، وهو كتاب الله، وهو خطابه، وهو وحيه وتنزيله، وأن كلام الله اللفظ والمعنى، بحرف وصوت. ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم؛ ولهذا قال كثير من أئمة السلف كثير من الأمة قالوا: من قال القرآن مخلوق، فهو كافر.

وهذا الحكم إنما هو على العموم، أما شخص معين فلان بن فلان إذا قال: القرآن مخلوق، فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة وتزال الشبهة، إذا كان عنده شبهة، لكن على العموم، من قال: القرآن مخلوق، أو كلام الله مخلوق فهو كافر، أم الشخص المعين إذا تكلم بهذا فإنه يكفر، إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، إذا قامت عليه الحجة ولم يكن عنده... وزالت الشبهة، وأصر كفر؛ لأنه قد يكون عنده شبهة، أو قد يكون عنده لبس، فلا بد أن يزال اللبس وتزال الشبهة، فإذا أصر حكم بكفره.

يقول المؤلف -رحمه الله- في بيان عقيدة السلف وأصحاب الحديث: "والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه، وهو الذي ينزل به جبريل على الرسول عليه الصلاة والسلام". أي: لفظه ومعناه نزل به من عند الله: قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فيه البشارة والنذارة كما قال -عز من قائل-: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وهو جبريل عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وهو الذي بلغه الرسول-صلى الله عليه وسلم- أمته كما أُمر.

فهذا القرآن تكلم الله به، وبلغه جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- بلغه أمته، فهذا القرآن الذي نتلوه ونسمعه ونقرأه ونحفظه، هو كلام الله، وكلام الله الذي تكلم به بلفظه ومعناه، وسمعه منه جبرائيل ونزل به على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بلغه أمته، كما قال الله -عز وجل-: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ بلغ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إذن القرآن منزل من عند الله.

يقول المؤلف: فكان الذي بلغهم بأمر الله -تعالى- هو كلام الله. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بالتبليغ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ فالرسول بلغ كلام الله بأمر الله. وفيه قال -صلى الله عليه وسلم-: أتمنعونني أن أبلغ كلام ربي؟ هذا الحديث حديث صحيح لما منعه الكفار من دعوة الناس، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أثبت أنه كلام الله الذي تكلم به.

"وهو الذي تحفظه الصدور وتتلوه الألسنة، ويكتب في المصاحف، كيفما تصرف بقراءة قارئ، ولفظ لافظ، وحفظ حافظ، وحيث تلي، وفي أي موضع قرئ وكتب، في مصاحف أهل الإسلام وألواح صبيانهم وغيرها، كله كلام الله".

يعني يقول: كلام الله -عز وجل- كيفما تصرف فهو كلام الله، إن حفظه الحافظ فكلام الله له محفوظ، وإن تلاه التالي فكلام الله له متلو، وإن كتب فكلام الله مكتوب، كيفما تصرف فهو كلام الله حقيقة، وليس مجازا.

كلام الله محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، إذا قرأه القارئ يقال: قرأ القارئ كلام الله. إذا تلاه التالي يقال: تلا التالي كلام الله. إذا حفظه الحافظ يقال: حفظ الحافظ كلام الله. إذا كتبه الكاتب يقال: كتب الكاتب كلام الله. وهذه حقيقة ليس مجازا، ولو كان مجازا لصح أن يوجه النفي إليه، فيقال: ما قرأ القارئ كلام الله، ما تلا التالي كلام الله، ما كتب الكاتب كلام الله، وهذا باطل، لا يقال.

ما قرأه القارئ هو كلام الله. فإذا قرأ القارئ كلام الله يقال: كلام الله مقروء حقيقة. إذا تلاه يقال: كلام الله المتلو. إذا حفظه في صدره يقال: كلام الله محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، كما قال الله -تعالى- في سورة العنكبوت: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .

إذًا القرآن محفوظ في الصدور، متلو بالألسنة، مكتوب في المصاحف، كيفما تصرف فهو كلام الله، حيث تلي أو لفظ أو حفظ،أو قرئ أو كتب في مصاحف أهل الإسلام، وفي ألواح الصبيان.

كان الناس في الأول، قبل أن توجد المدارس، يكتبون في اللوح: اللوح قطعة من الخشب تطلى بالطين، يكتب عليه الآيات، ويكتب عليه السورة من قصار السور، حتى يتعلم الصبي. فيقال: كتب في اللوح كلام الله، كتب في المصحف كلام الله. فكلام الله مكتوب في مصاحف الإسلام وألواح الصبيان وغيرها، كله كلام الله جل جلاله.

