موقف سنة العراق من مجالس الصحوة - الهيـــــــــــــلا *** منتدى قبيلة عتيبة

النافذ · 28-May-2008, 03:15 PM

عناصر من مجالس الصحوة

حسن الرشيدي

istratigi@hotmail.com

"سنقضي على الإرهابيين وحينما نهزمهم هنا نستطيع الذهاب معكم للقضاء عليهم في أفغانستان"

هذا القول قاله عبد الستار أبو ريشة شيخ صحوة الأنبار في أول لقاء بينه وبين "ديفيد بترايوس" قائد قوات الاحتلال الأمريكي وقد اغتيل أبو ريشة فيما بعد.

والجدير ذكره أن المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية يمر هذه الأيام في مفرق طرق غير مسبوق. فهناك عدد من المعطيات تجعل الأمور غير واضحة وفي طور التبلور بالنسبة لصانعي القرار في دول المنطقة وحتى في الولايات المتحدة نفسها والكل في انتظار نضوج العديد من الخيارات التي طبقت أو في انتظار عامل الزمن الذي في نظر البعض سيحسم كثيرًا من القضايا التي تجري على الساحة.

والمشروع الأمريكي الصهيوني يتعرض لعدة مآزق في لبنان وفي فلسطين وفي العراق، ولكن أشرسها على الإطلاق في العراق فقد نجحت المقاومة العراقية والتي تشكلت إثر سقوط بغداد في تغيير موازين القوى على الأرض لمصلحة العراقيين وجعلت أمريكا تترنح ويترنح مشروعها في الشرق الأوسط كله وباتت هيبتها عالميًا على المحك.

وفجأة ظهرت ما يعرف بمجالس الصحوة، فما هي تلك الجماعات ومن وراءها وما الغرض من إنشائها؟

يعرف فضل الربيعي مجالس الصحوة بأنها تشكيل عسكري مؤلف من رجال القبائل ولا يضم بين صفوفه سوى أفراد وجماعات تطوعت أو نذرت نفسها ـ لقاء المال في الغالب ـ لقتال القاعدة ومطاردتها وهؤلاء في نظره ليسوا مقاتلين محترفين ولا يمكن عدهم كذلك كما هو الحال مع الفدائيين الفلسطينيين إلا في حدود كونهم يمتلكون خبرات قتالية محدودة اكتسبها بعضهم من فترة خدمته في الجيش العراقي السابق، وبعض الآخر اكتسبها من العمل مع جماعات مسلحة خلال السنوات المنصرمة من الاحتلال، وتاريخيًا في رواية أنها بدأت أول ما بدأت في محافظة الأنبار (أكبر محافظة سنية غرب العراق) عندما عاد عبد الستار أبو ريشة من الأردن ليقود تحالفًا عشائريًا سنيًا لمواجهة القاعدة تحت مسمى مجلس صحوة الأنبار. ومنها انطلقت شرارة الصحوات إلى محافظات أخرى مثل: ديالى وصلاح الدين ونينوى وبغداد أخيرًا التي تأسست بها صحوات في مناطق الدورة والعامرية والسيدية والخضراء واليرموك والمنصور والجامعة والغزالية والأعظمية والفضل ومناطق حزام بغداد الشمالي والجنوبي والغربي حتى قال جريجوري سميث مدير فرقة الاتصالات في الجيش الأمريكي: إن مجالس الصحوة وصلت في العراق إلى 186مجلسًا تعمل في 186 منطقة من خلال 77 ألف عنصر مسلح.

ولكن ما هي حقيقة تلك المجالس؟ هل هي منظمات عميلة للاحتلال أم هي جماعات لها برنامج سياسي وعسكري تحاول تحقيقه؟

لكشف ملابسات تلك الجماعات يجب علينا معرفة الآراء المتناقضة التي قيلت فيها من قيادات المقاومة وزعماء العشائر والدول التي لها يد في العراق كالولايات المتحدة وإيران كما سنعرض لوجهات نظر الخبراء فيها ثم ننهي بمنهج تحليلي يحاول استنباط حقيقة تلك المجالس.

ولكن لنبدأ بموقع تلك المجالس داخل البيئة السنية في العراق، حيث تتعدد أطياف المجتمع السني العراقي من أحزاب إسلامية إلى أحزاب قومية وشيوعية إلى جماعات سلفية وصوفية ومستقلة إلى قبائل وعشائر وبطون ولكل منهم همومه وتوجهاته ولبعضهم أحيانًا طموحه.

فالمقاومة العراقية ذات ثلاثة أجنحة رئيسة: أحدها يمثلها الجيش الإسلامي مع بعض التنظيمات الأصغر حجمًا، والآخر كتائب ثورة العشرين ويجتمع أيضًا مع بعض التنظيمات الصغيرة، والثالث دولة العراق الإسلامية التي تمثل فرع القاعدة في العراق.

