راح ورجع .. !؟
.
.
.
منذُ نعومة أظفاره ولين عظامه ، وهو يرعى بقر والده العشرين تزيد قليلاً وتنقص مع ثورها السمين .. في مراعي بلدته الهادئة والوادعة ..
فطالت أظلافه وقست عظامه ، وهو على هذه الحالة .. فشعر بالمرارة ؛ وذلك رؤيته أيّامه تتسارع ، وسنواته تتسابق وما تحقّق شيء من أحلامه وآماله التي كانت تدور في مضمار لا يتجاوز التفحيط بالسيّارة ، وتدخين السيجارة بعيد عن العين المراقبة واللوّامة ، والعيش في العاصمة .. !؟
وفي إحدى الليالي ، وهو يداعب أفكاره ، ويستدعي أحلامه لحاله سمع أمّه ، وهي تقول لأبيه : لقد كبُرَ ابننا ، وهو في قدره عند الناس وفي الحياة لا يعدو قدرَ ثورنا ، إلا أنّ ثورنا يفضله بأنّه متزوّج من عدّة بقرات عجاف ، وأمّا ابننا ـ فيا حسرة ـ لا مرّة ولا حتى مثل البقرة ..!؟
فقطع الأب حديثها قبل أن تصل إلى مرادها قائلاُ لها : والبقرة خير وأهم من المرة ، والثور خير وأهمّ من ولدك الثور ..!
فغضبتْ وقالت : دائمًا هذا أنت على عادتك ؛ البقرة خير عندك من المرة .. !؟
فتحرّكت الدماء ، وانتفخت الأوداج عند راعي البقر صاحبنا المشار إليه آنفًا مُستغلاً الأوضاع فصاح ، بل خاور كالثور : يا أبي ، ودّي أكمل دراستي مثل ولد خالي وأروح للجامعة في العاصمة أجيب الشاهدة العالية ..
فأجابه أبوه ولم يُبطئ عليه : ما تخسأ ؛ والبقر من يرعاه ، جعل القوم ترعاك ؟!
فدخل الرعب قلبه ، إلا أنه تمالك نفسه ، واستجمع قواه بعد استحضاره لشخصية الثور الذي كان يرعاه ، وصلابته وثباته ؛ لأنه ( الثور ) قدوته الأوحد ، فلم يتاثّر بمخلوقٍ ـ قط ـ في خلقه وطريقته وتصرّفه حتى في أكله ولعقه لأنفه مثل ما تأثّر بهذا الثور ـ قائلاً لوالده : ترى إما سمحت لي وإلا دقستك ( أي : ركلتُك برأسي ، على لغة الثيران والبقر ) !
فردّ الوالدُ على عجل : ما تعقب ـ يا الثور ـ ، ما تجي تقستك ربع دقستي ، ويا ولد أمّك البقرة ، تعال ورّني ..!؟
وهنا تدخّلت الأمّ ثالثة الأثافي ، فأظهرت الخافي ، وكلّ ما هو جافي ؛ فدقست ( قصدي : شتمت ) ثورها ( قصدي : زوجها ) بكلّ أنواع الشتم ، وكادت أن تُتبعه باللكم واللطم لولا أنّه تدارك الأمر خوفًا من ذلك الأمر فخرّ وأقرّ بأنّه موافق على أن يكمل عجله ( قصدي : ولده ) دراسته في الجامعة .. !
وهنا ملأت السعادة قلبه باقتراب تحقّق حلمه وأمله .. فدخل عليهما دونما استئذانٍ ، فقبّل رأس أمّه دون رأس والده ؛ لأنّها كانت لها الجلبة والغلبة وفق شريعة البقر .. !؟
وفعلاً ؛ فقد سافر راعي البقر هذا إلى العاصمة الرياض حاملاً معه شهادة الثانوية التي لم يبقَ أحدٌ لم يفاخره بها ، وكان تقديره فيها واحدًا وستين (61) ؛ ( أيّ : 61% ) مع الترتيب الأخير في قائمة الناجحين .. !؟
وبعد التوفيق .. توسّط له أحد أقاربه الذي كان يعملُ موظّفًا في الجامعة في قسم التسجيل ؛ فسجّّل مع تدني تقديره في كليّة رفيعة .. ( على عادة الواسطة في تغيير وتزوير الحقيقة ) !