يقول المؤلف -رحمه الله-: "وهو القرآن بعينه الذي نقول إنه غير مخلوق". يعني: كلام الله القرآن الذي مكتوب في المصاحف، ومتلو بالألسن، ومحفوظ في الصدور، هو القرآن بعينه الذي نقول إنه غير مخلوق، فمن زعم أنه مخلوق فهو كافر بالله العظيم، وهذا الحكم ثابت عن عدد من الأئمة، كالإمام أحمد وغيره، يقولون: من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر.

ثم ذكر المؤلف -رحمه الله- السند، روى بسنده عن شيخه الحافظ الحاكم الحاكم هو شيخ الصابوني فالصابوني -رحمه الله- يروي عن شيخه الحاكم صاحب "المستدرك"، والحاكم يروي عن حسان بن محمد وحسان بن محمد يروي عن الإمام أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فيكون من شيوخ شيوخه ابن خزيمة

فالمؤلف يروي بالسند هذا الأثر، يقول: سمعت شيخنا الحاكم أبا عبد الله الحافظ -رحمه الله- يقول: سمعت الإمام أبا الوليد حسان بن محمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح، يقول: "القرآن كلام الله غير مخلوق، فمن قال: إن القرآن مخلوق، فهو كافر بالله العظيم، ولا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض، ولا يصلى عليه إن مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه".

إذن الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة كفر من قال: القرآن مخلوق، يقول: كافر.

وروي عنه أنه قال: "من لم يقل بأن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه، يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وطرح على مزبلة؛ حتى لا يتأذى به أهل الإسلام ولا أهل الذمة ". لأنه كافر، كفره أشد من كفر أهل الذمة: اليهود والنصارى فكفره أشد من كفر اليهود والنصارى يقتل ويطرح على مزبلة؛ حتى لا يتأذى به المسلمون، ولا يتأذى به اليهود والنصارى نسأل الله السلامة والعافية.

والمؤلف -رحمه الله- قصده من هذا الرد على من أنكر أن يكون كلام الله في المصاحف، الأشاعرة يقولون: كلام الله معنى قائم بالنفس، أما المصاحف ليس فيها كلام الله. الأشاعرة -والعياذ بالله- مع أنهم أقرب الطوائف، حتى إن بعضهم غلا ويدوس المصحف بقدميه، يطأه، فإذا قيل له، قال: ما فيه كلام الله، كلام الله معنى قائم بنفسه، المصحف هذا ليس فيه كلام الله، ما فيه، عبارة كلام الله. والعياذ بالله.

فالمؤلف -رحمه الله- يرد على هؤلاء ويبين مذهبهم، وأنه كفر وضلال، فالقرآن كلام الله مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، متلو بالألسن.
==========================================
مسألة اللفظ في القرآن
فأما اللفظ بالقرآن، فإن الشيخ أبا بكر الإسماعيلي الجرجاني ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق -يريد به القرآن-، فقد قال بخلق القرآن.

وذكر ابن مهدي الطبري في كتاب الاعتقاد الذي صنفه لأهل هذه البلاد، أن مذهب أهل السنة والجماعة القول بأن القرآن كلام الله -سبحانه- ووحيه وتنزيله، وأمره ونهيه، غير مخلوق، ومن قال: مخلوق، فهو كافر بالله العظيم، وأن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله -عز وجل- به، ومن قال: إن القرآن بلفظه مخلوق، أو لفظه به مخلوق، فهو جاهل ضال كافر بالله العظيم.

وإنما ذكرت هذا الفصل بعينه من كتاب ابن مهدي ؛ لاستحساني ذلك منه، فإنه اتبع السلف من أصحاب الحديث فيما ذكره، مع تبحره في علم الكلام وتصانيفه الكبيرة فيه، وتقدمه وتبرزه عند أهله.


--------------------------------------------------------------------------------

نعم، يقول المؤلف -رحمه الله-: إن مسألة اللفظ في القرآن هذه، مسألة حَدَثَتْ ولم تكن معروفة عند السلف وهو أن بعضهم تكلم وقال: لفظي في القرآن مخلوق. فأنكر عليه العلماء وأهل الحديث، وقالوا: إن هذا الكلام ليس معروفا، عند السلف وأصحاب الحديث؛ ولهذا قال المؤلف-رحمه الله-: نقل عن الشيخ أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني أنه ذكر في رسالته التي صنفها لأهل جيلان قال فيها: "من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق -يريد به القرآن-، فقد قال بخلق القرآن".

