الكلمات المختارة من شرح كتاب التوحيد للشيخ عبدالرزاق البدر
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،،،
هذه كلمات مختارة من كلام الشيخ عبدالرزاق البدر في شرح كتاب التوحيد ، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها:
* علم التوحيد هو أجل العلوم على الإطلاق ، وأفضلها ، فليس في العلوم علم أجل منه فهو أجل الغايات وأعظم المطالب وأنبل الأهداف .
*حقيقة التوحيد هي إفراد الله سبحانه وتعالى بخصائصه في ربوبيته وخصائصه في أسمائه وصفاته ، وخصائصه في ألوهيته .
* توحيد الله في ربوبيته هو الإيمان بوحدانيته في ربوبيته ، أو الإيمان بوحدانيته في أفعاله كالخلق والرزق والإحياء وغير ذلك من معاني الربوبية ، وتوحيد الله في هذه الأمور أن نؤمن بها ونقر بها وان نجعل ايماننا بها خاصا بالرب العظيم ، فلايضاف شىء منها لغيره ، وإنما هي خصائص لله تفرد بها ، تفرد وحده بالخلق وتفرد وحده بالرزق والإحياء والتدبير .
* توحيد الأسماء والصفات هو ايماننا بأسماء الله وصفاته الثابته له في الكتاب والسنة نثبتها لله إثباتا خاصا به لائقا بجلاله مع التنزيه له عن مماثلة المخلوقين .
* توحيد الألوهية وهو اعظم أنواع التوحيد وأجلها وهو متضمن لأنواع التوحيد التي مرت بنا ، وتوحيد الله في ألوهيته ان نخلص له العبادة وأن نفرده وحده بالطاعة وان نعبده ولانعبد أحدا سواه
ويسمى توحيد العبادة وتوحيد الإرادة والطلب وتوحيد القصد .
* التوحيد لابد له من إثبات ونفي
* توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات يسمى توحيد علمي ، توحيد الألوهية يسمى توحيد عملى .
الواجب علينا نحو التوحيد ، بل الواجب علينا نحو كل أمر أمرنا الله به سبعة أمور :
* أن نتعلمه
* أن نحبه
* أن نعزم في قلوبنا على فعله
* العمل به
* أن نوقع العمل خالصا صوابا
* أن نحذر من محبطاته ، نحذر من محبطات التوحيد ومبطلاته ، ومن الأشياء التي تنقصه و تنقص
كماله ، فالتوحيدله نواقض ونواقص، له نواقض تفسده وله نواقص تنقص كماله الواجب .
* الثبات على التوحيد والإستقامة عليه إلى الممات .
الإثبات بدون نفي شرك ، والنفي بدون إثبات إلحاد ، ولايكون التوحيد إلا بالإثبات والنفي ، نثبت لله خصائصه وننفيها عمن سواه .
*التوحيد هو الحكمة من خلق الثقلين (وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
* التوحيد والبعد عن الشرك هو الغاية التي من أجلها بعث الله الرسل (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)
* التوحيد هو أعظم الوصايا التي وصانا الله بها (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) ، وقضى هنا أى وصى وأمر .
* التوحيد هو أعظم الحقوق على العباد (واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئا ) أية الحقوق العشرة في سورة النساء ، حيث بدأ ت الاية بذكر حق الله على العباد ، ثم ذكر حق الوالدين وحق القربى وحق الجار والمسكين إلى اخر الحقوق .
* أعظم مانهى الله عنه الشرك بالله ( قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) سورة الأنعام أيات الوصايا العشر ، حيث تشمل الايات نواهي عديدة بدأت بالنهي عن الشرك .
التوحيد سبب الأمن والإهتداء في الدنيا والاخرة (الذين امنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ).
* لم يلبسوا : أي يخلطوا ، واللبس الخلط ، امن دون أن يخلط إيمانه ، واللبس هو مايغطي الشيء ويحيط به ، وليس من الذنوب مامن شانه أن يغطي الإيمان ويمسح أثره إلا الشرك ، ولهذا فإن المراد بالظلم في الاية هو الشرك لاسائر الذنوب .
* دواوين الظلم يوم القيامة في ثلاثة ، وهذا ثبت به حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ( دواوين الظلم ثلاثة : ديوان لايغفره الله ، وديوان لايتركه الله ، وديوان لايعبأبه الله ، أما الديوان الذي لايغفره الله فهو الشرك ، وأما الديوان الذي لايتركه الله فهو ظلم العباد بعضهم لبعض حتى يقتص للمظلوم من ظالمه ، وأما الديوان الذي لايعبأ به الله فهو ظلم العبد لنفسه فيما دون الشرك )
*حظ الناس من الامن والإهتداء في الدنيا والاخرة يكون على قدر التوحيد ، فالناس ينقسمون في ذلك إلى ثلاثة أقسام :
القسم الاول : أهل الأمن التام والإهتداء التام -جعلنا الله وإياكم منهم- : هؤلاء لم يخلطوا إيمانهم بشرك ، وأيضا كملوا إيمانهم وتمموه بالبعد عن الذنوب والبعد عن المعاصي والتوبة منها وحسن الإقبال على الله ، فحظهم من الإهتداء والأمن التام الكامل .
