![]() |
اختيار تصميم الجوال
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 20 | ||||
|
![]() اقتباس:
وعذراً مقدماً على الإطالة ... حنين وحصار الطائف ولّّد سقوط مكة ردّ فعل عنيف لدى القبائل العربية، وفي مقدمتها (هوازن) ، وتعتبر الطائف قصبتها، وهي أكبر المدن في الجزيرة بعد مكة ويثرب، ورأت أن تتحرّك لتوجيه ضربة قاصمة للقوات الإسلامية قبل أن يستفحل الخطر، ولكن هذه القبائل وجدت نفسها محاطة من كلّ مكان، ولذلك نجد أنها لمجرد سماعها بمغادرة الرسول(صلى الله عليه وسلم) المدينة، تجمعت خوفاً من أن يغزوها، وما زاد من حراجة موقفها، إلقاء أمّ القرى السّلاح دونما قتال أو مقاومة، وهذا ما عبر عنه زعماؤها بقولهم: "قد فرغ لنا فلا ناصية لنا دوننا، والرأي أن نغزوه". وتولّت هوازن كبرى القبائل المحاولة، حيث جمعها زعيم بني نصر "مالك بن عوف" الذي كان شجاعاً ومقداماً، وانضمت إليه ثقيف كلّها، ولحق بهما بعد قليل قبائل نصر وجشم وسعد بن بكر وعدد من أبناء بني هلال وبني مالك، واتفق قادتهم على أن يسلموا بزعامة "مالك بن عوف"، فرأى أن يأخذ المقاتلون معهم نساءهم وأموالهم وذراريهم لكي يستميتوا في القتال. وعندما عسكر في "أوطاس"، وهو أحد وديان هوازن، اعترضه فارس بني جشم "دريد بن الصمة"، وهو فارس مجرب محنك، وحاول منعه من اصطحاب النساء والذراري، ورأى أنَّه إذا مال النصر إلى جانب مالك لا ينفعه إلاَّ سيفه ورمحه، وإن حلّت به الهزيمة افتضح في أهله وماله، ولكنَّ مالكاً رفض الأخذ برأيه وأصرّ على تنفيذ خطّته. ولما بلغ رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) خبر تلك الحشود التي خرجت لحربه، أرسل أحد أصحابه وأمره أن يدخل بين النّاس متنكراً ويأتيه بخبرهم، فذهب ودخل بينهم، واطّلع على عدتهم وعددهم وإصرارهم على حرب المسلمين، ورجع يخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن تحركاتهم، فانطلق الرسول(صلى الله عليه وسلم) في مطلع شوال على رأس اثني عشر ألف مقاتل كان من ضمنهم ألفان من المكيين أسلموا بعد الفتح، وما يلفت له في هذا المجال، هو أنَّ سهولة فتح مكة جعل البعض يستهين بمقدرات العدو، فانطلق الجيش وهو غير مكترث للقاء المشركين، ما دفع ببعض الصحابة لأن يقول: "لن نغلب اليوم من قلّة". ولكن عدم الاكتراث هذا جعل المسلمين يقعون في كمين نصبه لهم المشركون، ذلك أنًَّ المسلمين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى اجتياز وادٍ من أودية تهامة، شديد الانحدار يدعى "حنيناً"، وكان "مالك بن عوف" قد سبقهم بجيوشه إليه، واحتل مضايقه، وانبثوا في الشعاب والأجناب المنيعة، وتهيأوا للانقضاض على المسلمين في جوّ يسوده المطر والضباب، وما إن دخلت قوات المسلمين الوادي حتّى انقضّ المشركون عليهم دفعة واحدة وأمطروهم بوابل من السهام من حيث لـم يحتسبوا، فأصابهم الفزع والاضطراب وولّوا الأدبار. انحاز الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى ذات اليمين، وقد أغضبه هذا الفرار، ونادى: "أيُّها النّاس هلّموا إليّ، أنا رسول اللّه، أنا محمَّد بن عبد اللّه"، فلم يجبه أحد من المنهزمين، وردّد هذا القول أكثر من مرة، ولـم يثبت معه إلاّ أبو بكرالصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب ، وعمه العباس ، وأبو سفيان بن الحارث، وأسامة بن زيد. ومهما كان الحال، فلقد كان موقف المسلمين في "حنين" أسوأ من موقفهم في "أُحد" في بداية الأمر، وإزاء ما حصل، قال للعباس بن عبد المطلب، وكان جهير الصوت، أن ينادي: "يا معشر الأنصار، يا أصحاب البيعة يوم الحديبية"، وقد ورد هذا الحديث بصيغ مختلفة كلّها تشير إلى مناداة القوم، وطلب