تفسير سورة نوح
عليه السلام
( وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ) أي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق وبغضا له،
( وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ) أي: خلقا [من] بعد خلق، في بطن الأم، ثم في الرضاع، ثم في سن الطفولية، ثم التمييز، ثم الشباب، إلى آخر ما وصل إليه الخلق ، فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع، متعين أن يفرد بالعبادة والتوحيد، وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الإقرار بالمعاد، وأن الذي أنشأهم من العدم قادر على أن يعيدهم بعد موتهم
( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ) أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها.
( إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب.
ورغبهم أيضا، بخير الدنيا العاجل، فقال: ( يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) أي: مطرا متتابعا، يروي الشعاب والوهاد، ويحيي البلاد والعباد.
( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم،
( وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها.
( وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا لأهل الأرض وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا )ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الأشياء، وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة إحسانه، فالعظيم الرحيم، يستحق أن يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى.
( وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا ) حين خلق أباكم آدم وأنتم في صلبه.
( ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا) عند الموت
( وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ) للبعث والنشور، فهو الذي يملك الحياة والموت والنشور.
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا فلولا أنه بسطها، لما أمكن ذلك، بل ولا أمكنهم حرثها وغرسها وزرعها، والبناء، والسكون على ظهرها.
( لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ) فدعوهم إلى التعصب على ما هم عليه من الشرك، وأن لا يدعوا ما عليه آباؤهم الأقدمون، ثم عينوا آلهتهم فقالوا: وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وهذه أسماء رجال صالحين لما ماتوا زين الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم لينشطوا -بزعمهم- على الطاعة إذا رأوها، ثم طال الأمد، وجاء غير أولئك فقال لهم الشيطان: إن أسلافكم يعبدونهم، ويتوسلون بهم، وبهم يسقون المطر، فعبدوهم، ولهذا أوصى رؤساؤهم للتابعين لهم أن لا يدعوا عبادة هذه الآلهة.
====
تفسير سورة المعارج
( يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9 ) وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10 ) ).
( يَوْمِ ) أي: القيامة، تقع فيه هذه الأمور العظيمة فـ ( تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ) وهو الرصاص المذاب من تشققها وبلوغ الهول منها كل مبلغ.
( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) وهو الصوف المنفوش، ثم تكون بعد ذاك هباء منثورا فتضمحل، فإذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة، فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار؟
( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ ) أي: القبور، ( سِرَاعًا ) مجيبين لدعوة الداعي، مهطعين إليها ( كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ) أي: [كأنهم إلى علم] يؤمون ويسرعون أي: فلا يتمكنون من الاستعصاء للداعي، والالتواء لنداء المنادي، بل يأتون أذلاء مقهورين للقيام بين يدي رب العالمين.
( ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) أي: ذو العلو والجلال والعظمة، والتدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة بما دبرها على تدبيره، وتعرج إليه الروح، وهذا اسم جنس يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها، وهذا عند الوفاة، فأما الأبرار فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء < 1-886 > إلى سماء، حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله عز وجل، فتحيي ربها وتسلم عليه، وتحظى بقربه، وتبتهج بالدنو منه، ويحصل لها منه الثناء والإكرام والبر والإعظام.
وأما أرواح الفجار فتعرج، فإذا وصلت إلى السماء استأذنت فلم يؤذن لها، وأعيدت إلى الأرض.
====
تفسير سورة الحاقة
( الْحَاقَّةُ ) من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه،
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ) وهي الصيحة العظيم ة الفظيعة، التي انصدعت منها قلوبهم وزهقت لها أرواحهم فأصبحوا موتى لا يرى إلا مساكنهم وجثثهم
( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ ) أي: قوية شديدة الهبوب لها صوت أبلغ من صوت الرعد [القاصف]
( عَاتِيَةٍ ) [أي: ] عتت على خزانها،
( وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ) أي: قرى قوم لوط الجميع جاءوا ( بِالْخَاطِئَةِ ) أي: بالفعلة الطاغية وهي الكفر والتكذيب والظلم والمعاندة وما انضم إلى ذلك من أنواع الفواحش والفسوق.
( أَخْذَةً رَابِيَةً ) أي: زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم
( وَالْمَلَكُ ) أي: الملائكة الكرام
( عَلَى أَرْجَائِهَا ) أي: على جوانب السماء وأركانها، خاضعين لربهم، مستكينين لعظمته.
( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله.
( يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ) أي:: يا ليت موتتي هي الموتة التي لا بعث بعدها.
( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا ) من سلاسل الجحيم في غاية الحرارة
( فَاسْلُكُوهُ ) أي: انظموه فيها بأن تدخل في دبره وتخرج من فمه، ويعلق فيها، فلا يزال يعذب هذا العذاب الفظيع، فبئس العذاب والعقاب، وواحسرة من له التوبيخ والعتاب.
(وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ ) وهو صديد أهل النار، الذي هو في غاية الحرارة، ونتن الريح، وقبح الطعم ومرارته
( وَإِنَّهُ ) أي: القرآن الكريم
( لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم، فيعرفونها، ويعملون عليها، يذكرهم العقائد الدينية، والأخلاق المرضية، والأحكام الشرعية، فيكونون من العلماء الربانيين، والعباد العارفين، والأئمة المهديين.