القسم الثاني : عنده التوحيد ولكنه ظلم نفسه بالمعاصي والذنوب ، فهذا له حظ من الأمن والإهتداء ، إذن إيمانه ناقص فأمنه واهتداؤه ناقص .
القسم الثالث : من ليس له أمن ولاإهتداء ، وهو المشرك .
* شهادة أن محمدا عبد الله ورسوله شهادة له صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالةوهي
تعطي الشاهد اعتدالا في هذا الباب ، بين الغلو والجفاء ، والإفراط والتفريط ، والناس في هذا
ثلاثة أقسام : غال وجاف ومتوسط ، وخيار الأمور أوساطها .
* العبد لايعبد ، فمن حقق مقام الإيمان بالعبودية بأن النبي صلى الله عليه وسلم عبد يسلم من
جانب الغلو ، ومن حقق الإيمان بأنه رسول يسلم من جانب الجفاء .
* التهاون بمحبته -صلى الله عليه وسلم- ، التهاون بطاعته ، التهاون بالإقتداء به ، التهاون بالسير
على نهجه ، هذا كله يأتي من ضعف تحقيق الإيمان برسالته .
* الغلو الذي يأتي عند طوائف من الناس يدخل عليهم من جهة عدم تحقيقهم الإيمان بعبوديته -
صلى الله عليه وسلم .
* عيسى عليه السلام كلمة الله ، هل عيسى هو نفس الكلمة ؟ لا ، فعيسى بالكلمة كان ،
ليس عيسى هو كلمة (كن) وإنما بالكلمة كان .
* في قوله تعالى (وروح منه ) أي من الأرواح التي خلقها الله تعالى ، مثلما قال ( وسخر لكم مافي السماوات و ما في الأرض جميعا منه )، فهو منه خلقا وإيجادا
* التخصيص في قوله تعالى(وروح منه) بإضافة الروح إلى الله يدل على التشريف ، وإلا فجميع الأرواح من الله خلقا ، ومايقال( منه ) في القران مضافة إلى الله نوعان :
1- يقال (منه) خلقا :مثل قوله (وروح منه) ، فهو منه خلقا ، ولكن خصه بالذكر تشريفا له
وتعلية لقدره .
2- يقال (منه) وصفا : مثل قوله تعالى( تنزيل الكتاب لاريب فيه من رب العالمين) .
* لاإله إلا الله لاتقبل إلا بشروط مثلها مثل أمور الدين الاخرى ، فالصلاة لاتقبل إلا بشروط ، والحج والصيام كذلك لايقبلان إلا بشروط ، وشروط لاإله إلا الله سبعة
:
1- العلم المنافي للجهل
2- اليقين المنافي للشك
3- الصدق المنافي للكذب
4- الإخلاص المنافي للشرك والرياء
5- المحبة المنافية للبغض والكره
6- الإنقياد المنافي للترك
7- القبول المنافي للرد
* الشرك الأكبر ينقض الإيمان من أصله ، والشرك الأصغر ينقص كمال الإيمان الواجب .
* تحقيق التوحيد هو تصفيته وتنقيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي .
* تحقيق التوحيد مرتبة عالية من مراتب التوحيد ، من كان من أهلها دخل الجنة من غير حساب
ولاعذاب .
* أهل التوحيد على ثلاثة مراتب : ظالم لنفسه ، ومقتصد ، وسابق بالخيرات .
* تحقيق التوحيد على درجتين : التحقيق الواجب أشارت إليه الاّية ( ومنهم مقتصد ) ، والتحقيق
الواجب والمستحب وأشارت إليه الاّية ( ومنهم سابق بالخيرات)
* مرتبتا المقتصد والسابق بالخيرات أهلها من أهل تحقيق التوحيد ، أما مرتبة الظالم لنفسه
فليس أهلها من محققي التوحيد .
* (فمنهم ظالم لنفسه) الظلم المقصود هنا المعصية وليس الشرك لأنه لو ظلمها بالشرك
لكان كافرا ، ولم يكن من المصطفين الذين اصطفاهم الله من عباده .
* الظالم لنفسه يحاسب ويعذب على قدر ذنوبه ليتطهر منها ثم يدخل بعد ذلك الجنة .
* لكي يسلم المسلم من الشرك يخلص العبادة لله ، ويبرأ من الشرك ويبتعد عنه ، وإذا أراد
السلامة من البدعة عليه باتباع السنة ، وإذا أراد السلامة من المعاصي يحاذر من الوقوع فيها ،
وان وقع منه شىء بادر إلى التوبة ولم يصر على ذنبه ، فإذا كان بهذه الصفة كان -بإذن الله-
من محققي التوحيد
*﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ الله -عز وجل- وصف إبراهيم بأنه أمة مع أنه شخص واحد ووصفه بأنه أمة؛ ولهذا فصاحب الحق لا يستوحش ولو كان وحده على الحق فهو أمة، ولو كان وحده، فالله -جل وعلا- وصف إبراهيم بأنه كان أمة قال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ ومعنى "أمة" لها معانٍ لكن معناها هنا أي: إماما وقدوة في الخير، فإذا أردت القدوة في الخير والإمامة فعليك بأنبياء الله ورسله -عليهم صلاة الله وسلامه- ولهذا دعانا الله إلى هذا في القرآن قال: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ [الممتحنة: 4] قيل في معنى ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ أي: الأنبياء والذين معه.
