قــــدرة الإبــــل على تــحمل العطــــش - الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة

/عبد العزيز الجذع/ · 24-Jun-2008, 03:50 AM

الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول(صلى الله عليه وسلم). وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية التي يؤول إليها معنى الآية أو الحديث ويشاهد الناس مصداقها في الكون فيستقر عندها التفسير ويعلم بها التأويل كما قال تعالى : (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) الإنعام : 67

عندما اختار الله سبحانه وتعالى الإبل ليتدبرها البشر ، فلابد أن يكون فيها من الأسرار والمواعظ الكثيرة التي تدل على عظمة الخالق جل شأنه .وقد أمرنا الله بالنظر في هذا المخلوق العجيب وخصه من بين سائر الحيوانات. قال تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت .( سورة الغاشية-الآية17

تتمتع الإبل بصفات فريدة لا نظير لها في الحيوانات الأخرى ، تمكنها من التكيف مع ظروف العطش أو ما يسمى بالجفاف فتغدو مقاومة لكل ما من شأنه أن يؤدى إلى فقد السوائل من أجسامها ، سواء عن طريق التعرق أو التبول أو النزف وبالتالي تظل قادرة على القيام بكافة وظائفها العادية.
وعند النظر إلى داخل أجسام هذه الحيوانات ، والتمعن في كيمياء الخلايا ووظائف الأعضاء الداخلية لوجد فيها دلالات أخرى مذهلة على قدرة الإبل الفائقة على تحمل فقد السوائل ، فالإبل التي تتعرض للعطش الشديد يمكن أن تفقد أكثر من ثلث وزنها من السوائل ، ورغم ذلك تبقى حية ، أما في الإنسان وأغلب الثدييات الأخرى فإن فقد 10% من وزن الجسم من السوائل يؤدى غالبا إلى الوفاة.

الدراسة العلمية
-1 تبدل درجة الحرارة والتعرق:
ومن عجائب الله في خلق الإبل أنها لها القدرة عند تعرضها للعطش الشديد أن تبدل حرارة أجسامها على مدار اليوم ، من 34°م في الصباح الباكر إلى 42°م عند منتصف النهار. ويسبب هذا الانخفاض والارتفاع الكبيرين في درجة حرارة الجسم موت الإنسان والحيوانات الأخرى ، أما في الإبل فإن التغير الواسع في درجة حرارة الجسم أثناء العطش يعد من أسباب الحياة ، فمثلا يفقد الإنسان المتعرض للحرارة الشديدة حوالي 4 لترات من السوائل في الساعة الواحدة بسبب التعرق ، بينما ترفع الإبل العطشى حرارة أجسامها لغاية 8ْم (أي ما يقابل أكثر من 2500 كيلو كالورى من الحرارة) وبهذه الطريقة فإنها تقلل من الفرق بين درجة حرارة أجسامها وحرارة الجو ، وبالتالي توفر على نفسها أكثر من 6 لترات من الماء كانت ستفقدها حتما عن طريق التعرق. أما إذا كانت مرتوية فإنها تحافظ على درجة حرارتها إلى حد كبير.
تبريد المخ.
يتم تحويل الدم بعد تبريده في تجاويف الأنف – بطريقة تفضيلية إلى خلايا المخ حماية لها من التأثير الضار للحرارة ، وذلك بتحويل خطوط سير الدم عن طريق قبض أوردة الوجه وتوسعة الأوردة الأنفية ، مما يؤدى إلى اندفاع الدم البارد إلى تجاويف الدماغ ليبرد الشرايين التي تزود المخ بالدم.
2 -تغيرات إفراز اللعاب :
يسبب العطش انخفاضا في إفراز اللعاب ، إذ ينخفض من حوالي20 لترا يوميا في الإبل المرتوية إلي حوالي نصف لتر فقط في الإبل العطشى ، وتظل الإبل تأكل غذائها وتبلعه وتهضمه بسهولة نظرا لأنها تحافظ على رطوبة فمها بالاجترار المستمر ، وزيادة إفراز اليوريا في اللعاب ، أما الإنسان والثدييات الأخرى فإنها تعانى من انخفاض كبير في إفراز اللعاب عند العطش ، مما يؤدى إلى جفاف الفم وانخفاض معدل الأكل.
-3 تغيرات هرمونية وكيميائية:
تحدث في أجسام الإبل تغيرات هرمونية وكيميائية هائلة عند تعرضها لانقطاع السوائل ، فمثلا يرتفع معدل الهرمون المضاد للتبول الذي يقوم بامتصاص الماء من الكلية ويعيده إلى الدم بنسبة 450% كما تزيد حساسية الكلية لذلك الهرمون بأكثر من مائة ضعف مقارنة مع كلية البقرة ، وبالتالي تصبح كلية الإبل قادرة على امتصاص الماء وإعادته إلى الدم بكفاءة عالية ، وفي الوقت نفسه ينخفض معدل ترشيح الدم في الكلية بحوالي 75% ، كما ينخفض تدفق الدم فيها بأكثر من 70% ، ومن ثم ينخفض تدفق البول بدرجة كبيرة ، ويصبح شديد التركيز بحيث تصل درجة ملوحته أحيانا لأكثر من ضعفي ملوحة ماء البحر ، ومن خلال هذه التكيفات المذهلة نجد أن السوائل المفقودة في أبوال الإبل أقل بحوالي مأتى ضعف مقارنة مع السوائل التي تفقدها الغنم في أبوالها.
- 4 تغيرات اليوريا :
الغريب في الإبل أنها إذا ما تعرضت للعطش الشديد تحبس في دمها كميات هائلة من مادة اليوريا – إحدى الفضلات الناتجة عن تمثيل الغذاء – وتوزعها على خلايا الجسم كافة ، بل إن الإبل العطشى تمتص هذه المادة بأكملها من الكلية وتعيدها مرة ثانية إلى الدم ، بحيث يخرج البول خاليا من اليوريا ، بينما ترتفع معدلها في الدم إلى مقادير لا ترى إلا في حالات الفشل الكلوي في الإنسان والحيوانات الأخرى .
والحكمة في ذلك أن اليوريا مادة جاذبة للرطوبة ، صائدة للماء ، ولذلك فإن الإبل تحفظها في دمها لتحافظ بها على حجم بلازما الدم ، ولتنقلها إلى خلايا الجسم لجذب الماء إليها ، ولخلايا الإبل مقاومة شديدة لسمية اليوريا ، بل أن الإبل العطشى تفرز اليوريا في حليبها بكمية كبيرة نسبيا لتوفر لرضيعها مادة غذائية وتعينه على زيادة الماء في دمه ، ولذلك يستنتج أن ارتفاع نسبة اليوريا في الدم يؤدى إلى التسمم والوفاة في الإنسان وأغلب الحيوانات بينما يعد من أسباب الحفاظ على الحياة في الإبل.