وهذه المسألة، وهي مسألة اللفظ، حصل فيها فتنة بين المحدثين، حتى إن البخاري -رحمه الله- رُمِيَ بمسألة اللفظ، وقيل له، وهجره بعض أهل الحديث وقالوا: إنه يقول بمسألة اللفظ. وهي مسألة مُحدثة، وهي قول: "لفظي في القرآن مخلوق". نقول: هذا باطل، هذا الكلام ليس معروفا عند السلف القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، ولا تتكلم باللفظ؛ لأن هذا خلاف ما كان عليه السلف الصالح.

والبخاري -رحمه الله- ذكر في صحيحه أن الشخص "الإنسان"، مخلوق بأقواله وأفعاله، ميز، وأما كلام الله فهو منزل غير مخلوق.

فالذي يقول: إن لفظي في القرآن مخلوق، قال قولا مبتدعا؛ لأنه لم يقله السلف يقول: أنت مخلوق بأقوالك وأفعالك، لا تخصص القرآن، لو كنت تخصص القرآن هذا مبتدع.

ولهذا قال كثير من السلف كما نقل المؤلف -رحمه الله- عن أبي بكر الإسماعيلي أنه قال: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فقد قال بخلق القرآن فهم أنكروا هذه اللفظة، فلا تقل: لفظي بالقرآن. قل: القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق. أما الإنسان مخلوق بأقواله وأفعاله، لكن لا تخصص القرآن.

وكذلك ذكر عن ابن مهدي في كتابه "الاعتقاد"، أن مذهب أهل السنة القول بأن القرآن كلام الله، ووحيه وتنزيله وأمره ونهيه غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر بالله العظيم. وبين كما سبق أن القرآن في صدورنا محفوظ، وبألسنتنا مقروء، وفي مصاحفنا مكتوب، وهو الكلام الذي تكلم الله به عز وجل.

ثم قال المؤلف: "ومن قال: إن القرآن بلفظه مخلوق، أو لفظه به مخلوق، فهو جاهل ضال، وكافر بالله العظيم". لأنه ابتدع قولا لم يقله السلف ". والمؤلف -رحمه الله- يقول: إنما نقلت هذا الكلام عن ابن مهدي ؛ لأن ابن مهدي وافق السلف في هذه المسألة، وإن كان قد تعمق في علم الكلام وتبحر فيه، وله تصانيف في الكلام، إلا أنه لما وافق أهل السنة نقلت كلامه؛ لأبين للناس أن بعض أهل الكلام وافق أهل السنة في هذه المسألة، لظهور الحق فيها
==========================================

من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قرأت بخط أبي عمرو المستملي سمعت أبا عثمان سعيد بن إشكاب يقول: سألت إسحاق بن إبراهيم عن اللفظ بالقرآن فقال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق.

وذكر محمد بن جرير الطبري -رحمه الله- في كتاب "الاعتقاد"، الذي صنفه في هذه المسألة وقال: أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر فيه نعلمه عن صاحبي ولا تابعي، إلا عمن في قوله الغِنَا والشِّفَا، وفي اتباعه الرشد والهدى -الغنى والشفى بدون همزة، الغنى والشفى، وفي اتباعه الرشد والهدى. نعم- الغناء والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الْأُلَى، أبي عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله-، فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- يقول: اللفظية جهمية.

قال الله -عز وجل-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ممن يسمع، قال: ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم، يذكرون عنه -رضي الله عنه- أنه كان يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع.

قال محمد بن جرير "ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله، إذ لم يكن لنا فيه إمام نأتم به سواه، وفيه الكفاية والمقنع، وهو الإمام المتبع رحمة الله عليه ورضوانه". هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا، من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه.


--------------------------------------------------------------------------------

المؤلف -رحمه الله-: نقل السند عن الإمام إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الإمام المحدث المشهور، عن مسألة اللفظ، عن اللفظ بالقرآن فقال: "لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق". يعني: لا ينبغي أن يتكلم الإنسان باللفظ، يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. قال: لا ينبغي أن يناظر في هذا، القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا تتكلم في مسألة اللفظ.