* وإبراهيم من محققي التوحيد؛ بل من أئمة محققي التوحيد، فإذن هذ الصفات المذكورة في الآية هي صفات محققي التوحيد، أن يكون الإنسان إماما في الخير، بعيدا عن سفساف الأمور ورديئها، وأيضا قانتا ومداوما على طاعة الله وحنيفا مائلا عن المعاصي وعن الذنوب وعن ما يسخط الله وعن الشرك.
*أول ما يكون في الإنسان الخوف والشفقة من خشية الله، فإذا وجد فيه خوف جاءه الإيمان ﴿وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ فإذا وجد الإيمان تبعه بُعد الإنسان ومحاذرته مما يخل به ﴿وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ﴾ فإذا وجدت هذه الثلاثة يتبعها حفظ الإنسان لها بسؤال الله القبول ورجاء القبول ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أي: يقدمون ما يقدمون من طاعات وعبادات وقلوبهم خائفة ومشفقة من أن لا يقبل منهم .
* والخوف من الشرك هو أن يكون المؤمن ليس آمنا على نفسه منه، بل يكون خائفا فزعا حذرا، متقيا مبتعدا مجانبا، لا أن يكون آمنا مطمئنا، غير خائف وغير مبال وغير مكترث، فالمؤمن يأتي بالتوحيد والإيمان والعبادة وعنده خوف، وغير المؤمن يقصر ولا يأتي بالعبادة وعنده أمن.
في الأدب المفرد وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كل يوم يقول: بعد صلاة الصبح في الصباح وفي المساء كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر ومن الفقر وأعوذ بك من عذاب القبر) فإذن التعوذ بالله من الشرك ومن الكفر هذا أمر مطلوب ولا يأمن الإنسان ولا يطمئن ولا يقول: أنا لا أخاف ولا أبالي، أو الأمر معروف عندي، لا؛ بل ينبغي أن يكون خائفا، وهذه الترجمة عقدها المصنف -رحمه الله- لتبيين هذا الأمر والتحذيرمن الشرك وبيان وجوب الخوف منه، الخوف من الشرك واجب، يجب على كل مسلم أن يخاف من الشرك، وأن يكون على حذر من الشرك.
* الآية الآولى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ هذه في حق من مات على الشرك، والآية الثانية: ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعً﴾ في حق من تاب، لما ذكر التوبة أطلق الذنوب كلها، ولما كان الأمر في حق من مات، خص الشرك بأنه لا يغفر ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ﴾ [النساء: 48].
* الله -عز وجل- قال: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ﴾ أي أنه تحت مشيئة الله لأنه قال: ﴿لِمَن يَّشَاءُ﴾ فصاحب الكبيرة التي دون الشرك تحت الميشئة ما معنى تحت المشيئة؟ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وإن عذبه فإنه لا يخلد في النار.
*الرياء الخالص، فهذا من الشرك الأكبر، الرياء الخالص مثلما قال الله عن المنافقين ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾﴾ [البقرة: 14] الآية الآخرى قال: ﴿يُرَاءُونَ النَّاسَ﴾ [النساء: 142] هذا رياء خالص، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار
*ورياء أصغر الذي هو يسير الرياء كأن يقوم الإنسان بالعبادة وهو يقصد بها وجه الله، ثم يطرأ عليه رياء يسير بأن يزينها أو يحسنها من أجل نظر أحد إليه أو نحو ذلك، فهذا كان يخافه النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، وأمر يتعلق بالقلوب،
* ولهذا جاء في الحديث في حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ومسلم في ذكر صفة خروج أهل الكبائر من النار إذا دخلوها -نسأل الله العافية والسلامة- قال: (إن النار تميتهم إماتة ويتفحمون فيه) أهل الكبائر يتفحمون يصبحون قطعا من الفحم (يتفحمون وتميتهم إماتة ثم يخرجون ضبائر ضبائر) يعني: جماعات جماعات، ولو سألتكم لماذا يخرجون جماعات جماعات؟ لماذا لا يخرجون دفعة واحدة أهل الكبائر؟ إيش تقولون؟
ربما تتفاوت كبائرهم.
تتفاوت كبائرهم ليسوا هم على درجة واحدة (فيخرجون ضبائر ضبائر) يعني: جماعات جماعات دفعات دفعات بحسب الكبائر، الأقل ثم الأكثر ثم الأكثر ثم هكذا (ثم يلقون) كما جاء في الحديث وفي الصحيحين (يلقون في نهر الفردوس في الجنة هذه القطع المتفحمة تلقى في نهر الفردوس، فيحيون بمائه يقول -عليه الصلاة والسلام-: كما تنبت الحبة في حميل السيل)
هنا يوجد اختلاف بين أهل العلم في الشرك الأصغر هل هو داخل تحت قوله: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ للإطلاق الذي في الآية أو أنه تحت المشيئة، وعموم الآية يدل أن هذا يتناول الشرك الأصغر، لكن صاحب الشرك الأصغر عقوبته ليست كعقوبة الشرك الأكبر بأن يخلد في نار جهنم، وإنما يعذب على قد هذه المعصية، على قدر هذا الجرم ولا يخلد في النار، وإنما الذي يخلد في النار هو المشرك الشرك الأكبر، وبعض أهل العلم قالوا: هو من جملة الكبائر التي تدخل في المشيئة.
