الموضوع
:
لاَميـَّـةَ الْعَـرَبْ .. للشَّنْفَرَى
عرض مشاركة واحدة
28-Sep-2007, 11:16 PM
رقم المشاركة :
12
معلومات العضو
سبيع بن عامر
عضو فعال
إحصائية العضو
بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد لما للتلازم بين الاسمين لامية العرب للشنفرى الازدي احد صعاليك العرب الكثر في الجاهلية مثل تابط شرا والسليك بن سلكه وغيرهم ولامية العجم للطغرائي المتوفي (514هـ - وقيل 515هـ ) وهو العميد مؤيّد الدين ، أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الأصبهاني فاليكم لامية العجم ومقارنة بين اللامتين وهذه لامية العجم للطغرائي
أصــــــــــــــــــــــالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ
وحليةُ الفضـــــــــــــــــــلِ زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَـــــــــــــــــــــــرعٌ
والشمسُ رَأدَ الضحى كالشمس في الطفلِ
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَـــــــــــــــــــــــــكنِي
بها ولا ناقــــــــــــــــــــــــــتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِـــــــــــفر الكف مُنفـــــــــــردٌ
كالســــــــــــــــــــــيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صـــــــــــــــــــــــديقَ إليه مشتكى حَزَني
ولا أنيسَ إليه مُنتهى جــــــــــــــــــــــــــذلي
طـــــــــــــــــــال اغترابي حتى حَنَّ راحلتي
وَرَحْلُها وَقَرَا العَسَّـــــــــــــــــــــــــــــالةَ الذُّبُلِ
وضج من لغبٍ نضـــــــــــــــــــــــوى وعج لما
ألقى ركابي ، ولج الركــــــــــــب في عَذلي
أريدُ بســـــــــطـــــــــةَ كفٍ أســـــــــتعين بها
على قــــضــــاء حـــقـــوقٍ للعـلى قِــبَــلــي
والدهــــــــر يعكــــــــــــــــس آمالي ويُقنعني
من الغــــــنيمة بعد الكـــــــــــــدِّ بالقــــفــــلِ
وذي شِطاطٍ كصـــــــــــــــــــــدر الرمحِ معتقل
بمثله غيرُ هـــــــــــــــــــــــــــــــــيَّابٍ ولا وكلِ
حلو الفُـــكـــــاهـــــةِ مرُّ الجـــــدِّ قد مــزجــت
بشــــــــــــــــــــــــــــدةِ البأسِ منه رقَّةُ الغَزَلِ
طردتُ ســـــــــــــــــــرح الكرى عن ورد مقلته
والليل أغرى ســــــــــــــــــــوام النوم بالمقلِ
والركب ميل على الأكـــــــــــــــــوار من طربٍ
صــــــــــــاح ، وآخـــــــــر من خمر الكرى ثملِ
فقلتُ : أدعــــــــــــــــــــــوك للجلَّى لتنصرني
وأنت تخذلني في الحــــــــــــــــــــادث الجللِ
تنامُ عيني وعين النجم ســــــــــــــــــــاهرةٌ
وتســـــــــــــــــــــــتحيل وصبغ الليل لم يحُلِ
فــــهــــل تـــعــــيــنُ على غـيٍ هــمــتُ بــه
والغي يزجـــــــــــــــــــــــر أحياناً عن الفشلِ
إني أريدُ طـــــــــــــــــروقَ الحي من إضــــــمٍ
وقد حــــمــــاهُ رمـــــــــاةٌ من بني ثُــعــــــــلِ
يحـــمون بالبيــض والســــــــمـــــر الِّلدان به
