عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 15-Aug-2008, 01:01 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
السَّمَيْدَعُ
عضو ذهبي
إحصائية العضو






السَّمَيْدَعُ غير متواجد حالياً

افتراضي

[الشريط الثاني]

[الحديث السادس عشر]
لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقييد النية في صيام النافلة بوقت معين وإنما الثابت في ذلك عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله تعالى ثمة من نوى من أول النهار أو من آخره لا حرج عليه قبل الزوال أو بعده وروي عن بعض الصحابة أنهم قيدوا ذلك قبل الزوال وهذا مروي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك عليهم رضوان الله تعالى.

والرسول صلى الله عليه وسلم حث على التبكير بالإفطار ولم يثبت عنه بيان فضل معين إلا قوله عليه الصلاة والسلام "لا تزال أمتي بخير" ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر معين أو دعاء معين عند الفطر، أما الدعاء فلا يصح في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما جاء فيه أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد كل ما جاء في هذا الباب ضعيف أو منكر والكلام فيه يطول، أما ما جاء من ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضه يتضمن الدعاء فهو معلول أيضا وفيه ما حسنه بعض العلماء.
[الحديث السابع عشر]
من ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه الطبراني من حديث داود عن شعبة عن ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال "اللهم لك صمت على رزقك أفطرت" فهذا لا يصح في إسناده داود بن الزبرقان وهو متروك الحديث، وجاء أيضا من غير هذا الوجه من حديث عبد الملك بن عنترة عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول عند فطره "اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" وعبد الملك بن عنترة منكر الحديث وجاء فيه مرسلا بنحوه عند أبي داود في كتابه المراسيل وكذلك رواه البيهقي من حديث حصين عن معاذ مرسلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيهقي "هذا أحسن شيء جاء في هذا الباب" ولعل أمثل منه ما رواه أبو داود في سننه من حديث الحسين بن واقد عن مروان بن المقفع عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه قال قال النبي عليه الصلاة والسلام عندما أفطر "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله" هذا أمثل شيء جاء ولذا قال الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في سننه لما أخرج هذا الخبر "تفرد به الحسين بن واقد وهو حسن لا بأس به" وقد أعل هذا الخبر بتفرد الحسين بن واقد بن منده عليه رحمة الله.

وأمثل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر هو الفطر على التمر وأما الرطب فلا يثبت، والتمر جاء فيه حديث سلمان بن عامر الضبي كما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال "من أفطر فليفطر على تمر فمن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور" وهذا الخبر لا بأس به وقد حسنه غير واحد من الأئمة وإن كان في إسناده جهالة، فهذا الخبر يرويه عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر عليه رضوان الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في روايته عن عاصم الأحول فروي تارة بذكر الرباب بنت صليح أم الرابح وروي بحذفها وقد اختلف فيه على عاصم فرواه جماعة من الثقات كسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وعبد الواحد بن زياد وعبد العزيز المختار وشريك بن عبد الله النخعي ومحمد بن فضيل ومروان بن معاوية وغيرهم رووه عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر ورواه شعبة وخالف فيه من رواه عن عاصم فرواه عن عاصم عن حفصة عن سلمان بن عامر ولم يذكر فيه الرباب واختلف فيه على شعبة بن الحجاج فرواه محمد بن جعفر وغندر وآدم عن شعبة بن الحجاج عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر ولم يذكر فيه الرباب ورواه الطيالسي عن شعبة بن الحجاج عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان فوافق فيه رواية الجماعة وهذا الأمثل ولهذا قال الترمذي عليه رحمة الله تعالى لما أخرج هذا الخبر "وحديث السفيانين أصح" وقد صحح هذا الخبر أبو حاتم وغيره وأما الرباب فإنها امرأة مجهولة وقليلة الحديث لكن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى يقبلون من رواية المجاهيل إذا كانوا من طبقة متقدمة خاصة إذا كانوا من النساء وقد ثبت عن غير واحد من الأئمة كالإمام البخاري وأبي حاتم والدارقطني وكذلك الإمام أحمد وغيرهم أنهم حسنوا جملة من الأحاديث لبعض الرواة المجاهيل لكنهم من طبقة أولى وللنساء خاصة وذلك أن غلبة الحال بالنسبة للنساء أنهن مجاهيل بخلاف الرجال فالتمكن من معرفتهم وارد بل هو الأغلب فإذا لم يعرفوا وانفردوا بشيء فإن هذا يدل على النكارة في الأغلب وأما النساء فبخلاف ذلك ولهذا يقول الذهبي عليه رحمة الله تعالى في كتابه ميزان الاعتدال لما أراد أن يترجم للنساء "ولا يعرف في النساء من اتهمت ولا من تركوها" ولهذا يقول الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله تعالى "وأكثرهن مجاهيل والضعف فيهن قليل" يعني النساء ولهذا من قرائن قبول رواية المجهول أن يكون امرأة وأن يكون متقدما وألا ينفرد بأصل وأن يكون ما يرويه مما ليس عليه الأحكام.
[الحديث الثامن عشر]
وأما البداءة بالرطب فقد جاء عند الترمذي من حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن انس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات فإن لم يجد حس حسوات من ماء وهذا الحديث قد تفرد به جعفر بن سليمان وفيه كلام وأمثل فيه حديث سلمان بن عامر عليه رضوان الله تعالى وقد جاء حديث سلمان من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح والصواب فيه أنه من حديث سلمان بن عامر كما رجح ذلك غير واحد من الأئمة كالإمام البخاري وأبي حاتم والإمام أحمد وغيرهم من الأئمة.
وعليه يقال أنه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإفطار هو الإفطار على تمر وأما الرطب فلا يصح فيه شيء ولكن يقال في لغة العرب إذا أطلق التمر دخل فيه جميع أنواعه سواء كان رطبا أو غيره وإذا قيل الرطب فهو التمر ما لم ييبس فإذا يبس فإنه يسمى تمرا، فعليه يقال أن الإنسان إذا أفطر على رطب أو افطر على تمر أو أفطر على بلح –وهو ما قبل الرطب- أنه لا حرج في ذلك وأنه متبع للسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم قوله أن النبي عليه الصلاة والسلام قال "من أفطر فليفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور" وهو داخل في هذا عليه الصلاة والسلام.


