--------------------------------------------------------------------------------
بحث أكاديمي يربط انتشار الجرائم الاقتصادية ببطالة المتعلمين
تقرير - هيام المفلح:
أكد بحث أكاديمي حديث سلط الضوء على حجم بطالة المتعلمين الذكور في المجتمع السعودي، أن هناك علاقة طردية ايجابية بين بطالة المتعلمين والجرائم الاقتصادية، مضيفاً: "كلما ارتفع حجم متغير السعوديين خارج قوة العمل بحسب الفئة العمرية ومتغير حجم السعوديين المتعلمين خارج قوة العمل ارتفع حجم الجرائم الاقتصادية".
وتابع "بالمقابل كلما ارتفع حجم السعوديين المتعلمين داخل قوة العمل انخفض حجم الجرائم الاقتصادية في المجتمع السعودي".
وحدد البحث الأكاديمي الذي أعده الدكتور إبراهيم بن محمد الزبن أستاذ علم اجتماع الجريمة المساعد ورئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام، حدد مفهوم البطالة المرتبطة بالسلوك الإجرامي بحالة البطالة الناتجة عن أزمات اقتصادية أو سوء التخطيط في توزيع العمل على كل من قوة العمل المحلية والوافدة، أو نتيجة لعدم التوافق بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.
وأشار الدكتور الزبن في بحثه الذي اطلعت "الرياض" نسخة منه، إلى أن البطالة في المجتمع السعودي توصف بأنها "هيكلية" بمعنى أنها بطالة عدم التوافق"، كما جاء في تقرير التنمية البشرية الصادرة من وزارة الاقتصاد والتخطيط، إذ لا تتوافق مؤهلات طالبي العمل مع متطلبات السوق، وقد يكون عدم التوافق نتيجة للشروط المعروضة بها الوظائف مع الشروط التي يقبل بها طالبوها، وقد يكون عدم التوافق مرتبطاً بالبعد المكاني، بمعنى (عند توفر الفرص الوظيفية ذات الشروط الملائمة) فإنها تكون في أماكن نائية بعيدة عن تلك التي يقطنها الباحثون عن العمل.
وتابع: "لقد أثبتت البيانات أن إسهام العمالة الوافدة في قوى العمل يفوق قوى العمل السعودية، فقد بلغ حجم قوى العمل السعودية في عام (1401/00ه) نحو (1.527) ألف عامل، وبمتوسط نمو سنوي (2.5%). وفي نهاية الخطة التنموية الخامسة (1415/14ه) ارتفع عدد العاملين غير السعوديين، إذ بلغوا (3.945) ألف عامل، كما انخفضت نسبة نموهم لتصل إلى (2.6%). وفي عام (1423/22ه) استمرت أعدادهم في الارتفاع فبلغت (4.313.7) ألف عامل، وأما نسبة نموهم السنوي فارتفعت إلى (3.8%). أما حجم البطالة في المجتمع السعودي فتتفاوت الإحصاءات المنشورة حوله بحسب تباين مصادرها وتوفر البيانات التي تم الاعتماد عليها في تحديد حجم البطالة ونسبتها.
وذكر البحث أنه في الوقت الذي يشير معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي فيه إلى أن البطالة في المملكة (1428ه) ارتفعت نسبتها إلى (12%) وأن هناك نحو (نصف مليون مواطن ومواطنة) يبحثون عن فرص عمل، بالمقابل فإن الاحصاءات تؤكد ارتفاع نسبة العمالة المستقدمة خلال العام (1427ه) بنسبة تصل إلى (99%) عن العام الهجري (1426ه). وأشارت إحصاءات غير رسمية الى أن نسبة البطالة في المملكة تبلغ حوالي (20%) وأن معدل البطالة بين الذكور يبلغ (9.1%)، بينما معدل البطالة بين الإناث بلغ تقريباً ثلاثة أمثال الذكور حيث بلغت (26.3%).
وبين الزبن أن لبطالة المتعلمين علاقة بجرائم سرقة السيارات، حيث اتضح من بحثه أنه "كلما ارتفع حجم السعوديين خارج قوة العمل ارتفع حجم جرائم سرقة السيارات في المجتمع السعودي"، وبالمقابل "كلما ارتفع حجم السعوديين المتعلمين خارج قوة العمل انخفض حجم جرائم سرقة السيارات"، وعن علاقة هذا بالعمر اتضح أنه "كلما ارتفع حجم الذكور السعوديين ( 15سنة فما فوق) داخل قوة العمل (المشتغلين) انخفض حجم جرائم سرقة السيارات في المجتمع السعودي".ويفسر الزبن هذا الارتباط من خلال ما توصلت إليه الدراسات السابقة حول أهمية عمر الجاني وحالته التعليمية في تفسير جرائم سرقة السيارات إذ أن الهدف من سرقة السيارة، يختلف باختلاف عمر الجاني ومستوى تعليمه، مبيناً أنه ينبغي إدراك هذه الأمور عند التعامل مع جرائم سرقة السيارات عندما يرتكبها صغار السن ويتأكد ذلك في مسألة مقاضاتهم والحكم عليهم.
ويوضح الدكتور الزبن علاقة بطالة المتعلمين بسرقة المحلات، حيث تبين في بحثه أنه كلما ارتفع حجم متغير السعوديين خارج قوة العمل بحسب الفئة العمرية ارتفع حجم جرائم سرقة المحلات التجارية".
وبالمقابل اتضح أنه "كلما ارتفع حجم السعوديين المتعلمين داخل قوة العمل انخفض حجم جرائم سرقة المحلات التجارية". وهذه النتيجة تتفق مع ما توصلت إليه معظم الدراسات السابقة التي اهتمت بخصائص الجناة، حيث اتضح أن معظمهم من السعوديين الذين يقعون في الفئة العمرية (من 20حتى أقل من 30سنة)، وأن مستوى تعليمهم منخفض، حيث أن نسبة عالية منهم حاصلون إما على الشهادة الابتدائية أو المتوسطة (الإعدادية).
أما من حيث الخصائص الاقتصادية للجناة: فكان معظمهم عاطلين عن العمل، ودخلهم الشهري متدنيا، أو لا يوجد لديهم دخل ثابت، وأن من الأسباب التي أدت إلى ارتكابهم جرائم السرقة الاحتياج المادي، وأشار العديد من الجناة إلى أن من الأسباب التي شجعتهم على سرقة المحلات التجارية وجود أشياء ثمينة يرغبون بسرقتها.
وأوصى الزبن في بحثه إلى ضرورة إدراك المشكلات الاجتماعية الناتجة عن سوء التخطيط الاجتماعي والاقتصادي، ومحاولة التقليل من الآثار السلبية لهذه المشكلات، سيما وأن البحث أظهر أهمية تفسيرية للمتغيرات المتضمنة تحت مفهوم البطالة، كقوة العمل، وتوزيع الفئات العمرية على قوة العمل، وكذلك توزيع المراحل التعليمية على قوة العمل، والتي أثرت إيجابياً على الجرائم الاقتصادية، كما أشار إلى تبني أهم السبل الوقائية في هذا الصدد ومنها الاستفادة من البحوث والدراسات العلمية التي تهتم بمناقشة هذه القضايا وتوظيف التوصيات التي تقدمها في الحد من هذه الآثار السلبية.
ومن التوصيات، ضرورة التوسع في المشروعات التنموية، والتي يمكن أن تسهم في توفير الفرص المشروعة للأفراد والجماعات داخل المجتمع لتحقيق أهدافهم المادية، مما يمكن أن يسهم في التقليل من فرص ارتكاب الجرائم الاقتصادية في المجتمع السعودي، والاهتمام في قوى العمل الوطنية في المجتمع السعودي، وبخاصة في القطاع الخاص، الذي يستحوذ على معظم الفرص الوظيفية المتاحة في سوق العمل، مما أسهم في نمو بطالة المتعلمين التي تشكل إحدى المشكلات التنموية الأساسية في المجتمع السعودي والمجتمعات الخليجية المماثلة، ووفقاً لهذه النتيجة فإن الباحث يوصي بضرورة معالجة هذه المشكلة من خلال التوسع في برامج الدراسات العليا، وبخاصة في المجال التقني، على أن تتناسب هذه البرامج مع متطلبات سوق العمل، وأن توفر هذه البرامج فرص تنمية المهارات المعرفية، والمهنية للملتحقين بها، مما يجعلهم مهيئين لشغل الوظائف المتاحة في قطاعات التحمل المختلفة.
وشملت التوصيات ضرورة توفير فرص العمل لهؤلاء الخريجين من خلال دعم برامج السعودة التي تقوم على فكرة إحلال المواطنين السعوديين بدلاً من العمالة الوافدة، وبخاصة في القطاع الخاص الذي يعاني من سيطرة قوى العمل الوافدة على الفرص الوظيفية المتاحة فيه. كما أن ذلك يتطلب أيضاً الاهتمام بتحسين ظروف العمل في القطاع غير الحكومي، وبخاصة فيما يتعلق بنظام الأجور وساعات العمل، وذلك لكي يجذب هؤلاء الخريجين للعمل فيه، وكذلك ليحقق لهم الاكتفاء المادي، حتى لا يتورطوا في ارتكاب الجرائم الاقتصادية.