طبعا، طبعا، فهذه هي أنسب اللحظات لمحاسبتهم، على الأقل بالنسبة لي، حيث واصل صاحبنا اليساري والمؤمن بعروبته - مثلي بالضبط - إبراهيم السايح، بسخرية وبث أحقاده، بقوله أمس في 'البديل': 'أعظم البطولات المصرية التي تحققت - حتى الآن - في مذبحة غزة هي استدعاء السفير الإسرائيلي أربع مرات للمثول أمام الحاج أحمد أبو الغيط.
المرة الأولى كانت عند بداية المذبحة، وكان السفير الإسرائيلي يوشك على تناول طعام الإفطار حين وصله استدعاء الحاج أحمد، وعلى الفور قام السفير بوضع مفرش السفرة فوق الطعام حتى لا يبرد، وهرول الى مكتب وزير الخارجية المصري في التو واللحظة ودون أن 'يبل ريقه' بكوب من الماء أو 'يعدل دماغه' بسيجارة كليوباترا أو حجر معسل، ولم تعلن وزارة الخارجية 'الكلام العنيف' الذي قاله الحاج أبو الغيط للسفير الصهيوني.
المرتان الثانية والثالثة يقال إن الحاج أبو الغيط كان يعاتب فيهما الزميل الصهيوني على الكلام الذي نشرته بعض صحف إسرائيل وقالت فيه إن النظام المصري موافق ومتواطئ ومبسوط من المذبحة ولكنه يشعر بالقلق من فشل الجيش الإسرائيلي في الإبادة السريعة لحركة 'حماس'!! ويقال أيضا أن سفير إسرائل اعتذر للحاج أحمد زاعما أن معظم سكان غزة 'شبه بعض' مما يعوق القوات الجوية والبرية عن التمييز بين أعضاء منظمة حماس وأعضاء منظمة فتح 'والناس اللي مالهاش دعوة'!
الاستدعاء الرابع للسفير الإسرائيلي كانت مناسبته هي ضرب الحدود المصرية في رفح ولم يكن الحاج أحمد أبو الغيط أو الحكومة المصرية زعلانين من الضربة ويبدو أن هذه المقابلة الرابعة كانت ودية وأخوية أكثر من الاستدعاءات الثلاثة الأخرى، حيث تردد أن الحاج أحمد قال للسفير الإسرائيلي إن 'مصر ما عملتش معاهم حاجة غلط عشان يضربوها' وأن الاختراق الإسرائيلي للمجال الجوي المصري يجب أن يكون 'بالذوق' و'بالراحة' وليس بكل هذا القدر من 'البجاحة'!! ويقال إن السفير الإسرائيلي كان مكسوفا للغاية من عتاب الحاج أحمد، واتصل على الفور بالطيران الإسرائيلي الذي اعتذر هو الآخر بدعوى أن المجالات الجوية العربية 'شبه بعض' وأن 'أحمد' بتاع فلسطين يشبه تماما 'الحاج أحمد' بتاع مصر!'.
عيسى لمبارك: هل ممالأة القاتل وجهة نظر؟
وبسبب أحقاده على رئيسنا، عاد زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى لمهاجمته أمس ايضا قائلا عنه:'هل شعرت بالأسى مثلي عندما سمعت رئيس وزراء إسرائيل النازي وقاتل الأطفال والنساء إيهود أولمرت في خطابه أمس الأول يشكر الرئيس مبارك على موقفه وتفهمه الواقع، عموما أنت وضميرك حيث صارت ممالأة العدو الآن وجهة نظر وبات الضمير 'طين صلصال' يمكن تشكيله كما تريد وصارت المقاومة للعدو عمالة، وتحولت المهادنة والمذلة والخنوع للعدو الى اعتدال وحكمة وكأننا وصلنا فعلا للزمن الذي يلعب فيه الفيل الطاولة ويأكل فيه القرد العجوة!