[الحديث التاسع عشر]
وقد جاء في تفطير الصائم بجملة من المفطرات أحاديث معلولة منها النص على التفطير بالحجامة وأمثل ما جاء فيها حديث شداد بن أوس قد رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "أفطر الحاجم والمحجوم" وقد رواه خالد الحذاء واختلف عليه فيه فرواه جماعة من أصحابه كسفيان الثوري وكذلك معمر وشعبة وغيرهم عن خالد الحذاء به فذكر فيه أبا الشعثاء وخالف في ذلك الحارث بن حسين فرواه وأسقط فيه أبا الشعثاء وذكر أبا أسماء الرحبي وخالف فيه وقد رواه أيوب بن تميم السختياني وذكر فيه أبا الأشعث عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعل هذا الخبر جماعة من الأئمة باعتبار الاضطراب في إسناده وقد صححه غير واحد من الحفاظ كالإمام أحمد وكذلك علي بن المديني وابن خزيمة وغيرهم على أن هذا الخبر صحيح بل قال الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى "هذا اصح شيء جاء في هذا الباب" ولا أعلم أحدا من المتقدمين من أعل حديث شداد إلا يحيى بن معين فإنه قال "لا يصح في هذا الباب شيء" وقد سئل الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى عن قول يحيى بن معين قال "هذا الكلام مجازفة" يعني الكلام على حديث شداد بن أوس وفيه أن الأئمة النقاد –وإن كانوا من أئمة البصر النافذ في تعليل الأحاديث- لا أنه يختلف نظرهم في تصحيح الحديث وتضعيفه كما هو بين يحيى بن معين وكذلك الإمام أحمد عليه رحمة الله.


[الحديث العشرون]
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ما جاء حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله تعالى كما رواه الإمام الدارقطني من حديث خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى عن ثابت عن أنس بن مالك أن جعفر بن أبي طالب احتجم فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أفطر هذان" وهذا الخبر قد تفرد بإخراجه الإمام الدارقطني في سننه وهو خبرمنكر وإن كان قد قال الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في سننه "هذا حديث رواته ثقات" إلا أنه لا يقبل منه ذلك فلا أعلم أحدا من الأئمة قد صحح هذا الخبر وسائرهم على انتقاده وهو منكر سندا ومتنا أما من جهة الإسناد فإنه قد تفرد به خالد بن مخلد وكذلك عبد الله بن المثنى وخالد بن مخلد قال فيه الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى "يروي المنكرات" أو "له منكرات" وأما عبد الله بن المثنى فكذلك هو منكر الحديث كما قال عنه الإمام النسائي عليه رحمة الله وأما نكارة المتن فإن جعفر بن أبي طالب قد توفي قبل فتح مكة والنبي عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك في فتح مكة وهذا يستحيل ويعلم أن الإسناد منكر وكذلك المتن منكر.
وعلى هذه المسألة بنى الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى قوله من أن الحجامة تفطر الصائم والذي عليه الصحابة عليهم رضوان الله تعالى فيما أعلم مما ثبت عن غير واحد كعبد الله بن عمر وكذلك سعد بن أبي وقاص أنهم يرون أن الحجامة لا تفطر وقد روي عن غير واحد من السلف أنهم يرون أن الحجامة تفطر والذي يظهر أنها لا تفطر لأنه قد ثبت عند الطحاوي من حديث النهج عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص بالحجامة والقبلة للصائم ويدل هذا على أنه كان أخلى من غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا إنما قيل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ظاهر.