*﴿وَمَنْ أَحْسَنُ﴾ أي: لا أحسن ممن كان هذا شأنه الدعوة إلى الله، والدعوة إلى توحيده، والدعوة إلى الإيمان به، ولهذا يؤثر عن الحسن البصري وهو من أجل التابعين -رحمه الله- أنه قرأ هذه الآية الكريمة وقال: هذا خيرة الله، هذا صفوة الله، هذا أحب عباد الله إلى الله، عرف، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا خيرة الله من خلقه، هذا خليفة الله في أرضه، أي: دعوةً إلى توحيده ودينه.
*ولهذا نبه الشيخ في مسائل هذا الباب أن مما دلت عليه هذه الآية من فوائد الإخلاص في الدعوة، وأن الداعي إذا دعا يدعو إلى الله لا إلى نفسه، ليست مهمة الداعي أن يكثر أتباعه وأنصاره ومؤيديه، ويكثر الثناء عليه ومدحه، ليس هذا غرض الداعي المخلص، وإنما غرضه نفع الناس وإفادتهم، دعوة إلى الله لا إلى نفسه
*إذن لابد في الدعوة أن تكون على بصيرة، والبصيرة هي العلم، والبصيرة للقلب مثل البصر للعين، فبالعين ترى المبصرات، وببصيرة القلب ترى حقائق الأمور أو ترى الأمور على حقائقها، ولاحظ هنا الترابط، من فقد بصر العين لم يرَ المبصرات، ومن فقد البصيرة في قلبه لم يرَ الأمور على حقائقها قد يرى الحق باطلًا والباطل حقًا والسنة بدعة والبدعة سنة قد يقول على أمر بدعة: هذا من السنة؛ لأنه ما عنده بصيرة، وقد يقول عن أمر هو سنة: هذا بدعة؛ لأنه ما عنده بصيرة، فإذا لم توجد البصيرة يقع الخطأ، وتقع المخالفة، فمن يدعو فلابد أن تقوم دعوته على هذين الأصلين: أن يكون داعية إلى الله -سبحانه وتعالى- إلى توحيده وإخلاص الدين له، وأن تكون هذه الدعوة على بصيرة.
*(إنك تأتي قومًا أهل كتاب) وهذا أخذ منه أهل العلم فائدة مهمة لينبغي أن يتنبه إليها الداعية، وهي أن يكون على معرفة بحال المدعو، قال له: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب) يعني: أنت لن تذهب الآن إلى عوام، ولن تذهب إلى أميين أو جهال وإنما حدد له من يذهب إليهم، من سيذهب إليهم أهل كتاب اليهود والنصارى، ومعنى أهل كتاب يقرؤون وعندهم علم، وعندهم قراءة، وعندهم معرفة فأنت ستذهب إلى هذا الصنف من الناس، وهذا يعني أن من يدعو ينبغي أن يكون على علم بحال من يدعوه،
*قال: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وهذا نأخذ منه فائدة مهمة عظيمة جدًا أن الناس على كافة مستوياتهم وجميع طبقاتهم يبدؤون بماذا؟ بالشهادتين، يعني: قضية البدء بالتوحيد، أيا كان مستوى الشخص البدء في الدعوة هو بالتوحيد، هي أول ما يُبْدَءُ به؛ ولهذا يدل هذا الحديث على فائدة مهمة هي أن التوحيد هو أول واجب على المكلف، وهو أول ما يُبْدَءُ به في الدعوة إلى الله
*الأعمال لا تقبل إلا بالتوحيد ولهذا يبدء به؛ لأنه هو الذي يصحح الأعمال، وتكون به الأعمال مقبولة.
*فائدة لطيفة من روايتي الحديث، الحديث له روايتان، إحدى روايتيه (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) والرواية الأخرى: (أن يوحدوا الله) فماذا نستفيد بمجموع الروايتين؟ أن التوحيد هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، مدلول شهادة أن لا إله إلا الله هو التوحيد
* قال: تفسير التوحيد. والتفسير للشيء يكون تارة لبيان المعنى الذي يحتويه اللفظ المفسر، وتارة يكون بذكر ضده؛ لأن الضد يظهر ضده وبضددها تتميز الأشياء،
* فمن وسائل التعريف والبيان ذكر الضد؛ ولذلك سلك المصنف -رحمه الله تعالى- في شرح التوحيد وبيانه هاتين الطريقتين: طريقة ذكر معاني التوحيد وحقائقه وما يدل عليه التوحيد من معنى، وأيضا بذكر الشرك وبيانه والتحذير منه.
