هجرة عدوان وانتشارها
شهدت العصور المنصرمة تنقلات كثير من القبائل العربية من مواطنها القديمة في الحجاز وتهامة واليمن إلى نجد واليمامة والبحرين وعمان والعراق والشام ومصر وأفريقيا.
وقد أخذت تلك الهجرات شكلاً جماعياً حينا, حيث تهاجر معظم بطون القبيلة، أو شكلاً جزئياً فتهاجر بعض فروعها، ومن أمثلة الهجرات القديمة:
• نزوح ربيعة إلى نجد واليمامة والبحرين.
• نزول الأوس والخزرج المدينة.
• نزول الغساسنة الحيرة.
• نزوح قضاعة إلى الشام.
• نزول خزاعة مكة.
• نزوح تميم إلى نجد.
• نزول بطون من الأزد عمان.
• هجرة بني هلال وسليم إلى شمال أفريقيا.
وقبيلة عدوان القيسية كغيرها من القبائل العربية تعرضت للعديد من الهجرات، وانتشرت في بقاع الأرض شمالاً وجنوبا شرقا وغربا، وتلك الهجرات حدثت خلال عصور مختلفة، ولدواعي متعددة قد نجهل أسبابها ووجهاتها.
ولم تكن تلك الهجرات كاملة، بمعنى أنه بقى فروع من عدوان في الحجاز، حتى وقتنا هذا. ومن الهجرات التي تعرضت لها قبيلة عدوان قديما:
أولاً: الهجرة إلى بلاد الأزد وتهامة
أدت الحروب التي نشأت بين بطون عدوان نفسها وبين عدوان وغيرها من القبائل في العصر الجاهلي إلى نزوح فروع منها إلى البلاد المجاورة، كبلاد الأزد وتهامة والغور.
ثانياً:الفتوحات الإسلامية
شهد عهد الفتوحات الإسلامية انتقال كثير من القبائل العربية خارج إطارها المكاني المتعارف عليه مع المد الإسلامي في اتجاه العراق والشام ومصر وأفريقيا.
واستوطنت القبائل العربية المهاجرة تلك البقاع، وأنشئت فيها مدن وتجمعات جديدة، كمدينة الفسطاط في مصر، ومدينة الكوفة في العراق اللتين قامتا في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القرن الأول للهجرة، ومدينة بغداد التي أنشأها الخليفة العباسي أبوجعفر المنصور مثال آخر.
وفي تلك الحالات يقوم القادة المسلمين بتوزيع الأراضي على جيوشهم المشاركة في الفتوحات، فيختطون ويجعلون لكل قبيلة ناحية، فيقال خطة عدوان وخطة قضاعة وخطة الأنصار وهكذا.
بلاد مصر:
أكدت المصادر التاريخية القديمة اشتراك جديلة قيس بفرعيها عدوان وفهم في الفتح الأسلامي لمصر، واستيطانها شأنها شأن القبائل العربية الأخرى بل كان لها السواد الأعظم من قيس في تلك البقعة.
واستناداً إلى ما جاء في كتاب صاحب خراج مصر عبدالله بن الحباب إلى الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك خلال الفترة من 103هجري حتى 116هجري، حينما طلب منه إرسال قبائل من قيس إلى مصر، قائلاً: (( أن ليس في مصر من قيس سوى قليل من جديلة وهم فهم وعدوان )).
وعن الهيثم بن عدي قال: (( حدثني غير واحد أن عبيدالله بن الحباب لما ولاه هشام مصر قال: ما أرى لقيس فيها حظا إلا لناس من جديلة وهم فهم وعدوان )) .
وقد ذكر ابن الحكم أن عدوان اختطت بالفسطاط، واستكمل قائلاً: ((وكان إذا جاء وقت الربيع واللبن كتب لكل قوم بربيعهم ولبنهم حيث أحبوا وكانت القرى التي يأخذ فيها عظمهم منوف وكانت هذيل تأخذ في بنا وبوصير وكانت عدوان تأخذ في بوصير وقرى عك التي يأخذ فيها معظمهم بوصير ومنوف وسبندوس واتريب)) ، ومثله عند المقريزي حيث قال: (( إن قبيلة عدوان تأخذ في بوصير وقرى عك)) .
وعقب الباحث عبدالله خورشيد على كتاب عبدالله بن الحباب قائلاً: (( من الثابت إن قبيلتي فهم وعدوان اشتركا في الفتح (يعني فتح مصر) واختططتا بالفسطاط )) . ويقول في موضع آخر عن قبيلة عدوان: (( وكل مابقى منهم إنهم اختلطوا بمصر وكانوا يرتبعون في بوصير والأرجح أنه بوصير بنا، ولهم سويقة بإسمهم بالفسطاط وهي السويقة التي عند زقاق مكي )) .
