بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الكرام /
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : إليكم هذه القصيدة من روائع الأمير الشاعر الفارس / أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني .
أراكَ عـصـيَّ الـدَّمْـعِ شيمَـتُـكَ الصَّـبْـرُ
= أمــا لِلْـهَـوى نَـهْـيٌ علـيـكَ و لا أمْــرُ ؟
بَـلـى ، أنــا مُشْـتـاقٌ وعـنـديَ لَـوْعَــةٌ
= ولـكــنَّ مِـثْـلـي لا يُـــذاعُ لـــهُ سِـــرُّ !
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْـتُ يَـدَ الهـوى
= وأذْلَـلْـتُ دمْـعـاً مــن خَـلائـقِـهِ الـكِـبْـرُ
تَـكـادُ تُـضِـيْءُ الـنـارُ بـيــن جَـوانِـحـي
= إذا هـــي أذْكَـتْـهـا الصَّـبـابَـةُ والـفِـكْـرُ
مُعَلِّلَـتـي بـالـوَصْـلِ ، والـمَــوتُ دونَـــهُ
= إذا مِــتُّ ظَمْـآنـاً فـــلا نَـــزَلَ الـقَـطْـرُ !
حَـفِـظْـتُ وَضَـيَّـعْــتِ الــمَــوَدَّةَ بـيْـنـنـا
= وأحْسَـنُ مـن بعـضِ الوَفـاءِ لـكِ العُـذْرُ
ومــــا هــــذه الأيـــــامُ إلاّ صَـحــائــفٌ
= ِلأحْرُفِـهـا مـــن كَـــفِّ كاتِـبِـهـا بِـشْــرُ
بِنَفْسي من الغادينَ في الحيِّ غـادَةً
= هَــوايَ لـهـا ذنْـــبٌ ، وبَهْجَـتُـهـا عُـــذْرُ
تَـروغُ إلـى الواشيـنَ فــيَّ ، وإنَّ لــي
= لأُذْنــاً بـهـا عــن كـــلِّ واشِـيَــةٍ وَقْـــرُ
بَــدَوْتُ ، وأهـلـي حـاضِــرونَ ، لأنّـنــي
= أرى أنَّ داراً ، لسـتِ مـن أهلِهـا ، قَفْـرُ
وحارَبْـتُ قَوْمـي فـي هــواكِ ، وإنَّـهُـمْ
= وإيّــايَ ، لــو لا حُـبُّـكِ الـمـاءُ والـخَـمْـرُ
فـإنْ يـكُ مـا قـال الوُشـاةُ ولــمْ يَـكُـنْ
= فقـدْ يَهْـدِمُ الإيمـانُ مـا شَـيَّـدَ الكـفـرُ
وَفَـيْـتُ ، وفــي بـعـض الـوَفـاءِ مَـذَلَّـةٌ ،
= لإنسانَـةٍ فـي الحَـيِّ شيمَتُهـا الغَـدْر
وَقـــورٌ ، ورَيْـعــانُ الـصِّـبـا يَسْتَـفِـزُّهـا ،
= فَـتَــأْرَنُ ، أحْـيـانـاً كــمــا ، أَرِنَ الـمُـهْــرُ
تُسائلُنـي مـن أنــتَ ؟ وهــي عَليـمَـةٌ
= وهل بِفَتـىً مِثْلـي علـى حالِـهِ نُكْـرُ ؟
فقلتُ : كما شاءَتْ وشـاءَ لهـا الهـوى
= قَتيـلُـكِ ! قـالـت : أيُّـهــمْ ؟ فَـهُــمْ كُـثْــرُ
فقلـتُ لهـا : لـو شَئْـتِ لــم تَتَعَنَّـتـي ،
= ولم تَسْألي عَنّـي وعنـدكِ بـي خُبْـرُ !