ومن أكل أو شرب في نهار رمضان ناسيا فقد جاء الخبر في الصحيحين من حديث محمد بن مرزوق عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أكل أو شرب ناسيا فإنما أطعمه الله وسقاه" وهذا الحديث قد أعله الدارقطني بتفرد محمد بن مرزوق به وقد تابعه عليه أبو حاتم محمد بن إدريس عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أكل أو شرب ناسيا فظاهر كلام النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك منة من الله فإنما أطعمه الله وسقاه ولا ينبه على الصحيح لأن هذا الذي عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله تعالى كما روى الطحاوي في شرح معاني الآثار من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه استسقى وهو صائم فقال فقلت له "إنك صائم" فقال "أراد الله أن يطعمني فحرمتني" وكذلك جاء عن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى وعند العقيلي في كتابه الضعفاء وكذلك أشار إليه البخاري عليه رحمة الله تعالى في كتابه التاريخ ولا يصح وأمثل ما جاء فيه عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى ولا أعلم له مخالفا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد ذكر الأئمة الأربعة على أن من المفطرات الجماع واستدلوا بما جاء في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "يا رسول الله هلكت" قال "وما هلكك" قال "وقعت على أهلي في نهار رمضان" فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتجد رقبة تعتقها؟" قال "لا" قال "أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال "لا" قال "أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟" قال "لا"
[الحديث الحادي العشرون]
وفي الخبر جاء زيادة "قال وصم يوما مكانه واستغفر الله" هذه الزيادة قد تفرد بها هشام بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى وقد تابعه على ذلك صالح بن أبي الأخبر وأبو أويس وخالفه في ذلك الأئمة فلم يذكروها في هذا كالإمام مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ومعمر بن راشد فرووه عن الزهري عن حميد –وفي بعض الطرق عن أبي سلمة- عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا ذهب عامة الحفاظ إلى إعلالها وأنه لا يثبت الأمر بالقضاء فقد أعل هذه اللفظة أبو حاتم والإمام أحمد والبخاري وابن عبد البر وغيرهم على أنه لا يثبت الأمر بالقضاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وكذلك ذهب قبله ابن حزم وابن خزيمة في كتابه الصحيح على أن من جامع في نهار رمضان يجب عليه الكفارة من غير قضاء وذلك أن القضاء يفتقر إلى دليل ولا دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت عنه في هذا.


وكذلك لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن الاكتحال في نهار رمضان وقد جاء في ذلك جملة من الأحاديث كلها معلولة
[الحديث الثادي والعشرون]
من ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن معاذ بن أوذه عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الاكتحال "ليتقي للصائم" والنعمان ووالده مجاهيل وعبد الرحمن ضعيف قد ضعفه يحيى بن معين وغيره.


[الحديث الثالث والعشرون]
وقد جاء في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رخص في الاكتحال للصائم عند الإمام الترمذي عليه رحمة الله تعالى في سننه من حديث أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل أيكتحل الصائم ؟ قال "نعم" وهذا الحديث منكر أيضا ففي إسناده أبو العاتكة وهو طريب بن سلمان وهو ضعيف. وقد روى الترمذي أيضا من حديث محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده ولا يصح أيضا فمحمد بن عبيد الله منكر الحديث كما قال ذلك أبو حاتم وغيره.
وعليه فلا يثبت في النهي ولا بالأمر بالاكتحال في نهار رمضان شيء ويبقى الأمر على أصله إن نفذ إلى الجوف فإنه يكون مفطرا.


