29-Sep-2007, 12:33 AM
|
رقم المشاركة : 3
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الشعراء الصعاليك
الصعاليك هي جمع لكلمة صعلوك والصعلوك باللغة هو الفقير الذي لا مال له ولا سند . اما الشعراء الصعاليك فهم جماعة من العرب عاشوا في القفار ومجاهل الارض يرافقهم الفقر والتشرد والتمرد وكانوا يغيرون على البدو والحضر بقصد النهب والتخريب ثم يمضون في الصحراء حيث مخابئهم ولا يستطيع احد لحاقهم لسرعة عدوهم من جهة ولمعرفتهم في طرق الصحراء من جهة اخرى واتصف الصعاليك عادة بالشدة و الصبر والاحتمال والشجاعة والكرم والقوة وكانوا يقتسمون غنائمهم ويساعدون الضعفاء والمحتاجين . وكان من الصعاليك من اتصف بسواد لونه بسبب اختلاط اصولهم من امهاتهم الحبشيات فاطلق عليهم اغربة العرب ومن اشهرهم الشنفري والسليك بن سلكة وتأبط شرا , ومن الصعاليك من خلعتهم قبائلهم لكثرة ما سببوا للقبيلة من المشاكل . كان الشعراء الصعاليك يمثلون الصوت الحي والشجاع للثورة على الواقع الاجتماعي , ويعبرون عن رفض المضطهدين للاضطهاد وعن ثورة المسحوقين اقتصاديا واجتماعيا وعرقيا على الطبقة الارستقراطية المتحكمة بالرزق والدم وعلى سطوة التقاليد المتهرئة والتحكم الطبقي وقد تمرد هؤلاء الرجال على البنيان الاقتصادي والطبقي وأحياناالعنصري في القبيلة , ورغم ان القبيلة كانت في ذلك العصر هي القانون وهي الحماية الوحيدة للإنسان في الصحراء القاسية المخيفة , فانهم لم يغيروا موقفهم الثائر , وتمردوا على القبيلة وخلعوا منها ومن حمايتها وطردوا من اطارها فانطلقوا الى الصحراء العميقة الموحشة يقومون بالثورة على طريقتهم الفردية . وقد انتشروا على الاغلب في منطقة السراة المحيطة بمكة لوقوعها على الطريق التجاري الواصل بين اليمن والشام مما مكنهم من الغارة على القوافل التجارية , وقد اتاح انتشار الاسواق التجارية في تلك المنطقة الى انتشار تجارة الرقيق التي نقلت الكثير من الملونات المحرومات الى البادية واللاتي كن رافدا مهما في انجاب حركة الصعاليك , وقد اتاح الفارق الطبقي الكبير بين طبقة التجار وطبقة العبيد ان يتحول ابناء تلك الاماء الى ثائرين متمردين على القبيلة الظالمة التي لم تلبث ان خلعتهم وطردتهم من حمايتها فاخذوا يعبرون عن واقعهم الاجتماعي المزري بطريقتهم , وهؤلاء الفقراء لم يكونوا لصوصا بالفطرة همهم السلب والنهب بل كثيرا ما تنقل لنا كتب الادب اقاصيص وروايات عن كرمهم وشجاعتهم وبرهم باقاربهم واهلهم و احساسهم بالترفع والكرامة , كما قال عروة بن الورد :
اني امرؤ عافي انائي شركة
وانت امرؤ عافي انائك واحد
افرق جسمي في جسوم كثيرة
واحسو قراح الماء والماء بارد
فهو مستعد لتقسيم طعامه للناس والاكتفاء بالماء البارد وقد كان عروة يجمع الصعاليك ويؤمن حاجاتهم حتى سمي بعروة الصعاليك وقد اتصف بالشجاعة والجود وكرم الاخلاق وكبر النفس وقد نقل عن عبد الملك بن مروان انه قال (من زعم ان حاتما اسمح العرب فقد ظلم عروة بن الورد).
