تقرير دولي: الخليجيون استثمروا 68 مليار دولار على التملك في الخارج خلال العام الحالي
25 مليارا قيمة الصفقات يوم الخميس فقط >إيرادات دول الخليج 1.2 مليار دولار يوميا من النفط
اميركا أصبحت تخشى تحول الاموال الخليجية بعيدا عنها (خدمة كي آر تي)
لندن: «الشرق الأوسط»
أفاد تقرير اقتصادي بأن الدول الخليجية أنفقت منذ بداية العام الحالي نحو 68 مليار دولار على التملك في الخارج؛ فقد بدأت صناديق الاستثمار الخليجية، مع تزايد الايرادات المالية لصادرات النفط، في شراء أصول في الخارج ضمن معدلات متسارعة رغم ندرة الأصول المعروضة في الصيف وارتفاع تكاليف الاقتراض للشركات.
وفي هذا الاطار فقد كان يوم اول من امس الخميس حافلا لعمليات الاستحواذ الخليجية؛ فقد دفعت ابوظبي مبلغ 1.35 مليار دولار لشراء حصة قدرها 7.5 في المائة من مجموعة كارليل، ثاني اكبر شركة اسهم خاصة في العالم. كما تنافست كل من دبي وقطر لشراء حصص في بورصات ناسداك ولندن، ومجموعة البورصات الاوروبية اوميكس. كذلك نجحت قطر في الحصول على موافقة لفحص السجلات المالية لشركة «سينزبيري» ثاني اكبر سلسلة محلات التجزئة في بريطانيا.
وعلى العموم، فإن قيمة الصفقات وصلت خلال يوم الخميس 25 مليار دولار، وفقا للبيانات التي جمعتها موقع «بلومبيرغ» الالكتروني. وبحسب تلك البيانات فان وتيرة الاستثمارات الدولية من قبل دول الخليج، التي تكسب 1.2 مليار دولار يوميا من صادرات النفط، يتسارع بشكل مذهل في ظل مساعي الدول الخليجية لتنويع ايراداتها بعيدا عن الطاقة. وطبقا لبلومبيرغ، فان الدول الخليجية أنفقت بالفعل مبلغا قياسيا قدره 68 مليار دولار على التملك في الخارج خلال العام الحالي. وفي هذا السياق، قال ايكارت وورتز كبير الاقتصاديين في مركز الخليج للأبحاث «ان الخليجيين لم يعودوا الى وضع اموالهم في الودائع المصرفية والسندات الحكومية، بل اصبحوا يبحثون عن الاستثمار في اصول استراتيجية».
وهنا قالت امس هيئة الاستثمار القطرية انها اشترت 20 في المائة من بورصة لندن وأسهم في شركة أو.ام.اكس لإدارة البورصات في شمال أوروبا لأسباب «استراتيجية». وأبلغ جون الخير مستشار هيئة الاستثمار القطرية رويترز في بيان، أن الهيئة «قامت بهذه الاستثمارات في شركات جيدة ولعوامل استراتيجية بهدف تحقيق فوائد للاقتصادين المحلي والاقليمي».
وكانت هيئة الاستثمار التي تدرس تقديم عرض لشراء سلسلة متاجر التجزئة البريطانية جيه. سينزبيري قد قالت اول من أمس الخميس إنها اشترت حصة تقترب من عشرة في المائة في أو.ام.اكس.
واستفادت قطر التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة من ارتفاع أسعار النفط واحتياطيات الغاز الطبيعي لتصبح أغنى بلد عربي بحساب نصيب الفرد من الثروة.
وفي هذا المجال ينبغي الاشارة الى ان سجل سرعة الاندماج العالمي انخفض فى شهر اغسطس (آب) لأبطأ معدل له خلال عامين نتيجة ارتفاع تكاليف الائتمان وتآكل ثقة المستثمرين. فقد كان هناك حوالي 188 مليار دولار من الصفقات التي أعلنت الشهر الماضى، وهو اقل حجم من الصفقات التي اعلن عنها منذ يوليو (تموز) 2005. وقد انخفضت قيمة الصفقات بعد الخسائر التي منيت بها الاسواق نتيجة ازمة الائتمان والسوق العقاري الثانوي (او عالي المخاطر)، مما دفع الى زيادة مفاجئة في تكاليف الاقتراض للشركات والانزلاق في الاسهم.