[الحديث الرابع والعشرون]
ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفطير الصائم من القيء شيء وقد جاء في هذا حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث عيسى بن يونس عن هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من ذرعه القيء –يعني غلبه- فليس عليه شيء وإن استقاء فليفطر" وهذا الخبر منكر قد أنكره عامة الأئمة من النقاد وغيرهم قد أعله الإمام البخاري والإمام أحمد والترمذي وأبو حاتم والدارقطني وذلك بتفرد عيسى بن يونس به عن هشام، يقول الدارمي "وزعم أهل البصرة أن هشاما قد وهم به" وقال ذلك أيضا إسحاق بن راهويه أن عيسى بن يونس قال قد وهم هشام فيه وبعضهم أعله بتفرد عيسى بن يونس به وهذا الذي عليه أكثر الحفاظ. ولا يثبت عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقضاء اليوم الذي يستقي فيه الإنسان أو ذرعه القيء وأمثل ما جاء في هذا عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أنه قال "من قاء فليفطر" وقد أعله الإمام البخاري وقد روي عن أبي هريرة خلافه - أي خلاف المرفوع وخلاف الموقوف- قد جاء عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى من حديث عمر بن الحكم عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى قال "من قاء لا يفطر إنما الفطر مما دخل لا مما يخرج" وقد احتج بهذا الإمام البخاري عليه رحمة الله تعالى وذلك بروايته له مجزوما به في كتابه الصحيح، والأئمة عليهم رحمة الله تعالى يعلون الخبر المرفوع إذا كان راويه – سواء كان صحابيا أو تابعيا- قد خالف مرويه بفتواه كما ثبت هنا عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى خلافا لما يذهب إليه المتكلمون بإعلالهم بعدم اعتبارهم بمخالفة الراوي لمرويِّه قالوا "والعبرة بما يرويه الراوي لا بما يراه" ولا يرون أن ما يراه لازما لتضعيف المرفوع وهذا فيه نظر بل أن النقاد عليهم رحمة الله تعالى يعلون المرفوع بفتوى الراوي وهذا في الأغلب وقد أعل أبو داود عليه رحمة الله تعالى في كتابه السنن حديثا مرفوعا وهو في البخاري ومسلم لأنه قد روي من حديث عطاء وعطاء قد خالف المرفوع بفتواه وذلك أنه لو صح عنده لقال به ولهذا قال أبو داود عليه رحمة الله تعالى "وأثر عطاء يدل على ضعف حديث أبي هريرة" ويريد بذلك أنه قد خالف فتواه وبه يعلم أن إطلاق هذه القاعدة "العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه" من غير اعبتار للعلة هنا فيه نظر وهو مخالف لمناهج النقاد عليهم رحمة الله وذلك أن الأئمة من الصحابة والتابعين أئمة الإسلام أصحاب ورع وخشية من مخالفة الدليل فحينما يروون خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخالفونه بفتواهم دل على عدم قولهم به إما لضعف أو لصادف عندهم من جهة نسخ وغيره.


وقد شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته في ابتداء الأمر قيام رمضان وحث على ذلك ثم أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يفرض ذلك على أمته وبقي عليه أصحابه عليهم رضوان الله تعالى منفردين حتى جاءت خلافة عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى فجمع الناس فقال كلمته المشهورة عنه "نعمت البدعة ابتدعها عمر" وهذا – أي مسألة القيام وكذلك ما جاء فيه من أحكام لها – فيها كثيرة من المسائل ولكن ينبغي قبل ذلك أن يقرر أمر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما لم يقم بأصحابه قيام رمضان عليه يعلم أنه لا يكاد يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام قيام رمضان جماعة شيء لا من جهة القنوت ولا من جهة رفع اليدين ولا في موضع القنوت ولا من جهة ما يقرأ في صلاة الليل ولا من جهة ختم القرآن في الصلاة وغيرها من المسائل وإنما الحجة في ذلك والاعتبار هو بما جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكون عليه دليل ومما لا يسعبه الدليل، وينبغي قبل ذلك أن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخبار في الصحيحين وغيرهما أن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وفي الخبر الآخر "من قام رمضان إيمانا واحتسبا غفر له ما تقدم من ذنبه"


[الحديث الخامس والعشرون]
أن ما جاء فيه من زيادة وفي غيره من سائر الأخبار "وما تأخر" وزيادة "وما تأخر" زيادة منكرة في كل خبر على الإطلاق إلا في وصف النبي عليه الصلاة والسلام وعليه يقال أن ما جاء فيه الوصف في عمل أو في شخص أنه يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر غير النبي عليه الصلاة والسلام بأن هذه الزيادة زيادة منكرة موضوعة وهذا مطرد بكل حال بلا استثناء إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