ثم نقل عن الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير المعروف، في كتاب سماه "الاعتقاد"، صنفه في هذه المسألة، فقال الإمام ابن جرير الطبري "أما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، هل نقول: ألفاظ العباد بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ -يقول- هذه المسألة ما تكلم فيها أحد، ليس فيه أثر نعلمه عن صحابي ولا تابعي، إلا عمن في قوله الغنى والشفا، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم قوله مقام الأئمة الألى، وهو الإمام أحمد رحمه الله".

هذه المسألة، مسألة اللفظ: هل يقال لفظي القرآن مخلوق أو غير مخلوق؟ يقول: هذه المسألة، يقول الإمام ابن جرير ما وجدنا في أثر عن صحابة، ولا أثر عن تابعي، إلا أننا وجدنا من يُتَّبَع كلامه، وفي كلامه الغنى والشفاء، وفي اتباعه الرشد والهدى، وهو الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، إمام أهل السنة والجماعة

ثم روى بسنده عن أبي إسماعيل الترمذي أنه قال: حدثني، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: اللفظية جهمية. اللفظية، من هم اللفظية؟ الذي يقول: لفظي بالقرآن مخلوق. يقول: اللفظية جهمية، قال الله -تعالى-: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ يقول الإمام أحمد ممن يسمع؟ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ؟ يسمع من؟ يسمع كلام الله.

الإمام أحمد استدل على أن اللفظية جهمية بالآية: فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ قال الإمام أحمد ممن يسمع، أليس يسمع كلام الله؟ ثم أيضاً قال: سمعت جماعة من أصحابنا يذكرون عن الإمام أحمد أنه قال: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع". هذه العبارة مشهورة على الإمام أحمد أنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي -يعني: قال بقول الجهمية -، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع؛ لأنه خالف ما عليه أهل السنة والجماعة

واختلف العلماء في تفسير هذه الكلمة، وذكر ابن القيم -رحمه الله- في "الصواعق المرسلة" وأطال، وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق... لأنه قد يُطْلَق اللفظ على الملفوظ، والملفوظ هو كلام الله، فيكون هذا قول الجهمية وكذلك من قال: غير مخلوق. لأنه قد يُطْلَق اللفظ الملفوظ على اللفظ أيضا، فيكون هذا مخالفا لما عليه أهل السنة والجماعة، فيكون مبتدعا في هذه المقالة، ولأن اللفظ يُطْلَق على الشيء الساقط الملفوظ.

فإذن الإمام أحمد سد الباب نفيا وإثباتا، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا تقل: غير مخلوق. من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق، فهو مبتدع. إذًا قل: القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. واترك مسألة اللفظ نفيا وإثباتا، لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.

يقول محمد بن جرير الطبري -رحمه الله-: "لا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله غير قوله". يقول: لا نقول: ليس هناك لنا قول يجوز أن نقوله ونعتمده إلا قول الإمام أحمد نحن نقول مثلما يقول الإمام أحمد لا نتكلم في اللفظ لا نفيا ولا إثباتا، نقول: من قال لفظي في القرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع، فلا قول لنا بعد قول الإمام أحمد

هذا كلام ابن جرير لا قول لنا في ذلك يجوز أن نقوله غير قوله. لماذا؟ قال: لأنه إمام يؤتم به، وفي الإمامة به كفاية وَمَقْنَع؛ فهو عدل معروف عند جميع أهل السنة والجماعة، وهو إمام أهل السنة والجماعة فلا نتجاوز قوله، وهو الإمام المتبع، رحمة الله عليه ورضوانه.

قال الإمام: هذه ألفاظ محمد بن جرير التي نقلتها نفسها إلى ما ها هنا من كتاب "الاعتقاد" الذي صنفه. كتاب للإمام ابن جرير يسمى "الاعتقاد"، نقل فيه كلام الإمام أحمد واعتمد في هذه المسألة، وعلى هذا لا ينبغي للإنسان أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا غير مخلوق. واللفظية -كما قال الإمام أحمد - شر من الجهمية وإنما يقال: كلام الله منزل غير مخلوق، وكلام الله لفظه ومعناه. ولا يقال: لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق.

ولعلنا نقف عند هذا، نسأل الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وآله وصحبه.