إليهم العودة إلى ساحة القتال، فأخذ النّاس يتوافدون إليه، وانطلقت النداءات من بعيد: "لبيك لبيك"، وكان الرّجل إذا ما أراد أن يعطف بعيره ليعود به إلى المعركة، لا يقدر على ذلك، لشدّة التدافع، فما يجد إلاَّ أن يقذف درعه في عنقه، ويحمل سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره مخلياً سبيلها، ومنطلقاً صوب النداء، حتّى إذا اجتمع إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) مائة من المقاتلين، استقبل بهم المشركين واقتتلوا قتالاً مريراً، إلى أن تمكَّن رجل من الأنصار من قتل حامل لواء هوازن، ما جعل الكفة تميل لصالح المسلمين، وأجبر المشركين على التراجع، ولـم يطل وقت حتّى ولّوا الأدبار، ووقع عددٌ كبير منهم بين قتيل وأسير، وما إن عاد الذين تراجعوا من المسلمين إلى الميدان حتّى وجدوا أسارى المشركين مكتفين بين يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم). وقد وصف اللّه عزَّ وجلّ حالة المسلمين في هذه المعركة بقوله:{لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغنِ عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحُبت ثُمَّ وليتم مدبرين * ثُمَّ أنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين}(التوبة:25ـ26). تراجعت فلول هوازن المنهزمة وفي معظمها قبيلة ثقيف بقيادة مالك بن عوف صوب الطائف، وعسكر بعضهم في أوطاس، وتوجهت فئة ثالثة نحو نخلة، فأرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) قوّة من فرسان المسلمين لمطاردة أولئك الذين توجهوا إلى نخلة، وقوّة ثانية بقيادة أبي عامر الأشعري كلفت بقتال المشركين في أوطاس، فأصابوه بسهم فقتل، فأخذ الراية منه ابن عمّه أبو موسى الأشعري وقاتلهم حتّى هزمهم. وجمع الرسول (صلى الله عليه وسلم) سبايا معركة حنين وأموالها الكثيرة في مكان يدعى الجعرانة، مجّمداً التصرّف بها ريثما يرجعون من الطائف. وانطلق الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف لمحاصرة المنهزمين الذين اعتصموا بحصونها المنيعة، وما إن اقترب من الطائف حتّى أمطرته ثقيف بوابل من النبال، فأصابت جماعة من المسلمين، ما دعا النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن يبعد المسلمين عن مدى النبال التي كانت تنطلق من حصون ثقيف، وظلّ يحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، ولكن ثقيفاً لـم تكن على استعداد للمواجهة بعدما لحقت بقبائل هوازن الكبيرة الهزيمة في حنين، وفي المقابل، لـم يكن لدى المسلمين آلات الحصار الكافية لكي يرغموا ثقيفاً على الاستسلام، ولذلك اعتمدوا سياسة الانتظار التي قد تكون لصالحهم أكثر منها لصالح المسلمين. واستمر القتال عنيفاً حيناً ومتقطعاً حيناً، ولكن دون جدوى، وما يلفت هو أنَّ المسلمين استخدموا للمرة الأولى آلات الحصار كالمنجنيق بناءً على اقتراح قدّمه سلمان الفارسي، ولكنَّ فعاليته لـم تكن بالمستوى المطلوب، ما جعل المسلمين يفكرون بوسيلة أخرى، فاستعملوا الدبابة، وهي آلة يدخلون في جوفها، تقيهم النبال والسيوف، ثُمَّ يندفعون بها إلى الحصون ومنها ينفدون إلى ما وراءها، وهذه الوسيلة كانت تستخدمها بعض القبائل التي كانت تعيش في أٍسفل مكة، ولكن رجال الطائف كانوا من المهارة إلى درجة أنّهم أكرهوا هؤلاء على أن يلوذوا بالفرار. إزاء المقاومة العنيفة التي أبدتها ثقيف وعدم تمكن المسلمين من اختراق حصون الطائف بالرغم من استخدام المنجنيق والدبابة وكلّ الأسلحة المتوفرة، رأى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن يلجأ إلى تقطيع الكروم والأشجار لإرغامهم على التسليم، وعندما شاهدوا ما حلّ بكرومهم