وهكذا قد نالَ صاحبُنا مبتغاه ، وانتقل مع قلبه وأمله إلى العاصمة مهبط هواه .. التي تحرّر فيها ـ كما رغب ـ من قيود والده ومجتمعه ؛ فبدأ يلحس السيجارة ويلوكها بلسانه بلا رقيب ولا حسيب ـ كما يتوّهم ـ ولا ملامة .. !
وسارت أيامه ، وهذه هي حاله .. حتى فاجأه الاختبار ؛ فأكمل في كلّ الموادّ ..!؟
ثم أعاد بعد نصفَ عام في كلّ الموادّ ؛ فلم ينجح فيها كلّها إلا في مادّة واحدة بتقدير ( 61% ) .. هي مادّة : الحياة الفطرية في المملكة .. !؟
وبعد هذا الإخفاق المتكرّر واستنفاذ كلّ البدائل والفرص قرّر مجلس الجامعة بالإجماع فصله لعجزه كليًا عن اتمام دراسته .. !
فاحتار إلى أين المسار .. ؟!
وبعد تأمّل لأيام ؛ قرّر المسير إلى قريبه العزيز الذي قد ساعده في القبول في الجامعة ، ولكنّه لم يذكره إلا هذه الساعة ، فجاءه في داره ، فاستقبله قريبه مستثقلاً مُثقلاً ، متأفّفًا كاظمًا .. !
وبعد مرور ساعات من الاستقبال قدحت في ذهن القريب فكرة ظاهرها الفزعة ، وباطنها الفكّة .. قائلاً له : لِمَ لا تُكمل دراستك في الخارج عن طريق الالتحاق بمشروع الابتعاث للخارج للدراسة والتعلّم .. ؟!
فنزل عليه هذا الخبرُ كالمطر ، مع أنّه لم يفهمْه أوّل الأمر إلا بعد شرح وإعادة طرح .. !؟
المهمّ أنه بعد فهمه مباشرة انطلق إلى مركّز الابتعاث فكان أوّل المصبّحين له ، والطارقين لبابه ؛ فقدّم إلى موظّفيه أوراقه كاملة إلا قرار الفصل من الجامعة ، وهي نباهة منه مع أنها جاءته من غيره .. !
ومع هذا ؛ فلم يُقبل أوّل الأمر في تقديمه هذا .. إلا أنّ قريبه فكّة وخلاصًا من الشرّ توسّط له عن طريق صديقه المسؤول في إحدى لجان الابتعاث ؛ فقُبِل هذه المرّة في تقديمه اللاحق بعد الواسطة والملاحق .. !
والطريف في الأمر أنّه لم يُحدّد الجامعة التي يرغبها فضلاً عن البلد الذي يرغبه في الطلب الذي قدّمه ؛ مما جعل صديق قريبه الذي يعمل في لجنة الابتعاث والاختيار يحار فيما يختار !؟
فقرّر في الأخير أن يختار له ؛ فيضع له اسم جامعة مُوافقة ومطابقة لما رآه منه من صفاته ؛ فسجّل اسم جامعة ( كاوز ) الأمريكية التي تقع وتقبع في ولاية ( كلورادو ) ذات الأكثريّة والأغلبيّة البقريّة .. !؟
وعند وصول المقصود إلى تلك الولاية العامرة بالأبقار المخاورة ..
.
.
.
>> ( ونكمل ـ بإذن الله تعالى ـ في مشاركة قادمة .. )!
.
.
.
التوقيع |
الآراء كثيرة مُتباينة .. وتبقى الحقيقة واحدة .. تراها العين التى ترَى بالعقل من منظار النقل و الهُدى ، لا العين التي ترَى من منظار الفِسق والهَوى !؟
.
.
|