الإسلام دين سماحة , وقد حث عليها القرآن الكريم بألفاظ شتى تدل عليها : الرحمة, العفو, الصفح, الغفران,كما أن الرسول محمد عندما سئل أي الأديان أحب إلى الله,قال : الحنفية السمحة. وقوله عز وجل : * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين* . وقد وجه الله تعالى رسوله محمد في التعامل مع أصحابه بالعفو والاستغفار لهم والتشاور معهم, مصداقا لقوله تعالى :* خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين* , وقوله أيضا :*فبما رحمة من الله نلت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر* .فقد دعا القرآن الكريم نبيه محمد بأن يقابل السيئة بالحسنة,* ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* , ولم يقتصر هذا التوجيه على النبي )ص(,وإنما أمر أن يبلغه للمؤمنين* قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون* .
ويقدم هذا التوجيه في صيغة التحبيب والترغيب بل يصل إلى حد العفو عن القاتل, والاكتفاء بالدية وعدم أخذ الثار, مصداقا لقوله تعالى :* فمن عفا وأصلح فأجره على الله* ,*فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان,ذلك تخفيف من ربكم ورحمة* , وقد أكد النبي محمد قيمة السماحة وما يرتبط بها من رحمة ورفق وسهولة المعاملة, في أحاديث كثيرة منها :* إن من لا يرحم الناس لا يرحمه الله* ,* الراحمون يرحمهم الله,ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء* .ولم تقتصر السنة النبوية على القول بل تعدت إلى الفعل بهذه التوجيهات, وذلك ماحدث للرسول مع مشركي مكة بعد الفتح, قال : يا أهل مكة ما ترون إني فاعل بكم؟قالوا: خيرا أخ كريم ابن أخ كريم, قال : اذهبوا فأنتم طلقاء*.
كما سار على هذا النهج الخلفاء الراشدين,حيث أعطى عمر بن الخطاب لأهل إيلياء:* أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم, وسقيمها, وبرئها, وسائر ملتها,إنه لا تسكن كنائس ولا تهدم, ولا ينقص منها ولا من حيزها, ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم, ولا يكرهون على دينهم, ولا يضار أحد منهم*.واليوم اخذ الحديث عن التسامح يكثر بشدة بتزايد ظاهرة الإرهاب فكان لا بد من إظهارها وإبرازها باعتبار السماحة قيمة حضارية كبرى لتعدد الثقافات,وما تقتضيه الحياة المعاصرة من التعايش والتساكن بين شعوب العالم داخل منظومة موحدة غطاؤها الذي يحتويها راية الإنسانية, فبقدر ما أن هذه السماحة تعطي الطمأنينة والأمان في نفس الإنسان بقد رما هي قيمة حضارية وقانون بشري يكاد يكون عاما, فقد جعل الله سنة في خلق الاختلاف والتغيير, مع الإصلاح والتقدم,في واقع مملوء بتناقضات عدة خاصة عندما يوجد الاختلاف في مقابل الرفض له وعدم القبول به, والإسلام لم ينس هذا, ولم يعرض عنه بل أخذه على لينة في الخطاب والإقناع لا الجهل ومثالية التطبيق, من خلال تخفيف حدة الصراع الممكن أن يقوم أو القائم بالفعل,فقد دعا إلى :
أولا : التنافس, * وفي ذلك فليتنافس المتنافسون* , والفرق بين التنافس والصراع, الأول يقتضي التسابق والتغالب في الخير, بينما الثاني القائم على التعارض بين قوتين يحاول كل منهما أن يلغي الآخر ويحل محله.
ثانيا : التعاطف والتعاون, حيث جعلهما القاعدة الأساسية ومبدأ التراحم والتآخي, وهذا لايعني عدم وجود الاختلاف في الرأي,بل يعني قبوله حين يوجد طالما أن الأصلح هو الذي يسود في نهاية الأمر.
فدعا إلى الإصلاح بذات البين حيث ما يحدث الصراع, * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم* ،،
ثالثا: النهي عن الغلو
لقد نهى الرسول عن التشدد والغلو والتنطع للحديث الشريف:* هلك المتنطعون*,وهم الذين يتمسكون بالشكليات والجزئيات والمسائل الخلافية,ويثيرون الجدل حولها, وينشروها على الناس ويهيمونهم أنها أساس الدين.
وأن الله عز وجل لا يقصد من الدين إلى الشدة والصعوبة والتعجيز, لكنه قصد اليسر والسهولة بحيث* لا يكلف الله نفسا إلا وسعها* , كما أنه عز وجل لا يحاسب على النسيان والسهو * وما جعل عليكم في الدين من حرج * . وقد حث الرسول عن عدم الغلو في الدين للحديث النبوي الشريف : * إياكم والغلو في الدين , فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين*, وقوله أيضا: * في حديثه أن الإسلام دين يسر قال : * إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه, فسددوا وقاربوا وأبشروا*, وهذا الحديث يبين الإسلام وسهولته, ويدعو إلى عدم الغلو فيه بلا إفراط ولا تفريط.
اخوكم/ بن بريم المقاطي
آخر تعديل ابن بريم المقاطي يوم 06-Jul-2008 في 10:32 AM.