الأخ العزيز : الوليد الأسعدي
تحية طيبة وبعد :
لك الشكر كله على كل ما كتبت من رد وتعليق , ولا أشك أن في ذلك إثراء كبير للموضوع , وأرى أن كتابتك الأخيرة أكثر نضجا ووضوحا
ثم إني أشكرك حقيقة على حصرالخلاف في محور واحد , والتركيز عليه, فهذا ما كنت أتمناه وأرغب فيه , إذ أن الكلام كان متشعبا وكانت كل نقطة تحتاج إلى تفصيل وإلى مساحة أكبر من الكلام والحديث , ولك الشكر دائما إذ ركزت على نقطة واحدة ..
أخي الكريم :
من أجل كل ما ذكر وما كتب فإني أجد لزاما علي أن أذكر وأن أطرح رأيي بوضوح أكثر , وأن أفصل القول بشكل أكثر وضوحا ..
أخي العزيز :
أولا ــ لابد من تقرير بعض الأمور .. فأقول :
1ــ أن هذا النوع من الشعر يطلق عليه عند أهل نجد وعند أهل الخليج عامة وعند غيرهم (( الشعر النبطي )) وهو مسمى منتشر ومتداول بشكل كبير ومتعارف عليه , هناك من يعترض على هذه التسمية ويستنكرها وله موقف منها ولكن لم أسمع أن أحدا ينفي وجود هذه التسمية عند أهل نجد والتي هي من أشهر التسميات عندهم إلا منك أنت , فلا بد أن نسلم بهذا الأمر الواضح البين , أما الحديث عن سبب هذه التسمية وصحة نسبتها إلى من تنسب إليه فهذا أمر آخر , والطريف في الأمر أنك في ردك السابق ذكرت كتابا ضخما في هذا الباب للدكتور سعد الصويان عنوانه (( الشعر النبطي )) ..
2ــ أنه قد ثبت وبنسبة كبيرة أن أقدم من تحدث عن هذا النوع من الشعر هو المؤرخ الكبير ابن خلدون ونسب إلى ما أورده من نصوص إلى شعراء بني هلال الذين سكنوا الشام والمغرب , فإذا سلمت بذلك فهذا يعني أن هذا النوع من الشعر وافد إلينا , ولا أظنك تنفي ولا أظنك تثبت , إلا أن تدخلنا في موضوع آخر وتقول : أن بني هلال خرجوا من الجزيرة وانتشروا في تلك البلاد .. فإن بني هلال خرجوا من الجزيرة ولغتهم سليمة ففسدت لغتهم بعد ذلك ودخلها اللحن ..
قال أبو عبدالرحمن الظاهري : لغة العرب في عصر ابن خلدون بالمغرب وغيره هي بداية الشعر العامي , وقد ( وفد ) هذا الشعر العامي إلى نجد ولم يصدر منها وتعشقته قبائل نجد بتأثير السحر الملحمي الأسطوري في أدب اللغة الهلالية ...
3ــ لا يمكن أن نسمي هذا الشعر بالشعبي لأن الشعبية ليست مصطلحا على اللحن وفساد اللغة وإنما هي بمرادف الجمهرة فيدخل في ذلك الحضري ةالبدوي والفصيح والملحون , فشعبي في اصطلاح العرب تعني النسبة ‘لى مختلف طبقات الأمة وطبقات الأمة فيها العامي والفصيح والمتعلم والأمي .
