قال ابن حجر رحمه الله في لسان الميزان:
أبو حيان التوحيدي
صاحب التصانيف قيل اسمه علي بن محمد بن العباس نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته وكان يتفلسف قال بن الرماني في كتاب الفريدة كان أبو حيان كذاب قليل الدين والورع مجاهرا بالبهت تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل وقال بن الجوزي كان زنديقا قلت بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس وكان صاحب زندقة وانحلال قال جعفر بن يحيى الحكاك قال لي أبو نصر السجزي إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي على أبي حيان فقال: هذه الرسالة عملتها ردا على الروافض وسببها أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء يعني بن العميد فكانوا يغلون في حال علي فعملت هذه الرسالة قلت فقد اعترف بالوضع انتهى وقرأت بخط القاضي عز الدين بن جماعة أنه نقل من خط بن العلاج أنه وقف لبعض العلماء على كلام يتعلق بهذه الرسالة ملخصه لم أزل أرى أبا حيان علي بن محمد التوحيدي معدودا في زمرة أهل الفضل موصوفا بالسداد في الجد والهزل حتى صنع رسالة منسوبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما راسلا بها عليا رضي الله عنه وقصد بذلك الطعن على الصدر الأول فنسب فيها أبا بكر وعمر رضي الله عنهم إلى أمر لو ثبت لاستحقا فوق ما يعتقده الإمامية فيهما فأول ما يدل فيها على افتعاله في ذلك نسبته إلى أبي بكر أنشأ خطبة بليغة تملق فيها لأبي عبيدة ليحمل له رسالته إلى علي رضي الله عنه وغفل عن أن القوم كانوا بمعزل عن التملق ومنها قوله ولعمري إنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ولكنا أقرب إليه قربة والقرابة لحم ودم والقربة نفس وروح وهذا يشبه كلام الفلاسفة وسخافة هذه الألفاظ تغني عن تكلف الرد وقال فيها إن عمر رضي الله عنه قال لعلي في ما خاطبه به إنك اعتزلت تنتظر وحيا من جهة الله وتتواكف مناجاة الملك وهذا الكلام لا يجوز نسبته إلى عمر رضي الله عنه فإنه ظاهر الافتعال إلى غير ذلك مما تضمنته الرسالة من عدم الجزالة التي تعرف من طراز كلام السلف وقال بن النجار في الذيل كان أبو حيان التوحيدي فاضلا لغويا نحويا شاعرا له مصنفات حسنة وكان فقيرا صابرا متدينا حسن العقيدة سمع أبا بكر الشافعي وأبا سعيد السيرافي والقاضي أبا الفرج المعافى وأبا الحسين بن شمعون وغيرهم ومن شعره
قل لبدر الدجى وبحر السماحة ... والذي راحتاه للناس راحة
ما تركت الحضور سهوا ولكن ... أنت بحر ولست أدري السباحة
وقال أبو سعد المطرز سمعت فارس بن بكران الشيرازي يقول وكان من أصحاب أبي حيان التوحيدي قال لما احتضر أبو حيان كان بين يديه جماعة فقالوا اذكروا الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة وجعلوا يذكرونه ويعظونه فرفع رأسه إليهم وقال كأني أقدم على جندي أو شرطي إنما أقدم على رب غفور وقضى ورأيت في ترجمة نصر بن عبد العزيز الشيرازي إنه كان تفرد عن أبي حيان التوحيدي بنكت عجيبة ولقد ذكر في الفقهاء الشافعية وحكى عنه الرافعي في مسألة الربا في الزعفران أنه حكى عن أبي حامد المروزي أنه لا يجري فيه الربا وهو كثير النقل في تحقيقاته عن أبي حامد للمسائل الفقهية وغيرها قلت وقد وقف على مثال الوزيرين لأبي حيان التوحيدي والمراد بهما أبو الفضل بن العميد وأبو القاسم بن عباد وذكر أن سبب تصنيفها إنه وفد على بن عباد فاتخذه ناسخا وإنه خيب أمله بعد مدة مقامه عنده نحوا من أربع سنين ورحل عنه خائبا فما استنكرته من كلامه في هذا الكتاب إنه حكى عن المأمون أنه قال لأبي العتاهية إذا قال الله لعبده لما لم تطعني ما يجيب قال يقول لو وفقتني لأطعتك قال فيقول لو أطعتني وفقتك فيقول العبد أيكون إليه العبد لسبه وما مطالب الرب معدا ووقفت له على رسالة في تقريظ الجاحظ أفرط في مدحه فيها وقال في كتاب الوزيرين كان الجاحظ واحد الدنيا وقال في بن العميد وابن عباد قد قلت فيهما كانا بالسياسة عالمين ولأولياء نعمهما ناصحين إلى أن قال فأراهما تنبآ لنزل الوحي عليهما وتجدد بهما الشرع وسقط لمكانهما الاختلاف واستمر في هذا المعنى وهو ذاك على قلة برمته وعلى إقدامه على إطلاق ما لا يليق ورأيت له تصانيفه تحريفات منها أنه قال في الحديث المشهور حبب إلي من دنياكم ثلاث جزم سر ماء ثلاث لكن لم يتفرد بذلك وقال في حديث لي الواجد ظلمة يحل عرضه وعقوبته وزاد لفظ ظلمة ولم ينفرد بها أيضا وذكر في كتاب الوزيرين أنه فارق بن عباد سنة سبعين وثلاث مائة راجعا إلى بغداد بغير زاد ولا راحلة ولم يعطني في مدة ثلاث سنين درهما واحدا ولا ما قيمته درهم واحد قال فلما وقع في هذا أخذت أتلافى ذلك بصدق القول في سوء الثناء والبادي أظلم وقرأت في كتاب فلك المعاني للشريف أبي يعلى ما نصه كان أبو حيان التوحيدي من شيراز وهو شيخ الصوفية وأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء وإمام البلغاء وزاهدهم ومحسنهم ثم قال سيدي الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف على الشيرازي أنشدنا أبو حيان التوحيدي بشيراز بعد عوده من بغداد فذكر شعر من إنشاد ثعلب.
أبو حيدة: اسمه حرون بن عبد الله الواسطي.
(3/154)
وما بعدها