عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 26-Apr-2008, 07:45 PM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عبدالله الجريسي

رابطة محبي الهيلا


الصورة الرمزية عبدالله الجريسي

إحصائية العضو





التوقيت


عبدالله الجريسي غير متواجد حالياً

افتراضي

سراقة وأم معبد





سمع سراقة بن مالك المدلجي ، بما أعلنته قريش ، عن منح مائة لمن يأتي بمحمد أو يدل عليه ، فطمع أن تكون هذه الجائزة من نصيبه ، فما كان منه إلا أن جهز راحلته ، وانطلق إثر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما رآه ودنا منه ، عثرت به فرسه فسقط عنها ، ثم عاد فركبها ، وحاول أن يتقدم نحوه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فجمحت {1} الفرس ، وانغرزت يداها في الرمال ، فإذا ما وجهها نحو مكة أخذت تعدو مسرعة ن فإذا أعادها نحو رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، امتنعت عن التقدم وعرف سراقة عند ذلك ، أن الله سبحانه وتعالى ، مانع نبيه ، صلى الله عليه وآله وسلم منه ، فناداهم بقوله : أنا سراقة بن مالك ن انظروني أكلمكم ، فو الله لن أؤذيكم ن ولن تجدوا مني شيئا تكرهوه ، سوى أني أريد كتابا يكون آية {2} بيني وبين محمد ن فكان له ما أراد . فأخذه وانطلق إلى مكة دون أن يخبر أحدا ، إلى أن فتحت مكة ، عندما تقدم سراقة من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، والكتاب في يده ، ثم أعلن إسلامه ، فبشره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بأنه سيضع سوارى كسرى في يديه ، فكان ذلك أيام الفتوحات ، بعد وفاة الرسول الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم . تابع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مسيرة مع صاحبه أبي بكر ن رضي الله عنه ، إلى أن وصلوا إلى خيمة تسكنها امرأة مع زوجها تدعى : عاتكة بنت خلف المعروفة باسم أم معبد الخزاعية . فنزلوا عندها ضيوفا ، ليخففوا عنهم بعض عناء السفر ، ورأى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، شاة هزيلة ، فطلب من أم معبد بعض اللبن {3} ، فقالت أم معبد : والله ما بها قطرة لبن واحدة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ " فقالت : إن كان بها لبن فاحلبها ، فأمسك رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الشاة فمسحها وذكر اسم الله ، ثم مسح ضرعها وذكر اسم الله ، ثم حلبها فملأت إناء كبيرا ، فشربت أم معبد وشرب أصحابه حتى ارتووا ، ثم شرب أخرهم ، وقال : " ساقي القوم أخرهم " ثم حلب الشاة ثانية حتى امتلأ الإناء فتركه عندها ، وغادروا المكان يتابعون مسيرهم ، فأقبل زوج أم معبد بعد رحيلهم ، ورأى إناء اللبن فعجب وسألها عنه . فقالت : مر بي رجل مبارك ، ظاهر الوضاءة ، حسن الخلق مليح الوجه ، فقال زوجها : والله إني لأحسبه صاحب قريش الذي تطلب




الوصول إلى المدينة


علم أهل المدينة المنورة ، بخروج رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إليهم مهاجرا ، فكانوا يخرجون من الصباح ولا يعودون حتى المساء ، وهم يتطلعون وصول أشرف خلق الله وأحبهم إليه ، بلهفة شديدة إلى رؤية طلعته البهية ، وعند ظهيرة يوم قائظ {4} ، لاح النور الذي أضاءت له الدنيا ، فانفرجت أسارير الأنصار وهرعوا ، حيث استقبلوه استقبالا يليق بمن نذر نفسه من أجل هداية قومه وانتشالهم من مستنقع الجهالة والعمى ، وهم يرددون هذا النشيد الخالد