في حديث لمجلة العصر يقول أمير الجيش الإسلامي: أمريكا في الواقع لم تحقق تقدمًا حقيقيًا في سنة 2007 كما تروج له إعلاميًا ولكن الذي حصل أن أمريكا وحكومتها الطائفية سلطت المليشيات على أهل السنة فتداعت الجماعات والفصائل للدفاع عن الناس وأموالهم وأعراضهم مما أدى إلى انخفاض عدد العمليات في بعض الأشهر كعمل تكتيكي وليس إستراتيجيًا.

و لكن أمير الجيش الإسلامي في العراق في حديث مطول مع صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 22 فبراير 2008 يعود لينفي وضع مجالس الصحوة العشائرية كلها في سلة واحدة و يصنفها إلى خمسة أصناف: منهم خونة لهم علاقاتهم مع الأمريكيين منذ الأيام الأولى للاحتلال واستمروا بذلك ومنهم من فقد مجده كشيخ عشيرة ويبحث عن مجده ولو بالتعاون مع المحتل وآخر يبحث عن المال في جيب إبليس ومنهم من هو مظلوم صاحب حق يرد العدوان من أي جهة كان ومنهم من لم يجد عملاً فاستهوته موضة الصحوة ليحصل على ما يقتات به وأشار إلى إن حكمنا على هؤلاء يختلف باختلاف أفعالهم وطالب زعماء الصحوة بألا يكونوا مركبًا هنيئًا للأمريكيين وأن يكتفوا بحماية أنفسهم ومناطقهم من أي عدوان وألا يتعرضوا لمن يستهدف الاحتلال ولا يستهدفهم.

ويفسر الباحث محمد أبو رمان ذلك التناقض بأن الجيش الإسلامي الذي يمثل طيفًا واسعًا من التيار السلفي العراقي قد دخل في عملية تحول بنيوية خلال الشهور السابقة بدءًا من منتصف العام 2007 عندما ساهم في تشكيل الصحوات العشائرية السنية بالتنسيق بين بعض قياداته وبين القوات الأمريكية وذلك نتيجة تنامي قناعة في أوساط القادة الميدانيين في الجيش أنّ الاحتلال الصفوي الإيراني هو أخطر من الاحتلال الأمريكي وأنّ قتاله أولى من قتال الأمريكيين. ونظرًا لتعذر الدخول في حرب على الجبهتين فلا بد من هدنة مع الأمريكيين وفتح الجبهة مع الإيرانيين حماية لهوية بغداد السنية.

و يمضي أبو رمان في القول بأن هناك خلافات داخل الجيش الإسلامي حول التعامل مع الصحوات حيث يحبذ البعض دعمها بل الاشتراك في صفوفها للتفرغ لقتال إيران بينما يفضل البعض التركيز في القتال على المحتل الأمريكي.

أما هيئة علماء المسلمين بزعامة الشيخ حارث الضاري وهي تعبر بصفة عامة عن توجهات كتائب ثورة العشرين فقد قال الدكتور محمد بشار الفيضي الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق إلى القول: إن الصحوات في المناطق السُنيّة جزء من مشروع أمريكي هدفه القضاء على المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي وليس الحرب على القاعدة.

و يقارن الشيخ الضاري بين الصحوات والقاعدة ففي تصريح له في الثامن من يناير الماضي قال الضاري : إن هناك ـ ما سماه ـ تطابقًا بين أفعال تنظيم القاعدة ومجالس صحوات العشائر، محذرًا من أن تقسيم العراق وتغييبه سيؤدي إلى غياب دول أخرى. وأوضح الضاري من العاصمة السعودية الرياض أن الكثير ممن انضموا إلى الصحوات كانوا في البدايات مع تنظيم القاعدة، مؤكدًا أن هؤلاء دخلوا لمصلحة... دخلوا للمال مع القاعدة وعندما أصبح المال هنا مالوا إليه، على حد تعبيره. مضيفًا أنهم سيبقون على طريقتهم في إقصاء الناس وإيذائهم بتصرفاتهم، مشيرًا إلى أن هناك فئات سياسية سنية متورطة ممن هم في داخل العملية السياسية من دون أن يسمها.

ولكنه أيضًا يبدأ بعد ذلك في تقسيمهم إلى قسمين ففي لقاء مع مجلة البيان العدد 244 قسمها إلى نوعين.

الأول: صحوات رأت ما أصاب هذه المناطق من عسف وجور من الحكومة وغيرها هؤلاء انتفضوا للدفاع عن أنفسهم من غير أن يستعينوا بالاحتلال، فهؤلاء معذورون لأنهم في موقف الدافع للصائل ودفع الصائل في الشرع جائز مهما كان مسلمًا أو غير مسلم .

