كـان بين الشاعر راشد الخــلاوي والأمـير مـنيع بن عـريعـر مـن بني خــالدصـداقـه حـمـيمه ؛ في يوم مـن الأيـام كانا يتمـشيّان فنادى مــنيـع راشــد بـصـفـه قبيحـه تتعلـّق بنسـبه فلم يحـتملها راشد وقال : ليتني مت قبل أن أسمعها منك ؛ ثم تحدّى راشد مـنيع بالـقيام بتجـربه لـيثبت لـه أنّـه أعـلـى قدراً مـن مـنيع ولو كانت بالحـيلـه ؛ فقال له : أنت تعـرف أن الأمـير مـحـمـد الربيعي – أحـد أمراء بني خـالد أيضاً - لديه فهده تصيد له الظباء
وهـي عـزيزة عـليه إذهـب فاطـلـبها مـنه فـإن أعطـاك إياهـا فليس بكثير عـليك فأنت حــقّك عـلـيهـم كـثير ؛ أمّـا إذا رفـض طـلبك فسـوف أذهــــــب أنا وأطـلبهـا مــنـه وسـتـرى وكـان الخـلاوي يعـلم بمـدى تعـلـق الأمـير الربيعـي بفهـدته وأنّه لايفرّط فيها لأيٍّ كان ولكـنه كـان يضـمـر حـيلـةٍ تمكـّنه من الحـصول عليها خـاصّةً وأن الأمـير الربيعـي لـم يقـابل الـخــلاوي مـن قـبل ذهـب الـشـيخ مـنيع الى الربيعـي فـأولم له وكان من عادة صاحـب الحـاجـه أن يذكـرهـا قبل الـعـشـاء فـقـال مـنيع : جـئـت من أجـل حـاجـةٍ إن أعطيتني إيّـاهـا والا رجـعـت دون عـشاء وحـاجـتي هـي هـذه .. وأشار الى الفهده ؛ فقال
الربيعـي : لاأحـد يعـطـي ما يشترك به عـمـوم الـعـرب ؛ إن لـي فيها سهم وانظـر الـى بيوت الـقوم تجـد وراءهـا قـرون الظـبـاء فمـا تصـطــاده يقســم عـلـى الجــمـيع ؛ فـاقـتـنع مـنيع واشـترط أن لا يـعـطـيهـا لغـيره ؛ فتناول عـشاءه ورجـع الى الـخـلاوي وقال لـه أذهـب واطـلبها وهـو متأكّد أن الـخـلاوي لـن يظــفـر بهـا فـذهـب الخـلاوي وكانت دابّته حـماراً سريع الجـري ؛ فلمّا وصـل سـأل الرعـاة عـن الربيعي فـقيل لـه أنّـه ذهـب للـصـيد فانتعـشـت آمـالـه بنجـاح الخـطّـه الـتي رسمهـا عـندما عـلم بغـيابه ؛ فـقصـد بيت الربيعـي فـلـم يـرحّــب به أحـد نظـراً لهـيئـته ولمـلابسه الرثه ؛ فجـلس عند حماره أمام البيت ؛ وفي
وقـت الغـروب وضـعـت زوجـة الربيعي طعاما في ماعون وأمرت الخـادمه بأن تقدمه لـه ؛ وصـادف رجــوع راعـي إبـل الربيعـي وكـان جــائعـاً فـاخــتـطـف الماعون وأكل ما فيه والخــلاوي يرى ويسـمع ويبتـسـم بداخـلـه .. فهاهـي الحـجّـه الـتي سـوف تـحــقـق مـطـلــبـه
فـركـب حـمـاره وقـصـد الربيعي في الصـيد وسلّم عليه كأنّه لا يعرف بأنّه الربيعـي مـتعـمّـدا ذلـك ؛ فـقـال الـربيعـي : مـن أين أنت قـادم فـقال مـن فـريقٍ فـرّق الـلـه شـمـلـهـم .. ـفـقـال : لـمــاذا .. فـقـال الـخـــلاوي : لأنهـم لم يكـرمـوا الـضــيف وقـلـت بـهـم شـعـراً ؛ قـصـده أن ينبّه الربيعي الى أنه
