شرقي البلاد
كان شرقي البلاد يسمى البحرين . ويشتمل على جهتى الاحساء والقطيفاو ما أصبح يدعى الان بالمنطقة الشرقية . وكانت قبيلة بني عبد القيس الساكنةهناك من اولى القبائلالتي استجابت لللاسلام . ولهذا فإن اول جمعة أقيمت في غير المسجد النبوي كانت في مسجد جواثي المقام في تلك المنطقة ثم أصبح المد الشيعي الباطني فيها اشد عنفا منه في بقية مناطق الجزيرة العربية . ذلك أنها كانت مركز دولة القرامطة التي بدأت في اواخر القرن الثالث الهجري . وقد بلغت هذه الدولة عنفوان قوتها العسكرية في الربع الاول من القرن الذي تلاه. وما قام به زعماء القرامطة حينذاك من اعمال رهيبة في الحجاز والعراق والشام من الامور التي فصلتها المصادر التاريخية المختلفة .
على ان الضعف حل في كيان الدولة القرمطية خلال القرن الخامس الهجري . وبدات كثير من القبائل ، التي انضمت اليها في السابق لاغراض مادية ، تنفصل عنها وتقاومها . وفي سنة 466هـ استطاع عبدالله بن علي العيوني من بني عبد القيس أن يحصل على معونة عسكرية من الدولة العباسية تمكن بها من القضاء على دولة القرامطة ، واسس في المنطقة دولة ولاسرته من بعده .
وظلت الاسرة العيونية تحكم المنطقة الشرقية من جزيرة العرب حتى دب الخلاف بين افرادها مما ادى الى زوال حكمهم قبل منتصف القرن السابع الهجري . وكان من اشهر رجال تلك الاسرة في اواخر عهدها الشاعر علي بن النمقرب .
وكانت قبيلة بني عامر من اقوى القبائل في شرقي الجزيرة العربية . وقد استغل فريق بزعامة عصفور بن راشد فرصة ضعف العيونين ، فانتزع حكم البلاد منهم واستمر بنو عصفور يحكمون البلاد حتى أنهى حكمهم لها سعيد بن مغامس . على ان حكم سعيد للمنطقة لم يطل ، اذ لم يزد على خمس سنوات . ثم انتقل حكم البلاد الى فريق آخر من بني عامر بزعامة جروان المالكي . وقد اشارت المصادر الى ثلاثة أمراء من اسرته كان أخرهم يحكم سنة 820 هـ . ثم بدا حكمه يضعف تدريجياً الى أن استولت على البلاد أسرة عامرية أخرى هي اسرة زامل الجبري . وكان أشهر امراء هذه الاسرة بل اشهره زعيم حكم تلك البلاد في العصر الاسلامي الوسيط . أجود بن زامل الذي اتسع نفوذه اتساعاً عظيماً شمل شرقي الجزيرة العربية واجزاء كبيرة من عمان ونجد . ولعل مما زاد في شهرته ، اضافة الى قوته العسكرية ، ما كان يتصف به من صفات جليلة ورعاية كريمة للعلم واهله . ومن امراء تلك الاسرة المشهورين مقرن بن زامل الذي استشهد على ايدي البرتغالين وحلفائهم من الهرمزين دفاعا عن بلاده سنة 927هـ .
وبعد استشهاد الامير مقرن حل الخلاف بين افراد اسرته على الحكم . وبذلك أصبح هنالك عاملان يقوضان كيان حكم تلك الاسرة : الصراع الداخلي والغزو الخارجي . ونتيجة لهذه الظروف لم تبق الاسرة الجبرية في الحكم بعد مقرن الا اربع سنوات ، اذ استولى راشد بن مغامس على مقاليد الامور في البلاد بعد سنة 931هـ .