يقول: ألا يكون قول الله -تعالى-: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ دليلا على صفة اليقظة التي ذكرها المصنف، استنادا إلى أن نفي الصفة يثبت كمال ضدها، أو يكون إثباتها له يكون في مخالفة؟

نعم، ما نثبت الصفات، ما نستنبط الصفات، لا تستنبط، إنما نقول: الله -سبحانه وتعالى- لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ نفى الله عن نفسه السنة والنوم، أما إثبات اليقظة، فلا بد من دليل، لا بد من دليل ينص عليها، الصفات ما تؤخذ بالاستنباط، لا بد أن... الصفات توقيفية، لا بد أن تثبت الصفة في الكتاب أو في السنة، نعم.

يسأل عن حكم قول القائل: "يد الله مع الجماعة"؟

نعم لا بأس بها، كما قال الله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ يد الله مع الجماعة، هذا ورد، نعم.

يسأل عمن قال: إن في القرآن زيادة ونقصا، هل هو كافر أم لا؟

نعم، من قال: إن القرآن فيه نقص، أو يدخل شيء من التحريف -كما يقول الرافضة أنه طار ثلثيه، ولم يبق إلا ثلثه- هذا كفر وردة، تكذيب لله -عز وجل- في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ فالقرآن ليس فيه زيادة ولا نقصان، من قال: إنه يلحقه الزيادة والنقصان، فقد كذب الله في قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ومن كذَّب الله كفر. نعم.

يسأل عن الفرق بين من يقول: "القرآن عبارة عن كلام الله"، ومن يقول: "إن القرآن حكاية عن الله"؟

متقارب، الأشاعرة يقولون: عبارة. والكلابية يقولون: حكاية. والعبارة والحكاية متقاربان، وكلاهما معنى باطل، والصواب أن القرآن كلام الله، لفظه ومعناه.

يسأل عن الحديث القدسي: هل هو كلام الله لفظا ومعنى؟

إن الحديث القدسي كلام الله، لفظه ومعناه، لفظه ومعناه من الله كالقرآن، إلا أن له أحكام تختلف عن القرآن، وأما الحديث غير القدسي فمعناه من الله، ولفظه من الرسول -عليه السلام-، قال الله -سبحانه وتعالى-: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى .

يسأل عن قول الشخص: اشتريت قرآنا أو بعت قرآنا. هل هذا يجوز؟

مقصوده المصحف. يعني: اشتريت المصحف، يعني: المصحف فيه الورق، فيه المداد والكتابة، وقصده: اشتريت مصحفا. والمصحف فيه كلام الله، وفيه غيره. المصحف فيه كلام الله، وفيه خط فلان، وفيه الورق، وفيه المداد، هذا المقصود.

يسأل في قول: من قال: إن القرآن مخلوق، أنه كافر، أنه لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين. ألا يدل ذلك على تكفيره؟ وكيف يدل على تكفيره، مع أن الإمام أحمد لم يكفر المأمون؟

نعم، أنا قلت: إن المراد تكفيره، تكفير على العموم. من قال: القرآن مخلوق فهو كافر على العموم، أما الشخص المعين فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة، توجد الشروط وتنتفي الموانع؛ لأنه قد يكون عنده شبهة، فإذا كشفت الشبهة وأصر حكم بكفره. هذه قاعدة تكفير المعين: لا بد أن توجد الشروط وتنتفي الموانع. وإنما هذا على العموم، من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، هذا على العموم. من أنكر رؤية الله في الآخرة فهو كافر، أما الشخص فلان بن فلان، لا بد أن تقوم عليه الحجة، توجد الشروط وتنتفي الموانع.

يسأل عن اسم "الحنان"، هل هو من أسماء الله؟

المنان ثابت، أما الحنان فيه كلام، أذكر أن بعض الإخوان أتى بالحديث الذي فيه حنان، وذكر بعض أسانيده يحتاج إلى تأمل.

