خميني إيران وهزيمة العرب بدبابة أميركية
تنطوي أهم «المنجزات» القاتلة للغزو الأميركي البريطاني للعراق واحتلاله وأبعادها السياسية والإستراتيجية على أمرين:
أحدهما: أنها المرة الأولى في تاريخ الأطماع الغربية في المنطقة العربية، استراتيجياً وسياسياً ومصالح اقتصادية، أن تهزم القوات العسكرية الأميركية البريطانية «أصدقاءها» العرب في الشرق الأوسط، في الخليج وسوريا التي دعمت المشروع الأميركي الاستراتيجي لتدمير العراق بالتخطيط والتعاون مع مصر، لمصلحة عدو طامع آخر هو إيران الفارسية الملتحفة بعباءة المذهب الشيعي الإسلامي.
والثاني: أنها قوضت أركان الأهداف المخططة أميركياً وبريطانياً وأرست «فوائد» تتعارض تماماً مع الأهداف المرسومة. والأمر الثاني حقق لقائد النظام «الإسلامي» الأول في إيران الخميني حلمه «التوراتي» بالهيمنة والنفوذ الاستراتيجي على المنطقة العربية، وخصوصاً العراق والخليج، بعد وفاته بخمسة عشر عاماً على أيدي «أعدائه» المفترضين، الولايات المتحدة وبريطانيا، الذين سعوا لتأليب المنطقة العربية وحشد قواتها لاحتواء أفكار ذلك النظام التوسعية «الظلامية المتشددة».
وقد أصبحت الأطماع الإيرانية معروفة ومعلنة منذ الإطاحة بنظام الشاه وتربع شخصيات، عادت من خارج البلاد، مثل الخميني ، التي رفعت لواء المعارضة الدينية مستعطفين العالم بالشكوى من ظلم الدكتاتورية الشاهنشاهية وفظائع انتهاكات حقوق الإنسان. كان تصدير ما يسمى بـ«الثورة» الإيرانية أحد مرتكزات العمل السياسي والمخابراتي والاقتصادي والديني للنظام الديني الجديد في طهران، مع التأكيد على الأولوية للجوار الجغرافي في العراق ودول الخليج التي تعرضت إلى «مؤامرات» عديدة، من بينها محاولات انقلاب البحرين، وتفجيرات واغتيالات الكويت، ومحاولة إثارة اضطرابات تحت غطاء الحج في المملكة العربية السعودية.
لم يعد خافياً أن تغيير أنظمة الحكم العربية أولوية قصوى سخرت لها القيادات الإيرانية جميع الإمكانيات المتاحة، غير أن موقف العراق المناهض، بدعم عربي وخليجي، للنظام الإيراني بقيادة الخميني ، أوقف زخم المسعى لتصدير «النظام» الديني وقوض أركان الأولوية التوسعية. وقد قدمت الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا دعماً واسع النطاق مخابراتياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لوقف المد الإيراني وزحفه نحو منطقة الخليج الحيوية، التي سماها زبغنيو بريجنسكي ، مستشار الأمن الأميركي الأسبق «رئة» أميركا الحيوية، ووصفها في إطار قوس الأزمات الذي ينبغي هيمنة الولايات المتحدة عليه، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، وقال عنها كيسنجر : إنها شريان الحياة الغربية الذي ينبغي أن يبقى متدفقاً حتى ولو باستخدام القوة العسكرية الفتاكة.
ولجأت الدول الغربية في خضم الصراع بين القطبين الغربي والسوفيتي أثناء الحرب الباردة، إلى «الهيمنة» بالإنابة من خلال اتفاقيات دفاعية، مع الكويت وسلطنة عمان والبحرين التي أصبحت مقراً للأسطول الأميركي الخامس، واقتصادية معها ومع دول الخليج الأخرى لتنظيم انسياب ذلك الشريان الحيوي. غير أن انهيار الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي وتفتته أطلق يد الولايات المتحدة في المنطقة، وتحولت من الإنابة وغير المباشرة في الإدارة الاستراتيجية إلى الالتحام المباشر والتوجيه الرئيسي لمجريات الأحداث، وفق منظور يبقي على المنطقة ضمن الفلك الأميركي والغربي دون منازع. وتحولت الخطط الأميركية منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية إلى «قضم» الحافات الجغرافية المهددة، تنافسياً أو استراتيجياً، لذلك الشريان الحيوي، مثل العراق إيران، في مسعى يخدم في نهاية المطاف الوجود الإسرائيلي المستقر بعد سنوات طويلة من «اللاشرعية» السياسية و«التنفير» الديني والأخلاقي والسياسي والاقتصادي، بل وحتى التثقيف التربوي، من التعامل معها.