فقالـتْ : لقـد أَزْرى بـكَ الـدَّهْـرُ بَعـدنـا
= فقلـتُ : معـاذَ اللهِ بـل أنــتِ لا الـدّهـر
ومـا كـان لِلأحْـزان ِلــولاكِ ، مَسْـلَـكٌ
= إلى القلبِ ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْـر
وتَهْـلِـكُ بـيـن الـهَـزْلِ والـجِـدِّ مُـهْـجَـةٌ
= إذا مــا عَـداهـا البَـيْـنُ عَذَّبـهـا الهَـجْـرُ
فأيْقَـنْـتُ أن لا عِــزَّ بَـعْـدي لِعـاشِـقٍ ،
= و أنّ يَــدي مـمّـا عَـلِـقْـتُ بـــهِ صِـفْــرُ
وقلَّـبْـتُ أَمـــري لا أرى لـــيَ راحَـــة،ً
= إذا البَيْـنُ أنْسانـي ألَــحَّ بــيَ الهَـجْـرُ
فَعُـدْتُ إلـى حُـكـم الـزّمـانِ وحُكمِـهـا
= لهـا الذّنْـبُ لا تُجْـزى بـهِ ولـيَ الـعُـذْرُ
كَـأَنِّــي أُنــــادي دونَ مَـيْـثــاءَ ظَـبْـيَــةً
= عـلـى شَــرَفٍ ظَمْـيـاءَ جَلَّلَـهـا الـذُّعْـرُ
تَـجَـفَّـلُ حـيـنــاً، ثُــــمّ تَــرْنــو كـأنّـهــا
= تُـنـادي طَــلاًّ بـالـوادِ أعْـجَـزَهُ الـحَُـضْـرُ
فــلا تُنْكِـريـنـي ، يـابْـنَـةَ الـعَــمِّ ، إنّـــهُ
= لَيَـعْـرِفُ مــن أنْكَـرْتـهِ الـبَـدْوُ والحَـضْـرُ
ولا تُنْكِـريـنـي ، إنّـنــي غــيــرُ مُـنْـكَــرٍ
= إذا زَلَّــتِ الأقْــدامُ ، واسْتُـنْـزِلَ الـنّـصْـرُ
وإنّــــــي لَـــجَـــرّارٌ لِـــكُـــلِّ كَـتـيــبَــةٍ
= مُــعَــوَّدَةٍ أن لا يُــخِــلَّ بــهــا الـنَّـصــر
وإنّـــــي لَــنَـــزَّالٌ بِـــكـــلِّ مَــخــوفَــةٍ
= كَثـيـرٍ إلـــى نُـزَّالِـهـا الـنَّـظَـرُ الـشَّــزْرُ
فَأَظْمَـأُ حتـى تَـرْتَـوي البـيـضُ والقَـنـا
= وأَسْغَبُ حتى يَشبَـعَ الذِّئْـبُ والنَّسْـرُ
ولا أًصْـبَــحُ الـحَــيَّ الـخُـلُـوفَ بـغــارَةٍ
= و لا الجَيْشَ مـا لـم تأْتِـهِ قَبْلِـيَ النُّـذْرُ
ويــا رُبَّ دارٍ ، لـــم تَخَـفْـنـي ، مَنـيـعَـةً
= طَلَعْـتُ عليـهـا بـالـرَّدى ،أنــا والفَـجْـر
وحَــيٍّ رَدَدْتُ الخَـيْـلَ حـتّــى مَلَـكْـتُـهُ
= هَـزيـمـاً ورَدَّتْـنــي الـبَـراقِـعُ والـخُـمْــرُ
وساحِـبَـةِ الأذْيـــالِ نَـحْــوي ، لَقيـتُـهـا
= فـلَـم يَلْقَـهـا جـافـي اللِّـقـاءِ ولا وَعْــرُ
وَهَبْـتُ لهـا مــا حــازَهُ الجَـيْـشُ كُـلَّـهُ
= ورُحْـتُ ولــم يُكْـشَـفْ لأبْياتِـهـا سِـتْـر
ولا راحَ يُطْـغـيـنـي بـأثـوابِــهِ الـغِـنــى
= ولا بــاتَ يَثْنيـنـي عــن الـكَـرَمِ الفَـقْـرُ
ومــا حاجَـتـي بالـمـالِ أَبْـغـي وُفــورَهُ
= إذا لـم أَفِـرْ عِـرْضـي فــلا وَفَــرَ الـوَفْـرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى ،
= ولا فَـرَســي مُـهْــرٌ ، ولا رَبُّـــهُ غُــمْــرُ
ولكـنْ إذا حُــمَّ القَـضـاءُ عـلـى امــرئٍ
= فـلـيْـسَ لَـــهُ بَــــرٌّ يَـقـيــهِ ، ولا بَــحْــرُ
وقــال أُصَيْحـابـي : الـفِـرارُ أو الــرَّدى ؟
= فقلتُ : هـمـا أمـــرانِ ، أحْـلاهُـمـا مُـــرُّ
ولكنّـنـي أَمْـضــي لِـمــا لا يَعيـبُـنـي ،
= وحَسْبُـكَ مـن أَمْرَيـنِ خَيرُهمـا الأَسْـر
يَقولـونَ لـي : بِعْـتَ السَّلامَـةَ بالـرَّدى
= فقُلْـتُ : أمـا و اللهِ ، مـا نالـنـي خُـسْـرُ
وهـلْ يَتَجافـى عَنّـيَ المَـوْتُ سـاعَـةً
= إذا مـا تَجافـى عَنّـيَ الأسْــرُ والـضُّـرُّ ؟
هو المَـوتُ ، فاخْتَـرْ مـا عَـلا لـكَ ذِكْـرُهُ
= فلـم يَمُـتِ الإنسـانُ مـا حَيِـيَ الـذِّكْـرُ
ولا خَـيْـرَ فــي دَفْــعِ الـــرَّدى بِـمَـذَلَّـةٍ
= كـمـا رَدَّهــا ، يـومـاً ، بِسَـوْءَتِـهِ عَـمْـرُو
يَـمُـنُّـونَ أن خَــلُّــوا ثِـيـابــي ، وإنّــمــا
= عـلـيَّ ثِـيــابٌ ، مـــن دِمـائِـهِـمُ حُـمْــرُ
وقـائِـمُ سَـيْـفٍ فيـهِـمُ انْــدَقَّ نَصْـلُـهُ ،
= وأعْـقـابُ رُمْــحٍ فيـهُـمُ حُـطِّـمَ الـصَّـدْرُ
سَيَذْكُرُنـي قـومـي إذا جَــدَّ جِـدُّهُـمْ ،
= وفــي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْتَـقَـدُ الـبَـدْرُ
فـإنْ عِشْـتُ فالطِّعْـنُ الـذي يَعْرِفـونَـهُ
= وتِلْـكَ القَنـا والبيـضُ والضُّـمَّـرُ الشُّـقْـرُ
وإنْ مُـــتُّ فـالإنْـسـانُ لابُــــدَّ مَــيِّــتٌ
= وإنْ طـالَـتِ الأيــامُ ، وانْفَـسَـحَ العُـمْـرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَـدَدْتُ اكْتَفـوا بـهِ
= ومـا كـان يَغْلـو التِّبْـرُ لـو نَفَـقَ الصُّـفْـرُ
ونَـحْــنُ أُنـــاسٌ ، لا تَـوَسُّــطَ بيننا ،
= لـنـا الـصَّـدْرُ دونَ العالـمـيـنَ أو الـقَـبْـرُ
تَهـونُ علينـا فـي المعـالـي نُفوسُـنـا
= ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِهـا المَهْـرُ
أعَـزُّ بَنـي الدُّنيـا وأعْلـى ذَوي الـعُـلا ،
= وأكْــرَمُ مَــنْ فَــوقَ الـتُّـرابِ ولا فَـخْــرُ
وهذه أيضا من روائع شعر أبي فراس الحمداني قالها وهو في السجن عندما سمع هديل حمامة على شجرة عالية قرب سجنه :
أقول وقد ناحت بقربي حمـامة
= أيا جارتا لو تشـعرين بحـــالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
= ولا خطرت منك الهـموم ببالــي
أتحمل محزون الفــؤاد قــــوادم
= على غصن نـائي المسافة عالي
تعالي تري روحا لــدي ضعيفة
= تـردد فى جـسم يـعـذب بــالـــي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا
= تعــالي أقـاسمـك الهموم تعــالــي
أيضحك مأسور وتبكي طليقة
= ويـسكت محـزون وينـدب سـالــي
لقد كنت أولي منك بالدمع مقلة
= ولــكن دمعي في الحوادث غالـي
منقول .