لكن للمرء أن يسأل: لماذا استجابت إسرائيل لنداء مبارك بوقف إطلاق النار بعد سقوط أكثر من 1200 شهيد وحوالي خمسة آلاف جريح، أما كان ممكنا أن تستجيب للرئيس مبارك أو أن يطالبها الرئيس مبارك بكل هذه القوة التي هزت إسرائيل فاستجابت حين كان الشهداء ثلاثمائة، بلاش، عندما كان الشهداء ستمائة؟ لماذا طلب فاستجابت، بلاش، عندما كان الشهداء ستمائة لماذا طلب فاستجابت مع الرقم 1200؟ عموما الحمد لله الذي لا يحمد على وقف إطلاق نار سواه ان الرئيس لم ينتظر حتى الشهيد الألفين كي يطالب فتستجيب إسرائيل!
طبعا لنا أن نسأل كيف أن الرئيس طلب وقف إطلاق النار وهو يعرف أن إسرائيل سوف تقرر بعدها بساعات أن توقفه، وكيف حدثت هذه المصادفة المدهشة التي لم تدهش أحدا على الإطلاق فقد كانت الكرة الأرضية كلها تعرف من صباحية ربنا أن إسرائيل ستوقف ليلا إطلاق النار من طرف واحد ومع ذلك خرج الرئيس مبارك في ظهيرة ربنا ليطالبها بذلك!
طبعا سوف يخرج محبو الرئيس مبارك الآن ليقولوا إن الذي انتصر في حرب غزة هو الرئيس مبارك في ظهيرة ربنا ليطالبها بذلك!
طبعا سوف يخرج محبو الرئيس مبارك الآن ليقولوا إن الذي انتصر في حرب غزة هو الرئيس مبارك وليست إسرائيل ولا حماس ومن ثم علينا أن نهنىء الرئيس مبارك بالنصر'.
المذبحة ومعارك الصحافيين حول 'الجزيرة'
وإلى المذبحة ومعارك الصحافيين، وستدور اليوم حول قناة 'الجزيرة'، حيث ذكرنا زميلنا طارق الشامي، مراسل قناة 'الحرة' في القاهرة، بأيام خالد الذكر، فجزاه الله عني أولا، وعنكم ثانيا خير الجزاء، عندما أنشد قائلا يوم الأحد في 'الدستور': 'استخدم جمال عبدالناصر إذاعة 'صوت العرب' بكفاءة ومقدرة كي يصل ويؤثر في الشعوب العربية خلال الخمسينيات والستينيات كانت مصر بعدد سكانها الضخم وموقعها الاستراتيجي المتميز وتاريخها الضارب في الأعماق ومساحتها المزروعة ونهضتها الصناعية وكفاءتها البشرية، قادرة على أن تمارس نفوذا في إقليمها، لكن ذلك وحده لم يكن كافيا كي تحول الشعوب العربية إلى جانبك، أدرك عبدالناصر قيمة الإعلام الخبري وقوة الكلمات العابرة للحدود والقارات عرف كيف يصل الى القلوب ومنها مباشرة الى العقول فاستحوذ على محبة الناس وتمكن من قيادتهم بمشروع قومي له وجاهته ومنطقه.
ومع رحيل عبدالناصر وتخلي السادات عن المشروع القومي والتوجه الاشتراكي وإهماله لسلاح الإعلام تغيرت المعادلة واحتلت الساحة الإعلامية العربية قوى متنافسة عراقية وليبية وسعودية لكن أحدا منها لم يتمكن من ملء الفراغ الذي خلفه الجهاز الإعلامي البارع في عهد عبدالناصر، الى أن ظهرت قناة الجزيرة الفضائية من دولة قطر عام 1996، أنا لا ألوم الجزيرة ولا أحملها أية مسؤولية بل على العكس أقدرها وأثمنها فقد لعبت أدوارا ايجابية في مواقف عديدة لكن يحزنني أن تبقى مصر الى الآن عاجزة عن تعلم الدرس القديم الجديد، درس الماضي والحاضر والمستقبل أن دولة بحجم مصر تبدو بإعلامها الهزيل أقل كثيرا من حجمها الطبيعي فيما تبدو 'قطر' أضخم كثيرا من قدراتها الحقيقية، تلك المفارقة ينبغي الآن أن توقظ القيادة السياسية وأصحاب القرار الذين غطوا في نوم عميق على مدى سنوات وسنوات آن لهم أن يعلموا أن العلاج بسيط وفي متناول اليد، مساحة كبيرة من الحرية مع إدارة ذكية وتمويل مباشر أو غير مباشر بحفنة ملايين من الدولارات حينها ستكون كلمة القاهرة مؤثرة ومسموعة ونافذة مثلما كانت 'صوت العرب' في الماضي بشرط أن تكون كلمة القاهرة راشدة ومنطقية، ليست المشكلة إذن مع قطر، إنها 'الجزيرة' يا غبي!'.