* في شرح كتاب التوحيد لهذه الآية تيسير العزيز الحميد وفتح المجيد وغيره من كتب التوحيد نقلوا في الشرح كلمة مفيدة جدا لشيخ الإسلام ابن تيمية فيها بيان هذا الأمر وإزالة اللبس الذي قد يشكل على البعض في هذا الباب، وقد قال شيخ الإسلام في بيان هذه الآية ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ قال: إن هذا على نوعين: إما أن يكون اتخذوهم أحبارا ورهبانا من دون الله بطاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله عن اعتقاد وإيمان، وتقديم لهم على شرع الله وحكمه، قال: هذا كفر. والنوع الثاني أن يكون هذا الفعل يقع عن نوع معصية مثلما يفعل الإنسان بقية المعاصي، الآن الذي يقع في المعصية مثلا يشرب الخمر أو يكذب أو يأكل الربا أو نحو ذلك وهو يفعل ذلك معتقدا أنه محرم أن الله حرمه ونهى عنه ولكنه يفعله عصيانا فهذا لا يكون كافرا، وإنما هذا من المعاصي ومن الذنوب ومن لم يفرق في هذا الباب يقع في اللبس.
* فإذن إذا كان لبس هذه الأشياء ((لبس الحلقة والخيط ونحوهما، لرفع البلاء أو دفعه) معتقدًا أنها سبب للشفاء فهذا يعده أهل العلم من الشرك الأصغر الاعتقادي لماذا؟ لأنه اعتقد سببًا ما ليس بسبب، وفعل أمرًا هو ذريعة ووسيلة مفضية بصاحبها إلى الشرك الأكبر، فهي إلى هذا الحد من أنواع الشرك الأصغر، أما إن لبس هذه الأشياء وهذا النوع الثاني: إن لبس هذه الأشياء معتقدا فيها أنها دافعة أو أنها رافعة، معتقدا فيها أنها في نفسها دافعة، أو أنها في نفسها رافعة، دافعة للبلاء قبل أن يقع، أو رافعة له بعد أن يقع فهذا من الشرك الأكبر الناقل من الملة.
* أنا أود أن كل واحد منا يقف هنا حتى يستفيد فائدة عظيمة جدا في إبطال الباطل وهدم الضلال، ﴿مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ أي: ما أنزل الله بها من حجة لأن السلطان هو الحجة، وسميت الحجة سلطانا لأنها عندما تسلط على العقول والقلوب ما يستطيع العقل أو القلب أن يمتنع لأن الحجة تسلطت عليه فأصبحت لا مجال له أن يقول شيئا أو يدفع، فالحجة واضحة ولها تسلط ولهذا سميت الحجة سلطان لأن لها تسلط ﴿ مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾ هنا من هذه الآية نأخذ فائدة ثمنية جدا للغاية؛ بل نأخذ منها قاعدة متينة لرد كل باطل، نأخذ منها قاعدة وأصلا عظيما لرد كل باطل، كل عقيدة لم ينزل بها سلطان فهي باطلة لماذا؟ الاعتقاد لمن؟ لرب العالمين هو الذي خلق وهو الذي يأمر خلقه أن يؤمنوا بما شاء، الأمر له -جل وعلا- فهو الذي خلق وهو الذي أوجد، وهو الذي يحكم ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ فأي عقيدة لم ينزل بها سلطان من الله -سبحانه وتعالى- فهي باطلة ويطالب كل صاحب عقيدة أن يأتي عليها بسطان، أي: حجة منزلة من رب العالمين.
* وأذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية له في هذا الباب كلمة عظيمة جدا قالها عندما وقعت بينه وبين بعض المتكلمين مناظرة في العقيدة قال لهم: "ليس الاعتقاد لي ولا لمن هو أكبر مني الاعتقاد لله" يعني الاعتقاد حكم الله -جل وعلا- هو الذي يأمر بما يشاء ويحكم بما يشاء ليس لأحد أنه ينشئ اعتقادا يتكلفه من قبل نفسه والله تعالى يقول: ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴿10﴾﴾ [الذاريات: 105].
*العقائد الفاسدة تنشأ عن أمرين:
إما فساد في العقل، في التصور، أو فساد في الإرادة، إرادة الإنسان فساد العقل يكون به اتباع الظن وفساد الإرادة يكون به اتباع ما تهوى الأنفس إرادته فاسدة فيتبع الذي تهواه نفسه
*هؤلاء من الصحابة وهم حديثي عهد بإسلام وخفي عليهم وهم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويمشون معه لكنهم لكونهم حديثي عهد بإسلام وحديثي عهد بكفر خفي عليهم الأمر، إذا كان هؤلاء خفي عليهم ألا يخفى على غيرهم ممن بعدهم بالعلم وبالرسالة يخفى على غيرهم من باب أولى إذا كان هؤلاء خفي عليهم الأمر وقالوا: (اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) يدل هذا على أن غيرهم أيضا يخفى عليه إذا كان ابتعد عن الوحي وعن الكتاب وعن السنة وهذا يفسر لكم أسباب الضلال العريض الذي يقع فيه الناس هو ماذا؟ هو البعد عن المصدر والمنبع الصافي كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- .