[الحديث السادس والعشرون]
ومن جهة رفع اليدين في القنوت لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه في قنوت الوتر بل أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قنت أصلا في صلاة الليل بل الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم ذلك، ولكن جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقنتون، ثبت هذا عن غير واحد كأبي بن كعب وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وروي القنوت عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى جاء منه من حديث أبي رافع عن عمر بن الخطاب وجاء أيضا من حديث عبيد بن عمير عن عمر بن الخطاب وجاء أيضا من حديث أبي عثمان عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى. وعليه يعلم أن القنوت لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والثابت عن الصحابة أنهم كانوا يقنتون في النصف الأخير من رمضان ولا أعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فضلا عن النبي عليه الصلاة والسلام- أنهم قنتوا في النصف الأول من رمضان وهذا هو السنة أما المصلون في رمضان ألا يقنتوا في كل ليلة وأن يقللوا في النصف الأول من رمضان تمسكا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وكذلك الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، الثابت عنهم أنهم كانوا يقنوتون في النصف الأخير من رمضان وهذا ثابت عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما.
وأما موضع القنوت فليس فيه خبر يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم ثبوت القنوت عنه أصلا وقد أنكر الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى القنوت في صلاة الليل قال"وليس عليه الناس" يعني في المدينة ولكن لثبوته عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال به.
وأما رفع اليدين فقد جاء فيه عن عبد الله بن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عباس وكلها ضعيفة، روى الخطيب البغدادي في كتابه التاريخ عن أبي حاتم الرازي الإمام النقاد قال "قال لي أبو زرعة أترفع يديك في الصلاة في القنوت - يعني الوتر-؟ " قال "قلت لا. فقلت أترفع يديك أنت؟" قال "نعم" فقلت "إلى ماذا تذهب ؟" قال "أذهب إلى حديث عبد الله بن مسعود" قال أبو حاتم "فإن فيه ليث بن أبي سليم" فقال أبو زرعة "أذهب إلى حديث أبي هريرة" قال "فقلت له فإن فيه عبد بن لهيعة" قال "فقلت له إلى ماذا تذهب؟" قال "أذهب إلى حديث عبد الله بن عباس" فقال أبو حاتم "فإن فيه عوفا" قال "فسكت" يعني أنه لا يثبت في رفع اليدين عند القنوت شيء لا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – يعني في قنوت الوتر- ، أما في قنوت النازلة فالثابت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن عباس أنهم كانوا يرفعون أيديهم في قنوت النازلة وقد ثبت في المصنف عند ابن أبي شيبة من حديث خلاس بن عمرو عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أنه كان يرفع يديه في قنوت صلاة الفجر للنازلة وهذا –أي ما جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى وعن عبد الله بن عباس – أمثل ما جاء، وقد ذهب غير واحد من العلماء من السلف إلى أن رفع اليدين في القنوت –أعني قنوت الوتر ليس النازلة – أنه محدث نص على ذلك محمد بن شهاب الزهري قال "إن رفع اليدين في القنوت محدث" وقال سعيد بن المسيب وقد أدرك ثلاثة من الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي "إن مما أحدث الناس رفع اليدين في الدعاء" يعني في القنوت، ولكن يقال أن قنوت النازلة لا يبعد عن قنوت الوتر ولكن ما ذهب إليه أبو حاتم الرازي ومن وافقهم من الأئمة إلى أنه لا يثبت في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك عن الصحابة وقد قال أبو زرعة لأبي حاتم "وإلى ماذا تذهب أنت بعدم الرفع؟" قال "أذهب إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء" ولكن إذا فعله الإنسان هذا أو فعل هذا فإنه لا حرج عليه.


[الحديث السابع والعشرون]
ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ختم القرآن في صلاة القيام أو التراويح شيء ولا كذلك عن أحد من أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله تعالى، وما روى أبو نعيم في كتابه الحلية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "عند كل ختمة دعوة مستجابة" فإن هذا في إسناده يحيى بن هاشم وهو متروك الحديث فالخبر لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يروى عن عثمان بن عفان عليه رضوان الله تعالى فليس له إسناد يعتمد عليه. وعليه يقال أن النبي عليه الصلاة والسلام كان جبريل يأتيه ويدارسه القرآن – يعني كاملا – في رمضان وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على القرآن كاملا ولكن مسألتنا هنا في ختم القرآن في الصلاة ولهذا قال الإمام مالك عليه رحمة الله كما نقله عنه بعض الفقهاء المالكية في العتبية "الختم ليس سنة للقيام" يعني أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه وعليه لو ختم الإنسان من غير قصد فإنه لا شيء عليه، وإن قصد الاتباع فيقال أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك والأولى عدم القصد وإنما يقرأ الإمام ويطيل في صلاته فإن ختم فحسب وإلا فلا حرج في ذلك ولهذا الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى سئل عن ذلك "إلى ماذا تذهب ؟" يعني في ختم القرآن قال "كان أهل مكة يفعلونه" وكان معهم سفيان بن عيينة ولو كان عند الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى دليل يعتبر عليه أعلى مما يعمله أهل مكة وكذلك سفيان بن عيينة لاعتمد عليه وما جاء عن عثمان بن عفان فيما نقله العباس بن عبد العظيم عن عثمان بن عفان عليه رضوان الله تعالى في الختم فلا يثبت وليس له إسناد ولا أظنه يصح عنه عليه رضوان الله تعالى ولو كان كذلك لنقل عنه واشتهر ولو كان ثابتا كذلك عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى لنقله ونص عليه.