اييه، اييه، ذكرنا بالذي كان ياما كان في سالف العصر والأوان، ولكن كيف وهو المعجب بعبدالناصر الى هذه الدرجة أن لا يستخدم خالد الذكر؟!
هويدي يهاجم الحملة الاعلامية ضد قطر
وفي نفس العدد لقيت قطر دفاعا عنها ضد الحملة الإعلامية المصرية الرسمية من زميلنا والكاتب الإسلامي الكبير فهمي هويدي قال فيه: 'أكبر إساءة الى مصر تأتي من أبواقها الإعلامية التي تقزم البلد وتفقده الهيبة والاحترام، بل تجعله يخسر قضاياه أمام الراي العام داخل مصر وخارجها. خذ مثلا تلك الحملة الإعلامية العبثية التي تشن هذه الأيام ضد قطر لمجرد أنها كان لها موقف آخر في التعامل مع المجزرة الإسرائيلية في غزة وهو ما دعا الإعلام المصري الرسمي وشبه الرسمي الى اعتبار الاختلاف جريمة وتصنيف قطر في مربع الأعداء والخصوم.
لي ملاحظات على هذه المواقف، الأولى أن ما يعبر عنه الإعلام الرسمي وشبه الرسمي في مصر لا يكون في العادة تطوعا أو اجتهادا ولكنه يعبر عن تعليمات سياسية تحدد الوجهة والدرجة والنوع، وأحيانا تقترح الأسئلة على مقدمي البرامج التليفزيونية الحوارية، الأمر الذي يعني أن الانفعال والحساسية وتدهور مستوى الخطاب الإعلامي هي تعبير عن الموقف السياسي واستجابة للتعليمات، ويعني أيضا أن النقد أو اللوم الحقيقي ينبغي أن يكون من نصيب السياسة وليس الإعلام'. وما أن بلغ رئيس التحرير التنفيذي لـ'الدستور'، زميلنا وصديقنا إبراهيم منصور، أن هناك معركة دائرة حول الإعلام وقناة الجزيرة وقطر حتى قفز الى حلبتها للمشاركة فيها قائلا:
'في الحرب الإسرائيلية 'المستعرة' على غزة لم يجد النظام المصري 'المحايد' و'الوسيط' بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية سوى الهجوم على قطر، وكأن قطر هي الدولة المعتدية.
انطلق الإعلام الحكومي ورؤساء تحرير الصحف الحكومية في نعت النظام القطري بكل الأوصاف بعيدا عن العمل المهني، وأساءوا الى قيم مهنة الصحافة التي يتشدقون بها!! ونصبوا من انفسهم محللين سياسيين فأساءوا الى التحليل السياسي ومن هم جديرون به، وتناسوا جميعا أن النظام المصري هو السبب في ذلك هو الذي ترك قطر وغيرها تفعل ما تفعله على الساحة العربية بتنازله عن دوره التاريخي والجغرافي في الإقليم والمنطقة إرضاء لإسرائيل والغرب، يهاجمون قطر ويتهمونها بعلاقاتها بإسرائيل، وينسون أن مصر هي السباقة الى ذلك وهي التي تحتضن سفارة للعدو الصهيوني تطل على نيلها ويعقدون معها الاتفاقيات، يهاجمون قطر ويعيرون أميرها بأنه خلع والده ليسيطر على الحكم، ونحن هنا نثبت أقدام الابن ليصبح الوريث الشرعي للجمهورية المصرية.