*الذبح له شقان وجانبان وتقرب الإنسان بالذبيحة له جانبان:جانب الاستعانة، وجانب قصد القربة، الذي هو العبادة، وكلا الجانبين يجب أن يكون فيهما الناسك والذابح والمتقرب مخلصا لله، مخلصا في استعانته ومخلصا في عبادته، فهما جانبان، الاستعانة والعبادة، الاستعانة، من يذبح يذكر اسم الله على ذبيحته، يقول: بسم الله، والباء للاستعانة، فيذبح باسم الله، مستعينا بالله -تبارك وتعالى- متوكلا عليه معتمدا عليه، ويذبح لله ،أي: يقصد بذبيحته ونسكه وجه الله، فالأول جانب الاستعانة والثاني جانب العبادة وكلاهما يجب أن يكون العبد فيهما مخلصا لله -سبحانه وتعالى- فيذبح بسم الله ويذبح لله قاصدا بذبيحته وجه الله، فمن ذبح بغير اسم الله أشرك بالاستعانة، ومن ذبح لغير الله أشرك في العبادة
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿2﴾
*وهذه الآية جمع فيها بين الصلاة والنحر، والصلاة أفضل العبادات البدنية، والنحر من أفضل العبادات المالية، وفيهما من التذلل والخضوع والانكسار وطلب الثواب ورجاء رحمة الله ومغفرته فيهما معاني عظيمة جدًا.
* والأمر الثالث: قال: (لعن الله من آوى مُحْدِث) محدث شخص مرتكب لحد يستحق به العقوبة فيأويه إنسان ويحول بينه وبين أن يعاقب، فيؤويه، ويروى مُحْدَثاً من( آوى محدث)أي أمراً محدَثا أي: مبتدعا (من آوى محدث)أي: أمراً محدثا مبتدعا، وليس شخصاً (آوى محدث)أي: نصر البدعة وحماها وآذرها، وسعى في بقائها، فهذا أيضاً عرضة لهذا اللعن (لعن الله من آوى محدث).
* لكن هنا قال
دخل رجل النار في ذباب)يعني بسببه، إذن هو كان مسلما، وانتقل من الإسلام إلى الكفر بماذا؟ بسبب الذباب، فإذا كان انتقل من الإسلام إلى الكفر بسبب الذباب فكيف بمن ينتقي أطيب الدواب، وأجود الماشية وأحسنها ويذهب بها إلى من يتقرب إليهم من قباب وقبور أو أضرحة أو غيرها ويذبحها عنده، إذا كان في ذباب ذبحها لغير الله دخل النار، والذباب من أحقر الحيوانات، فكيف بمن ينتقي أفضل الدواب وأطيب الماشية وأحسنها ويقدمها قربة إلى قبر أو ضريح أو أيا كان، أيا كان لأن الذبح عبادة لا تصرف إلا لله -سبحانه وتعالى.
*الرجل الأول الذي دخل النار كما قلت لكم إما أنه رجل مستعد ومستجيب لكن ما عنده شيء يقربه فهذا الأمر فيه واضح وإما أنه مكره، فإذا كان مكرها فكيف يقال إنه دخل النار في ذباب وهو فعل ذلك مكرها؟!
ولهذا فيه كلام جميل جدًا أحيل الإخوة الطلاب على أضواء البيان عند كلامه على هذه الآية، حقق هذه المسألة وأورد هذا الحديث وبين أنه لا إشكال في كونه مكره؛ لأن هذا في شريعة من قبلنا لا يعذر، ومن رحمة الله -عز وجل- بهذه الأمة أنه رفع عنهم ذلك، وإذا أكره فهو يعذركما قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: 106
(باب لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله) فالمكان الذي يعبد فيه غير الله لا يذبح فيه حتى لله على وجه الإخلاص لماذا؟ لأن هذا ذريعة للباطل ومشابهة لأهل الباطل في صورة العمل، فمن المعروف أن هذا المكان يذبح فيه لغير الله فمن جاء إلى المكان نفسه وذبح وهو بينه وبين نفسه يريدها قربة لله شابه أهل هذا الباطل وأيضًا أحيى الباطل في صورته، وإن كان هو في نيته مخالف لذلك ولا يريد الشرك، فهذا لا يجوز، لا يجوز الذبح لله في مكان يعبد فيه غير الله، واستدل المصنف لذلك بقول الله تعالى: ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ [التوبة: 108
*التبرك بآثار الرسول -صلى الله عليه وسلم- قسمها أهل العلم إلى قسمين كما ذكر الأخ الكريم في سؤاله الآثار المتصلة والآثار المنفصلة، وأولاً فيما يتعلق بالآثار عمومًا، أعظم ما ينبغي أن يعتني به المسلم ويهتم به في هذا الباب، العناية بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- التي هي دينه الذي دعى العبادة إليه، دين الله -جل وعلا- دين النبي محمد آثاره، فهذه الآثار التي هي اتباع سنته والتزام هديه وتحقيق محبته باتباعه والانقياد لأوامره.