[الحديث الثامن والعشرون]
ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر معين – ولا عن أحد من أصحابه – في طول القنوت في رمضان فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يثبت عنه القنوت أصلا والصحابة لم يثبت عنهم في ذلك شيء بقدره، وأعلى ما جاء في ذلك عن إبراهيم النخعي قال في قدر القنوت "قدر {إذا السماء انشقت} {والسماء ذات البروج}" وقد سئل الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى عن قول إبراهيم النخعي هذا قال "يعجبني أن يزيد" يعني يطيل في ذلك وعليه يعلم أن ما يصنعه كثير من الأئمة من الإطالة بالقنوت نصف ساعة، ساعة إلا ربع في بعض الأحيان أو أربعين دقيقة أن هذا ليس عليه السنة ولا قريب من السنة أيضا وإنما القنوت هو بقدر {إذا السماء انشقت} {والسماء ذات البروج} وقدرها هذه نحو من خمس دقائق إلى عشر دقائق وقول الإمام أحمد "يعجبني أن يزيد" أي يزيد يسيرا إلى خمسة عشر دقيقة ونحو ذلك وما زاد عن ذلك فيما يظهر لي أنه مبالغة وخروج عن مقصد الدعاء وهو أن يدعو الإنسان بجوامع الكلم بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


[الحديث التاسع والعشرون]
ولا فرق من جهة التهيؤ وكذلك التنظف بأيام رمضان كلها ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل للعشر وإنما روي هذا عند ابن أبي عاصم عن علي بن أبي طالب وحذيفة بن اليمان ولا يصح عنهم وإنما جاء عن غير واحد من السلف روي عن أنس بن مالك وفيه نظر وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يلبس أحسن ثيابه ويغتسل للعشر إذا دخل في العشر وجاء هذا أيضا عن ثابت البناني وحميد الطويل أنهما كانا يلبسان أحسن ثيابهما في اليلة التي يتحرى ويغلب الظن على أنها ليلة القدر وأما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه عليهم رضوان الله تعالى فلا يثبت في ذلك شيء .


[الحديث الثلاثون]
وكذلك أيضا فإن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفطير الصائم بخروج المذي أو بخروج الدم فلا يصح في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذا إما واه أو موضوع. وعليه يقال أن خروج ذلك لا يفطر الصائم إلا إذا كان يخشى الضعف فإنه حينئذ لا حرج عليه أن يفطر إذا خرج منه على سبيل الإكراه.


[الحديث الحادي والثلاثون]
وأما في مسائل السواك في نهار رمضان فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نهي لا في أول النهار ولا في آخره والسواك على السواء في نهار رمضان وأما ما جاء "استاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره" فإنه خبر منكر لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في ما يخالفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصراحة ولا يصح في هذا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ومن ذلك أيضا أنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرص على شيء من أعمال البر بذاتها سوى الصلاة وقراءة القرآن وإنما جاء الفضل على وجه العموم بأعمال البر وهذا ما يتعلق في مسائل صيام رمضان وأما الصيام من جهة النوافل فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك جملة من الأخبار مما هو معلول
[الحديث الثاني والثلاثون]
من ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حث على صيام عشر ذي الحجة: فقد روى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث هنيدة بن خالد جاء في رواية عن أمه وجاء في رواية عن زوجته -وهنيدة مجهولة- أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم العشر وهذا الخبر لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء عند الترمذي في سننه من حديث مسعود بن واصب عن نحاس عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "صيام أيام ذي العشر اليوم يعدل سنة" وهو خبر منكر : رواية قتادة عن سعيد بن المسيب منكرة كما نص على ذلك الإمام أحمد وكذلك البرديجي وغيرهما. وأما ما جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى – ما رواه من حديث الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صام العشر قط، الحديث رواه الإمام مسلم لكن قد أعله الدارقطني بالإرسال فرواه سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود مرسلا ورواه سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم مرسلا من غير ذلك الأسود ومال إلى تصويب الإرسال الإمام الدارقطني عليه رحمة الله تعالى وأكثر أصحاب الأعمش يروونه عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عليها رضوان الله تعالى وهذا أصح. لكن يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يثبت عنه أنه صام إلا أن صيام العشر سنة بالاتفاق ويستثنى من ذلك اليوم العاشر وهو العيد فإنه لا يصام، والغريب أن بعض المتفقهة أو بعض أنصاف المتعلمة من يقول أن صيام العشر ليس بسنة وذلك أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيحين "ما من أيام العمل فيهن أعظم وأحب إلى الله من أيام العشر" يعني عشر ذي الحجة وهذا على وجه العموم في أي عمل من أعمال البر بل أن صيام العشر مستحب باتفاق العلماء حكى اتفاق العلماء ابن مفلح وهو قول واحد في مذهب الإمام أحمد كما نص عليه في صاحب كتاب الإنصاف قال "وبالإجماع" يعني يستحب صيام العشر وقد ثبت ذلك عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى كما جاء في المصنف من حديث عبد الله بن عن أبي هريرة أنه سئل عن رجل يكون عليه القضاء من رمضان أيصوم العشر يعني قبلها قال "يقضي ما عليه من قضاء ثم يصوم" وهذا يدل على أنهم كانوا يصومون العشر، كذلك عن سعيد بن المسيب وقد علقه الإمام البخاري في الصحيح وقد جاء هذا أيضا عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير كما رواه ابن أبي شيبة وغيره من حديث حماد عنهما بإسناد صحيح وهذا الذي عليه الأئمة عليهم رحمة الله تعالى وقد ترجموا على ذلك وقد ترجم أبو داود في كتابه السنن فقال "باب صوم العشر" وترجم لذلك الإمام النسائي وكذلك ابن خزيمة وابن حبان على صيام العشر ومن قال بعدم الصيام فقد خالف الإجماع وإنما أوردنا هذا لأن ثمة من قال أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيام وعليه ليس على السنة وهذا قول بعيد لا يعول عليه فعدم الثبوت بخصوص العمل ليس دليلا على العدم فقد دل الدليل على عموم الفضل لسائر الأعمال على وجه العموم فيقال أن ذلك ثابت.


