![]() |
اختيار تصميم الجوال
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]() " نزار قباني " : للغضب طريق واحد
ليست مجرد مصادفة أن يطلق " نزار قباني " على ديوانه الرائع عنوانا مختلفا وغير مهضوم وهو " لا " ، كلمة واحدة ومن أصغر الكلمات في اللغة العربية ، كلمة تحمل عدة معاني في طياتها ، صرخة فنية من طراز آخر جاءت على لسان شاعر كبير ، يضع نفسه في صف الرافضين للوضع العربي والواقع المعيش ، معلنا انتفاضه الأبدي الذي ولد قصائد جديدة ومن نوع فكري مغاير للسائد لديه . جاء مرة أخرى " نزار قباني " ليضع نفسه بمعية شعراء الالتزام والقضايا الوطنية والقومية . ليرتقي بالشعر إلى أرقى تجلياته ، ليصبح أرضا خصبة وملاذا فنيا يقيه مذلة النقد وهول الكلام الفاحش والإدانة الفاجعة . ولعل مقدمة الديوان التي وضعها له كانت لحظة التغير المفاجيء عنده . وبداية تجسد معالم قصيدته الحديثة التي ستصنع له مستقبلا فنيا مغايرا لما كان عليه ولما كان يدعو إليه يقول في المقدمة : لأنني لا أمسح الغبار على أحذية القياصره . لأنني أقاوم الطاعون في مدينتي المحاصره . لأن شعري كله ... حرب على المغول ، والتتار ، والبرابره . يشتمني الأقزام والسماسره . _ اكتشاف الشاعر : الكتابة الجميلة تفتح أمامك مياحات نبض حية وأبواب فسيحة تلجها وكأنك أمير فرعوني صغير يبايعونك على العرش الملكي . وأنا أتصفح ديوان الشاعر " لا " تمثل أمامي بحر لا ساحل له من العبارات القوية . تمثلت أمامي قصائد شاعر قوي العبارة واللفظ ، شاعر الحزن والقلق والغيرة المقدسة " صلاح عبد الصبور " عندما يعلن الصمت والصمود الساكن واضعا رمز بطل القومية والهوية " جمال عبد الناصر " ظلا ساطعا ومجالا حيويا من الأفكار والعلوم الثورية . كان شعر " نزار قباني " في هذا الديوان يعيش ثورة أخرى اختارها بنفسه ، ثورة يقرأها من زاويته وبأسلوبه الخاص ، متجاهلا المقالات الصارخة والمتمردة عليه من قبل . معلنا حقيقة وتقنيات شاعر عظيم مثل ت . إس . إليوت من ناحيته الخاصة ، مستأثرا بقوله بأن " ذهن الشاعر ليس إلا إناء يختزن عددا لا حصر له من الأحاسيس والعبارات والصور ... " . هاته العبارات والصور والأحاسيس التي اختزنها نزار في ذهنه متراكمة ، أخرجها مزيجا جديدا من الأفكار والصور ، وأعلنها في العديد من قصائد الديوان ، كثلاثيته حول بطل العروبة والقومية " جمال عبد الناصر " ، أو كقصيدة " حوار مع ملك المغول " أو قصيدة " طريق واحد " أو " لصوص المتاحف " .... إلخ . وارتفع صوت نزار في قصائد الديوان كلها تقريبا ، ناشرا الحكمة ذات اليمين وذات الشمال ، حكمة مرفوقة بالوعيد والنصح الخفي ، ومصحوبة بمواعظ ورموز فنية يصعب فهمها أحيانا . ويصعب الحكم على مصداقيتها حينا آخر . في هذا الديوان أراد الشاعر أن يكون في قلب الأحداث لا على جوانبها ، يلمس بأصابعه حواسها ، حاضرا في صلب القضية ، لكن وفي نظري جاء الشاعر متأخرا جدا ، فبعد الأفول والغياب ماذا يمكن لشاعر بسيط في تجربة هذه القضية أن يفعل ؟ لكن هذا الحضور الذي جسدته قصائده المختلفة وقدمته في حلة زاهية وفي صورة فريدة غفر له واستقبله مرة ثانية في محفل من القداسة والسوقة . أتجول في الوطن العربي . لأقرأ شعري للجمهور . فأنا مقتنع أن الشعر رغيف يخبز للجمهور . وأنا مقتنع _ منذ بدأت _ بأن الأحرف أسماك وبأن الماء هو الجمهور . إن هؤلاء البسطاء العاديين من الجمهور الذين تم تهميشهم وتجويعهم وتعطيشهم أصبحوا لا يفرقون ما بين الشعر والخبز وما بين الأسماك والماء . إنه خطاب شعري تهكمي موجه لتعرية صانعي الشعارات الكاذبة والخادعة ، يقيس حجم تضليلهم ومراوغاتهم المتعددة والمتناقضة مع أفعالهم الدنيئة . إنها وقفة ضد إرهاب من نوع آخر ، إرهاب من أسرة الغلو والانغلاق الفكري والفني ، حيث يتناول قضية من أخطر القضايا الإنسانية هي التفضيل بين العقل والإيمان ، بين التفكير والثورة ، العقل والتفكير اللذان يمثلانهما الإرهابي المستبد ، والإيمان والثورة اللذان يمثلانهما البسيط الضعيف ، إنها رحلة استغرقت منه وقتا كاملا كي يحدد حكمة وفكرة شاملة ، ومشهدا رائعا من مسرحية الحياة . _ الروح المتمردة والمتغيرة : كان لا بد لنزار الشاعر العاشق أن يأتي يوم ويعلن تمرده وعصيانه ، ويفرغ غضبه ، _ مثل بقية معاصريه _ بعد هزيمة أكتوبر التي مني بها الجيش العربي . فكانت نكسة السابع والستين التي دفعته إلى الدخول في غمار تجربة أخرى ، تجربة لها آثار نفسية التي لم يتم أبدا تعويضها . فخلفت هذه الأخيرة ميلاد قصيدة غارقة في الدم ، ومهما حرارتها وقوتها لم تستطع تعويض الدم المهدور على حدود الجبن والنسيان . ومن المؤكد أن الروح المتغيرةوالتي وجدت خروجا نسبيا عن نطاقها للتعبير الحر بعد وفاة بطل العروبة " عبد الناصر " جعلت قصائد ديوان " لا " لنزار قباني ، مجالا للنقد الصارخ والقوي العبارات ، وكذلك من قبله قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " ، ومن الطبيعي أن يكون هذا الرد الغريب من طرف النقاد ، نظرا للتغير المفاجيء الذي طرأ على شاعر العشق والحب والغزل والمسؤول الأول _ حسب النقاد _ عن هزيمة أكتوبر بما كان يكتبه وينشره من شعر عاطفي ساعد على انحلال أخلاق الجيل الجديد . لكن قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " كانت كطلقات الرصاص بعد نشرها في مجلة الآداب اللبنانية التي كان يرأس تحريرها آنذاك " سهيل إدريس " . كانت القصيدة بمثابة اعتراض على صحافة النفاق وشعر النفاق وسياسة النفاق ، وقامت بتعرية الفساد الذي توغل في كل شيء وفي كل العقول الخائنة عند بعض المثقفين كما جاء في كلماته : إذا خسرنا الحرب ... لا غرابه . لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه . بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه . لأننا ندخلها ... بمنطق الطبلة الربابه . _ زمان الموت : بعد وفاة " جمال عبد الناصر " وبعد المسافة بين الحكام العرب ، والاختلاف في الآراء عند الكثير من السياسيين العرب ، تأججت موهبة نزار الشعرية ، حيث شهدت تلك الحقبة ولادة ديوان احتجاجي ومليء بروح التمرد والعصيان . فبدأ بكتابة قصائد حول عبد الناصر ناسيا كل هجوم عليه واحتجاج على سياساته من قبل ، منوها بعروبته القوية وبفروسيته وذلك ما جاء في ثلاثيته " جمال عبد الناصر " و " رسالة إلى جمال عبد الناصر " و " الهرم الرابع " المنشورة في ديوانه " لا " ، فجعلها من بين القصائد القوية والرائعة في ذلك الزمان مثل قصيدة