بسم الله الرحمن الرحيم
قال حكيمُ العربِ زهير بن أبي سُلمى :
|
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُهُفلم يبقَ إلا صورة اللحمِ والدمِ |
|
وهذه حكاية وردت عن لسان الجاحظ (ت : 255هـ) حاكيًا عنه هو نفسه : أنه فيما هو يسير في طريق إذ برجلٍ جالس متربّع في جلسته ، قصير القامة ، غليظ الهامة ، طويل شعر الناصية ، في يده مشط يمشطّ به شعره . فلمّا رآه على هذه الهيئة استحقره وازدراه ، وقال في نفسه ما هذا إلا أبله ؛ فقال له : لقد قلتُ فيك شعرًا . فقال : هاته . فقال :
|
كأنّكَ صَعوة (1) في وسْط¸â‚¬حُشِّ (2)أصابَ الحشَّط¸â‚¬شٌّ بعدَ رشِّ |
|

فلم يغيّر جلستَه ، ولم يترك تمشيط شعره ؛ فظنّ الجاحظ أنّه لم يعِ ما قاله له إلا أنّه ردّ عليه فقال له في الحال : ولقد أجبتُكَ ! فقال الجاحظ مُتعجّبًا : هاتِه ! فقال :
|
كأنّك علكةٌ في ذيلِ كبشِتُدلْدِلُ هكذا والكبشُ يَمشي |
|


فألجم الجاحظ بردّه ، وغلبه ببديهته ؛ فمضى الجاحظ مغمومًا ، وأمّا الرجل ؛ فلم يعبأ بما وقع ؛ وكأنّه ما وقع .
ويُستفاد مما جاء من إيراد أنّ الرجال بأفئدتها وألسنتها لا بأجسامها وهيئاتها ؛ وهذه القصّة تصدّق بيت زهير السابق .
(1)- الصعوة : طائر صغير يعيش في الواحات والأشجار الملتفّة والمتقاربة ، وهو الدخّلة .
(2)- الحُشّ : الأشجار الملتفّة ، كان الناس يقضون فيها حاجتهم ؛ لأنّها تسترهم .
وإلى لقاء بإذن ربّ الأرض والسماء .
بقلم أخيكم : أبي عبد الملك .
آخر تعديل أبو عبد الملك الرويس يوم 04-Nov-2010 في 07:02 PM.