* التبرك بآثاره وهذا ثابت في أفعال الصحابة بإقرارهم كانوا يتبركون بريقه، ويتبركون ببصاقه -عليه الصلاة والسلام- وبشعره لما حلق شعره -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع قسم شعره بين الصحابة، وهذا أمر خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهذا لم يثبت أنه كان يفعل مع أحد من الصالحين غير ما ثبت في حقه -عليه الصلاة والسلام- وهذا من خاصته وهذا أمر دلت السنة على فعله
* وقضية التبرك بالآثار آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- المتصلة به هذا أمر ثابت ودلت عليه النصوص وفعله الصحابة ولكن قبل أن يدخل الإنسان في شيء من ذلك ما يدخل في أمور يقال، وقيل، يستثبت، يعني هات دليل أن هذه شعرته -عليه الصلاة والسلام- إذا كان هناك أحاديث كثيرة جدًا تنسب إليه وبين أهل العلم أنها غير صحيحة، فلا نقبل حديثا بمجرد أن نجد قبله قال رسول الله، هذا لا يكفي -عليه الصلاة والسلام- حتى نتحقق من ثبوت إسناده إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأيضًا لما يؤتى بشعرة أو بأثر ويقال هذا أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- ما الدليل؟
الذبح كما مر معنا الذبح لغير الله شرك، الذبح لغير الله شرك والذبح عند القبر إن كان أتى بذبيحته متقربا بها لصاحب القبر فهذا شرك، وإن كان أتى بذبيحته متقربا بها لله، واختار هذا المكان فهذا عمل باطل وهو من ذرائع الشرك، مثل الصلاة، قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا تصلوا إلى القبور) فالذي يصلي لله عند القبر صلاته هذه ليست شركا لكنها ذريعة للشرك
ذكر أهل العلم بين دعاء المسألة ودعاء العبادة ما بينهما من استلزام وتضمن، والدلالات ثلاثة أنواع دلالة مطابقة، ودلالة تضمن، ودلالة التزام، فدلالة المطابقة هي دلالة اللفظ على كامل معناه، ودلالة التضمن هي دلالة اللفظ على بعض معناه، ودلالة الالتزام هي دلالة اللفظ على أمر خارج معناه، وهذه هي أنواع الدلالة الثلاثة وعرفنا أيضا في الدرس الماضي عند الكلام على الدعاء المراد بقسميه دعاء العبادة ودعاء المسألة، وعرفنا أن دعاء العبادة هو التوجه إلى الله بالعبادة من صلاة وذكر وتلاوة القرآن وغير ذلك، فهذه كلها عبودية لله -سبحانه وتعالى- ودعاء المسألة هو التوجه إليه بالسؤال والطلب: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم نجني من النار، اللهم أدخلني الجنة، ونحو ذلك هذا كله دعاء مسألة، والصلاة والحج والذكر وتلاوة القرآن هذه كلها دعاء عبادة، وبين الدعاءين تلازم، دعاء المسألة يتضمن دعاء العبادة؛ لأن من دعو الله ويفتقر إليه ويلتجيء إليه ويتجه له وحده بالطلب هو عبد لله وملتجيء لله -سبحانه وتعالى- ودعاء العبادة يستلزم دعاء المسألة من يعبد الله ويقنت له الدين هذا يستلزم أنه في سؤاله وطلبه يلتجيء إلى الله في كل حاجاته وفي جميع شئونه.
* عندنا ثلاث فصول مهمة لا ينبغي لأحد أن يغلط فيها أو يجهلها في هذا الباب، لابد من ضبطها والعناية بها في باب الشفاعة:
الفصل الأول: إذن الله للشافع.
الفصل الثاني: إذن الله للمشفوع له.
الفصل الثالث: الله -جل وعلا- لا يرضى إلا عن أهل التوحيد
*قول الله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ﴿22﴾ وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾
أحد أهل العلم -حقيقة- قال كلمة عظيمة جدا بشأن هذه الآية قال: إنها قطعت شجرة الشرك من جذورها، اجتثت من أصولها، لماذا الآية فيها قوة كبيرة جدا في إبطال الشرك واجتثاثه وأنه لا متعلق لمشرك في شركه؟
الأمر الأول: لا يطلب من أحد إلا إذا كان مالكا ملكا استقلاليا، والله -جل وعلا- يقول: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللهِ﴾ أيا كانوا ﴿لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ﴾ يعني ولو مثقال ذرة لا يملكون الذي هو الملك الاستقلالي، انتهت هذه المرتبة، أو انتفت هذه المرتبة في مرتبة ثانية إن وجدت استحق من وجدت فيها أن يدعى، ما هي؟ إن لم يكن مالكا أن يكون شريكا للمالك، يعني: عنده مع المالك مشاركة ولو في قسط قليل أو في جزء يسير فقال الله -عز وجل- في إبطال ذلك: ﴿وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ﴾ ومالهم، أي: الأنداد ﴿فِيهِمَا﴾ السماوات ﴿مِن شِرْكٍ﴾ أي من شرِكةٍ وحظ ونصيب، إذًا بطل الأمر الثاني، لا مالك ولا شريكا للمالك فيه.