الـخــلاوي الشـاعـر الـمـعـروف الـذي إذا قـال شـعـراً بـقـى الـى الأبـد
يـقــــول الـخـــــلاوي والـخـــــلاوي راشــــــــــــــد=تـخـــــطّــــر مــن بــيــت الــبـــيــــوت وضـــــاف
تـخــــطّــــرت الــى بــيـت الــربــيــعــي وافـــد=ومـــن جـــــاه مــمـــن كـــــان مـــنّـــه يــخـــــاف
فقـال الـربيعـي للـخــلاوي : هــل تعـرف الـربيعــي ؟ .. قـــال : لا .. فــــقــال الربيعي : هـل سـمع هـذا الشعر أحـد ؟ .. فقـال الخـلاوي : كل أطفال الفريق حـفّظـتهـم هـذا الشعر ( لأن الخـلاوي لو قـال غـير ذلـك لـقتلـه الربيعي حتى يـمــوت مـعـه شعره ولا ينتشـر بين الـنـاس ) .. فـقـال الـربيعـي : لـنرجـع الـى الـديار ونرى صــحّــة هـــذا الكــلام
وبالفـعـل عـاد الى الحـي وسأل الربيعـي زوجـته عـمّا حـدث فاخـبرته بصحّـة ما فعـلـه الـراعـي والخـادمه فعـلم بصـدق كـلام الـخــــــــلاوي فالـتفـت إلــيـه قـائـلاً : لـك ما تطـلب مـني فإن شئـت أن أقتل الراعي والخادمه أو وهـبتهما لك ؛ قال الخــلاوي : لا الأمـر أهـون مـن ذلـك وأريـد اخــبـارك أن الـبـيـتـيـن الـلـذيـن سـمـعـتـهـمـا مـنّي لم يسـمـعـهـمـا أحـد غـيرك ؛ أمّا الآن فاسـمع ما
أقول .. فـأسـمـعـه قـصـيده مــدح أشـار الـى أنه وهــبه الفهـده بين طــيّـات أبياتهـا كــي يـحـــرجـــه
يـقــــول الـخــــــلاوي والـخــــــلاوي راشــــــــــــد=بالـقـــيــل غــــالــي مــثــل غـــالــي الـجـــلايـب
يــامـــدي مــن يــم الـنــشــامــا نـصــيـحـــــــــه=مـن حــــاضــرٍ مــنـهــم ومـــن كــــان غـــــايـــب
مــن لا يــحــــصّـــل بـــاوّل الــعــــمــــر طــــولـــه=فـهــو عــــاجـــــزٍ عــنـهـا إذا صــــار شـــــايـــب
ومــن خـــاب فــي اول صـــبــاه مـــن الــثــــنـــا=فـهـــو لازم فــي تـــالـــي الـعــــمــــر خــــايـــب
كــمــا مـــورد ضــامــيــه والـقــيـظ قــد صـــفـا=عــلــى بـــارد الـثــريـا هـــبـيــل الـنـشــــايـب
ومــن لا يـــرد عــــدا تـــنــــــازي جـــــــمـــــامــه=قــــراح غـــــزيـــر الـمـــا مــنــيــع الـمــجــــاذب
لـكـــن دعــــاثـيــر الـغــــثـــا فــــوق جـــــالـــه=عــلــى مــعــطــن الـمـا مـقـعــيـات الـثـعــالـــب
وســيــروا الــى مــلــك الــربـيــعــي مــحـــمـــد=فـهــو زبـن مــن تـعـــنـا عــلــيـه الـركـــايـب
مــن اول جـــنــح الـلـــيــل مـــا عــلـــقــت بــــــه=اشــريـق الـضـحــى عــند الـمـخــاض الكــواعـب