وموضع خطة عدوان في ناحية من الفسطاط يقال لها الحمراء الوسطى، وكان فيها خطة هذيل بن مدركة، وخطة بني سلامان الأزديين، وخطة بني نبه وهم قوم من روم الشام اسلموا وشاركوا في فتح مصر.
بلاد العراق:
كانت عدوان من القبائل التي شاركت في فتح العراق، فعندما شكل القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه جيش المسلمين في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لخوض معركة ذات السلاسل في كاظمة ضد الفرس ((ضم جديلة قيس إلى هوازن)) بقيادة خفصة أبا حنش بن ذي اللحية العامري .
وذكر الطبري في تاريخه ان جديلة قيس اختطت في الكوفه غربي الصحن في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ذلك في السنة السابعة عشر للهجرة .
ولما نزل عبدالملك بن مروان الكوفة في عام 71 للهجرة، دعا الناس لبيعته، فجاءته قضاعة ثم جاءت مذحج وهمدان ثم جاءت جعفي ثم جاءت عدوان ثم جاءت كندة .
وقد أشار الهمداني أن أكثر بني جديلة استوطن الكوفة . وممن سكن الكوفة من عدوان: عطية العوفي وأبناؤه: الحسن، والقاضي الحسين العوفي، وعمر وذريتهم من بعدهم، وسكن الكوفة أيضاً: أبو عبدالله الجدلي، والفضيل بن بزوان العدواني، وأبو عمرو الجدلي، وخويلد العدواني وغيرهم، وممن سكن بغداد من عدوان: يحيى بن يعمر العدواني، وأبوجعفر محمد العوفي وغيرهم.
بلاد الشام:
شاركت عدوان جيوش المسلمين في غزو الشام، وكان خالد بن ربيعة العدواني أول من دخل مدينة العذراء من مدن الشام.
وروي عن معبد بن خالد العدواني أنه قال: دخلت المسجد فإذا فيه شيخ يتفلى فسلمت عليه فرد علي السلام وجلست إليه فقلت: من أنت يا عم ؟ فقال: بل من أنت يا ابن أخي؟ قلت: أنا معبد بن خالد، فقال: مرحباً بك قد عرفت أباك كان معي بدمشق وإني وأباك لأول فارسين وقفا بباب عذراء مدينة بالشام .
وممن سكن دمشق من عدوان الشاعر العيابي.
ثالثاً: الهجرة إلى شمال افريقيا
شهد أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس هجري رحيل قبيلة بني هلال وبني سليم من موطنهم الأصلي في الحجاز إلى شمال أفريقيا عبوراً بالشام ومصر.
وكان الدافع لقبائل العرب للإنتقال من مصر للمغرب هي إجازة الوزير الفاطمي الحسن اليازوري لهم بذلك للتخلص منهم وانتقاماً من المعز بن باديس حاكم المغرب، فكانت قبائل بني هلال ومن تبعهم هم أول من عبر النيل .
ويبدو أن فروعاً من قبيلة عدوان والذين يجاورون بني هلال وبني سليم سكنا قد رحلوا معهم.
يؤكد ذلك ما أورده ابن خلدون عن جموع القبائل العربية التي وفدت إلى شمال أفريقيا مع بني هلال فقال في تاريخه: (( … وشعوبهم لذلك العهد كما نقلنا هم زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر … وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع وجشم من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية، والمعقل من بطون اليمنية، وعمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وبني ثور بن معاوية بن عباءة البكاء بن عامر بن صعصعة، وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان وطرود بطن من فهم بن قيس، إلا انهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصاً، لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأُدخلوا فيهم وصارو مندرجين في جملتهم)) .
وحتى عهد ابن خلدون أي في القرن الثامن هجري كانت قبيلة عدوان معروفة بإسمها بين قبائل العرب في شمال أفريقيا حيث يقول ابن خلدون في تاريخه عن عدوان: (( وبأفريقيه لهذا العهد منهم أحياء بادية بالقفر يظعنون مع بني سليم تارة، ومع رياح بني هلال بن عامر أخرى )) .
ولا زال عقبهم إلى وقتنا هذا موجودا في الجزائر وتونس وليبيا، ومن عقبهم: شمس الدين عامر العدواني لديه شرح على متن الخليل في المذهب المالكي ، ومنهم: صاحب كتاب تاريخ العدواني محمد بن محمد بن عمر بن عبدالله العدواني ، والذي قد حدد مساكن قبيلة عدوان في عصره ما بين الزاب والجريد ووادي ريغ وبالتحديد شرق من سوف في اللجة وتقع تلك البقاع ما بين تونس والجزائر في الجزء الأوسط والجنوبي من الحدود المشتركة بين البلدين.