احتمال ثالث: إن وجد ما هو أن يكون ظهيرا للمالك يعني عونًا له يرجع إليه المالك ويأخذ برأيه ويأخذ مشورته فقال تعالى: ﴿وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ﴾ أي ليس له ظهير من خلقه -جل وعلا- فإذن لا مالك ولا شريكا للمالك ولا ظهيرا للمالك يبقى احتمال رابع إن وجد استحق من وجد فيه أن يدعى وأن يطلب منه مباشرة ماذا؟ أن يملك الشفاعة الابتدائية عند المالك يعني أن يشفع عند المالك بدون إذن المالك فأبطل الله ذلك بقوله: ﴿وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ إذن لا مالك ولا شريكا للمالك ولا يملك شفاعة ابتدائية عند المالك، إذن كيف يتجه إلى غير الله بالدعاء والسؤال والطلب؟
*حقيقة مهمة جدًا ونسي العلم، معنى أن نسيان العلم والاستهانة به وعدم العناية بدراسته هو سبب الباطل، يجب على الأمة أن تعتني بالعلم، وخاصة علم التوحيد، علم التوحيد، الفقه في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- في الفقه الأكبر الذي هو أساس صلاح الأعمال توحيد الله -سبحانه وتعالى- فإذا نسي العلم بالتوحيد والعلم بالشرك أصبح الباطل يدخل على الناس، والشرك يدخل على الناس، والوثنية تدخل على الناس، والبدع والضلالات تدخل على الناس وتنفق فيهم وتروج عندهم، والسبب أن العلم نسي، وأي ناعق ينعق أو صائح يصيح بهم في أمر ولو كان من أبطل الباطل يجد له أتباعا كثر.
*للشرك مدخلان خطيران، جاء بيانهما في نصوص كثيرة، المدخل الأول العكوف على القبور، والمدخل الثاني ماذا؟ التصاوير، وهناك أحاديث عديدة جمعت الأمرين.
*هنا يأتي بعض الناس -لابد من التنبيه- هنا يأتي بعض الناس، ويحاولون في هذا الباب التلبيس على عوام المسلمين بالقياس على مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- وهنا ينبغي أن يتنبه الناس لأمر يتعلق بحديثنا وكلامنا أين دفن -عليه الصلاة والسلام- لما مات؟ في الحجرات، هل دفن في المسجد؟ ما دفن في المسجد، ودفن في حجرة عائشة، حجرة عائشة خارج المسجد، كانت تحيض فيها، وكان يأتيها فيها -عليه الصلاة والسلام- لم تكن من المسجد، فدفن في حجرة عائشة، والأنبياء كما جاء في الحديث: (يدفنون حيث ماتوا) فمات في حجرة عائشة بين سحرها ونحرها، ودفن في حجرتها، لم يدفن في المسجد
فالذي يريد أن يحتج فليحتج بالأحاديث، ما يحتج بأمر فُعِل متأخراً وهذا الأمر يعني لما وسع المسجد من الناحية الشرقية بني بناية كبيرة جدًا تحمي أو تحول بين وصول الناس والوصول إلى القبر هذه قضية سأتحدث عنها لاحقاً عندما نصل إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) فحمى الله قبره -عليه الصلاة والسلام- بجدار من وراء جدار، ما يصلون الناس إلى القبر وحتى أيضاً بناية الجدر بطريقة معينة ربما يأتي الحديث عنها في درس لاحق، فإذن قبره -عليه الصلاة والسلام- لم يكن في المسجد.
* (إن من شرار الخلق عند الله من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد) جمع في هذا الحديث بين الشرك ووسيلته، الشرك في جزئه الأول، ووسيلته في جزء الحديث الثاني في قوله: (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) لأن اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، هذا ذريعة من ذرائع الشرك، ووسيلة من وسائله.
والشاهد من الحديث أن فيه التغليظ على من فعل ذلك بأنه من شرار الخلق عند الله -سبحانه وتعالى- وقرنهم بالذين تقوم عليهم الساعة.
*وأيضًا تذهب إلى قبره -عليه الصلاة والسلام- وتزوره الزيارة الشرعية، تقف أمام القبر، والقبلة خلفك، وتقول: السلام عليك يا رسول الله، ثم تسلم على أبي بكر، ثم تسلم على عمر مثلما كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يفعل، كان يقف ويكون القبر أمامه والقبلة خلفه، ويقول: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، والده، ثم ينصرف، فيسلم السلام دون عكوف ودون مكث، ودون رفع الصوت، وأيضًا ما قد يفعله البعض يقف من مسافة بعيدة مادا يديه وأيضًا لا يقف عند القبر وقوفه في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى، اليسرى على صدره ويقف خاشعاً متذللاً، يعني بعض الناس عند القبور يخشع خشوعاً لا يكون منه في الصلاة، وعند القبور يحصل منه من البكاء ما لا يكون منه وقوفه أمام الله -سبحانه وتعالى- في صلاته، وفي ساعات الأسحار، فهذه من المصيبة ومن البلاء ومن ضياع الدين.