ســــــــــــــــــــودُ الغدائرِ حمرُ الحلي والحللِ
فســـــــــر بنا في ذِمام الليل معتسِـــــــــفـاً
فنفحةُ الطيبِ تهـــــــــــــــــــــدينا إلى الحللِ
فالحبُّ حيث العدا والأســــــــــدُ رابضــــــــــةٌ
حول الكِناس لها غـــــابٌ من الأســـــــــــــــلِ
تؤم ناشــــــــــــــــــــــــــئة بالجزم قد سُقيت
نِصــــــــــــــــالها بمياه الغُــنــْـج والكَـــحَـــــلِ
قد زاد طــــــــيبُ أحاديثِ الكــــــــــــــــرام بها
مابالكــــــــــرائم من جــــــــــــــــبن ومن بخلِ
تبيتُ نار الهـــــــــــــــــــــــوى منهن في كبدِ
حــــــــــرَّى ونار القـــــــرى منهم على القُللِ
يَقْتُلْنَ أنضـــــــــــــــــــــــاءَ حُبِّ لا حِراك بهم
وينحـــــــــــــــــرون كِـــــــــــرام الخيل والإبلِ
يُشفى لديغُ العـــــــــــــــــــوالي في بيُوتِهمُ
بِنَهلةٍ من غـــــدير الخــمــــر والعـــســــــــــلِ
لعـــل إلــمــــامـــةً بالجــــــــــزع ثــانــيــــــــةٌ
يدِبُّ منها نســـــــــــــــــــيمُ البُرْءِ في عللي
لا أكـــــــــــــــــــرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت
برشــــــــــــــــــــــــقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
ولا أهــــــاب الصـــــفــــاح البيض تُســــعدني
باللمح من خلل الأســــــــــــــــــــــتار والكللِ
حبُّ الســـــــــــــــــــــلامةِ يثني هم صاحبهِ
عن المعالي ويغري المرء بالكســـــــــــــــــلِ
فإن جــــنــــحــــتَ إليه فـــاتـــخـــذ نــفــقـــاً
في الأرض أو ســــلماً في الجـــــــــوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُــــــلا للمقــــــــــــــــدمين عـلى
ركــــــــــوبــــهــا واقـــتــنــعْ مــنــهـــن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مســـــــــــــكنهُ
والعِـــــــــــــــزُّ عند رســــــــــيم الأينق الذّلُلِ
فادرأ بها في نحــــــــور البيد جــــــــــــــــافِلةً
معارضــــــــــــــــــــــات مثاني اللُّجم بالجدلِ
إن العـــــــــلا حـــــدثتني وهي صــــــــــادقةٌ
فيما تُحـــــــــــــــــــــــــدثُ أن العز في النقلِ
لو أن في شـــــــــــــــــرف المأوى بلوغَ منىً
لم تبرح الشـــمـــسُ يومــــاً دارة الحــمــــــلِ
أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مســـــــــــــــــــــــتمعاً
والحظُ عني بالجــــهــــالِ في شُـــــــــــــــغلِ
لعله إن بدا فضـــــــــلي ونَقْصــــــــــــــــــــهمُ
لِعــــيــــنـــه نـــــام عـــــنــــهـــــم أو تنبه لي
أعــــــللُ النــفــس بالآمــــال أرقــــــــــــــبــها
ما أضــــــــيق العــيــش لولا فُســـحــة الأمل
لم أرتضِ العـــيـــشَ والأيــــام مــقــبــلـــــــــةٌ
فكيف أرضــــــــــــــــــى وقد ولت على عجلِ
غالى بنفســـــــــــــــــــــــي عِرْفاني بقيمتها
