بسم الله الرحمن الرحيم
.. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أولا : أعتذر وبشدة من الجميع عن كل هذا التأخر في الكتابة والرد على جميع التعليقات والتعقيبات التي كتبت تحت الموضوع
ثانيا : أشكر كل من قرأ الموضوع وكل من عقب عليه وعلق , وكل من انتقد وأبدى الملاحظات
أما الأخ : الوليد الأسعدي فأريد أن أقول له مع كل الحب والتقدير :
أنني سعيد جدا بكل ما كتبت من ملاحظات وأن ذلك لم يزعجني أبدا فأنا إنسان يحب أن يسمع وجهات النظر الأخرى , ويحترم الرأي الآخر ...
أخي الكريم : ما كتبته من ملاحظات ماهي إلا نتيجة لبعض اللبس اليسير وعدم الوضوح لديك في بعض الأمور , وإلا فأنا أظن أن هناك قواعد أساسية لا نختلف عليها البتة ونتفق جميعا عليها , وأزعم أنه عند تقرير هذه القواعد الأساسية والقضايا الجوهرية في الموضوع سينجلي هذا اللبس ولن تستطيع مخالفتي بعد ذلك فيما كتبت .
وبعد هذا أحب أن يكون ردي وتعقيبي على كل ما تفضلت به كالتالي :
1ــ وقفة لغوية :
قلت في بداية ردك : (( زلت بك الخطوات في هذه العتبات ))
أخي الكريم : تعبيرك هذا تعبير خاطئ , فالعتبات هي جمع عتبة والعتبة هي كل مرقاة يوطأ عليها ويصعد , والعتب الدرج ــ عتبات الدرج ــ ونقول : عتبات الجنة أي درجاتها , وعتب لي عتبة في هذا الموضع إذا أردت أن ترقى به إلى موضع تصعد فيه .
فكان حري بك أن تقول : سقطات أو عثرات فعثر بمعنى زل وكبا ولعل هذا ما أردته , والعرب تقول : من سلك الجدد أمن العثار
2 ــ كتبت كلاما غير واضح وغير مرتب وفيه خلط تعليقا على جزء من الموضوع وهو قولي (( بداية لابد أن نعرف أن الشعر الشعبي ما ظهر إلا بعد أن فسدت اللغة العربية ودخلها اللحن والتحريف , فانتشرت العامية انتشارا واسعا وابتعد الناس عن الفصحى )) .
وهذا الكلام كلام متفق عليه وكلام واضح وبين ومما لا شك فيه أن الشعر الشعبي في الدول المجاورة أو في الجزيرة العربية لغته لغة عامية وغير مقبولة في إطار اللغة العربية الفصحى ولا أظن انأحدا ينكر أن العامية حدث طارئ وليس أصلا في الحضارة العربية وما هي إلا لحن وتحريف للغة العربية الفصحى , ولتعلم أخي الكريم : أن العامية ماانتشرت إلا بعد أن هبطت الثقافة العربية وانتشر الجهل وابتعد الناس عن العلم واللغة الفصحى .
وعندما أقول فسدت اللغة أقصد بذلك اللحن في القول والكلام الذي كان نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من الأعاجم .
وقد قال على رضي الله عنه لأبي الأسود الدؤلي واضع النحو : إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فــســـد بمخالطة الحمراء أي الأعاجم ــ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم سمى اللحن في الكلام ضلالا وذلك عندما أخطأ أحدهم في حضرة رسول الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أرشدوا أخاكم فقد ضل )
فبعد أن فسد اللسان العربي انتشرت العامية فنشأ الشعر العامي بعد ذلك ...
ــ والغريب أيضا أنك تريد أن تقول أن الشعر النبطي عندنا أصيل وعند غيرنا في الدول المجاورة غير أصيل وهذا الكلام قطعا غير مقبول ولا أظن أن أحدا سيوافقك عليه .فلغة الشعرالنبطي سواء عندنا أو عند غيرنا كما قلت لغة عامية غير مقبولة في إطار اللغة العربية التي هي تراثنا وآصالتنا ورمز ثقافتنا وحضارتنا . ولا يلزم من ذلك الإساءة للشعر الشعبي ولا نسف الموروث الشعبي .
3 ــ تقول : كيف يكون وافد على البادية ...
نعم فالعامية طارئة وليست أصلا كما قلت , وهنا يكمن اللبس .. ويبدوا من كلامك أنك تتحدث عن فترة قريبة , بينما أنا أتحدث عن فترة بعيدة كانت فيها لغة البادية لغة فصيحة بل إن العرب في المدن كانوا يرسلون أبناءهم إلى البادية لتلقي اللغة الفصيحة النقية وذلك قبل أن تفسد لغة البادية وقبل أن تتفشى العامية وتنتشر على ألسنة الناس , أذا العامية ليست هي الأصل في البادية وإنما هي دخيلة ووافدة وطارئة , وبلا شك فالشعر النبطي يندرج تحت ذلك .
ــ ثم لابد أن تعرف قبل أن تطلب مني أن أذكر متى وفد أن العامية ويشمل ذلك الشعر النبطي لم تأت دفعة واحدة بل نشأة تدريجيا , وطبعا لا أستطيع ولا يستطيع أحد أن يحدد يوما لذلك . والمورخون القدماء لا يذكرون لنا شيئا عن تبدل العربية إلى العاميت في جزيرة العرب , واللغة العربية وتكوينها أقوى مثالاعلى ذلك .
ولكن المتفق عليه أن الشعر النبطي كما قلت قديم النشأة , ومن المناسب هنا أن أذكلر ما قاله الأديب الكبير الشيخ عبدالله بن خميس عن ذلك في كتابه الأدب الشعبي في الجزيرة العربية, فقد ذكر ابن خميس أن الشعر النبطي وفد إلى البادية وأنه دخيل عليها ويقول : ( هذا ما أرجحه لأننا لا نشك في أن هذا الشعر لم يأت دفعة واحدة وأن اللغة أخذت في التأثر تدريجيا حتى ارتضخت هذه العامية السائدة بدليل أنه يوجد في شعر بني هلال ما يشابه الشعر النبطي الموجود بأيدينا الآن ونكاد لا نفرق بينهما ) .
4 ــ تقول : (( ما سمعنا أهل نجد يقولون أنه نبطي ... ))
وأقول : بل إن تسميته بالشعر النبطي هي أشهر التسميات وأعمها على الإطلاق خاصة عندنا نحن أهل الجزيرة العربية وعند أهل نجد بالذات , وتسميته بالشعر العامي أو الشعبي ما جاءت إلا مؤخرا ولا يكاد يطلق عليه قديما إلا الشعر النبطي , والدليل على ذلك أن أضخم مؤلف عن هذا الشعر اسمه (( خيار ما يلتقط من شعر النبط )) للأستاذ عبدالله الحاتم , وكذلك كتاب الأستاذ الأديب خالد الفرج تحت عنوان (( ديوان النبط )) ولأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري مؤلف بعنوان (( الشعر النبطي )) وكذلك هناك كتاب للأستاذ عبدالله الضويحي بعنوان (( الإبداع الفني في الشعر النبطي القديم )) والقائمة تطول ...
والشيخ ابن خميس يسميه كما جاء فيما نقلت له سابقا بالشعر النبطي , بل إن أحد الأمراء الشعراء قد عدل عن تسميته بالنبطي عندما علم أن النبطي نسبة إلى الأنباط , وكل هؤلاء من أهل نجد ــ فكيف تقول أنك لم تسمع أهل نجد يقولون أنه نبطي ... فيبدوا أنك تعيش في عالم غير عالمنا أو أنك تهتف فعلا بما لا تعرف .
حقيقة لا أحب أن أسترسل أكثر ولا أن أطيل الكلام أكثر من ذلك ..
ولـكــن :
أتمنى أن أكون قد كتبت شيئا مفيدا وردا وافيا على ما كتبه الأخ الكريم الوليد الأسعدي
ويجب أن يُعلم أن ما كتبته في كلا الموضوعين : ــ الشعر .. والشعر الشعبي ــ و ــ الشعر الشعبي :وتاريخه نشأته ــ
ليس فيهما ما يوحي بالإساءة إلى الشعر النبطي أو نسف الموروث الشعبي كما ذكر الأخ الوليد , بل على العكس تماما فكل ما كتبته كان يصب في خدمة الموروث الشعبي والشعر الشعبي أو النبطي على وجه الخصوص
وفي الختام أقول :
إن الشعرالنبطي أوالشعبي يشكل بكل أنواعه وبحوره الشعرية معلما من معالم الثقافة الشعبية , ووسيلة لغوية عميقة التأثير وإشارة واضحة المعالم في ايصال الصورة والغاية .
......................... تحياتي للجميع ...