"انفراد ثقيف بالطائف وعلاقاتهم الاجتماعية "
قصة انفراد قبيلة ثقيف بالطائف فهي أن قسي ( ثقيف ) بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور
نزل على عامر بن الظرب العدواني وهو من حكام العرب وحالفة وتزوج من ابنته وسكن " وج "
وزرع فيها الكروم " العنب " فنجحت زراعتها ، وسكن أولاده المدينة وكانت عدوان مالكة
لها( 1 ) فتصاهر أولاد ثقيف مع بني صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن وسكنوا حول الطائف وفي داخلها ونتيجة للضر وف القبلية السائدة آنذاك تشاحنوا مع بني عدوان وشتت أمرهم ( 2 ) وكان السبب المباشر في تفرق عدوان قتال وقع بينهم مما زاد في تفرقهم وتباغضهم فكان ذلك سبباً في ضعفهم وتفرقهم على يد بني صعصعة ( 3 ) فطمع بنو عامر بن صعصعة فيهم وفي وج واجلوهم عنها ، لكن وج لم تصبح خالصة لهم لكثرة ثقيف وانتشارهم فيها ( 4 ) علما بأن الثقفيين لم يفقدوا من قوتهم شيئا لعدم اشتراكهم في المعارك التي دارت بين عدوان وبني عامر بن صعصعة فا حتفظوا بها وصارت المدينة بينهما ( 5 ) لكن بني عامر رفضوا أن يتخلوا عن بداوتهم ، وفضلوا البادية على سكن المدن ، كما وجدوا في منتجات " وج " الزراعية اشباعاً لحاجاتهم من المواد الغذائية ، لهذا كانوا يشتون في بلادهم بأرض نجد لسعتها وكثرة مراعيها ويصعدون إلى " وج " صيفاً لطيبها واعتدال مناخها ( 6 ) .
وعندما بدأت ثقيف تحس بقوتها المتزايدة وهمة رجالها الأشداء بدأت تعد الخطط لتخطيط ذلك ولو على مراحل أو خطوات متتالية وقرروا مفاوضة بني عامر بن صعصعة في امر اقتسام ثمار وج فيما بينهما مقابل تخلي بني عامر عن الأرض لثقيف لزراعتها وفلاحتها لان الثقفيين اختصوا بالزراعة والاعمال المدنية وقدموا الاغراءت لبني عامر وحسنوها لهم ، وبينوا لهم أن بإمكانهم الاستمرار بالبقاء في ارض نجد ليفرغوا لاموالهم وماشيتهم بها وتوفر عليهم مؤن ووقت كثير وهم بذلك قد كسبوا خيرات الريف والبدو معاً ولا يتعرضون لمشقة التنقل والترحال صيفاً وشتاء ، وبهذه الحجة المقنعة رضي بنو عامر بذلك وهذا ليس بالغريب في تلك المجتمعات البدوية والحضرية فغالباً ما كانت القبائل تتقاسم الأمكنة الصحراوية من الأرض بينهم وبالاتفاق في اغلب الأحيان وهكذا استطاعت قبيلة ثقيف ان تزيل الخلافات حول زراعة الارض وحق الرعي فتملكت الطائف بدون حرب أو بمنازعات محدودة تقريباً (7 ) .
ومن هنا وبعد ان أصبحت " وج " لهم وحدهم ، وجهوا اهتمامهم إليها والعمل على اعمارها وقام رجالها بتدعيم مراكزهم فيها فعملوا جهدهم لتأمين حدودها من الطامعين بها وبذلك بقيت موضع حسد العرب لها وطمعهم فيها . ولذا فكرت بعض القبائل المجاورة في غزوهم وسلبهم وطردهم منها .
ومن هنا ونتيجة للغزوات المتكررة على المدينة اشتدت الحاجة لبناء السور حول المدينة حتى يمنع عنهم تكرار مثل هذه الهجمات ثانية ، ففتحوا فيه بابين أحدهما لبني يسار وسموه صعبان والثاني لبني عوف وأطلقوا عليه سامرات وصار لزاماً على كل منهما حراسة بابه ( 8 ) .
وفي الموعد المعتاد لتقسيم ثمار " وج " ذهب بنو عامر إليها ليحصلوا على نصيبهم ـ أي النصف حسب الاتفاق ـ فا متنعت ثقيف عن تسليمه لهم وذلك بسبب تخليهم عن مساعدتهم في صد غارات القبائل واشتبك الطرفان في قتال انهزم فيه بنو عامر ، فصارت الطائف ملكا لثقيف وحدها ، وقد احترمت القبائل العربية واقع الامر مرغمة فتركوها لهم وأقاموا بها سعداء وذوي غنى وكفاية فصارت يضرب بذلك المثل ( 9 ) . وقال ابو طالب ابن عبدالمطلب :
منعنا أرضنا في كل حي ....... كما امتنعت بطائفها ثقيف
أتاهم معشر كي يسلبوهم ...... فحالت دون ذلكم السيوف
الهوامش
(1) ياقوت الحموي
(2) نفس المصدر
(3) الاصفهاني : كتاب الاغاني
(4) ياقوت الحموي معجم البلدان
(5) ابن الاثير : الكامل
( 6) البكري : معجم ما استعجم
(7) ابن الاثير : الكامل
(8) نفس المصدر
(9) البكري