خـــفـــاجــــيّــةٍ واســـــرارهــــا عـــــــامــــريـــــه=وجــــا طـــيــب الانـســـاب مـــن كـــل جــــانــب
عــن الـشــيـن ابـعـــد من سـهــيـل عـن الثـرا=ولـلـجـــود أقـــرب مـــن جــــبــيــنٍ لــحـــــاجــــب
ونــفــــسٍ الـــى حـــــدّثـــتــهــا اريــــحـــــيــــه=شــيــطــــانـهــا عـــنــد الــمــــروّات غـــــايــب
أبـو كــلــمـــةٍ وان قــــالــهــا مـــا تــغــــيـّـرت=كـــنّــه عــلــى مــا قــال بـالـخـــمــس قـــاضـــب
أجــي لــه ويـعــطــيـنـي عــطــايـا كــــثــيــره=ولــيـس لــمـــن لا يـعـــطـــي الــلــــه راغــــــــب
صــخــــا لـــي بــنــمــــراً جـــــروةٍ حـــضـــرمـــيّـه=شــمــالــي بـنــانـيـهــا مــن الــــدم خــــاضــــب
تـــرى ثـــوب راعــيـهـا قـــــدودٍ وحـــــبــلـهــــا=رثــيـث الـقـــوى مــن كــثـر مـاهــي اتـجـــاذب
الـى عــــلّـــق الـقــنــــــاص راســيــن عـــلّـــقــت=خــمــســة تـخـــامـــيــس اعــــــدادٍ لــحـــــاســب
كــــأن اقــــرون الـصـــيــد مــن حـــول بــيـتــه=هـــشــيــم الـغـــضــا ادنــــاه لـلــنـــار حــاطــب
يـالـيـت مــنـيـع فـــارس الـخــــيــل بـالـلــــقـا=عــلــى جـــازع الـبـيــدا يـمــيـن الـمــشـــاغــب
يـشــوفــون ذي مــع ذي وهـــاذيــك عــنـد ذي=كـمـا الـودع دانـا بـيـنـهـم نــظــم كــاعــب
وبـقــيــت كـــنّــي حـــــامـــيٍ لـــي مــــديـنــــه =عــلـيـهـا الــدول فـــوق الـــدروب الـــديـــادب
فـعـرف الربيعـي أن الخـلاوي يريد الـفهـده وكـان يردد فـيه نفـسـه بيت الخـلاوي ( ابو كـلـمـةٍ وان قالها ما تغيّرت) وخـشى أن يكون لها صـدى عـند العـرب إذا لم يعـطـه الفهـده ؛ لـهـذا أعطاه الفهده خـوفاً من العار ؛ فرجـع بهـا الخـلاوي الى صـديقه مـنيع قائـلاً : هــذه الـتي لـم تـدركـها أنت وقـــد أدركـتهـا أنا ؛ ثم رجــع بها الخــلاوي الى صـاحــبهـا الربيعـي لــيردّها لــــه بعـد أن أتم حــاجـته مـنها فاسـتغرب الربيعـي قـائـلاً لمـاذا رجـعـت بهـا ؟ قـال: الخــلاوي : انقضـت حـاجـتي وأنا أكثر صـيداً منها ولا أحـب أن أعـطيها
لغـيرك ؛ فـقـال الربيعـي : ما أخـس مـن ادّعـائـك عـلي الا عـودتك من ديارٍ بعـيده بعـبدة كـلـب !! .. والغريب في الأمر أن الفهده لها معرفه بالبشر وهـي تجـزع إذا شبهـت بالـكـلـب ؛ ولـهـذا عـندمـا سـمـعـت قـول الـربيعـي ( عـبدة كـلـب ) ماتت في الحـال ؛ والمعروف أنها إذا أخـطـأت يأتون بكلب
فيضـربونه أمـامـهـا ومـن هـنا جـاء المـثل ( اضـرب الكـلب يسـتأدب الفهـد ) .