فصــــــــــــــــــــــنتها عن رخيص القدْرِ مبتذَلِ
وعادة الســــــــــــــــــــيف أن يزهى بجوهرهِ
وليس يعــــمــــلُ إلا فــــي يديْ بـــطــــــــــلِ
ماكــــــــنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمـــــــــــــــــني
حتى أرى دولة الأوغاد والســــــــــــــــــــــفلِ
تــقــدمـــتـــنــي أناسٌ كان شــــــــــــــوطُهمُ
وراءَ خطوي لو أمشــــــــــــــــــــي على مهلِ
هذاء جــــــــــــــــزاء امرىءٍ أقرانهُ درجـــــــــوا
من قبلهِ فتمنى فســـــــــــــــــحةَ الأجَــــــلِ
فإن عــــــــــــــــــــــلاني من دوني فلا عَجبٌ
لي أســــــوةٌ بانحطــــاط الشمسِ عن زُحلِ
فاصـــــــــــــــــــــــبر لها غير محتالٍ ولا ضَجِرِ
في حــــــــادث الدهـــر ما يُغني عن الحِـيلِ
أعـــــــــدى عدوك ادنى من وثِقـــــــــــــتْ به
فحاذر الناس واصـــــــحـــــــــبهم على دخلِ
فإنما رُجــــــــــــــــل الدنيا وواحــــــــــــــدها
من لايعـــــــــــولُ في الدنيا على رجــــــــلِ
وحُســـــــــــــــــــــــــــن ظنك بالأيام معجزَةٌ
فَظنَّ شـــــــــــــــــــــراً وكن منها على وجَلِ
غاض الوفـــــــــاءُ وفاض الغـــــــــدر وانفرجت
مســــــــــــــــــافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
وشـــــــــــــــــــان صدقكَ عند الناس كذبهم
وهلْ يُطـــــــــابق مِعْــــــــــــــــــــوجٌ بمعتدلِ
إن كان ينجـــــــــــــــع شــــــيءٌ في ثباتهمُ
على العهود فســــبق الســـــــــــيف للعذلِ
يا وراداً سُـــــــــــــــــــــــــــؤر عيش كلُّه كدرٌ
أنفـــقــــت صــــفـــوك في أيامـــــــــك الأول
فيم اقتحــــامك لجَّ البحـــــــــــــــــــــر تركبهُ
وأنت تكـــــفــــيك مــــنـــهُ مــــصـة الوشـلِ
مُلكُ القـــنـــاعــــةِ لا يُخــــشــــى عليه ولا
يُحتاجُ فيه إلى الأنصــــــــــــــــــــــار والخَولِ
ترجـــــــــــــــــــــــــــو البقـاء بدارٍ لاثبات بها
فهل ســــــمعـــت بـــظـــلٍ غـــير منتـقــــلِ
ويا خبيراً على الإســــــــــــــــــــــرار مطلعاً
اصـــــمـتْ ففي الصــمــت منجاةٌ من الزلل
قد رشــــحـــــوك لأمـــــــرٍ إن فطـٍــــــنتَ له
فاربأ بنفســــــــــــــــك أن ترعى مع الهملِ
لامية العرب للشنفرى المتوفي نحو 70 قبل الهجرة وهو ثابت بن أوس الأزدي الملقب بالشنفرى ، نشأ بين بني سلامان من بني فهم الذين أسروه وهو صغير ، فلما عرف بالقصة حلف أن يقتل منهم مائة رجل ، وقد تمكن من قتل تسعة وتسعين منهم ، وأما المائة فقيل إنه رفس جمجمة الشنفرى بعد موته فكانت سبباً في موته . وهو - أي الشنفرى - من أشهر عدَّائي الصعاليك كتأبط شراً وعمرو بن براقة ، ومن أشهرهم جرأة وقد عاش في البراري والجبال . ومنها:
أقيموا بني أمي ، صــــــــــــــــــــدورَ مَطِيكم
= فإني ، إلى قومٍ سِــــــــــــــــــواكم لأميلُ !