[الحديث الثالث والثلاثون]
وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن صيام يوم عرفة فهو خبر منكر قد رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن جده –وهو ضعيف- أن النبي نهى عن صيام يوم عرفة. لكن جمهور العلماء على أنه يوم دعاء وعبادة ولكي لا يتكاسل الإنسان عن إقامة الطاعات أما في ما عدا ذلك فالخبر ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني صيام يوم عرفة.


[الحديث الرابع والثلاثون]
وأما صيام يوم الخميس فقد جاء في صحيح الإمام مسلم حديث شعبة بن الحجاج عن غيلان عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة في صيام يوم الاثنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه" يعني يوم الاثنين فذكر الخميس فيه غير محفوظ كما نص عليه شعبة بن الحجاج في صحيح الإمام مسلم وقد مال إلى إعلاله الإمام مسلم حينما قال "قال شعبة يعني الخميس "ولا أراه إلا وهما"" يعني في هذا الخبر، وقد روي صيام يوم الخميس من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "تعرض الأعمال على الله كل يوم اثنين وخميس وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" هذا خبر مشهور لكن ذكر "وأنا أحب أن يعرض عملي وأنا صائم" غير محفوظ بل هو شاذ قد رواه مالك بن أنس ومعمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الأعمال تعرض على الله كل اثنين وخميس" فقط وأما "وأنا أحب أن يعرض عملي وأنا صائم" فهذا غير محفوظ، وقد جاء من حديث حفصة وأنس بن مالك وغير ذلك ولا يصح فيه شيء ولكن عليه عمل السلف فعدم الثبوت لا يدل على عدم العمل والعمل معتبر. وقد ذكر في الخلاف في صيامه الحافظ ابن رجب عليه رحمة الله تعالى وذكر أن جمهور العلماء على استحباب صيامه وذهب قلة إلى عدم الاستحباب.
ولا حرج على الإنسان أن يتابع صيام يوم الخميس ولو صام كثيرا وترك بعض الأحيان فهو الأولى لعدم ثبوته صراحة عن رسول الله صلى الله عليه سلم، ولو داود عليه باعتبار عمل السلف فإنه لا حرج فهو متبع ولو ترك في بعض الأحيان تأسيا بعدم ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من جهة الفعل ولا من جهة القول فإن هذا حري بالصواب.


[الحديث الخامس والثلاثون]
وأما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم السبت في قوله عليه الصلاة والسلام "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" فهذا الخبر يرويه ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن الصماء وهذا الخبر خبر منكر ومعلول إسنادا ومتنا، هذا الحديث قد وقع في إسناده اضطراب شديد ووهم وغلط فتارة يقال حديث عبد الله بن مسلم مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارة عن أمه وتارة عن أخته وتارة عن عمته ولهذا أنكره عامة الحفاظ: أنكره الإمام أحمد وأنكره أبو حاتم والترمذي بل قال الإمام مالك "هذا كذب" وقال أبو داود "هذا خبر منسوخ" ولا أعلم من سبق أبا داود عليه رحمة الله تعالى إلى القول بالنسخ وكل من صنف في الناسخ والمنسوخ لم يذكروا ذلك من المنسوخ لا ابن شاهين ولا الأثرم ولا الإمام أحمد ولا الحازمي ولا غيرهم نصوا على نسخه ولا كذلك ممن جاء بعده ممن كان قريبا منه في العقود القريبة من أبي داود، ولهذا قد تكلم الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله تعالى في تأويل كلام أبي داود أنه منسوخ فلعله أراد أن العمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صيام يوم السبت سواء يوم الجمعة يوم قبله أو بعده أو صوم يوم وترك يوم وثلاثة أيام من كل شهر ونحو ذلك أن هذا يكون له كالناسخ وهذا محتمل ولهذا قال الأوزاعي "لا زلت أكتمه حتى اشتهر" يعني هذا الحديث لعدم ثبوته خشية أن يعمل به الناس. وأما نكارة المتن فإن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة صيام يوم وإفطار يوم وهو خير الصيام صيام داود عليه الصلاة والسلام وقطعا سيصادف سبتا وسيعرض له ومع هذا ما نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بمثل هذا الإسناد ولا يمكن أن تقوم به حجة، كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان حتى يقال لا يفطر وهذا قطعا يدخل فيه ما جاء من سبت، كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دخل على بعض أزواجه وكانت صائمة يوم الجمعة فقال "أصمت أمس؟" قالت "لا" قال "أتصومين غدا" قالت "لا" قال "إذن فأطري" ولا شك أنها تصوم نافلة وإن لم يكن نافلة فالنهي هنا عن إفراد الجمعة لا أن يقرن معه قبله بصيام أو بعده بصيام وهذا يدل على نكارة متنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه يقال أن صيام السبت كسائر الأيام ولم يثبت فيه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