وفي اثناء ذلك كان القادة العثمانيون قد عزموا على إدخال الجزيرة العربية تحت نفوذهم ، خاصة بعد أن اصبحت الحجاز تابعة لهم . وكان يدفعهم الى ترسيخ وجودهم في الجزيرة عاملان مهمان : احدهما ما يحس يه عادة قادة كل دولة قوية من رغبة في التوسع . وثانيا ما كان القادة العثمانيون يشعرون به من واجب الدفاع عن منطقة تضم الاماكن الاسلامية المقدسة من الاخطار البرتغالية التي كانت تهددها حينذاك . ولقد نجح العثمانيون في الحصول على ما كان لاسلافهم المماليك من نفوذ في اليمن . ثم عمقوا ذلك النفوذ حتى اصبحت اليمن ولاية عثمانية . وبذلك نجحوا في مجابهتهم للبرتغالين في البحر الاحمر . وحينما استولوا على العراق سنة 941هـ كلفوا نشاطهم ضد البرتغاليين في الخليج العربي زاحرزوا بعض النجاح . وكان من نجاحهم هناك ان استولوا على الاحساء سنة 960 هـ . والواقع أن بعض زعماء هذه البلاد كانوا يتطلعون الى دخول تحت الحكم العثماني عله يحميهم من الاخطار البرتغالية المحدقة بهم . وقد ظلت المنطقة الشرقية خاضعة للعثمانين حوالي مائة و عشرين عاما .
وكانت قوة زعماء بني خالد تزداد وتتوط في شرقي الجزيرة العربية . وكانوا يثيرون المشكلات للحكام العثمانيون الذين لم يجدوا بدا من استراضائهم بالمال حينا و بالمناصب حينا آخر . على أن طموح اولئك الزعماء لم يتوقف . وحينما اضطريت أحوال الحكام العثمانيون في المنطقة نتيجة الخلافات بين والي بغداد حاكم البصرة انتهز براك بن غرير ال حميد الفرصة فثار ضدهم . وقد نجح فر ارغامهم الحامية العثمانية على الانسحاب من البلاد سنة 1080هـ . وبذلك أصبح حكم المنطقة الشرقية لال حميد زعماء بني خالد . وظل هؤلاء الزعماء يحكمونها حتى دخلت تحت حكم الدولة السعودية الاولى في العقد الاول من القرن الثالث عشر الهجري .
وتتوافر المياه في المنطقة الشرقية أكثر مما تتوافر في غيرها من مناطق الجزيرة العربية . وسواحلها على الخليج العربي طويلة توجد فيها موانىء جيدة . ولذلك كانت في تلك المنطقة فرص طيبة للعمل في مجالات الزراعة والتجارة وصيد الاسماك واللؤلؤ . ونعم أهلها برخاء اقتصادي ، خاصة في فترات الاستقرار السياسي ، أكثر من جيرانهم عرب الجزيرة الآخرين . وبذلك كانت المنطقة الشرقية من أهم مناطق هجرة اولئك الذين أجبرتهم ظروفهم المعيشية على النزوح من نجد وكان المذهب الشيعي الباطني هو المذهب السائد في المنطقة الشرقية زمن القرامطة . ثم اصبحت تلك المنطقة موطنا يوجد فيه المذهب الشيعي الجعفري جنبا الى جنب مع المذاهب السنية الاربعة .على ان زعامتها السياسية منذ القضاء على الحكم القرمطي فيها كانت سنية بصفة عامة . وربما كان لوجود مذاهب دينية مختلفة في تلك المنطقة أثر في تقدم الحركة العلمية فيها وقدوم طلاب العلم اليها من مناطق اخرى . وبالرغم من تقدم الحركة العلمية في تلك المنطقة فقد انتشرت فيها البدع والخرافات المنتشرة في كثير من بلدان العالم الاسلامي حينذاك . وكانت الاوضاع الدينية عند قبائلها مشابهة لاوضاع القبائل الاخرى في بلاد العرب من حيث غلبة الجهل الديني والاخلال بممارسة شعائر الدين
وللحديث بقية