- 5 تغيرات الجلوكوز :
تبلغ كمية سكر الجلوكوز في دم الإبل المرتوية حوالي 100-150 ملجم ، وهو معدل قريب من الإنسان وأكثر من المعدل في المجترات بصفة عامة ، حيث يتراوح المعدل الطبيعي للجلوكوز في دمها ما بين 45 إلى 80 ملجم/دسل بمتوسط 60ملجم/دسل أما إذا تعرضت الإبل للعطش (الجفاف) خصوصا مع ارتفاع درجة حرارة الجو فإن نشاط بعض الغدد ينخفض ، وبالتالي ينخفض إفراز هرمون الأنسولين ولذلك ترتفع نسبة الجلوكوز في الدم ارتفاعا كبيرا ولكن لأن السكر (مثله مثل اليوريا) مادة صائدة للماء، وبالتالي فإن حبسه في الدم يحافظ على حجم البلازما ويمنع تركيز الدم .
ولهذا السبب أيضا تحبس الإبل كمية كبيرة نسبيا من الزلال (الألبيومين) في دمها ، وهى بذلك لا تزيد من تشييد ذلك البروتين الحيوي الهام ، وإنما تقلل من تفاديه الأوعية الدموية له ، وهكذا نرى أن حبس سكر الجلوكوز واليوريا والزلال علاوة على حدوث بعض التغيرات الفسيولوجية الأخرى مثل زيادة قلوية الدم وغيرها جميعها عوامل تساعد هذه الحيوانات على المحافظة على حجم الدم بسبب فقدها للسوائل مقارنة مع الثدييات الأخرى.
- 6الخصائص الفريدة للدم :
أهم ما تتميز به كريات الدم الحمراء في الإبل قدرتها الفائقة على البقاء سليمة في المحاليل مختلفة التركيز ، دون أن تنفجر أو تنكمش ، وكذلك قدرتها على امتصاص الماء والانتفاخ بمعدلات كبيرة للغاية ، علاوة على كونها أوفر عددا ،
كذلك فإنها أكثر قدرة على امتصاص الأكسجين مقارنة مع كريات الدم الحمراء في الإنسان والحيوانات الأخرى ، وأنها تحتوى على تركيز عال من الهيموجلوبين قريبا من سطحها ، مما يسهل خروج الأكسجين إلى خلايا الجسم ، فضلا عن كونها قادرة على زيادة كفاءتها وزيادة مدة بقائها في الدورة الدموية عند التعرض للجفاف ، وهى شديدة التحمل لكثير من العوامل التي تؤثر سلبا على نظيراتها في الحيوانات الأخرى.
وكذلك لكرات الدم القدرة الفائقة على إيقاف النزف الذي يمثل أحد أخطر أسباب فقد السوائل ، فإذا كان النزف شديدا ولم يتعامل معه الجسم بكفاءة فإنه يؤدى حتما إلى الوفاة.
وجد أن الإبل تتميز بارتفاع كبير في نشاط أحد أهم عوامل تجلط الدم – عنصر التجلط الثامن – والذي يبلغ نشاطه في الإبل حوالي ثمانية أضعاف نشاطه في الإنسان ، فضلا عن زيادة نشاط بعض عناصر تجلط الدم الأخرى كعنصري التجلط السابع والتاسع ، علاوة على ذلك ، فإن عدد الصفائح الدموية في كل مللتر مكعب من دم الإبل يزيد على ضعفي عددها في الإنسان ، وهذه الصفائح مهمة جدا أيضا في مقاومة النزف .
7 - ثبات إنتاج الحليب :