فقد حــــــمت الحـــــاجـــــاتُ ، والليلُ مقمرٌ
= وشُـــــــــــــــــدت ، لِطياتٍ ، مطايا وأرحُلُ؛
وفي الأرض مَنْأىً ، للكـــــــــريم ، عن الأذى
= وفيها ، لمن خــــــــــــــاف القِلى ، مُتعزَّلُ
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضـــــــــــيقٌ على أمرئٍ
= سَـــــــــــــــرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولامية العجم للطغرائي المتوفي (514هـ - وقيل 515هـ ) وهو العميد مؤيّد الدين ، أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد بن عبدالصمد الأصبهاني . ومنها:
أصــــــــــــــــــــــالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ
= وحليةُ الفضــــــــــــــــــلِ زانتني لدى العَطَلِ
مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَـــــــــــــــــــــــرعٌ
=والشمسُ رَأدَ الضحى كالشمس في الطفلِ
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَــــــــــــــــــــــــكنِي
= بها ولا ناقـــــــــــــــــــــتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِــــــــفر الكف مُنفـــــــــــــردٌ
= كالســـــــــــــــــيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
كتب هذه الدراسة الدكتور / محمد إبراهيم نصر وهي في كتابه من عيون الشعر ( اللاميات ) وانا بدوري انقلها لكم بين القصيدتين صلات مشتركة تدفع إلى إلقاء هذه الظلال بعيداً عن الغلو والإفراط كما ظهر ذلك في بعض الدراسات حتى فقدت طابع اليسر والسماحة . البعد عن الأهل والإحساس بالغربة : كلا الشاعرين بعيد عن أهله ، ناءٍ عن أصدقائه ، ولكن كلاً منهما يستقبل النأي والغربة استقبالاً مختلفاً تماماً . فالشنفرى صلب الإرادة ، قوي النفس ، ماضي العزم ، يتخذ أهلاً له جدداً من الوحوش المفترسة ، فأصدقاؤه : الذئاب والنمور والضباع والحيات ، اقرأ له يقول :
لَعَمْرُكَ ، ما بالأرض ضــــــــــــيقٌ على أمرئٍ
= سَــــــــــــــــرَى راغباً أو راهباً ، وهو يعقلُ
ولي ، دونكم ، أهــــــــــلونَ : سِيْدٌ عَمَلَّسٌ
= وأرقطُ زُهــــلــــول وَعَــــــرفــاءُ جـــــــــــيألُ
أما الطغرائي : فرقيق الحاشية ، واهي العزم ، فما إقامته ببغداد وليس له فيها صديق يشكو إليه حزنه ويزف إليه فرحه ، إلى دليل على ذلك ، ولذلك يقول :
فيم الإقامةُ بالزوراءِ لا سَـــــــــــــــــــــــــكنِي
= بها ولا ناقــــــــــــــــــــــتي فيها ولا جملي
ناءٍ عن الأهلِ صِـــــــــفر الكف مُنفـــــــــــــردٌ
= كالســــــــــــــــــيفِ عُرِّي مَتناه عن الخلل
فلا صـــــــــــــــــــــــديقَ إليه مشتكى حَزَني
= ولا أنيسَ إليه مُنتهى جــــــــــــــــــــــذلي
فتجد في حديثه رنة الأسى ، ونبرة الحزن ، وضعف النفس متمثلاً في قوله ناءٍ عن الأهل ، صفر الكف ، منفرد ، فلا صديق أبثه حزني ، ولا أنيس أخلو إليه من وحدتي ، فالرجل لايقوى على مثل هذه المواقف كما يقوى عليها الشنفرى الذي يقرر حقائق وَطَّن نفسه عليها .
