الحمد لله حق هو حمده ، وحق هو شكره ، وحق هو ثناؤه ، والصلاة والسلام على خير الورى محمد بن عبدالله وعلى آله و أصحابة أولى المكرمات والنهى ومن اقتفى أثرهم محبين الاقتفاء وبعد :-
تأبى الأيام التي نعيشها ن إلا وان نقف مع نداء عظيم ، أو خطاب كريم ، أنطلق في غابر الزمن ، فأثار القلب والشجن ، وإن أمر الله للخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن جبل أبي قيس أعظم جبال مكة يصعد إبراهيم بعدما أكتمل البناء ، لينادي إلى رحمان الأرض والسماء " وأذن في الناس بالحج يأتوك رجلاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق " فيسمع الله هذه الدعوة الربانية نطفاً في الأرحام ، ويسمعها من يشاء سبحانه من الأحياء والكائنات و الذرات ، عندها تبدأ الرحلة العظيمة من أين ؟ من أقطار الدنيا كلها تأتي الملايين تلو الملايين على مدار التاريخ لتجيب هذا النداء وتلبي ذاك الدعاء ، يفدون إلى بيت الله الحرام زرافات ووحداناً من أعماق القارات ، ومن شطأن المحيطات ، يقطعون الفيافي والقفار ، و يجتازون عباب البحار ، ويطيرون في جو السماء آمين هذا البيت .
لله در ركائب سارت بهم =تطوي القفار الشاسعات على الدجى
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا =قلب المتيم منهـم ما قد شجـا
نزلوا ببــاب لا يخيـب نزيله =وقلوبهم بين المخافـة و الرجا
فلله هاتيك الجموع وهي تؤم بيت الله الحرام ، فما إن تقارب أرضه إلا وقد ضجت حنا جرها ، وتعالت أصواتها " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ".
فما إن تطأ أقدامها رحاب البيت العتيق ، وتكتمل عيونها برؤية الكعبة المعظمة ، إلا والعين قد سحت الدمع غزاراً ، وحق لها أن تسح ، فهي تطأ الأرض التي طالما سكبت عليها العبرات ، و استجيبت منها الدعوات ، وفرجت منها كربات وقد تحادرت دموعه صلى الله عليه وسلم على خدية ولحيته أمام بكرة الكعبة ،فيسأله عمر لمه يا رسول الله ؟ فيجيب " هنا تسكب العبرات يا عمر " .
ثم تتواصل بعدها أحداث تلك الرحلة العباديه بين هاتيك العرصات الطاهرة " منى وعرفات ومزدلفة و الجمرات " والنفوس فيما بينها خاشعة ولربها خاضعة ، الأيادي قد رفعت تناجيه ، والعيون قد فاضت ماءها تبكيه ، والقلوب تناديه ، والملك الحق يسمع أنينها ، ويعلم حديثها ، فلله كم نفس طافت وداع البيت خاتمة حجها بأن غسلت ذنوبها ، وحرمت على النار أعضاءها ، وزفت إلى جنات النعيم فذاك وربي فرحها وسرورها .
بعد هذا كله محروم ..... محروم ...... محروم من تيسر له الذهاب إلى تلك البقاع ، فأثر غيرها عليها ، ورضي بالقعود ولم يحن إليها .
لاسيما إن لم يؤد فريضة الحج بعد ، روى أحمد و أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " تعجلوا الحج – الفريضة – فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " وفقنا الله وإياكم إلى ما يرضيه .