ثانيا ــ أخي الكريم :
يجب أن تعرف أن اللغة النبطية أصلها آرامية وهي قريبة من اللغة العربية الأم المسماة الفصحى لأنهما من اللغات السامية , وهذا الشعر النبطي كان موجودا في الشام في حوران وفي المغرب وربما جاء من بني هلال الذين سكنوا هذه المناطق كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته , ولثقلهم السياسي والأجتماعي أشاعوا قالب هذا النوع من الشعر . وهذه اللغة خالفت نوعين من اللغات , لغة القرآن الكريم ولغة الشعر العربي الفصيح , وعند المقارنة بين الشعر الهلالي والشعر النبطي النجدي في بدايته نجزم بأن الشعر النبطي بلهجة أهل نجد وليد الشعر الهلالي .. وهو رأي لكثير من المطلعين ولا أحد يزعم أنه أمر مقطوع به
بل إن الموضوع فيه خلاف كثير .. وقد قلت في مقالتي الأصل : ( أن الباحثين والمؤلفين والشعراء قد اختلفوا في تسميته ... )
ولا بد أن نقول أن الشعر النبطي في الخليج العربي ما زال في حاجة إلى الدراسة فكما هو ملاحظ فالمكتبة العربية تفتقر للدراسات والكتب التي تتحدث عن هذا النوع من الأدب وهذا النوع من الشعر .
فحتى الآن لم يحسم الكثير من الخلاف حول هذا الشعر بدءا من المصطلح نفسه ( النبط ) مرورا بتاريخه وأوزانه وكتابته من الناحية الفنية واللغوية .
فإني أرى أن موضوعا مثل الشعر النبطي وكل ما يتعلق به من مواضيع يحتاج إلى بحث طويل .
حتى عند الحديث عن التسمية وأصلها كما قلت فإن الأمر لم يستقر بعد , فهناك آراء مختلفة وكثيرة ومتعددة , فهناك من يذهب إلى ما أذهب إليه وهناك من يذهب إلى ما تذهب إليه وهناك من يذهب إلى غير ذلك .
فهناك من يقول وهو قول سيعجبك وستستأنس إليه كثير وهو توضيحا لما أظنك تريد الوصول إليه :
أن الشعر النبطي يخلط بين لغة القرآن ولغة القبائل وبالتالي هو مستنبط من مجموعة أصول ومن هنا جاءت تسميته بالنبطي , فهو خليط مستنبط من لهجات مختلفة لقبائل تقطع الصحراء وتختلط بغيرها , وهي قريبة جدا من الفصحى في شكل تنظيم القصيدة وكلماتها وصورها الإبداعية المتعددة .
ويرى آخرون أن اللغويين شبهوا اللحن بلغة الأنباط وهذا هو سر تسميته بالنبطي , فيقولون أن الشعر النبطي جاء في بعده عن الفصحى كلغة النبط في بعدها عنها , وهذه التسمية لا تعني أن الأنباط هم أول من قرضه , وإنما تدل على فساد اللغة ومجانبتها للفصحى بحيث أصبحت تحاكي لغة الأنباط . (مع ملاحظة التفريق بين الأنباط العرب الذين عاصمتهم البتراء وبين غيرهم من أنباط غير عرب )
ولقد كنت أريد أن أطرح عليك سؤالا جوهريا بعد أن تسلم طبعا معي بأن تسميتنا له بالنبطي تسمية متداولة ولا خلاف على وجودها وانتشارها بيننا وهو :
من أين جاءت هذه التسمية ؟ وما أصلها ؟
............................................
رأي شخصي :
مع أن تسميته بالنبطي تسمية ذات انتشار واسع , نسبة للأنباط أو من كان يسكن في منا طق الأنباط أولئك الذين هم أول من فسدت لغتهم فجاء شعرهم ملحون . فإن لي رأي شخصي ألا وهو :
تسمية هذا النوع من الشعر بالشعرالعامي , وذلك لأن التسمية المطردة في مواضعة اللغويين على فساد اللغة والأسلوب هي العامية , واللغويون بلا شك هم المرجع في تحرير المصطلحات وإنما كانت العامية هي التسمية المطردة لأنها نقيض الفصاحة والصحة .
وفي الختام :
الشكر يتواصل للأخ الوليد ,فبردوده وكتاباته أثري الموضوع وأعطي أهمية وعناية ومتابعة واهتمام ..
وأكرر وأقول أن موضوع الشعر العامي ما زال في حاجة إلى الدراسة والعناية والبحث الذي يشبع الرغبات ويفي بالمطلوب ويحسم الأمر في كثير من القضايا
فما زالت مكتباتنا تفتقر لمثل هذا البحث .
وشــكــرا للـجمــيـع
.......................... وتقبلوا تحياتي ...