وفي الأرض مَنْأىً ، للكـــــــــــريم ، عن الأذى
= وفيها ، لمن خــــــــــــــــاف القِلى ، مُتعزَّلُ
ثم يقسم على ذلك ويجد البديل عن الأهل في هذه الوحوش التي أنس إليها وأنست إليه . والشنفرى : يستعيض عن فقد من لم يجد فيهم خيراً وليس في صحبتهم نفع بثلاثة أصحاب ، هم قلبه الشجاع الجسور ، و سيفه الصقيل ، وقوسه الصفراء المتينة :
وإني كفــــــــاني فَقْدُ من ليس جـــــــــــــازياً
= بِحُســــــــــــــــــــنى ، ولا في قـربه مُتَعَلَّلُ
ثلاثةُ أصــــــــــــــــحـــــابٍ : فؤادٌ مشـــــــيعٌ ،
= وأبيضُ إصــــــليتٌ ، وصــــــــــــــفراءُ عيطلُ
أما الطغرائي : فإنه يقصد من يعوضه عن الأهل والأصدقاء لأن له هدفاً هو بسطة الكف ، وسعة العيش ، يستعين به على ما يريده من الوصول إلى العلا والرفعة ، ولكن الدهر يعاكسه ، ويقف في طريقه ، فيرضى من الغنيمة بالإياب :
أريدُ بســـــــــطـــــــــةَ كفٍ أســـــــــتعين بها
= على قـضــــاء حـــقوقٍ للعـــلى قِــبَــلــي
والدهــــــــر يعكــــــــــــــــس آمالي ويُقنعني
= من الغــــــنيمة بعد الكـــــــــــدِّ بالقــــفــلِ
والشكوى ، والتودد ، ومحاولة الاستمالة للحصول على مطلوبه ، كل ذلك واضح في قوله :
فقلتُ : أدعــــــــــــــــــــــوك للجلَّى لتنصرني
= وأنت تخذلني في الحــــــــــــــــادث الجللِ
وكل منهما يذكر المرأة في لاميته غير أن منهج كل واحد منهما مختلف عن الآخر ، فالشنفرى ليس رجلاً جباناً قعيد منزله ، لاجئاً عند زوجته يشاورها في كل الأمور بل هو شجاع تعلو نفسه عن الركون إلى المرأة ، ولايقصد إليها . فهو ليس رجلاً قليل الخير ، لايفارق داره ، يصبح ويمسي جالساً إلى النساء لمحادثتهن يدهن ويتكحل كأنه منهن :
ولســـــــــــــــــــتُ بمهيافِ ، يُعَشِّى سَوامهُ
= مُــــجَـــــــــدَعَةً سُــــــــقبانها ، وهي بُهَّلُ
ولا جبأ أكهى مُرِبِّ بعرسـِــــــــــــــــــــــــــــهِ
= يُطـــــــــــــالعها في شـــــــأنه كيف يفعـلُ
ولا خــــــــــــــــــــــــــــــــالفِ داريَّةٍ ، مُتغَزِّلٍ ،
= يــــروحُ ويـــغــــــدو ، داهـــــــــــناً ، يتكحلُ
أما الطغرائي : فإن نفح الطيب المنبعث من المرأة يهديه في طريقه ، ويجذبه إليه فيدعو صاحبه أن يحث السير إليها ، وحب النساء يصمي قلبه ، وعيونهن النجلاوات ينفذن إلى شغاف نفسه ، فيقع أسيراً لهن:
فســـــــــر بنا في ذِمام الليل معتسِـــــــــفـاً
= فنفخةُ الطيبِ تهـــــــــــــــــدينا إلى الحللِ
تبيتُ نار الهـــــــــــــــــــــــوى منهن في كبدِ
= حــــــــــرَّى ونار القـــرى منهم على القُللِ
يَقْتُلْنَ أنضــــــــــــــــــــــــاءَ حُبِّ لا حِراك بهم
= وينحـــــــــــــــرون كِـــــــــــرام الخيل والإبلِ
لا أكـــــــــــــــــــرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت
= برشـــــــــــــــــــقةٍ من نبال الأعين النُّجلِ