يهاجمون قطر وكأنها هي وراء الحرب الإسرائيلية المستعرة على الفلسطينيين في غزة'.
'الاخبار' حزينة على موت الاعلام الحكومي
كما شارك زميلنا وصديقنا بـ'الأخبار' والقيادي بالحزب الوطني الحاكم، رفعت رشاد في مهاجمة الإعلام الحكوم بقوله عنه في 'المصري اليوم' يوم الأحد: 'ليس سرا أن الإعلام المصري بجميع آلياته كان مترديا في معالجة أحداث غزة، وليس سرا أن بعض الكبار الصغار قد ووجهوا باللوم لتقصيرهم في مواجهة الأحداث بنسبة تجاوزت أي توقعات، لقد حاول قليلون مواكبة الأداء السياسي الجيد للدولة والنظام، والتعبير عنه ونجحوا في تخفيف حدة الفشل الإعلامي بشكل عام ولكنهم في النهاية لا يملكون كل الادوات ولا كل وسائل الإعلام.
لقد وجدت الدولة نفسها فجأة في معركة إعلامية شرسة تنوعت فيها الأسلحة الهجومية على مصر من كل الجبهات المعادية إقليميا، ورغم أنها تؤدي جيدا على المستوى السياسي فإنها فوجئت بالتخلف الإعلامي، وبأن الهوة بينه وبين السياسة شاسعة مما جعل السياسيين يبذلون جهدا اكبر لتعويض الفشل الإعلامي وأحدهم يرأس تحرير جريدة كبيرة لا يعرف من قاموس اللغة العربية لوصف قادة حماس إلا كلمة 'أشاوس' يكررها في مقالاته لدرجة أن كلمة 'أشاوس' في مقال واحد تكررت 36 مرة، فهو لا يملك قاموسا لغويا يتيح له حتى استخدام كلمات متنوعة فهل ننتظر من هذا القدرة على قيادة الرأي العام!! وآخر كتب مقالا، نشره في الطبعة الأولى بشكل معين، وبعد النشر نصحه أحدهم من الخبثاء بأن هذا المقال يحتاج الى إضافة فقام رئيس التحرير الفهم بتعديل المقال في الطبعة الثانية وإضافة فقرات أخرى، وهو أمر لم يحدث من قبل في الصحافة فهل ننتظر من هؤلاء أن يواجهوا الخصوم!'.
وحدث في نفس اليوم - الأحد - حادث مؤسف في جريدة 'روزاليوسف'، في كاريكاتير زميلنا شريف عرفة، إذ كان عنوانه - صاحب السمو - والرسم كان لكرسي - فخم، وفوقه سروال، فهل هذا مستوى؟!
وأخيرا إلى 'العربي' وزميلنا ناصر أبو طاحون وقوله عن هكذا إعلام: 'الفشل الذريع الذي أصاب الإعلام الرسمي المصري يكشف الى أي درجة تنحدر معاركنا، حتى لم يعد لدينا سوى الشتيمة والسباب، وكأنه لم يعد لدى مصر لتقدمه سوى كتيبة بليدة من الشتامين على طريقة ردح الحواري بشتائم موجهة الى كل مكان، وسباق بين أفراد كتيبة السباب لكي يثبت كل منهم جدارته بموقعه أو تأهله لمكان أفضل من وضعه الحالي، والنتيجة أن مصر تخسر ما يحتاج تعويضه لسنوات، لكن المثير للشفقة ان نفس الأقلام والأصوات التي تستمر الآن بأقذع الشتائم لطالما تغنت من قبل بأسماء المشتومين وعطاياهم لكن الوقت والمجال لا يسمحان بالغوص في تلك المساخر حاليا.