أما النوع الثاني: وهي الصحوة التي يطبل لها الاحتلال وعملاؤه فهذه غفوات وليست صحوات وبخاصة ممن رضيت لنفسها أن تعمل مع الاحتلال.

و يقول الدكتور مثنى حارث الضاري الناطق الرسمي لهيئة علماء المسلمين في الخارج بأن مجالس الصحوات في عموم العراق لم تكن مسئولة عن انحسار أعمال العنف في العراق موضحًا أنها اليوم تقوم بنفس دور الميليشيات في السلب والنهب والقتل وأنها استغلت حالة البطالة المنتشرة في العراق في ضم عدد كبير إلى صفوفها، مبينًا أن هناك صراعًا جديدًا في العراق بين الصحوة والميليشيات فقد قامت الميليشيات في الغزالية بمهاجمة المنطقة وقتل عدد من أفراد الصحوة الذين يحمون المنطقة.

و لكن هذا يعتبر اعترافًا من الدكتور مثنى بأن الصحوة تحمي بعض المناطق من هجمات الميلشيات وهو مصطلح يستخدم في الغالب لوصف العصابات الشيعية التي تهاجم أهل السنة .

أما القاعدة فقد شكلت ما يسمى بكتيبة الصدّيق وعززت من الجانب الأمني في مواجهة الصحوة وقد استطاعت قتل عدد من زعمائها باعتبار أن الأصل في إنشاء هذه الصحوات هو محاصرة القاعدة تمهيدًا للقضاء عليها وتوالت البيانات الصادرة من ما يطلق عليه دولة العراق الإسلامية تندد وتتوعد هذه المجالس التي اعتبرتها عميلة للاحتلال بل أخطر منه.

وعند تحليل موقف الجماعات السنية السياسية ـ أي التي انخرطت في العملية السياسية التي جاء بها الاحتلال ـ ونقصد جبهة التوافق ومن بينها الحزب الإسلامي، ففي البداية رحب بمجالس الصحوة ولكنها عادت لتشن حرب تصريحات ضدها، عندما أحست أن هذه المجالس سوف تأخذ دورها السياسي في تمثيل السنة لدى الاحتلال وشن القيادي في الحزب الإسلامي عمر عبد الستار الكربولي هجومًا عنيفًا وغير مسبوق على قيادات الصحوة التي طالبت بإحداث تغيير في قيادة الأنبار. ووصف الكربولي تصريحات القيادات العشائرية في المحافظة بأنها غير مسئولة، ووصف تلك القيادات بأنها لا تريد المصلحة لأبناء الأنبار، بدوره اتهم الشيخ علي الحاتم ـ أحد كبار زعماء العشائر الثائرين على تنظيم القاعدة في الأنبار ـ المجلس المحلي هناك وهو تابع للحزب الإسلامي بالفساد وطالب في تصريح إلى الحياة رئيس الوزراء نوري المالكي بعدم مجاملة البرلمانيين السُنة أو منحهم مهلة زمنية للعودة عن قرار الانسحاب، معتبرًا أن العشائر التي حاربت القاعدة أولى من الجبهة بحصة السنة في الحكومة.

وبالنظر إلى موقف العشائر من مجالس الصحوة نجد أنه ليس أيضًا موحدًا على الرغم من أن هذه المجالس إنما خرجت منها وتنسب دائمًا إلى العشائر والقبائل العراقية.

ورأى شيخ عشيرة السواعد في محافظة الأنبار الشيخ مشعان الساعدي أن إشراك العشائر في العمليات التي تقوم بها القوات الأمريكية في الأنبار ستؤول إلى مشكلات كبيرة بين عشائر المحافظة. وقال لصحيفة الحياة: إن العشائر منقسمة بين مؤيد ومعارض للتعاون مع القوات الأمريكية في حربها ضد القاعدة لافتًا إلى أن بعض هذه العشائر يواجه تهمًا بالخيانة لوقوفه إلى جانب الأمريكيين، وهو ما يعني أن العملية قد تؤول إلى فتنة لاحقة بين عشائر المنطقة.

نخلص من هذا العرض لموقع مجالس الصحوة داخل الفسيفساء السنية في العراق أن هناك شبه إجماع على أن هذه المجالس ليست كلها واحدة، فمنها التي اجتهدت في رؤية الخطر الشيعي الإيراني أكبر من الخطر الأمريكي، ومنها من حركها الطمع والمال، وبعضها كان الدافع له بطالة مقنعة ناتجة عن الاحتلال، ومنها الطامح للمناصب وتبوء الزعامة، كما أن بعضها غاضب من بعض تصرفات التي ترتكبها القاعدة في المناطق السنية.