وكل منهما يدعو إلى المعالي ويتمرد على الذل ، فالشنفرى يرتكب الصعب من الأمور ، فيقاوم الجوع حتى ينساه ، ويذهل عنه ، ولو أدى به الحال إلى أن يستف التراب حتى لا يرى لأحدِ فضلاً عليه فنفسه مرة لا تقيم على الضيم ، ولا ترضى به مهما كانت الأمور :
أُدِيمُ مِطالَ الجــــــــــــــــــــــــوعِ حتى أُمِيتهُ ،
= وأضربُ عنه الذِّكرَ صــــــــــــــــفحاً ، فأذهَلُ
وأســــــــــــــــــتفُّ تُرب الأرضِ كي لا يرى لهُ
= عَليَّ ، من الطَّــــــــــــــــــوْلِ ، امرُؤ مُتطوِّلُ
ولكنَّ نفســـــــــــــــــــــــــــــاً مُرةً لا تقيمُ بي
= على الضـــــــــــــــــــــــيم ، إلا ريثما أتحولُ
أما الطغرائي : فيرى أن حب السلامة يثني همم الضعفاء فيغريهم بالكسل والخمول ، ويدفعهم إلى تجنب المغامرات ، والبعد عن الأهوال ، والإنزواء عن الناس . وأما المعالي فإنها تدعو صاحبها إلى المغامرة وركوب الأخطار :
حبُّ الســـــــــــــــــــــــلامةِ يثني هم صاحبهِ
= عن المعالي ويغري المرء بالكســــــــــــــلِ
فإن جــــنــــحــــتَ إليه فـــاتـــخـــذ نــفــقـــاً
= في الأرض أو ســــلماً في الجــــــوِّ فاعتزلِ
ودع غمار العُــــــلا للمقــــــــــــــــدمين عـلى
= ركـــــــوبــــهــا واقـــتــنــعْ مــنــهـــن بالبللِ
يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مســـــــــــــكنهُ
= والعِــــــــــــــزُّ عند رســــــــيم الأينق الذّلُلِ
وكل منهما لا يرضى بالإقامة ولكن مطلب كلٍ منهما مختلف ، فالشنفرى طريد جنايات ارتكبها ، يتوقع أن تنقض عليه ، فهو هارب من وجه الساعين إلى دمه ، ينام بعيون يقظى ، فلا يضع جنبه على وجه الأرض حتى تعاوده الهموم من كل جانب ، وقد اعتاد هذه الهموم وألفها ، ولذلك يقول :
وآلف وجه الأرض عند افتراشـــــــــــــــــــــها
= بأهـْـــــــدَأ تُنبيه سَــــناسِـــــنُ قُــحَّـــــــلُ
طَــــــرِيدُ جِــــناياتٍ تياســــــــــرنَ لَــحْــمَــهُ ،
= عَــــــقِــــــيـــرَتـُهُ فـــــي أيِّـــهــا حُـــــمَّ أولُ
تـــنــــامُ إذا مــا نـــام ، يــقــظــى عُــيــُونُـها ،
= حِــــثــــاثــــاً إلى مــكـــروهــــهِ تَتَغَــلْغَــــلُ
وإلفُ هــــــــمــــومٍ مــــا تــــزال تَــــعُـــــــودهُ
= عِــــيــاداً ، كـــحــمــى الرَّبعِ ، أوهي أثقلُ
أما الطغرائي : فإنه لايرضى بالإقامة ، لأن نفسه تحدثه أن العز الذي يريده لا يتحقق بإقامته وإنما يتحقق بالتنقل والرحلة :
إن العـــــــــلا حــــــدثتني وهي صــــــــــادقةٌ
= فيما تُحــــــــــــــــــــــدثُ أن العز في النقلِ
كما أنه يهدف إلى تحقيق آماله ، التي يتوقع حصولها يوماً بعد يوم :
أعــــــللُ النــفــس بالآمــــال أرقــــــــــــــبــها
= ما أضـــــيق العــيــش لولا فُســـحــة الأمل
وكل منهما له في الحديث عن الصبر حِكمٌ تسير مع الزمن ، فالشنفرى مولى الصبر يلبس ملابسه على قلبِ مثل السِّمع ، والسِّمع هو الذئب الشجاع ، وينتعل الحزم :
فأني لمــــولى الصــــــبر ، أجـــــــــــــتابُ بَزَّه
= على مِثل قلب السَّـــــــــمْع ، والحزم أنعلُ
وهو لايجزع من الفقر ولا يفرح للغنى :
وأُعـــــــدمُ أحْـــــــــياناً ، وأُغــــــــــنى ، وإنما
= يـــنـــالُ الغِـــنى ذو البُــعْـــدَةِ المـــتــبَــذِّلُ
فلا جَــــــــــــــــــــــــــــــزَعٌ من خِلةٍ مُتكشِّفٌ
= ولا مَـــــــــرِحٌ تحــــــــــت الغِـــــــنى أتخيلُ
لكن الطغرائي : يتبرم من إدبار الدنيا عنه ، وإقبالها على غيره ، ويشكو لأن أناساً أقل منه قد سبقوه ، وكان حظهم أعظم من حظه :
ماكــــــــنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمـــــــــــــــني
= حتى أرى دولة الأوغاد والســــــــــــــــفلِ
تــقــدمـــتـــنــي أناسٌ كان شـــــــــــوطُهمُ
= وراءَ خطوي لو أمشـــــــــــــي على مهلِ
وقد شاعت الحكمة وانتشرت في كلا القصيدتين ، حتى تغنى الناس بحكم كل منهما ومن حكم الطغرائي التي يرددها الناس على مرِّ الزمان قوله :
وإن عـــــــــــــــــــــلاني مَنْ دوني فلا عَجبٌ
= لي أســـوةٌ بانحطــاط الشمسِ عن زُحلِ
وقوله :
أعـــــــدى عــــــدوك ادنى من وثِقــــــــتْ به
= فحاذر الناس واصـــحــــــــبهم على دخلِ
فإنما رُجـــــــــــــــل الدنيا وواحـــــــــــــــدها
= من لايعــــــولُ في الدنيا على رجــــــــلِ
وقوله :
وحُســـــــــــــــــــــــــــــن ظنك بالأيام معجزَةٌ
= فَظنَّ شــــــــــــــــــــــراً وكن منها على وجَلِ
****
غاض الوفــــــــــاءُ وفاض الغـــــــــدر وانفرجت
= مســــــــــــــــــــافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ
****
وشـــــــــــــــــــــان صدقكَ عند الناس كذبهم
= وهلْ يُطـــــــــابق مِعْــــــــــــــــــــــوجٌ بمعتدلِ
****
فيم اقتحــــامك لجَّ البحـــــــــــــــــــــــر تركبهُ
= وأنت تكـــــفــــــيك مــــنـــهُ مــــصـة الوشـلِ
****
مُلكُ القـــنـــاعــــةِ لا يُخــــشـــــــى عليه ولا
= يُحتاجُ فيه إلى الأنصــــــــــــــــــــــــار والخَولِ
خلاصة : والواقع أن الحكم المنتشرة في لامية الشنفرى منتظمة ضمن ذلك العقد الذي ينتظم قصيدته ، وضمن تجربته في الحياة ، إنها فرائد منها مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً قوياً محكماً . أما فرائد الطغرائي ، فمتناثرة في قصيدته ، والرابط بينها ليس من الإحكام والقوة التي ظهرت في لامية الشنفرى فقد جاءت مرتبطة حيناً بتجاربه في الحياة ، ومرارة العيش التي يشكو منها ، وأحياناً يضعف ذلك الخيط الذي يربطها فيبدو واهياً ضعيفاً ، وتبدو متراصة بعضها بجوار بعض في معزل عن تلك التجارب . مع تمنياتي لكم بالمتعة والفائدة منقول وانتم سالمون وغانمون والسلام
سبيع بن عامر
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى سبيع بن عامر
البحث عن المشاركات التي كتبها سبيع بن عامر