البورصات الخليجية وفقاعات المكسب السريع

[نواف الذيابي]

مفكرة الإسلام: فجأة .. تحول حلم الثراء السريع إلى كابوس يطارد صغار المستثمرين في البورصات الخليجية التي سجلت انخفاضا حادا خلال الأسابيع الأخيرة، دفع بعضهم إلى إعلان الإفلاس، فيما فضل البعض الأخر الذهاب إلى عيادات الطب النفسي لعله يجد تفسيرا عقليا لما يحدث.



التراجع الحاد لأداء البورصات جاء في الوقت الذي كان الكثيرون يراهنون بكل مدخراتهم على ارتفاع أسعار الأسهم مدعومة بالارتفاع القياسي لبرميل النفط الذي سجل 74 دولارا في بورصة لندن صباح اليوم الخميس 20-4-2006 [ وقت كتابة هذا التقرير] الأمر الذي أثار حيرة المراقبين والمهتمين بالشئون الاقتصادية الخليجية.



الهبوط الكبير

الهبوط الكبير بدأت شرارته الأولى في البورصة السعودية في شهر فبراير الماضي عندما حاولت الهيئة الرقابية تقليص نطاق الحركة اليومية للأسهم مما أغضب المضاربين. غير أن أدنى مستوي لأداء البورصة جاء يوم الثلاثاء 19-4-2006 حيث أنهى المؤشر العام لسوق الأسهم السعودية جلسة التعاملات منخفضا 7.62 في المئة عند 13121 نقطة وهو أدنى مستوى إغلاق له منذ الحادي والثلاثين من يوليو 2005.

ويمكن تقدير حجم الكارثة التي ألمت بالكثير من المتعاملين إذا وضعنا في الاعتبار أن نصف سكان السعودية [ 9 ملايين شخص] يملكون أسهما في البورصة.

نظرية الدومينو وجدت حظا لها في أسواق المال العربية حيث انتقلت أثار الهزة السعودية إلى الإمارات حيث خسرت سوق أبوظبي في 14-3-2006 قرابة 12%, الأمر الذي أصاب المتعاملين بالإحباط الشديد فقاموا بالتصفيق والصفير كلما زاد الهبوط. وفقدت القيمة السوقية نحو 77 مليار درهم [الدولار يعادل 3.68 درهم] وبلغ المؤشر 611.8 نقطة وهو أدنى مستوى له منذ 6 أبريل 2005 الأمر الذي يعني أنه فقد ما حققه خلال قرابة عام.

وفي الكويت سجلت عيادات الطب النفسي إقبالا ملحوظا من قبل المواطنين بعدما فقدت البورصة أكثر من 217 نقطة أي قرابة 2.1 % يوم الثلاثاء 21-3-2006متأثرة بتصريح رئيس الوزراء ناصر المحمد الذي أعلن أن الحكومة لن تضخ سيولة جديدة في البورصة, وهو الأمر الذي أحبط معنويات المستثمرين.

وفي مصر انخفض مؤشر البورصة في 14-3-2006 بشكل حاد ومفاجئ ليصل إلى 20% خلال ثلاث دقائق ، مما اضطر إدارة البورصة إلى وقف التداول لمدة نصف ساعة.



أسباب التراجع

اختلفت رؤى وتحليلات العديد من المراقبين لتعاملات البورصات العربية، لعمليات الهبوط والتراجع الحاد للبورصات العربية والتي اعتبروها تراجع تصحيحي كان لازم لتوقف الارتفاع الهائل المصطنع في أسعار الأسهم.

وأرجع بعض المحللين هذا التراجع إلى حالة الانفصال الكبير بين أوضاع البورصات العربية والأحوال الاقتصادية الداخلية ففي عام 2005 سجلت بورصة القدس في فلسطين أعلى ارتفاع بين البورصات العربية كانت نسبته 300% رغم المشاكل العديدة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني.

الأمر نفسه تكرر في بورصة بيروت التي ارتفعت بنسبة 104% خلال عام 2005 رغم أن الناتج المحلي الإجمالي للبنان انخفض من نسبة 4% سنة 2004 إلى نصف في المائة فقط عام 2005، البورصة الأردنية لم تكن أحسن حالا حيث زادت أسعار أسهمها بنسبة 103% رغم أن معدلات نمو الناتج المحلي في الأردن انخفض من 7.7% عام 2004 إلى 7% في العام الماضي.

أما البورصة المصرية فقد سجلت زيادة بلغت نسبتها 146% في العام الماضي، رغم أن معدلات نمو الناتج المحلي لم تتعدى نسبة 5.2% في يوليو الماضي.

الأمر مرتبط إذن بتطورات وأوضاع اقتصادية أخرى غير المتعارف عليها في البورصات العالمية، حيث أن مناط ارتفاع الأسهم هنا غير مرتبط بقيمة إنتاجية وإنما يرتبط بعوامل أخرى أهمها وجود المضاربين الذي يتلاعبون بأسعار الأسهم وفقا لمصالحهم وأوضاعهم المالية والاقتصادية.

أمر ثاني مرتبط هنا بالشائعات التي باتت إحدى الوسائل الفعالة للضحك على المستثمر الذي يقع في شرك بعض البيانات الإعلانية خاصة عبر شبكة الإنترنت التي تتحدث عن مكاسب أو خسائر وهمية، مما يدفع البعض إلى الإقبال على البيع أو الشراء دون يسترشد بمصدر موثوق وهو الأمر الذي يكلفه محفظته المالية في النهاية.

الأمر الثالث الذي أثر في هبوط البورصات يرتبط بالبنوك التي فضلت إقراض العملاء على حساب إقراض المشروعات التي يمكن أن تتيح فرص عمل وتزيد من الطاقات الإنتاجية في ظل عجز تجاري في العديد من البلدان العربية نتيجة زيادة الواردات عن الصادرات.

وهناك أيضا بعدا نفسيا في الأزمة ، فبحسب ياسر حسنين من 'دايناميك' لتداول الأوراق المالية فإن انخفاض البورصات خاصة المصرية مرتبط بإقبال صغار المستثمرين على البيع، خشية انتقال أثار الهزات الخليجية إلى سوق القاهرة.

أما في البورصة السعودية فقد كان الأمر مختلفا نوعا ما حيث أن عزوف المتداولين جاء 'كرد فعل احتجاجي' على قرارات هيئة سوق المال الأخيرة بإيقاف بعض المتلاعبين بأسعار الأسهم، وتخفيض نسبة التذبذب اليومية للأسهم من 10% إلى 5%.

رد الفعل الاحتجاجي السعودي ألقى بظلاله على الأسواق الأخرى,ذلك لأن معظم المستثمرين السعوديين قاموا بسحب أموالهم من البورصات العربية لتعويض خسائرهم في بورصة الرياض.