نجد
تكون منطقة نجد وسط الجزيرة العربية . وتنقسم الى عدة أقاليم اهمها وادي الدواسر والفرع _ حوطة بني تميم والحريق _ الافلاج والخرج العارض والمحمل وسدير والوشم والقصيم وجبل شمر . وكان يطلق على هذه الاقاليم باستثناء وادي الدواسر والقصيم وجبل شمر اسم اليمامة في كثير من الفترات التاريخية .
وكانت ولاية اليمامة في القرنين الاول والثاني من الهجرة مربوطة بعاصمة الخلافة مباشرة حينا وتابعة لمناطق ادارية حينا اخر.
وفي منتصف القرن الثالث الهجري قامت ثورة علوية في الحجاز بقيادة اسماعيل بن يوسف . لكن هذا القائد توفي بالجدري ولم ينجح اخوه محمد الملقب بالاخيضر _ في مواصلة الثورة هناك فهرب الى اليمامة ، واستطاع أن يستولي عليها سنة 253هـ وبذلك بدات الدولة الاخضيرية التي كانت تعتنق المذهب الزيدي، واستمرت حوالي مائتي سنة .
وبعد زوال الدولة الاخضيرية اصبحت نجد مفككة ، كل بلدة لها زعامتها المستقلة النعادية في كثير من الاحيان لجارتها ، وكل قبيلة تسيطر بقدر استطاعتها على منطقة رعوية خاصة بها . ولذلك اصبحت الاراضي النجدية مجال توسع للدول التي قامت بجوارها شرقا او غربا .
ويستفاد من شعر ابن المقرب ان دولة العيونيين كانت من القوة في فترات من الفترات مكنتها من ان تحمي القوافل التابعة لها عبر نجد . لكنها فيما يبدو لم تكن قادرة على بسط أي نوع من النفوذ السياسي المستقر لها في الاراضي النجدية . ولم يكن وضع بني عصفور وبني جروان ، على الارجح ، افضل من وضع العيونيين فيما يتعلق ببسط نفوذها في نجد . لكن حينما قامت دولة ال جبر ، ورسخت قدمها في شرقي الجزيرة العربية بدات تغزوا بعض القبائل النجدية . ولعل انتصاراتها على تلك القبائل هي التي جعلت المؤرخين يصفون اجود بن زامل الجبري بانه رئيس نجد ، كما سبق ان ذكر .
وحينما دخلت المنطقة الشرقية تحت نفوذ العثمانيون ، وذلك بعد ضمهم الحجاز واليمن ، اصبحت نجد محاطة بمناطق عثمانية من اكثر جهاتها . وقد واكب ذلك ظهور شخصيات قوية بين تشراف مكة المكرمة ، مثل ابي نمي الثاني وابنه حسن . وكان لهذا وذاك اثر واضح على نجد . ذلك أن الاشراف التابعين من الناحية الرسمية للعثمانيون استغلوا الظروف الجديدة الى ابعد حد ممكن . فبداوا يغزون الاراضي النجدية ليبسطوا نفوذهم عليها . ومن أشهر غزواتهم الاولى ما قام به الشريف حسن بن ابي نمي سنة 986هـ من مهاجمة لبلدة معكال التي اصبحت جزءا من مدينة الرياض الحالية . واستمرت الغزوات الشريفية للاراضي النجدية خلال القرن الحادي عشر وان كانت متباعدة في ازمان حدوثها .
وكان اكثر الغزوات الشريفية لنجد موجها ضد سكان المدن والقرى . وبما ان الحضر عادة لا يعتدون على القوافل الحج او التجارة فان من غير المحتمل ان تكون حماية تلك القوافل المهمة بالنسبة لاقتصاد الاشراف سببا قويا لغزواتهم لنجد . بل المرجح أن الهدف الاساسي من الغزوات المذكورة هو الحصول على غنائم وفرض نفوذ على البلاد تسن من خلاله ضرائب سنوية على السكان . وكانت البلدان التي لا تفي بالتزامها لاولئك الاشراف او تحاول الثورة ضدهم تعاقب بشدة .على ان نفوذ العثمانيون في الجزيرة العربية لم يستمر قويا . ذلك ان المشكلات التي بات يعانيها قادتهم داخليا خلال القرن الحادي عشر الهجري ارغمتهم على التخلي عن اليمن وتسليمها للثائرين من ائمتها الزيدين . ثم اضطروا الى مغادرة الاحساء امام ثورة زعيمهم بني خالد ، براك بن غرير سنة 1080هـ.