طلـع البدر علينـــا من ثنيات الـــوداع
وجب الشكر علينـــا مادعا لله داع
أيها المبعوث فينـــا جئت بالأمر المطـاع
جئت شرفت المدينــة مرحبا يا خــير داع


وقد وصل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة يوم الاثنين وفي الخامس عشر من ربيع الأول عام ثلاثة عشر من البعثة النبوية ، وكان له من العمر ثلاث وخمسون سنة





نزول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دار أبي أيوب الأنصاري




توجه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بعد قباء ، إلى المدينة المنورة ، فأدركته الجمعة في وادي بني سالم بن عوف ، فصلاها بهم ، وخطب فيهم أول خطبة له ، ثم وبه انتهائه من صلاة الجمعة ، ركب ناقته وتابع سيره ، وكان كلما مر بحي من أحياء الأنصار ، طلب منه أهلها النزول والمقام عندهم . فقد جاءه رجال من بني سالم بن عوف ، وقالوا : يا رسول الله ، أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة {1} " فانطلقت الناقة حتى تلقاه رجال من بني بياضة . فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة " . فانطلقت ، إلى أن مرت بدار بني ساعدة ، فاعترضه سعد بن عبادة وغيره من رجال بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله ، هلم إلينا ، إلى العدد والعدة والمنعة ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " خلو سبيلها ، فإنها مأمورة " . كذلك دعاه غير هؤلاء إلى الإقامة عندهم ، وكان يقول لهم مثلما قال لغيرهم ، إلى أن أتت الناقة دار بني مالك بن النجار ، فبركت على مبرد {2} يملكه غلامان يتيمان من بني النجار حتى استقرت في هذا المكان ، عندئذ نزل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فحمل أبو أيوب واسمه خالد بن زيد ، رحله ، فوضعه في بيته ، ونزل عليه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم سأل عن المبرد لمن ؟ فقال له معاذ بن عفراء : هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابن عمرة ، وهما يتيمان . فأمر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يبني في المربد مسجد ، وذلك بعد أرضى صاحبيه اليتيمين ، وساهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بنفسه في بناء المسجد ، ليرغب المسلمين في العمل ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار حتى أتموا بناءه . عندئذ انتقل ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مساكنه التي كان بعضها مبنيا بالطين ، وبعضها مبنيا بالحجارة ، وكلها كانت مسقوفة بالجريد {3} أما سريره فقد كان من الخشب المشدود بالليف




حب رسول الله الأنصار


كان الأنصار يحبون رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يحبهم ، حتى كان صغارهم يضربون بالدفوف {4} ، فلما سألهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عن سبب فعلهم هذا ، قالوا : لحبنا لك يا رسول الله . فقال لهم : " وأنا والله أحبكم " . وقال : " خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث ، ثم بنو ساعدة ، وفي كل دور الأنصار خير " . وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، في الأنصار : " لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم " . وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مادحا الأنصار : " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ، فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله " . وقال : " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار " وقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار " . وقد أنزل الله سبحانه وتعالى آياته الكريمة في الثناء على الأنصار إذ يقول عز وجل

والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم 5






المدينة المنورة




جعل الله سبحانه وتعالى لكل نبي حراما يأوي إليه ، وقد جعل الله تعالى لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة حرما آمنا ، مدينة اشتعلت نورا وضياء يوم دخلها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، مهاجرا إليها ، وجعل فيها من البركة أضعاف ما جعل في مكة المكرمة ، فالمدينة سيدة البلدان ، وهي دار الهجرة والسنة ، وهي دار الإيمان ، حرسها الله سبحانه وتعالى بالملائكة الكرام فلا تدخلها الخبائث ، فهي تنفي عن نفسها الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد . ولمدينة رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أسماء عديدة مما يدل على زيادة شرفها وفضلها فمن أسمائها : المدينة ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عند دخولها . فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم: " أمرت {1} بقرية تأكل القرى {2} ن يقولون يثرب ن وهي المدينة ، تنفي الخبث ، كما ينفي الكير خبث الحديد " . ومن أسائها طيبة وطابة وسميت كذلك لطهارة تربتها ، وقد سماها بهذا الاسم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بقوله : " هذه طابة ، وهذا أحد وهو جبل يحبنا ونحبه " . ومن أسمائها الأخرى : البحرة ، والدرع الحصينة ودار الهجرة وذات النخل ودار الإيمان والقرية والمحفوظة وغيرها من الأسماء . أما اسمها قبل مجيء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم فهو : يثرب وهو اسم مستقج ، لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة ، أو من الثرب ، وهو الفساد ، لذلك نهى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، عن إطلاق هذا الاسم على المدينة المنورة ، فعن البراء بن عازب ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : " من سمى المدينة يثرب ، فليستغفر الله عز وجل ن هي طابة ، هي طابة " . أما ورودها في القرآن الكريم باسم يثرب ، فهو من قول المنافقين ، وذلك كما في قوله

وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا 3

وتقع المدينة المنورة في سهل خصب ، يحيط بها النخيل والمزروعات ، التي تسقى من الآبار ذات المياه الغزيرة ، وأعذب المياه هناك ، مياه أبار العتيق ، أما المسجد النبوي فيقع في وسطها ، وقبر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، شرقي المسجد ، وإلى جانب قبره قبر أبي بكر وعمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، وكان يسكن المدينة بعض اليهود الذين هاجروا إليها من فلسطين وأشهرهم : بنو النضير ، وبنو قريظة ، وبنو قينقاع ، الذين أقاموا فيها أقاموا فيها الحصون والقصور ، وعملوا مع أهل الحجاز في التجارة على ربا يأخذوه منهم ، أما يهود خيبر وتيماء ووادي القرى ، فإنهم هاجروا من بلاد اليمن ، فبنوا أيضا القلاع والحصون ، أما الأوس والخزرج فهما من أسرة واحدة ، فارقت الغساسنة والناذرة ، بعد خراب سد مأرب ، ونزلت مدينة يثرب ، ثم اختلطت هذه الأسرة مع اليهود ، وتعاملوا معهم وتحالفوا ، إلى أن من الله سبحانه وتعالى عليهم بالإسلام ، بعد أن دبت الخلافات فيما بينهم ، وثارت المعارك ، وكان آخر حروبهم يوم بعاث ، وكان اليهود دور كبير في إشعال نار الفتنة بين أولاد العم ، حتى ملوا الحرب والقتال وتنادى الطرفان لوقف القتال وإعلان الصلح ، واتفقا على تتويج عبد الله بن أبي ملكا عليهم وذلك قبيل دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، المدينة المنورة ، ولكن التتويج لم يحصل ، مما أثار حقد وغضب عبد الله بن أبي ، على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي منع تتويجه ، فدخل في الإسلام كارها حاسدا ، حاملا الحقد والبغي للمسلمين ، يكيد لهم المؤامرات ، ويسعى للفتنة فيما بينهم حتى لقب برأس المنافقين ، كما ابتلى الله المسلمين في مكة بالمشركين ، كذلك ابتلاهم في المدينة باليهود ، الذين كانوا على خلاف دائم مع العرب ، والذين كانوا يهددونهم بقرب ظهور بنبي جديد ، يؤمنون به ، حيث إنهم كانوا أهل كتاب ، والعرب وثنيون ، فلما جاء رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى المدينة كفروا به ولم يؤمنوا برسالته حسدا وبغيا ، فكيف تكون الرسالة في ولد إسماعيل عليه السلام ؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى في حقهم

وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين 4

ولكن الأوضاع في المدينة انقلبت رأسا على عقب ، بعد دخول رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، واتشار الإسلام فيها ودخول الأوس والخزرج في الإسلام والذي وحد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، اسمها ولقبها بالأنصار ، فانتشر الأمن والأمان ، وتآخى المهاجرون والأنصار ، وبدأ عهد جديد ، قويت فيه شوكة الإسلام ، وأقام رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، الدعائم المتينة لبدء انطلاق الإسلام وانتشاره في كافة أنحاء الجزيرة العربية ، حتى إن بعض اليهود دخلوا في الإسلام ومن أشهرهم عبد الله بن سلام القينقاعي ، الذي هب إليه مسرعا ، عندما سمع بمقدمه إلى المدينة وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وكانت وفود المسلمين تتتالى من مكة هاربة بدينها سرا ، لتلحق رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جملة هؤلاء الذين لحقوا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ابنتاه: فاطمة الزهراء وأم كلثوم ، رضي الله عنهما وزوجتاه : سودة بنت زمعة وعائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، وأمها أم رومان وآل أبي بكر ومعهم أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قد بعث زيد بن حارثة وأبا رافع ، ليأتيا بهم من مكة ، والذين غادروها ليلا خشية المشركين





مشروعية الآذان


لما اطمأن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بالمدينة واجتمع أمر الأنصار ، استحكم أمر الإسلام ، فقامت الصلاة ، وفرضت الزكاة والصيام ، وقامت الحدود {5} ، وعرف الحلال والحرام ، وتمكن الإسلام في قلوبهم وقد كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قدم المدينة ، يجتمع إليه الناس للصلاة لحين مواقيتها ، بغير دعوة ، فأراد النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أن يجمعهم بعلامة تكون لهم ، فأشار بعضهم عليه أن يتخذ البوق فكرة ، وأشار آخرون بالناقوس فكرهه أيضا ، وأشار غيرهم برفع راية أو بإشعال النيران ، فكره هذه أيضا لأنها لا تفيد النائم أو الجالس في بيته ، فبينما المسلمون على ذلك في حيرة من أمرهم ، إذ أتى عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله ، مر بي رجل وأنا نائم عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده فقلت له : يا عبد الله ، أتبيع هذا الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ فقال : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فلما سمع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إنها لؤيا حق ، إن شاء الله " ثم أمره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أن يقوم بلال الحبشي ، ليؤذن بها ، لأن بلالا رضي الله عنه ، كان أجمل صوتا من عبد الله بن زيد ، وكان لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : مؤذنان وهما: بلال الحبشي ، وعبد الله بن أم مكتوم الفهري القرشي ، وكان بلال يزيد في أذان الفجر بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ، فأقره رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك ، وأمر عليه الصلاة والسلام بأذانين في شهر رمضان ، الأول لإيقاظ النائمين ، وتذكير الغافلين ، والثاني لدخول الوقت وأداء الصلاة بعده






المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار


ترك المهاجرون مكة المكرمة فرارا بدينهم وهربا من العذاب الذي لحق بهم ، بعد أن خلفوا كل شيء وراءهم ، فقد تركوا أموالهم ، بل ومنهم من افتدى نفسه بالمال ، وتركوا أهليهم ، وانتقلوا إلى مكان غريبين عنه ، فنظر رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ورأى ما أحل بأصحابه من الكآبة والحزن ، وما أصيبوا من وحشة ووحدة ، فهم قد نزلوا ضيوفا على الأنصار ، فإلى متى يحلون ضيوفا عندهم ؟ ولهذا كله ، فقد جمع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، أصحابه من المهاجرين والأنصار ، في بيت أبي طلحة الخزرجي ، وآخى بينهم ، لتذهب عنهم وحشة الغربة وليؤنسهم عن مفارقة الأهل والوطن والعشيرة ، ويشد بعضهم أزر بعض ويتوارثون بعد الممات دون الأرحام ، وبهذا وصل الرسول الكريم ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى مجتمع متعاون متكافل متضامن ، تسوده المحبة والأثرة ، وتنتفي منه الضغينة والأنانية ، هذا وقد آخى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بين أبي بكر رضي الله عنه ، وخارجة بن زيد ن فأصبحا أخوين ، وبين عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وأوس ابن ثابت ، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك ، وبين الزبير بن العوام وسلمة بن سلامة ، وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب ، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وأبي طلحة الأنصاري ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب ، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة ، وبين جعفر بن أبي طالب وهو بالحبشة وبين معاذ بن جبل ، وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان ، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وغيرهم ، ثم دخل علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ،فقال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ؟ فأخذ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بيده ، وقال له : " أنت أخي في الدنيا والآخرة " . وقد رضي الأنصار عن قناعة وإطمئنان ، بما فعل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فأكرموا المهاجرين إكراما عظيما ، حيث آثروهم على أنفسهم ، وضربوا بذلك أروع الأمثلة في التضحية والإيثار فهم قد رفضوا أن يشاركوا المهاجرين في الغنائم ، عندما عرض عليهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ،أن يقسموا للمهاجرين في دورهم وأموالهم لهم ، ويقسم الغنائم بين الجانبين بالتساوي ، أو تبقى دور الأنصار وأموالهم لهم ، ويعطي الغنائم للمهاجرين . فما كان رضهم رضي الله عنهم ؟ أجابوه بقولهم : يا رسول الله ، نقسم لهم ي ديارنا وأموالنا ، ولا نشاركهم في الغنائم ، فأنزل الله سبحانه وتعالى في مدحهم قوله

والذين تبوؤا الدار (1) والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا تجدون في صدورهم حاجة (2) مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (3) ومن يوق (4) شح نفسه فأولئك هم المفلحون 5

ومن صور الأثرة والتضحية بالمال ، ما فعله الأنصاري سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهما ، فقد انطلق سعد ، بعد أن آخى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ، إلى داره وقال له : يا عبد الرحمن ، أنا أكثر أهل المدينة مالا وأقلهم عيالا ، فانظر إلى أي شطر {6} من مالي فخذه ثم انظر إلى امرأتي هاتين ، أيتهما تعجبك حتى أطلقها فتتزوج بها ، فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك ، دلوني على السوق ، فدلوه ، فذهب إليه وباع واشترى حتى ربح ربحا وفيرا فأثرى واغتنى . أما التوارث بين المهاجرين والأنصار ، فقد نسخ بعد معركة بدر في السنة الثانية بقوله تعالى

وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم 7

وبقيت فيما بينهم المودة والمحبة والإخاء والتعاون على الحق والنصر ، والأخذ على يد الظالم . وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يؤاخي بين المهاجرين والأنصار ، كلما أتى إلى المدينة بعض المهاجرين ، فالمؤاخاة لم تقع دفعة واحدة ، إلى أن عز الإسلام واجتمع شمل المهاجرين ، وذهبت الوحشة عنهم . لكن صفاء الجو هذا بين المهاجرين والأنصار ، لم يكن يخلو من كدر أو هم وحزن ، سببه اليهود المقيمون في المدينة ن والذين حسدوا محمدا ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حسدا عظيما فأضمروا الشر والخديعة ، وحاولوا بعث الفتنة من جيدي بين الأوس والخزرج لولا أن تداركهم رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، بقوله لهم : " الله الله يا معشر المسلمين ن اتقوا الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام ؟ " كما أسلم بعضهم نفاقا ليعيثوا فسادا في جسد المسلمين ، وساعد هؤلاء اليهود جماعة من عرب المدينة المنورة ، الذين أظهروا إسلامهم ، وأضمروا كفرهم وعداءهم للإسلام ولرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى رأس هؤلاء : عبد الله بن أبي الخزرجي ، لكن الله عز وجل كشف زيف إيمانهم ، وعراهم على حقيقتهم ، بقوله تعالى

إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقون لكاذبون اتخذوا إيمانهم جنة (8) فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون 9















رد مع اقتباس