[الحديث السادس والثلاثون]
وأما صيام الأربعاء فقد جاء فيه جملة من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاثة أخبار أو أكثر من ذلك وكلها واهية.


[الحديث السابع والثلاثون]
وأما صيام الثالث عشر الرابع عشر والخامس عشر وهي أيام البيض فهذا قد جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة من الأخبار في السنن وغيرها ويقال –تفصيل ذلك- أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أما تحديدها في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فغير محفوظ وإنما هو ثابت عن بعض الصحابة جزم به الإمام البخاري عليه رحمة الله تعالى فقال "باب صيام أيام البيض" ثم أورد فيه ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فحث على ذلك عليه الصلاة والسلام وحمل ذلك البخاري على أن المراد بذلك الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر إلا أنه ليس بمحفوظ من جهة الثبوت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحديد هذه الأيام فمن صام في أول الشهر أو في أوسطه أو في آخره فقد تحقق له الفضل.


[الحديث الثامن والثلاثون]
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام الصيام لمن شهد رمضان حال إقامته وسافر لا يثبت في ذلك شيء وإنما الثابت عن جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى وروي في ذلك عن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف أنهما كانا يلزمان بالإتمام وروي عن عائشة عليها رضوان الله تعالى التأكيد على ذلك وفي صراحته نظر لكنه ليس بصريح فإنها تحب الإقامة وتكره السفر في نهار رمضان وأما عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى فإنه كان يأمر بالصيام وأما من جهة الأمر بالصيام وكذلك في الصفر لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء وإنما الثابت عن غير واحد من الصحابة، ثبت عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى وثبت كذلك عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى بقوله "ما أراه إلا واجبا" وكذلك في قصة أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى في الرجل الذي لا يفطر حال سفره فقال "لو مات ما صليت عليه" فكأنه يميل إلى الوجوب وفي نقل الوجوب بهذا فيه نظر وذلك أنه ليس بصريح لعله أراد إن مات وأهلك نفسه وقد رخص له الشارع أنه يكون قد قتل نفسه ولا يرخص له في ذلك فيقول "قد أثم بقتله لنفسه" فإن الصيام في حال السفر مستحب وتقدم في غير هذا الموضع أن قول الله سبحانه وتعالى –وهو الذي يحتج به هذا القول- {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} أن هذه الآية منسوخة كما نص على ذلك عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى.


فوائد من أسئلة الدرس الأول
س : حديث ابن عمر موقوفا "من لم يبيت النية قبل الفجر فلا صيام له" ألا يكون في حكم المرفوع ؟
ج : لا، وذلك أن الصحابة عليهم رضوان الله تعالى قد يجتهدون في بعض المسائل ويحملون على أصل، النبي عليه الصلاة والسلام يقول "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" قد يجتهد الإنسان فيقول "لا عمل للإنسان" أو "لا صدقة للإنسان" فيجتهد فيكون من قوله ويحمله على قول النبي عليه الصلاة والسلام ولهذا قد وجد كثير من الأحكام التي تروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزمون بها الأصل فيها التشريع وتكون مخالفة لكلام النبي عليه الصلاة والسلام يحمل لهم الاعتذار بأنهم تأولوا واجتهدوا أو لم يبلغهم الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمل كلام النبي عليه الصلاة والسلام لا شك أنه على الأخذ والاعتبار ولزوم العمل.


فوائد من أسئلة الدرس الثاني
أمثل ما جاء في الدعاء عند الإفطار عن الربيع بن خثيم كما ذكره ابن فضيل كما في كتابه الدعوات أنه كان يدعو عند فطره. وقد ذكر الحافظ ابن كثير في التفسير عند قول الله عز وجل {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجبي دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} "وفي هذا –أي ذكر الدعاء- بعد أن فرض الله عز وجل الصيام وأمر بالإمساك ذكر الدعاء يشير إلى أنه عند الإفطار وفي هذا لطيفة على أنه يستحب الدعاء عند الفطر" وهذا استنباط فلو دعا الإنسان حال فطره لا شيء عليه وهو من مواضع الرحمة فإنه يتعبد بالفطر كما يتعبد بالصيام.