ومن الشعراء الصعاليك المشهورين الشنفري وهو واحد من اشهرعدائي العرب ممن لم تكن الخيل تدركه وكان يعيش على على السلب والنهب والغارات , وللشنفري قصيدته المشهورة بلامية العرب التي يشير في مطلعها الى تركه لقبيلته التي خلعته حيث يقول :
اقيموا بني امي صدور مطيكم
فاني الى قوم سواكم لأميل
ومن الصعاليك ايضا تابط شرا واتصف شعره بالكثير من العاطفة و السذاجة والاخلاص ويمتاز بقوة الملاحظة والوصف الدقيق للاشياء ويدلنا شعره ان الشر لم يكن طبعا من طباعهم بل كان وسيلة لتحقيق نوع من الكرامة الانسانية فيقول تأبط شراً :
ولا أتمنى الشر والشر تاركي
ولكن متى أحمل على الشر أركب
ومنهم ايضاً السليك بن سلكة وكان من العدائين الذين لا تدركهم الخيل اذا عدوا وواحد من اعرف العرب بطرق الصحراء واتسم شعره بالعفوية و صدق التعبير وبالخشونة وقد قتلته قبيلة خثعم وقال قاتله :
اني وقتلي سليكا ثم اعقله
كالثور يضرب لما عافت البقر
وبامكان القارئ من خلال قصائد الصعاليك معرفة الاحداث التي دارت و حياة العرب قديما . وللصعاليك الكثير من الكتب والدواوين التي اهتمت بشعرهم . استمرت الصعلكة على مدار العصر الجاهلي ولكن مجئ الاسلام الذي ساوى بين الناس ولم يفرق بين ابيض واسود وبين عربي واعجمي وحول ولاء الفرد من ولاء للقبيلة الى ولاء لله ورسله وبذلك تقلصت مؤقتاً مظاهر التفرقة الطبقية وعاش الناس لايميز احدهم عن الآخر الا ايمانه الشديد واخلاصه للعقيدة , ولم يكن ثمة مبرر لاستمرار ظاهرة الصعلكة بنفس قوتها في الجاهلية فالاسلام وزع الخيرات بالتساوي بين الناس ونصر المظلوم وساعد المحتاج ووضع همه في نشر تعاليم الدين الجديد , ولم يكن مجتمع الصعاليك بمنأى عن هذه القيم الاخلاقية الكريمة فهم فوارس وشجعان وكرماء ووجدوا في الدين وازعا لهم . ولكن بعض العصور الاسلامية عادت فكرست الفقر والطبقية وانتشرت الملاهي والترف وابتعد الناس عى نقاوة الاسلام الاولى , وعاد الغنى يتركز في ايدي القلة بينما كانت الاكثرية المحرومة لاتجد قوت يومها فنشا جيل من الثائرين على واقعهم الاجتماعي يشبهون كثيرا صعاليك الزمن الغابر , قد أصابهم الفقر ، فتاقوا الى الغنى ، عبر مسالك المغامرة والغزو والفتك ، ولم يكن سلوكهم العدواني هدفا في حد ذاته بل مجرد وسيلة للحفاظ على حياتهم وكرامتهم . ومن هؤلاء ابوالنشناش النهشلي الذي كان يعترض القوافل فيسلبها حمولتها ويوزع مايحصل عليه على المحتاجين وكثيرا ماذم الفقر في شعره ووصف حياة التشرد :
ولم ار مثل الفقر ضاجعه الفتى
ولاكسواد الليل اخفـــق طالبه
وسائلة اين الرحيل وســـائل
ومن يسأل الصعلوك اين مذاهبه
اما الاحيمر السعدي فقد كره بني البشر اجمعين وحقد على واقعه الاجتماعي المزري ورفضه الطلب من لئام الناس لأن خيرات الله تملا الدنيا وليس على المرء سوى اخذها بالقوة :
عوى الذئب فاستانست بالذئب اذ عوى
وصـــوت انسان فكدت اطير
واني لاستحيي مــــن الله ان ارى
اجـــرر حبلا ليس فيه بعير
وان اسال المــــرء اللئيم بعيره
وبعــران ربي في الفلاة كثير
فهم أصحاب أنفة واعتداد بالنفس ، فيتحملون الأذى الجسدي ، والجوع ، من أن يستجدى أحدهم غيره . لم يتميز شعر الصعاليك بالقصائد الطوال بل كان شعر مقطوعات صغيرة تعبر عن الغاية باختصار كما تميز شعرهم بوحدة الموضوع فلم يكن يفرع عن موضوع القصيدة مواضيع اخرى الا ماندر ونلاحظ انهم قد تركوا اسلوب الجاهليين في البكاء على الاطلال و تركوا المقدمات الغزلية التي لاتتناسب مع الموضوع الاساس ويتميز شعرهم بالواقعية والشفافية والصدق وحرارة شعورهم بالظلم والفاقة
تميزت الحركة الصعلوكية بانها كانت ثورة على الواقع الاجتماعي و احتجاجا على الفوارق الطبقية ومظهرا من مظاهر الصراع بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة وبما انهم كانوا يعبرون عن حال غالب الناس فقد تعاطف الفقراء معهم الى ابعد حد ولكن ثورتهم لم تكن ثورة منظمة شعبية بل كانت ثورة فردية عشوائية يعبر كل صعلوك فيها عن معاناته وقد يصل الامر ببعضهم الى حد الحقد على البشر جميعا واعتزالهم ونظرا لهذه الفردية غير المنظمة فقد فشلت هذه الحركة في تحقيق العدالة الاجتماعية وما المهربين عنهم ببعيد . منقول بتصرف وانتم سالمون وغانمون والسلام
آخر تعديل سبيع بن عامر يوم 29-Sep-2007 في 12:36 AM.
|
|
|