07-Oct-2008, 03:03 PM
|
رقم المشاركة : 2
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
الفصل الثاني
[ العينان ووظيفتهما ]
وكما جعل سبحانه العينين مؤديتين للقلب ما يريانه فيوصلانه إليه كما ترياه جعلهما مرآتين للقلب يظهر فيهما ما هو مودع فيه من الحب والبغض والخير والشر والبلادة والفطنة والزيغ والاستقامة فيستدل بأحوال العين على أحوال القلب وهو أحد أنواع الفراسة الثلاثة : وهي فراسة العين وفراسة الأذن وفراسة القلب فالعين مرآة للقلب وطليعة ورسول ومن عجيب أمرها أنها من ألطف الأعضاء وأبعدها تأثرا بالحر والبرد على أن الأذن على صلابتها وغلظها لتتأثر بهما أكثر من تأثر العين على لطافتها وليس ذلك بسبب الغطاء الذي عليها من الأجفان فإنها لو كانت متفتحة لم تتأثر بذلك تأثر الأعضاء اللطيفة.
الفصل الثالث
[ الأذنان وسر شقهما في جانبي الوجه ]
ومن ذلك : الأذنان شقهما تبارك وتعالى في جانبي الوجه وأودعهما من الرطوبة ما يكون معينا على إدراك السمع وأودعهما القوة السمعية وجعل سبحانه في هذه الصدقة انحرافات واعوجاجات لتطول المسافة قليلا فلا يصل الهواء إلا بعد انكسار حدته فلا يصدمها وهلة واحدة فيؤذيها وأيضا لئلا يفجأها الداخل إليها من الدبيب والحشرات بل إذا دخل إلى عوجة من تلك الإنعطافات وقف هناك فسهل إخراجه.
وكانت العينان في وسط الوجه والأذنان في جانبيه لأن العينين محل الملاحة والزينة والجمال وهما بمنزلة النور الذي يمشي بين يدي الإنسان وأما الأذنان فكان جعلهما في الجانبين لكون إدراكهما لما خلف الإنسان وأمامه وعن يمينه وعن شماله سواء فتأتي المسموعات إليهما على نسبة واحدة .
وخلقت العينان بغطاء والأذنان بغير غطاء وهذا في غاية الحكمة إذ لو كان للأذنين غطاء لمنع الغطاء إدراك الصوت فلا يحصل إلا بعد ارتفاع الغطاء والصوت عرض لا ثبات له فكان يزول قبل كشف الغطاء بخلاف ماتراه العين فإنه أجسام وأعراض لاتزول فيما بين كشف الغطاء وفتح العين وجعل سبحانه الأذن عضوا غضروفيا ليس بلحم مسترخ ولا عظم صلب بل هي بين الصلابة واللين فتقبل بلينها وتحفظ بصلابتها ولا تنصدع انصداع العظام ولا تتأثر بالحر والبرد والشمس والسموم تأثر اللحم إذ المصلحة في بروزها لتتلقى ما يرد عليها من الأصوات والأخبار .
الفصل الرابع
[ الأنف وسر نصبه في وسط الوجه قائماً معتدلاً ]
ومن ذلك الأنف نصبه سبحانه في وسط الوجه قائما معتدلا في أحسن شكل وأوفقه للمنفعة وأودعه حاسة الشم التي يدرك بها الروائح وأنواعها وكيفياتها ومنافعها ومضارها ويستدل بها على مضار الأغذية والأدوية ومنافعها وأيضا فإنه يستنشق بالمنخرين الهواء البارد الرطب فيؤديه إلى القلب فيتروح به فيستغني بذلك عن فتح الفم أبدا وجعل تجويفه بقدر الحاجة فلم يوسعه عن ذلك فيدخله هواء كثير ولم يضيقه فلا يدخله من الهواء ما يكفيه وجعل ذلك التجويف مستطيلا لينحصر فيه الهواء وينكسر برده وحدته قبل أن يصل إلى الدماغ فلولا ذلك لصدمه بحدته وقوته.
والهواء الذي يستنشقه الأنف ينقسم شطرين : شطرا يصعد إلى الدماغ وشطرا ينزل إلى الرئة وهو من آلات النطق فإن له إعانة على تقطيع الحروف وكما أن تجويفه جعل لاستنشاق الهواء فإنه جعل مصبا لفضلات الدماغ تنحدر فيه في تلك القصبة فيخرج فيستريح الدماغ ولذلك جعل عليها سترا ولم يجعلها بارزة فتستقبحها العيون وجعل فيها تجويفا فإنه قد ينسد أحدهما أو يعرض له آفة تمنعه من الإدراك والاستنشاق فيبقى التجويف الثاني نائبا عنه يعمل عمله كما اقتضت الحكمة مثل ذلك في العينين.
ثم تأمل الهواء الذي يستنشقه الأنف كيف يدخله أولا من المنخرين وينكسر برده هناك ثم يصل إلى الحلق فيعتدل مزاجه هناك ثم يصل إلى الرئة ألطف ما يكون ثم تبعثه الرئة إلى القلب فيروح عن الحرارة الغريزية التي فيه ثم ينفذ من القلب إلى العروق المتحركة ويبلغ إلى أقاصي أطراف البدن ثم إذا سخن في الباطن وخرج عن حد الانتفاع خرج عن تلك الأقاصي إلى البدن ثم إلى الرئة ثم إلى الحلقوم ثم إلى المنخرين خارجا فيخرج منهما ويعود عوضه هواء بارد نافع.
والنفس الواحد من أنفاس العبد إنما يتم بمجموع هذه الأمور والقوى والأفعال وهو له في اليوم والليلة أربعة وعشرون ألف نفس لله في كل نفس عدة نعم قد وقفت على القليل منها فما ظنك بما وراء النفس من الأعضاء والقوى ومنافعها وتمام النعمة بها ؟
كتبه منقولاً
أخوكم : أبو عمر سعد الحميداني
|
|
|