ووجد التخطيط الأميركي في مشروع احتلال العراق خطوة هامة تحقق هدفاً متعدد الوجوه:
السيطرة على خزين إضافي من البترول، ثاني أكبر مخزون في العالم بعد المملكة العربية السعودية.
إزاحة نظام يرفع لواء القومية العربية الأمر الذي يحرض الشعوب العربية ضد الأطماع الغربية والأميركية من جهة، ويحرج «أصدقاء» واشنطن من الحكام العرب.
وتوسيع الطوق الجغرافي الآمن.
وإقامة منطقة متقدمة بوجه إيران.
وتوجيه رسالة سياسية مفادها أن مناهضة الأهداف الأميركية لن تمر بعد الآن دون عقاب، وفي هذه الحالة التدمير والاحتلال العسكري. يضاف إلى ذلك الترويج إلى أن إيران قد تكون الخطوة القادمة إضافة إلى سوريا التي يرفع هي الأخرى نظامها لواء القومية العربية ومناهضة إسرائيل والمشاريع الأميركية.
واعتقد المخططون الأميركيون أن تحييد إيران أثناء تنفيذ الجزء الأول من استراتيجية الهيمنة على المنطقة من خلال احتلال العراق سيحقق أهدافهم وخططهم دون خسائر كبيرة، ولذلك فتحوا الأبواب لمشاركة فعالة لقوى ترتدي العباءة الدينية الشيعية والمرتبطة بإيران، مثل عائلة الحكيم وحزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري ، من أجل هدف متشعب: تطمين إيران واستخدام مجموعات الحكيم وحزب الدعوة وآخرين لتهدئة المعارضة للاحتلال الأميركي البريطاني في أوساط شيعة العراق على أساس أنهم أغلبية في العراق، وتقديم المشروع الأميركي على أنه منفتح على جميع الطوائف والأعراق العراقية. وتحول عبد العزيز الحكيم ، نيابة عن شقيقه محمد باقر الحكيم ، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية آنذاك، إلى ضيف دائم على الخارجية والمخابرات الأميركية في واشنطن ويحضر اجتماعات تخطيط لغزو العراق واحتلاله، مع أربع قوى أخرى، كردية جلال الطالباني ومسعود البارزاني ، وإياد علاوي وأحمد الجلبي . غير أن رياح القوى المرتبطة بإيران جاءت بما لا تشتهي سفن واشنطن.
ورغم أن إيران لم تعترض أو تعيق الخطط الأميركية؛ ولكنها لأهداف إيرانية بحتة. إذ أن المخطط الإيراني هو السماح للقوات الأميركية بتحقيق حلم الخميني بتدمير العراق وإزاحة النظام القومي العربي الذي دخل في حرب شرسة معها امتدت لثماني سنوات، والعمل مع القوى المرتبطة بطهران بالسيطرة على مقدرات العراق السياسية والمخابراتية والاقتصادية والدينية. ويعكس لنا المشهد الحالي في العراق صورة واضحة عن سيطرة إيرانية تامة تحت مظلة الاحتلال الأميركي البريطاني وبأدوات دينية المظهر. وقامت المخابرات الإيرانية بهدوء ومثابرة على تصفية وقتل المئات من الضباط والطيارين ورجال المخابرات والعلماء العراقيين لتفريغ البلاد من طليعتها الرئيسية وإزاحة القوى العراقية القومية العربية والدينية الرئيسية مع دعم مالي ومخابراتي وسياسي متكامل لرجال إيران وخصوصاً حزب الدعوة بقيادة الجعفري والمجلس الأعلى بقيادة الحكيم وعادل عبد المهدي . وتجد الولايات المتحدة الآن أن أهدافها قد تصبح في مهب الريح دون استراتيجية ذكية لإعادة التوازن. ولا يبدو أن أمامها سوى فرصة واحدة: التفاهم مع قوى المقاومة العراقية الوطنية الحقيقية.
أما الدعاة المتشيعون في دمشق فهم:
1- لمياء حمادة : داعية متشيعة خريجة كلية الحقوق بجامعة دمشق 1987م تشيعت عن طريق طالبة شيعية عراقية أثناء دراستها في الجامعة، ونشطت بعد ذلك للدعوة للتشيع لها كتاب (أخيراً أشرقت الروح وتلاشت الظلمة ورحلتُ إلى مرابع الشمس وكان جمل الفتنة إحدى محطات استراحتي).
