حكاية زوجة وزير محجبة: هنا تركيا

[ابو ضيف الله]

محمد نور الدين

السفير / في الولايات المتحدة وأوروبا، وفي معظم الدول المسلمة، يمكن أن ترد هذه الحكاية في صفحة الاجتماعيات أو في خبر صغير بأحرف صغيرة في صفحة داخلية في صحيفة، أو حتى لا يذكر الخبر نهائياً. لكنه في تركيا استحق أن يكون المانشيت الرئيسي لصحيفة <<حرييت>> أوسع الصحف التركية انتشاراً وذات المنحى القريب من العسكر.
<<بطلة>> الخبر الاستثنائي، <<خير النساء>>، زوجة وزير الخارجية عبد الله غول. وعلة الخبر <<مالئ الدنيا وشاغل الناس>> في تركيا: الحجاب.
في الطابق السابع من المستشفى العسكري ب<<غولخانه>>، كان يرقد مريض خاص، هو عبد الله غول الذي تعرض لعطب حساس في أذنه وبالتالي سمعه، واحتاج لعملية جراحية. تقول الصحيفة إن نزول غول في هذا الطابق الخاص كونه نائباً لرئيس الحكومة، وهو طابق مخصص في الأساس للقادة الكبار في الجيش.

أول من زار غول في المستشفى كان رئيس الأركان الجنرال حلمي أوزكوك وكان اللقاء حميماً. وصادف مرور زوبعة الادعاء القضائي على قائد القوات البرية بتهمة تشكيل عصابات مسلحة واتهام البعض حزب العدالة والتنمية بالوقوف وراء تشويه سمعة الجيش. لكن التوتر بين الجيش والحكومة لم يدخل، مع أوزكوك، الى غرفة غول في المستشفى. بل على العكس قام الجيش بتوفير كل شروط الأمن والسلامة لنائب رئيس الحكومة. وكان غول متأثراً بكل هذه العناية، على حد قول الصحيفة.

فجأة <<تكهرب>> الجو. وصل الخبر بأن خير النساء زوجة غول تريد زيارته في المستشفى. ومن هنا عمّ القلق والترقب. فخير النساء محجبة، ودخول المستشفى العسكري ممنوع على المحجبات. فما العمل وكيف ستدخل خير النساء، وهل من احتمال لمنعها؟
هناك واقع أن عبد الله غول يريد أن تكون زوجته الى جانبه في المستشفى. وهناك واقع آخر أن الحجاب ممنوع في الأماكن <<العامة>>، بمعنى التابعة للدولة ولو كان مستشفى.
هناك أيضا في الغرفة رقم 742 من المستشفى يرقد الجنرال المتقاعد فكرت كوبلي الذي خضع لعملية <<فتاق>> وإلى جانبه ترقد زوجة جنرال متقاعد آخر. فهل يعقل أن يُسمح لهذه ولا يسمح لتلك. وهل تتحول العناية الخاصة التي أظهرها العسكر بغول الى نزاع؟ طبعا يمكن أن تتحول إذا طُبق القانون.
<<اشتغلت>> التلفونات من أسفل الهرم الى أعلاه. وفي وقت قصير حُلت المسألة وبقيت الأزمة المحتملة عند عتبة المستشفى. فصاحب البيت لن يسمح بأي أزمة مع شخص عُرف بطاقته واعتداله. لقد صدر القرار العسكري: يُسمح لعبد الله غول أن يرى زوجته.

... ودخلت خير النساء طابق القادة العسكريين، ليس خلسة بل نتيجة لمقاربة <<سليمة النية>> للجيش، كما ذكرت الصحيفة. في هذا الوقت جاء بعض القادة الموجودين بالصدفة هناك ليروا السيدة غول. ومن هؤلاء عائلة الجنرال كوبلي التي تبادلت الأحاديث مع زوجة غول.

إنها المرة الأولى التي يدخل فيها وزير من حزب العدالة والتنمية الى الطابق السابع من المستشفى العسكري. غول سلّم نفسه أمانة للعسكر، وبذلك تغلب <<المجال الإنساني>> على <<المجال العام>>.
مسؤول عسكري رفيع المستوى في إدارة المستشفى قال إن القاعدة هي منع الحجاب في المستشفى لكن يمكن لزوجة وزير محجبة أن تأتي في وقت لا عجقة فيه، وفي النتيجة إنها <<حالة إنسانية>>.

السماح لزوجة غول بالدخول الى المستشفى لا يأتي بمعنى تنازل العسكر عن ثوابتهم. إن ثوابت العسكر هو ثوابت جمهورية تركيا. لكن هناك أيضا حيزاً للثوابت الإنسانية، التي يمكن أن تتجاوز أكثر الخلافات حدة، يردف ذلك المسؤول العسكري.
حكاية زوجة وزير محجبة استحقت أن تكون خبراً رئيسياً كما يقول الأتراك، في إشارة الى بلادهم ذات الوضع الخاص: هنا تركيا.

التوقيع

قال الشافعي رحمه الله: أركان الرجولة أربع: الديانة والأمانة والصيانة والرزانة. قال الخليل ابن أحمد: التواني إضاعة, والحزم بضاعة, والإنصاف راحة, واللجاجة وقاحة. اللهم أنصر من نصر الدين وأخذل من خذل الدين