وعمليات الاستحواذ الخليجية بدأت تثير اولا مخاوف سياسية خصوصا في الولايات المتحدة، فقد قال الرئيس الاميركي جورج بوش اول من امس الخميس، ان استثمارا مزمعا من بورصة دبي المملوكة لحكومة الامارة في شركة ناسداك الاميركية سيخضع الى مراجعة لجوانب الامن القومي ذات الصلة بالصفقة، معبرا في الوقت نفسه عن ارتياحه للعملية. وقال بوش في مؤتمر صحافي «سنلقي نظرة جيدة عليها (الصفقة) لمعرفة إن كانت لها أي تداعيات متعلقة بالأمن القومي... أنا مرتاح للعملية».
كما أشار رئيس اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ الأميركي اول من أمس الخميس الى ان هناك حاجة إلى «مراجعة متأنية» لصفقة ناسداك وبورصة دبي لضمان ألا تكون لها أي تداعيات على الأمن القومي لأميركا. وأضاف السناتور الديمقراطي كريستوفر دود قائلا في بيان «بشكل عام أنا أؤيد الاستثمار الأجنبي المباشر في اقتصادنا الذي يدعم النمو ويوجد وظائف جيدة لمواطنينا، لكن على ان يكون دائما في إطار ضمان حماية أمننا القومي». من جهتها، قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، إن عزم بورصة دبي المملوكة لحكومة الإمارة الاستحواذ على حصة 20 في المائة في «ناسداك» تثير قضايا تتعلق بالسوق لا مخاوف متعلقة بالأمن القومي. وصرحت بيلوسي «انها لا تدق أجراس الإنذار». وأضافت «تلك كانت قضية أمنية أما هذه فمسألة تتعلق بالسوق»، مشيرة إلى عاصفة تفجرت في الكونغرس العام الماضي عندما وافقت الحكومة الأميركية على استحواذ موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي أيضا على بعض العمليات بموانئ رئيسية في الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن السناتور الديمقراطي عن نيويورك تشارلز شومر الذي قاد الحملة ضد موانئ دبي سابقا، ان الصفقة التي تجعل بورصة دبي لاعبا اساسيا في اسواق نيويورك «تطرح اسئلة جدية ينبغي الاجابة عنها». وتساءل شومر، وهو عضو في لجنة المالية والبنوك في مجلس الشيوخ الاميركي ورئيس اللجنة الاقتصادية المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ الاميركيين، في هذا الاطار «هل يحق لحكومة اجنبية ان تملك حصة معتبرة في البورصات الاميركية؟».
ولا يقتصر الأمر على الجانب السياسي، فالمفارقة ان الاميركيين يخشون من تدفق الاستثمارات العربية، وفي الوقت ذاته يخشون من توقفها. وفي هذا المجال فقد أثار قرار السعودية إبقاء اسعار الفائدة على حالها وعدم اللحاق بقرار مجلس الاحتياط الاميركي (البنك المركزي) مخاوف اميركية من ان هذا الامر قد يعجل من توقف الخليجيين عن الاستثمار في الاوراق المالية الاميركية خصوصا مع النزول المتسارع للدولار. وهذا الهبوط الدراماتيكي للدولار بعد قرار مجلس الاحتياط الاميركي بخفض اسعار الفائدة الاميركية نصف نقطة الى 4.75 في المائة، بدأ يثير مخاوف ان صناديق الاستثمار الخليجية الحكومية ادارت ظهرها للاستثمار في الاصول والأوراق المالية الاميركية.
وهنا قال كافين فريند المحلل المالي في «كوميرس بانك» الالماني «ان هذا الوقت هو الأسوأ لاميركا لبقائها معتمدة على التدفقات المالية الاجنبية». ولعل اضمحلال قيمة الدولار وتراجع العائد على الاوراق المالية خلال الاسبوع زاد الامر سوءا وجعل الاصول الاميركية غير مغرية للاجانب خصوصا في ظل حاجتها الى الاموال الخارجية لتمويل عجزها المالي المتنامي.
لكن فريند يتوقع ان يستقر الدولار، رغم انه يرى ان هناك مخاطر كبيرة «فان هذا الامر يزرع بذور شيء ما.. وربما يتطور الامر الى عملية هروب جماعية من الدولار تؤدي الى المزيد من الخسائر». ولعل اكبر هذه المخاطر توقف الدول الخليجية عن شراء سندات الخزانة الاميركية. وكان البنك الاستثماري ميريل لنش قد لاحظ في تقرير سابق قيام العديد من المستثمرين الخليجيين من مؤسسات وأفراد بزيادة وتيرة تحويل جزء من محافظهم الاستثمارية المقومة بالدولار الاميركي الى عملات اخرى وخاصة اليورو والجنيه الاسترليني