نرفض النقد ما دام موجها الينا، رغم الادعاء باننا نرحب بالنقد ونعمل على تلافي اخطائنا من خلاله.. اننا كثيرا ما نستاء ويبلغ بنا الغضب مبلغه عندما يصل الينا نقد من احد عرفناه او لم نعرفه، قد يبدو هذا رد فعل طبيعيا وتلقائيا يمكن ان يصدر من أي انسان يلقى مالا يرضيه من تصرفات او اقوال الاخرين، وربما لا يجد من يلومه على هذا التصرف الصادر نتيجة ذلك القول او العمل، لكن رد الفعل هذا ربما لن يكون بنفس الحدة والقسوة لو فكرنا مليا في البواعث والاسباب وراء ذلك، فهي ليست على الدوام تلك الاسباب المشبوهة التي نظنها، وربما ليست لها تلك الغايات السيئة التي قد نفكر فيها، بل ان من النقد ما يراد به اصلاح تصرف خاطىء او تقويم امر معوج، لكن لان هذا الامر او ذلك التصرف له علاقة بنا.. يكون رد الفعل بهذه الحدة، وكأننا ملائكة لا نخطىء، مع ان الخطأ يلازمنا صباح مساء.
والاسوأ من ذلك اننا سرعان ما نضع اللوم كل اللوم على الاسباب والمبررات كلما اخطأنا، وهي اسباب ومبررات جاهزة وميسورة لا يحتاج العثور عليها الى جهد جهيد، ولا الى ابتكار جديد لانها كالحجارة على قارعة الطريق بامكان أي انسان ان يلتقط منها ما يشاء ليرمي بها وجه غيره، دون ان يدرك تأثير ذلك ودون ان يأخذ بعين الاعتبار انها لن تمر على غيره بسلام، فالاسباب والمبررات مالم تكن مقنعة لن تختلف كثيرا عن تلك الحجارة في حقيقتها المطلقة، وتأثيرها السلبي. الا نردد دائما ذلك البيت المشهور المنسوب للامام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
هذا هو حال العرب عندما يتعرض بعض الافراد منهم لبعض النقد في مجتمعاتهم او في المجتمعات الاخرى، تثور ثائرتهم، ويقدمون المبررات تلو المبررات للدفاع عن انفسهم مع ان هذا سلاح قد يستخدم ضدهم، لانهم لايتوانون عن ارتكاب الاخطاء القاتلة في تصرفاتهم عندما يتعاملون مع تلك المجتمعات، ويقدمون اسوأ الامثال لبلدانهم ودينهم وامتهم، وهذا ميدان يمكن ان تصول وتجول فيه الاقلام المغرضة كما تشاء، ولها الحق في ذلك عندما ترى هذه التصرفات تصدر ممن لا يدركون المسؤولية، ولا يصونون الامانة التي عليهم حملها ولا يحترمون الحق والفضيلة وحسن التصرف سواء مع غيرهم او حتى مع انفسهم.
هذا القصور في الوعي هو ما يرفع من حدة النقد ويضع بأيدي غيرنا اسلحة فتاكة تشهر في وجوهنا على الدوام، وننسى اننا نحن من صنع هذه الاسلحة بتلك التصرفات غير المسؤولة.
لكي نتقي شرور الاخرين، لابد ان نتقي شرور انفسنا ونحميها من كل ما يعيب، ومن ينتقد فلعل له عذره الذي علينا الا نغفل عنه:
فمد على المعائب منك سترا
فستر العيب اخلاق الكرام
وصدق من قال:
دع اللوم ان اللوم عون النوائب
ولا تتجاوز فيه حد المعاتب
فما كل من حط الرحال بمخفق
ولا كل من شد الرحال بكاسب
م
ر
و
ر
ي
مع كلــ الود
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |