بطلان زعم المسبار حول نسب سبيع
طلع علينا المسبار من كتاب منتدى الهيلا بنسبة تميمية لسبيع وقد ساق لها دليلا نص للبلاذري فيه أن من فروع بني تميم فرع يدعى سبيع وقد كنت أظن أن المسبار سيأتي بأدلة لها وجه من الاحتمال فلما طالعت ما كتبه ذهلت من مدى محاولة لي النصوص والتلاعب بها ووضعها في غير مواضعها ذلك أن الذي ذهب إليه باطل وفيما يلي بيان ذلك :
لقد أصبحت قبيلة بني تميم من أهل الحواضر منذ قرون بعيدة والقول بأنه قد بقيت لهم بادية لها حل وترحال كحال قبائل العرب يحتاج إلى دليل وهيهات هيهات فقد نص العلماء على تحضر بني تميم في عهد مبكر كما تراه فيما يلي :
1ــ قال ابن سعيد الذي جال في جزيرة العرب سنة 650هــ في ذكر بني تميم : " تتبعت منازل بني تميم من كتاب أجار ومن الكمائم وغيرهما فوجدتها بأرض نجد دائرة على ما والى أرض البصرة وارض اليمامة وامتدت إلى العذيب من أرض الكوفة وليس لها الآن بهذه الأرض قائمة ولا بطن مشهور وقد غلبت على أرضها قبائل قيس عيلان وقبائل طيء وتفرقت تميم في حواضر البلاد وقراها فلا يوجد منها قبيلة في شرق ولا غرب جارية على ما هي عليه قبائل العرب من الحل والترحال " ( نشوة الطرب ص415 ) .
قال الأحيوي : هاهنا فوائد في غاية الأهمية هي :
1ــ أن هذا النص وصف لواقع الحال في منتصف القرن السابع للهجرة لعالم رحالة ثقة
2ــ أن قبيلة تميم كانت في ذلك الزمان من أهل الحواضر والقرى ولم تعد لها بادية في القرن السابع للهجرة وهو ما ظلوا عليه إلى يومنا هذا
3ــ أن القبائل التي سيطرت على بلاد تميم ومنها بلاد اليمامة هي قبائل قيس وطيء
وقد أكد نص ابن سعيد ابن خلدون ( ت 808هــ ) في حديثه عن بني تميم حيث قال : " كانت منازلهم بأرض نجد دائرة من هنالك على البصرة واليمامة وانتشرت إلى العذيب من أرض الكوفة وقد تفرقوا لهذا العهد في الحواضر ولم تبق منهم باقية " ( تاريخ ابن خلدون ج2 ص363 )
ولا يخفى أن قبيلة سبيع كانت آنذاك من القبائل المعروفة حيث ذكر لهم ابن بسام خبرا يعود لسنة 871هــ
2ــ أن بلاد اليمامة كانت تحت سيطرة القبائل القيسية فقد آل أمر هذه الديار بعد أفول نجم الأخيضريين إلى القرامطة ثم آلت إلى بني كلاب وفي سنة 650هــ آل أمر هذه الديار لفرع آخر من قبائل قيس وهم بنو عقيل بقيادة بني عصفور وفيما يلي بيان ذلك :
1ــ قال ابن سعيد في ذكر بني كلاب : " كان لهم في الإسلام دولة باليمامة " ( تاريخ ابن خلدون ج2 ص359 ) وقال القلقشندي : " ومن بني عامر بن صعصعة : بنو كلاب وهم بنو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة قال في العبر : وكان لهم في الإسلام دولة باليمامة " ( صبح الأعشى ج1 ص340 )
2ــ قال ابن سعيد : " سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالبحرين بالمدينة النبوة سنة إحدى وخمسين وستمائة عن البحرين فقالوا الملك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء " ( تاريخ ابن خلدون ج4 ص109 ) وقال : " وملكوا أيضا أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملكهم فيها لعهد الخمسين والستمائة بنو عصفور " ( تاريخ ابن خلدون ج6 ص14 وج2 ص361 ، قلائد الجمان ص120 ، نهاية الأرب ص330 ، تاريخ ابن لعبون ص33 ) وقال : " وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن اليمامة اليوم ؟ فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر " ( تاريخ ابن خلدون ج4 ص271 و ج5 ص60 ).
ونلاحظ أن مصدر هذه المعلومات عرب البحرين وبعض مذحج وهذا النص يبين لنا أن بني كلاب كان لهم وجود قوي جدا في بلاد اليمامة التي استوطنتها قبائل من بني عامر بن صعصعة ومن هذه القبائل قبيلة عائذ قال ياقوت الحموي ( ت 626هــ ) : " أخبرنا بدوي من أهل تلك البلاد خمس قرى عليها سور واحد ( ؟ ) من لبن وفيها نخل وزرع لبني عائذ لآل مزيد وقد يتفرع منهم والقرية الجامعة فيها ثرمداء وبعدها شقراء وأشيقر وأبو الريش والمحمدية وهي بين العارض والدهناء " ( معجم البلدان : رسم الوشم ) وهذا النص أورده بحرفه الزبيدي نقلا عن ياقوت الحموي بخلاف يسير فعنده : " لبني عائذ لآل يزيد ومن يتفرع منهم " ( تاج العروس : رسم وشم ) . قلت : آل مزيد وآل يزيد فرعان من عائذ وعائذ فرع من ربيعة بن عقيل ( التعليقات والنوادر ص1809 و 1810 ) وقد ذكرهم ابن فضل الله العمري ( ت 749هــ ) فقال في ذكر من يحالف آل فضل : " وفرقة من عائذ وهم آل يزيد وشيخهم ابن مغامس والمزايدة وشيخهم كليب بن أبي محمد وبنو سعيد وشيخهم محمد العليمي " وقال : " عائذ بني سعد دارهم من حرمة إلى جلاجل والتويم ووادي القرى " قال : " ويعرف بالعارض ورماح والحفر " وقال : " بنو يزيد ودارهم ملهم وبنيان وحجر ومنفوحة وصباح والبرة والعويند وجو " وقال : " المزايدة : دارهم البخراء وحرمة " قال : " وسبخة الدبيل والحلوة والهزيم والبريك والنعام والخرج " ( قبائل العرب في القرنين السابع والثامن الهجريين ص116 و 150 و 151 ) . وهكذا يتبين لنا أن قبائل عامر بن صعصعة كانت هي المسيطرة على بلاد اليمامة ويجب أن نشير أن انتقال الزعامة الى بني عصفور لا يعني اختفاء بني كلاب فهذا يماثل انتقال الشياخة من فرع إلى فرع آخر في القبيلة وقد كانت لبني سبيع أخبار في بلاد اليمامة ونجد ومن اقدم ما رأيته خبر ابن بسام آنف الذكر وبما أنها قبيلة رحالة فهم يتنقلون في أنحاء ديار بني عامر بن صعصعة من نواحي بيشة ورنية الى بلاد اليمامة والبحرين
قال الأحيوي : كانت بلاد اليمامة تحت سيطرة الأخيضريين فالقرامطة ثم آلت الى سيطرة بني كلاب حتى سنة 650هــ عندما آلت السيطرة لفرع آخر من بني عامر وهم بنو عصفور وقومهم من عقيل .
وقد كان لبني كلاب مع فروع أخرى من بني عامر نفوذ قوي جدا في بلاد البحرين قال الدكتور إبراهيم عطالله البلوشي في ذكر الجنابي القرمطي : " الذين أيدوه هم بنو الأضبط من بني كلاب وبني عقيل واخوتهم من بني المنتفق أيضا وبنو الحريش وبنو هلال بن عامر وربيعة بن عامر من العدنانية ومن المؤيدين أيضا للقرامطة بني سليم وصار الجميع جندا له ولخلفائه من بعده في البحرين وعمان وكان من تأييد بني كلاب للقرامطة أن تولى الكثير منهم مناصب عالية في دولتهم مثل ثور بن ثور الكلابي صاحب جيشهم وأبو الحسن علي بن عثمان الكلابي وكان مندوبهم الى الجهات المختلفة ومعاذ الأعرابي وهو من القواد أيضا " ( بلاد البحرين في العصر العباسي الثاني ص128 ــ 129 ) وقال ابن حوقل في خبر نقله سنة 360هــ في ذكر بعض رجالات القرامطة : " .... وثور بن ثور الكلابي صاحب جيشهم مسن أيضا كاف مع كبر سنه وكان صاحب سراياهم الى كل مكان وكان أكبر منه حالة وأتم دراية أبو الحسن علي بن عثمان الكلابي كان يزعم أن سنيه مائة وعشرين سنة وكان ممن لقي أبا زكريا الطمامي وشاهد دعوتهم الأولى فصيح اللسان حسن البيان جريء الجنان وترسل لهم الى غير مكان وناب مناب قاضيهم ابن عرفة في أسباب المراسلة الى بني حمدان وغيرهم فعقد عليه بيعتهم واخذ عليهم العهود بموالاتهم " ( صورة الأرض ص34 ــ 35 )
قال : الأحيوي يتضح مما سبق بيانه أن بلاد اليمامة كانت من أكبر معاقل قبائل عامر بن صعصعة لا سيما بني كلاب منهم الذين كانوا أصحاب الدولة في بلاد اليمامة إلى سنة 650هــ حين آلت الدولة إلى بني عصفور من بني عقيل ولا بد أن نلاحظ انه كان ممن يشارك بني كلاب الديار في بلاد اليمامة بنو عائذ ولا يزال هؤلاء يقطنون بلاد اليمامة وقد اختفى مسمى بني كلاب ليحل محله مسمى سبيع فليس في بلاد نجد من صح نسبه إلى بني كلاب بنص صحيح إلا سبيع وهم فرع من جعدة أهل الفلج . أما ما يتعلق بسبيع تميم فان المسبار لم يستوفي البحث فيهم وفي ديارهم بالبيع هؤلاء هم بنو سبيع بن عوف بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ( جمهرة أنساب العرب ص 211 ) ذكرهم البلاذري فقال في ذكر تيم الرباب : " ومن التيم : بنو سبيع وقد دخلوا في طهية على نسب فيهم " ( أنساب الأشراف ج 11 ص283 ) وطهية هم بنو عوف بن مالك قال الكلبي : " أبا سود وعوف ابني مالك وأمهما طهية بنت عبشمس بن زيد مناة بن تميم " ( جمهرة أنساب العرب ص 195 ) وقد دخلوا في بني يربوع قال الكلبي : " يقال لطهية والعدوية الجمار وهم مع بني يربوع " ( جمهرة أنساب العرب ص195 ) والعدوية هم زيد والصدي ويربوع بنو مالك بن حنظلة وأمهم العدوية وهي الحرام بنت خزيمة بن تميم بن الدول بن جل بن عدي بن عبد مناة بن أد ( جمهرة النسب ص ص195 ) ومن ديار طهية النبقة قال في بلاد العرب : " النبقة وهي لطهية " ( بلاد العرب ص266 ) وتعرف اليوم باسم النبقية وهي منهل شرقي بريدة قاله الجاسر ( بلاد العرب حاشية ص266 ) ومن ديارهم القنفذة وتقع في شمالي القصيم قاله الجاسر ( بلاد العرب حاشية ص272 ) وطهية مع بني يربوع ومساكن يربوع ومعاقله الرئيسة في الحزن حزن بني يربوع قال الجاسر : " يسمى حزن بني يربوع الآن : الصلب ويقع في شرقي نجد في جهات الحفر إلى لينة " ( بلاد العرب حاشية ص102 ) ( أنظر عن الحزن كتاب شمال المملكة للجاسر ) . قلت : يتضح مما سبق أن طهية أصل سبيع تميم بعيدون ديارا عن ديار سبيع من بني جعدة
ويبقى أن نشير إلى أن قول المسبار أن سبيعا من بني عامر بن عوف بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة قول هالك لا يستحق التوقف عنده وكل هذا يبطل ما زعمه المسبار عن نسبة سبيع العامرية إلى سبيع التميمية والله الموفق .
ولولا الحرص على تبيان بعض الحقائق لما كتبت هذا التوضيح لأنني وجدت المحاورة التي طرحها المسبار قد تحولت للخوض فيما لا يسر عتيبة ولا سبيع من طرح آراء في نسب القبيلتين الكريمتين يغلب عليها المناكفة والبعد عن البحث العلمي الراقي فيما يخدم نسب القبيلتين العزيزتين سائلا العلي القدير أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه وأن يوفقنا جميعا للحق والحقيقة وله الحمد أولا وآخرا