وبساتينهم، أرسلوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) يناشدونه أن يكفّ عنها لأصحابها أو يأخذها لنفسه، فأمر عند ذلك أصحابه بالكف عنها. وقد ترافقت هذه العملية مع خطوة مهمة في اتجاه التخفيف من وطأة المقاومة، وبهدف إنهاء حالة الحصار وإيقاف القتال، فنادى مناديه أنَّه سيعفو عن كلّ وافد من أهل الطائف، ففرّ إليهم جماعة أعلنوا إسلامهم، وأعتق العبيد الذين فروا إليه. طالت مدة الحصار، وثقيف لديها ما يكفيها من المؤن والسّلاح لمدّة طويلة، وفوق ذلك، أصبح المسلمون على أبواب ذي القعدة وهو من الأشهر التي حرّم فيها الإسلام القتال، فآثر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) أن يرفع الحصار عنهم ويرجع بمن معه إلى الجعرانة حيث الأسرى والغنائم، ومنها إلى مكة، ثُمَّ إلى المدينة على أن يعود إلى الطائف بعد انقضاء الأشهر الحرم فيما لو أصرّت القبائل المتحصنة بالطائف على موقفها المعادي للإسلام. استشهد من أصحاب النبيّ خلال حصار الطائف اثنا عشر رجلاً، وأمر النبيّ(صلى الله عليه وسلم) المسلمين بالانصراف عن الطائف إلى الجعرانة حيث تركوا الغنائـم والسبايا، وهي ستة آلاف من السبي، وأربعة وعشرون ألف بعير، وأربعون ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية من الفضة. ولـم يشرّع النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في البداية تقسيم هذه المغانـم أملاً في أن يعود قادة هوازن مسلمين فيرد عليهم سبيهم وأموالهم، ولكنهمَّ انتظروا وقتاً طويلاً وزعت خلاله المغانـم. وأخيراً، نتيجة التداول فيما بينهم، استقر رأي الأكثرية منهم على أن يستسلموا للنبيّ(صلى الله عليه وسلم) ويدخلوا في الإسلام الذي شمل مساحات واسعة من شبه الجزيرة العربية، فأرسلوا وفداً منهم إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) يعتذرون إليه ويعلنون إسلامهم بين يديه ليردّ عليهم نساءهم وأطفالهم، فبلغ الوفد النبيّ (صلى الله عليه وسلم) وهو في الجعرانة وقالوا له: "يا رسول اللّه، إنّا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لـم يخف عليك، فامنن علينا منّ اللّه عليك، فسألهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أأبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم، فأجابوه نساؤنا وأبناؤنا، فردّهم إليهم عن طيب خاطر من المسلمين"، وسألهم أن يخبروا زعيمهم "مالك بن عوف" الذي كان قد احتمى بالطائف أنَّه إذا أتاه مسلماً ردّ عليه أهله وماله، فلمّا أخبروه بمقالة النبيّ (صلى الله عليه وسلم) خرج من الطائف متخفياً وجاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلم) معلناً إسلامه، فردّ عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) أهله وماله واستعمله على من أسلم من قومه والقبائل المجاورة، فأخذ يغير على ثقيف بمسلمي قومه، ويهاجم قطعانهم وقوافلهم حتّى ضيّق عليهم. حقّق الرسول (صلى الله عليه وسلم) بهذه السياسة المرنة هدفين اثنين: أولهما أنَّه كسب ولاء قبيلة هوازن وحلفائها، وثانيهما: استفاد منهم بمضايقة بقايا القبائل الوثنية في المنطقة. وقفل رسول اللّه(صلى الله عليه وسلم) بعد ذلك عائداً إلى مكة، فأدّى مناسك العمرة هناك في ذي العقدة، واستخلف على مكة عتاب بن أسيد في إمرة مكة، ومعه معاذ بن جبل يفقّه النّاس في الدين ويعلّمهم القرآن، وعاد إلى المدينة في أعقاب انتصارين حقّقهما الإسلام في صراعه مع الوثنية، وهما فتح مكة، وهزيمة هوازن وأحلافها. |
||||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
العلامات المرجعية |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
![]() |
![]() |