وما ان تمكن الزعيم الخالدي من السيطرةعلى شرقي الجزيرة العربية حتى اتجه نظره الى نجد محاولاً فيما يبدو ان يحصل على ما كان لدولة ال جبر من نفوذ فيها . وكانت اولى غزواته للاراضي النجدية بعد عام واحد فقط من سيطرته على الاحساء . ومن الواضح ان غزواته للاراضي النجدية بعد عام واحد فقط من سيطرته على الاحساء قد نجحت في مد النفوذ الخالدي على بعض الاماكن النجدية خاصة العارض . وهكذا بدا النفوذان الشريفي والخالدي يتنافسان على نجد . لكن نفوذ الاشراف اخذ يضعف نتيجة لتلاشي الوجود العثماني المؤيد لهن من معظم مناطق الجزيرة العربية . ولذلك لم تعد الغزوات الشريفية تصل الى الاماكن التي كانت تصل اليها قبل بداية الغزوات الخالديه .
وعلى اية حال فان نجدا لم تشهد نفوذا عثمانيا مباشراً فيتلك الفترة . وما ورد من ان بعض أئمة المساجد النجديين كانوا حينذاك يمجدون السلطان العثماني في الخطبة ربما سببه ما يكنه السنة عامة من مشاعر طيبة تجاه ذلك السلطان . وربما كان ناتجاً عن استعمال اولئك الائمة لخطب من اهم اغرز علما في المناطق الخاضعة خضوعا مباشرا للعثمانيون . على ان نجداً لم تشهد نفوذا قويا يحقق الاستقرار السياسي داخلها لاية جهة خارجية . فرغم نفوذ الجبريين وبني خالد في بعض جهاتها ورغم نفوذ اشراف الحجاز في بعض جهاتها الاخرى ظلت الحروب قائمة بين البلدان النجدية وبقى الصراع حاداً بين القبائل المختلفة .
كانت نجد من اقل مناطق جزيرة العرب تاثرا من حيث اختلاط العناصر غير العربية بالسكان العرب المحليين لانها بعيدة عن مواطن الامتزاج السكاني المتمثلة ، عادة ، بالمناطق الساحلية والاماكن المقدسة . وعلى هذا الاساس فان الغالبية العظمى من اهلها كانت تنتمي الى قبائل عربية معروفة النسب . اما الاقلية منهم فكانت فئات متعددة بعضها على الارجح عربية الاصل لكن اصلها ضاع او سلب منها لسبب من الاسباب . وبعضها من اصول غير عربية اتت الى البلاد بطرق مختلفة كالرق ومزاولة بعض المهن.
وكانت النظرة الاجتماعية لدى النجديين بصفة عامة نظرة قبلية . ومن هنا كان ثبوت الانتماء العربي مهما لتحديد مكانة الفرد او الاسرة في المجتمع . واتضحت هذه النظرة في قضية الزواج ومزاولة بعض الاعمال و الحرف .
اما من حيث طريقة المعيشة فان المجتمع النجدي كان منقسما الى قسمين : حضر وبدو . غير انه كانت توجد مرحلة انتقالية معينة يمر بها بعض السكان . وهذه المرحلة من الصعب الحاق مجتازيها باي من القسمين السابقين . ذلك ان هؤلاء لم يقطعوا الصلة بحياتهم البدوية التي كانوا بصدد تركها ، ولم يالفوا بعد الحياة الحضرية التي كانوا في سبيل الانتقال اليها.
وكان من اهم دوافع الاستقرار عوامل المناخ . فقد ترغم ايام القحط البدو على الالتجاء الى البلدان ابقاء لحياتهم . واكثر هؤلاء كانوا بدون شك يغادرون هذه البلدان بمجرد تحسن الوضع بنزول المطر ونبات الكلاْ . لكن منهم كان يستمري حياة الحاضرة فيبقي مستقرا .
وللموضع تتمه