السؤالين الآخرين: يسأل عن السبب عن الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة في الصفات الثلاث بالذات: العلو والرؤية والكلام، ما السبب في اشتداد الخلاف بين أهل السنة وأهل البدعة في الثلاث مسائل هذه؟

نعم، الرؤية الأشاعرة يثبتونها، لكن لا يثبتون الجهة، يقولون: إن الله يرى لا في جهة. لا يثبتون العلو، فهم وسط، فهم بين أهل السنة وبين المعتزلة فهم مع المعتزلة في نفي الجهة، وهم مع أهل السنة في إثبات الرؤية؛ ولهذا قال أهل السنة إنهم خناث. كالخنثى: لا أنثى ولا ذكر، ليسوا مع أهل السنة وليسوا مع المعتزلة فهم جعلوا يدا مع المعتزلة فأنكروا العلو، وجعلوا يدا مع أهل السنة فأثبتوا الرؤية، فقالوا: إن الله يرى لا في جهة. وهذا غير معقول وغير متصور، وأما العلو فهم لا يثبتون العلو، ليس من الصفات الثابتة.

السؤال الأخير: يقول: كيف أكون من العلماء الراسخين في فهم علم العقيدة (عقيدة السلف )؟ دلوني على بعض الكتب في ذلك. كيف أيش؟ كيف أكون من الراسخين من علماء السلف في فهم مذهب السلف ؟ دلوني على بعض الكتب في ذلك؟

تعلم كما تعلم العلماء، وتدبر كلام الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، واجلس مع أهل العلم، وزاحم الطلبة في الركب في حلق الدروس العلمية، ولا سيما مع أهل العلم وأهل البصيرة، واقرأ في كتب العلم، واسأل عما أشكل عليك واجتهد، واسأل الله التوفيق، وتكون … واسأل الله أنه يوفقك ويجعلك من الراسخين في العلم.

نسأل الله للجميع الثبات على دينه، والاستقامة على شرعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
==========================================
نقل عن/// فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي















رد مع اقتباس
غير مقروء 30-Jul-2005, 01:33 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المنفذ
عضو نشيط
إحصائية العضو





التوقيت


المنفذ غير متواجد حالياً

افتراضي

جزاك الله خير الجزاء وجعل ماتقوم به في موازين حسناتك ياالنافذ















رد مع اقتباس
غير مقروء 31-Jul-2005, 11:41 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
النافذ
عضو مهم

الصورة الرمزية النافذ

إحصائية العضو





التوقيت


النافذ غير متواجد حالياً

افتراضي

الاخ المنفذ

لك فائق الاحترام والتقدير علي مرورك















رد مع اقتباس
غير مقروء 01-Aug-2005, 12:01 AM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
فواز الشيباني
موقوف لمخالفة الأنظمة
إحصائية العضو






التوقيت


فواز الشيباني غير متواجد حالياً

افتراضي

النافذ الف شكر بس الله يعطيك العافيه لو خليت الموضوع على دفعات لن فيه اطاله على العموم يستحق النقل الف شكر وجزاك الله الف خير















رد مع اقتباس
غير مقروء 01-Aug-2005, 05:04 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
المنفذ
عضو نشيط
إحصائية العضو





التوقيت


المنفذ غير متواجد حالياً

افتراضي

الاخ النافذ
ارفع صوتي مع صوت ابو طلال
جزاك الله خير
ولعلك تتحاشا هذا لاحقا
اخيك00المنفذ















رد مع اقتباس
غير مقروء 02-Aug-2005, 12:25 AM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
النافذ
عضو مهم

الصورة الرمزية النافذ

إحصائية العضو





التوقيت


النافذ غير متواجد حالياً

افتراضي

الاخوة ابوطلال/// المنفذ
مشكورين علي المرور والنصيحه
وطلبكم امر اخواني الكرام
لكم من اخوكم النافذ فائق الاحترام والتقدير















رد مع اقتباس
غير مقروء 05-Aug-2005, 08:37 PM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الفراهيدي
مشرف سابق
إحصائية العضو






التوقيت


الفراهيدي غير متواجد حالياً

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى الفراهيدي
افتراضي

جــزاك الله كــل خير

وكـثر من أمثالك

تحيااااااااتي















التوقيع
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي

AL-frahedi@hotmail.com


اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي
رد مع اقتباس
غير مقروء 06-Aug-2005, 01:31 PM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
النافذ
عضو مهم

الصورة الرمزية النافذ

إحصائية العضو





التوقيت


النافذ غير متواجد حالياً

افتراضي

الاخ الفراهيدي حفظك الله
جزاك الله كل خيرعلي المرور والدعاء والله يكثر من امثالك اخي الكريم















رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة



الساعة الآن »06:05 PM.


 Arabization iraq chooses life
Powered by vBulletin® Version 3.8.2
.Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
اتصل بنا تسجيل خروج   تصميم: حمد المقاطي