2- ومن نشطائهم في دمشق بل في سورية علي البدري (عراقي هلك عام1419هـ) وقد جاس في مدن سورية - منذ عدة سنوات - مرّات يدعو إلى الفساد وينشر الضلال والعناد. وهذا البدري من كبار دعاة التشيع في العالم. هاجر أولاً من العراق إلى مصر عام 1967م بقصد نشر الدعوة الشيعية. ذكر صاحب كتاب المتحولون إلى التشيع صفحة (79) أنّ: "من إنجازاته المهمّة في مصر هي طباعة بعض كتب مذهب أهل البيت (ع) وتوزيعها بالتعاون مع بعض الإخوة المصريين المتشيعين وكان أحدهم يمتلك مكتبة في السوق فاتفق السيد البدري (طاب ثراه) مع صاحب المكتبة بأن كل شخص يأتي لشراء كتب يهدي له نسخة من كتب الشيعة مجاناً، ويقول له: إن هذا الكتاب يعرفك على مذهب أهل البيت. كما كان السيد البدري يذهب دائماً إلى جامعة الأزهر ويقيم مجالس المناقشة مع شيوخ وأساتذة الأزهر ويخوض معهم مباحثات عميقة ووثائقية من مصادرهم لإثبات أحقية أهل البيت (ع) وصحة المذهب الجعفري (ثم هاجر إلى سورية)... ولمّا استقر في سورية جعل منها مركزاً للدعوة إلى المذهب الحق لما وجد فيها من مجالات مناسبة لذلك منها وجود الحوزات العلمية في السيدة زينب التي تعتبر اليوم الحوزة الثالثة بعد النجف وقم وحضور كثير من رجال العلم والمنبر وأهل الفكر والأدب من العراقيين وغيرهم، وقد بدأ وبتنسيق مع الحوزة وإعلامها بنشر الدعوة فسافر إلى عدة محافظات وقرى، منها حلب وضواحيها وحمص وضواحيها والحسكة والقامشلي والرقة واللاذقية وضواحيها ودير الزور، والتقى في كل من المحافظات والقرى مع أبرز علمائها وشخصياتها وحاورهم بمنطقية وحكمة لإظهار الحقائق وتبيانها، وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً يشهد له بذلك كل من عرفه ورافقه وقد قام بالعديد من الأنشطة والفعاليات بالإضافة إلى التبليغ والمحاورة كان منها افتتاح عشرات المكتبات والمراكز لتجمع الشيعة وتدريسهم الفقه والعقائد الشيعية، كما زودهم بكتب واستطاع أيضاً جلب كثير من الأشخاص للمذهب الشيعي بعد إقناعهم وتبيان الحقيقة لهم. وكل محافظة أو منطقة كان يزورها يجعل فيها آثاراً كبيرة للمذهب الشيعي. بعد إنجازاته في سورية سافر إلى السودان وبدأ نشاطه التبليغي فيها، وقد التقى هناك بكثير من العلماء وتبادل الرأي والعقيدة معهم، وقد نجح في إقناع العديد منهم ولقد تشيع مع الأخوة في السودان مئات الأشخاص أعلنوا تشيعهم علناً على يديه. ومن إنجازاته في السودان أيضاً أنه استطاع بعد جهد كبير وواسع من تحصيل موافقة رسمية لطباعة سبعة كتب من أبرز الكتب العقائدية التي تُروِّج مذهب أهل البيت وتظهر أحقيته منها: كتاب المراجعات، وكتاب عقائد الشيعة الإمامية، وكتاب دعاء كميل، وكتاب الوهابية في القرآن والسنة، وكتاب الشيعة الإمامية، كما ساهم ومهّد لافتتاح عدة مراكز لدراسة المذهب الشيعي ودعمها بالكتب. ومن أهم إنجازاته في السودان إغلاق صحيفة سودانية (صحيفة آخر خبر) التي كانت تطعن في المذهب الشيعي وتشوه صورته بالتعاون مع المجلس القومي للصحافة والمطبوعات في السودان وكانت له طموحات كبيرة لبناء العديد من المؤسسات والمساجد في السودان ولكن المرض لم يمهله وقد اشتد به، ولهذا السبب اضطر للرجوع إلى سوريا لكي ينال العلاج، ولَمّا رجع إلى سوريا كان يتابع عمله التبليغي ولم يتوقف عن مهمته الفكرية وهي توزيع الكتب الشيعية، وكان يبذل جهداً كبيراً لتحصيل الكتب ونشرها وتوزيعها وكان يبعث بكتب كثيرة مع أشرطة محاضرات عقائدية، وكل ما يستطيع للبلدان التي يتواجد فيها الشيعة وكان يحضّ شيعة هذه البلدان لبناء مراكز لتدريس الفقه الشيعي وعقائد الشيعة وتوفّق بالاتفاق مع العديد من الأخوة المتواجدين في أنحاء العالم لإنشاء مراكز للتدريس ومكتبات للمطالعة، ومن البلدان التي استطاع أن ينشئ فيها المراكز هي: اليمن، المغرب، الجزائر، تنزانيا، غينيا، سيراليون، هولندا، ألمانيا، لندن، السويد، الدانمرك إلخ. أصيب بمرض السكر ووافاه الأجل يوم 6 جمادى الثاني 1419هـ".
يتبع