يسبب العطش انخفاضا كبيرا وسريعا في إنتاج الحليب ومحتواه من الماء والدهون في الحيوانات الثديية بصفة عامة ، أما في الناقة فإن كمية الحليب المنتج لا تتأثر كثيراً في حالات العطش ، بل قد تزيد في حين يظل الحليب محتويا على 90% من الماء ، حماية للرضيع من الجفاف ، وعلاوة على ذلك فإن حليب الناقة يحتوى على كمية من اليوريا من أجل توفير مصدر غذاء ولجذب الماء إلى الحليب كما ذكر سابقا.
-8إنتاج الماء من الشحوم :
يضيف علماء الأحياء ووظائف الأعضاء ( الفسيولوجيا ) سبباً جديداً يفسر قدرة الإبل على تحمل الجوع والعطش عن طريق إنتاج الماء الذي يحتاجه من الشحوم الموجودة في سنامه بطريقة كيماوية يعجز الإنسان عن مضاهاتها.
فمن المعروف أن الشحم والمواد الكربوهدراتية لا ينتج عن احتراقها في الجسم سوى الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتخلص منه الجسم في عملية التنفس، بالإضافة إلى تولد كمية كبيرة من الطاقة اللازمة لواصلة النشاط الحيوي .
و من حكمة خلق الله في الإبل أن جعل احتياطي الدهون في الإبل كبيراً للغاية يفوق أي حيوان آخر ويكفي دليل على ذلك أن نقارن بين الجمل والخروف المشهور بإليته الضخمة المملوءة بالشحم . فعلى حين نجد الخروف يختزن زهاء 11كجم من الدهن في إليته، يجد أن الجمل يختزن ما يفوق ذلك المقدار بأكثر من عشرة أضعاف ( أي نحو 120 كجم)، وهي كمية كبيرة بلا شك يستفيد منها الجمل بتمثيلها وتحويلها إلى ماء وطاقة وثاني أكسيد الكربون ولهذا يستطيع الجمل أن يقضي حوالي شهر ونصف بدون ماء يشربه .
الإعجاز الرباني في سلوك الإبل عند توفر الماء :
يفقد الجمل أحياناً حوالي 200 لتر من السوائل من جسمه إذا حرم من الماء لمدة أسبوعين ، ولكن إذا قدم له الماء بعد ذلك فإنه يشرب تلك الكمية بأكملها دفعة واحدة خلال دقائق ، ويمتصها بسرعة من جهازه الهضمي إلى دورته الدموية ، مكملا نقلها وتوزيعها في أنسجة الجسم المختلفة خلال سويعات قليلة ، وذلك من أجل إعادة التوازن المائي إلى جسمه ، وبالتالي إعادة وظائفه كلها إلى ما كانت عليه ولا يؤثر ذلك على كرات الدم مثل باقي الحيوانات التي تفقد حياتها بسب إنجار كرات الدم.

الخاتمة:
إن ما ذكر ليس سوى نماذج مقتضبة لقدرة الإبل الهائلة على التكيف ومقاومة فقد السوائل ، وهى خصائص تميزها عن جميع الحيوانات الأخرى المعروفة ، وبالتالي فإن الإبل هي الحيوانات الوحيدة القادرة على الحياة في المناطق التي يضربها الجفاف ، وعلى الإنتاج والتكاثر في ظروف قاسية لا تستطيع الحيوانات الأخرى تحملها
ومن واجب المختصين في البلاد التي تربى فيها الإبل القيام بدراسات متعمقة حول هذه الحيوانات لاكتشاف أسرارها ومعرفة المزيد من الوسائل التي تمكنها من التكيف مع ظروف الجفاف ، وقلة الغذاء ، وحرارة الشمس المحرقة ، لما في تلك الدراسات من منفعة مباشرة وإثراء للمعرفة وصدق الله القائل في محكمة تنزيله " أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت".