]((لا خيل عندك تهديهـا ولا مـال فليسعد النطق إن لم يسعف الحال ))
تعريف الحوار : 
أصله من الحور وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء , وفي الحديث ( من دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك حار عليه ) . 
فال لبيد :
((وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً بعد إذ هو ساطـع ))
وذكرت المحاورة في عدة مواضع بالقرآن الكريم : 
"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" ( النحل: منالآية125)
" فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً " (الكهف: من الآية34)
بين الحوار والجدال :
الحوار والجدل يلتقان في أنهما حديث أو مناقشة بين طرفين , لكنهما يفترقان بعد ذلك : الجدل هو اللدد في الخصومة وما يتصل بذلك ولكن في إطار التخاصم بالكلام , فالجدال والمجادلة والجدل كل ذلك ينحى منحى الخصومة او بمعنى العناد والتمسك بالرأي والتعصب له , أم الحوار والمحاورة فهي مرجع الكلام والحديث بين طرفين دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة . 
وفي القرآن الكريم مايدل على هذا الفرق , حيث نجد الكتاب العزيز يستعمل الجدال في المواضع غير المرضى عنها او غير المجدية كقولة عز وجل {ومن النَّاس من يجادل في الله بغير علم}
وفي اللغة : تسمى الفتل جدلاً , والجديل الزمام المجدول من أدم , ومنه قول امرئ القيس : 
((و كشح لطيف كالجديل مخصراً و ساق كأنبوب السقي المذلل))
آداب الحوار
للحوار آداب حري بالمحاور أن يلمّ بها , فهي الطريق لكسب الآخرين والتأثير فيهم . 
و قد أولى القرآن الكريم أدب الحوار أهمية بالغة , فهو الإطار الفني للدعوة والسحر الحلال الذي يقتن عقول الناس ويأسر أفئدتهم . 
" وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا " البقرة 83
" وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " النحل 125
" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ " الإسراء 53 
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً للمحاور , تشهد بذلك أفعاله قبل أقواله : 
" يسروا ولاتعسروا وبشروا ولاتنفروا " 
" الكلمة الطيبة صدقة " 
" ليس الشديد بالصرعة , ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " 
والآيات والأحاديث أكثر من أن تحصر في مثل هذا المقام . 
طلب الحق 
إنكار الحق وإخفاؤه من صفات أهل الكتاب 
" وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " البقرة 146
أما المسلم الصادق فينشد الحقيقة ويفر من الخديعة , همّه بلوغ الحق سواء على يده أو على يد محاوره - فالحكمة ضالته - حتى أنه يروى أن امرأة ردت على عمر - رضى الله عنه - حول تحديد المهور وهو في خطبته على ملأ من الناس , فقال : أصابت امرأة وأخطأ عمر . 
فحفظها له التاريخ .
و مما يتبلى به بعض الناس حب الحديث لحاجة أو بدون , وشهوة سيطرة على المجالس , وإظهار البراعة والثقافة , وانتزاع الإعجاب وانتظار الثناء من الآخرين , وهذا مما لا شك فيه يحبط أعمالهم وقلّما يجدون قبول عند الناس . 
ويقول عبدالله ابن مسعود " والذي لا إله غيره ماعلى ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان " . 
ولنتذكر أن هوى النفس لا يأتي إلا عرياناً بل مزخرفاً بألفاظ النية الخالصة .
وللمحاور مع نفسه قبل كل حوار وقفتان : 
هل نيتي خالصة في هذا الحوار ؟ 
فإن خلصت النية لله , 
هل هناك فائدة ترجى من هذا الحوار؟ 
أم لعله يثير فتنه , أو مدعاة لترف فكري من غير ضرورة , أو أن تركه خير من نتيجته المرجوة على أحسن الأحوال . 
حسن البيان 
الفصاحة والبيان يفعلان فعل السحر في السامع , فصاحة من غير إغراب ولا تعقيد , وبيان من غير تشدق ولا تفهيق .. 
وما أحلى الحوار بجلب أطايب الكلام مسوقاً بقدر الحاجة في وقت الحاجة , وقد روي عن عمر أنه قال : إن أندم على شيء من الدنيا , فلا أندم إلا على ثلاثة ذكر منها وأن أجالس أناساً ينتقون كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر .
وأسلوب الإيضاح بالمقارنة , هو ضرب من ضروب البيان , سئل الشاعر أحمد شوقي : لماذا تكتب القصائد ذات الحكاية الخرافية ؟ فقال : لأن الأمثال وحدها بدون حكاية عبارة جافة سرعان ما تنسى كما أنها لا تثير الاهتمام , وأما الحكاية فهي تستثير اهتمام الطفل لمتابعة حوادثها حتى النهاية , وبالتالي لفهم العظة الأخلاقية التي هي هدف القصيدة ويقتنع بها . 
فاحرص على بساطة بلفظ موجز , ومن غير إطالة ولا تكرار , حتى لا يخل بعض الكلام ببعض . 
و كم ضاع حق بسوء عبارة , وظهر باطل بحسن طلاوة , وعليه أن لا يسرع بعرض أفكاره فيعجز عن ملاحقته ولا يبط ء فيمل منه ويترك , وأن يكون واضح العبارة لا تجد صعوبة في تتبع كلماته . 
ومن البيان أن يعرف متى يتكلم , ومتى ينصت و ومتى يجيب إشارة , وما أجمل أن يطرز كلامه بشواهد الشعر والنثر !
الظرف المناسب
يحسن المحاور أن يلقى نظرة فاحصة فيما حوله قبل أي حوار , ثم يحدد تلاؤم الحال للحوار , فإن وجده ملائماً استعان بالله وبدأ , وإلاّ سكت وتريّث .
فربما ضاق الوقت عن حوار في أمر يحتاج إلى مدة أطول من المتاح نظراً لتأخر الوقت , أو قرب موعد أمر ثابت لا يمكن تأجليه كالصلاة . 
و قد تكون الحال غير مناسبة , كحوار في مجتمع كبير قبيل وليمة لاتدري في أي لحظة ينادى للطعام . 
ومثل ذلك الأماكن العامة حيث تكثر فيها الشواغل والمقطاعات , فلا تصلح لحوار طويل , وعلى المحاور أن لا يغفل النظر عن الحضور , فلعله أن يكون بينهم مشاكس همه اللعب وإثارة الأعصاب , وأن موضوع الحوار أصله لا يندرج تحت اهتمامه .
والمحاور اللبق هو الذي يعطي الظروف النفسية وزنها , ولا يهملها :
فالإرهاق , والجوع , ودرجة الحرارة , وضيق المكان قد تؤثر على الحوار سلباً فتبتره . 
رغم ذلك كله يظل اختيار الظرف المناسب أمراً يحتاج إليه إلى مران و مزلق قل من ينجو منه , فإن أجاد المحاور توقيته - فليتوكل على الله - ,