الشاعر الرائع " صلاح عبد الصبور " الحلم والأغنية : ي أيها المعلم الكبير . كم حزننا كبير . وكم جرحنا كبير . لكننا ... نقسم بالله العلي القدير . ........... .......... أن نحفظ الميثاق . ونحفظ الثوره . ولكن رغم موت عبد الناصر ورغم ذهابه الأخير ، فإن رمزه سيظل ساطعا ومنيرا في هاته القصائد ، بوصفه الوالد الفارس والبطل والقائد الذي كان في حياته مجدا من الأمجاد ، وثورة كبرى من أكبر الثورات وأعظمها والتي استعادت همة شباب الأمة العربية والإسلامية . رمز موجود في كل عربي ، وفي أرغفة الخبز ، وفي الأزهار ، مرسوم فوق نجوم الصيف ، ورمال الشواطيء ، في أوراق الصحف ، في صلوات المصلين ، في كلمات الحب ، في أصوات المطربين ، في عرق العمال ، في أسوان وفي سيناء . مكتوب فوق البنادق ، وفوق التحدي . فالمسافة قصيرة بين كل عربي وبينه ، رغم غياب شمسه وأفول قمره : السيد نام السيد نام السيد نام كنوم السيف العائد من إحدى الغزوات . السيد يرقد مثل الطفل الغافي ... في حضن الغابات . السيد نام وكيف أصدق أن الهرم الرابع مات ؟ . _ طريق واحد : ويسترسل الشاعر في الرقص الأقوى وفي التحدي الذي أعلنه بعد هزيمة حزيران ضد كل خائن وفاسد ، إنه يختار طريقا واحدا يرسمه بنفسه لنفسه في محاولة لاصطياد الوحش الكبير وقص أنيابه ، قبل أن يفترس كل شيء . إنه يرسم حدودا لا متناهية لغضبه ، مستعينا في ذلك بلبنات شعرية تكشف وتعري الزيف والزائفين . حيث يؤكد نزار في كلمة له في إحدى المجلات ، يقول : " يكون الشعر كشفا وإضاءة وتعرية للزيف والزائفين أو لا يكون . وكل قصيدة عربية معاصرة تجامل وتنافق وتتستر على رداءة التمثيلية وتفاهة الممثلين تتحول إلى ممسحة على أقدام سيف الدولة ... " . ويحول هذا الكلام المسترسل وهذا الحديث القوي والفاضح إلى شعر جميل ينذر بتمرد فعلي من نوع آخر ، بثورة جريئة : أريد بندقيه . خاتم أمي بعته من أجل بندقيه . محفظتي رهنتها دفاتري رهنتها من أجل بندقيه . ........ ....... قصائد الشعر التي حفظنا لا تساوي درهما أمام بندقيه . ولم يتخل " نزار قباني " عن بندقية يريد امتلاكها ، فكل ما يملك قد رهنه من أجلها ، كأنها شيء صعب المنال ، فعمل المستحيل من أجل الحصول عليه . من خلال هذه البندقية أراد نزار أن يرسم لنفسه سبيلا واحدا ، وطريقا واحدا ، هو السبيل إلى فلسطين ، يريد أن يبحث عن أرض بلا هوية ، غن بيته ، عن الوطن المحاط بالأسلاك ، وعن الطفولة والرفاق ، عن الكتب والصور وعن كل مزهرية . هناك في تلك البقعة الحزينة ، يريد الذهاب إليها مع الثوار ، يريد الموت أو العيش هناك . لكن كل هذا ليس كافيا ليعلن عن حق عروبته وهويته العربية . ليس كافيا أن يمتلك بندقية من خيط وصوف وأبياتا منسقة كي يكون ثائرا وحرا . ليس كثيرا على الأرض المقدسة بضعة حروف ملونة بأزهى الألوان ، وبضعة كلمات رقيقة تحمل في طياتها ثورات وموجات الذاكرة . يا أيها الثوار . في القدس ، في الخليل ، في بيسان ، في الأغوار . في بيت لحم ، حيث كنتم أيها الأحرار . تقدموا ... تقدموا ... فقصة السلام مسرحيه . والعدل مسرحيه . إلى فلسطين طريق واحد ... يمر من فوهة بندقيه ... |
|||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
![]() |
![]() |