إختلاف عدوان وتفرق أمرها وخروجها من الطائف:
استمرت عدوان في سيادة قيس وحكم الطائف بزعامة عامر بن الظرب العدواني حتى أوائل القرن السادس ميلادي، حين تفرقت عدوان، وضعف أمرها وأفل نجمها، ونزحت بعض بطونها، ودخلت أحلافاً مع القبائل المجاورة في تهامة والحجاز.
أماسبب تفرق عدوان وتشتت جمعها فيكمن في ثلاثة أسباب:
السبب الأول: كان من أمر عدوان أن كثرت ساداتها وتعددت رؤساؤها، فلم تجتمع عدوان على رأي، وقد اختلفوا فيما بينهم وتنافروا، ومن الشواهد قول ذي الإصبع العدواني:
ومنـهـم كـانـت الســادا @@ ت والــموفـون بالـقـرض
وقول أُمامة بنت ذي الإصبع العدواني:
كانـوا ملوكا سـادة فـي الذرا @@ دهـرا لهـا الفـخر على الفاخر
وقول البلعاء بن قيس الليثي الكناني:
لعمرك ما لـيث وإن كنت مـنهم @@ بتـاركة ليث خلافـي وعصياني
وهم أسلموني يوم ذي الرمث والفضا @@ وهم تركـوني بين هـرش و ودان وهم أخرجوا من كل بيتـين سـيداً@@ كما كثرت سـاداتها قبل عدوان
السبب الثاني: تنافرهم وتقاتلهم، حين وقع خلاف بين بني ناج وبني عياذ أكبر بطون عدوان وأكثرها سادة.
ويبدو أن ذلك الصراع أستمر فترة من الزمن أضعف القبيلة، وأضعفها.
وسببه ما أورد الأصفهاني في الأغاني عن أبي عمرو بن العلاء قال: (( أن بني ناج بن يشكر بن عدوان أغاروا على بني عوف بن سعد بن ظرب بن عمرو بن عياد ]عياذ[ بن يشكر بن عدوان، ونذرت بهم بنو عوف فاقتتلوا، فقتل بنو ناج ثمانية نفر، فيهم عمير بن مالك سيد بني عوف، وقتلت بنو عوف رجلا منهم يقال له سنان بن جابر، وتفرقوا على حرب.
وكان الذي أصابوه من بني واثلة ]وائلة[ بن عمرو بن عياذ وكان سيدا، فاصطلح سائر الناس على أن يتعاطوها ورضوا بذلك، وأبى مرير بن جابر أن يقبل بسنان بن جابر دية، واعتزل هو وبنو أبيه ومن أطاعهم ومن والاهم، وتبعه على ذلك كرب بن خالد ]جبلة[ أحد بني عبس بن ناج، فمشى إليهما ذو الإصبع وسألهما قبول الدية وقال: قد قتل منا ثمانية نفر فقبلنا الدية وقتل منكم رجل فاقبلوا ديته، فأبيا ذلك وأقاما على الحرب، فكان ذلك مبدأ حرب بعضهم بعضا حتى تفانوا وتقطعوا)) .
قال ذو الإصبع العدواني:
ويـا بُؤس للأيام والدهـر هالـكا @@ وصـرف الليـالـي يختلفن كذلكا
أبعْـد بني نـاجٍ و سعْـيِك فيهمُ @@ فـلا تُتبعن عينيك مـاكان هالكـا
إذا قلـت معروفا لأُصـلح بينـهم @@ يقـول مـريرٌ لا أُحـاول ذلـكا
فأضحوا كظهر العودِ جُبّ سنامُـه @@ تحُـوم عليه الـطير أحـدب باركا
فان تك عـدوان بن عمرو تفرقت @@فقد غنِيت دهراً ملـوكا هُنـالكا
وفي رواية أُخرى:
وأمـا بنو نـاج فـلا تذكرنـهم @@ و لا تتبعن عينيك ما كان هالـكا
إذا قلـت مـعروفـا لأُصلح بينهم @@ يقـول وهيـب لا أُسـالم ذلكا
فأضحى كظهر الفحل جُبّ سنامُـه @@ يدب إلى الأعـداء أحدب باركا
ويبدو أن الخلاف بين سادات وبطون عدوان قضى على كثير من رجالها، ومزقها إلى فرق وجماعات، ضعفت على أثرها عدوان وتفرقت. قال ذو الإصبع العدواني في رثاء قومه:
عـذير الحـي مـن عـدو @@ ان كـانـوا ((حيــة الأرض))
بغـى بعـضـهم بعـضا @@ فـلم يبقـوا علـى بعـض
أي من يعذر عدوان على مافعلوه بينهم من تنازع وبغي وقد كانوا حية الأرض بمعنى لايقربهم أحد من هيبتهم وعلو مكانتهم، تقول العرب للرجل منيع الجانب حية الأرض. قال ابن منظور: (( كانو ذوي إرب وشدة لا يضيعون ثأرا)) .
السبب الثالث: هو ما وقع بين بني عدوان وبين بني عامر بن صعصعة من خلاف حتى قاتلتهم وأخرجتهم من الطائف، ثم غلبت ثقيف علي بني عامر وأخرجتهم.
قال البكري: ((…ووقعت بين عدوان حرب فتفرقت جماعتهم، وتشتت أمرهم، فطمعت فيهم بنو عامر وأخرجتهم من الطائف، ونفوهم عنها)) .
قال ابن الأثير: (( كانت أرض الطائف قديما لعدوان بن عمرو ثم لعامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن خصفة بن قيس غلبوهم على الطائف بعد قتال شديد)) .
قال الأندلسي ابن سعيد: (( وكان بنو عدوان يسكنون الطائف، فغلب عليهم بنو ثقيف…)) .
وقد عايش ذو الإصبع العدواني تلك المرحلة الصعبة من حياة القبيلة فسطرها في شعره في حرقة وحسرة، وقد أنشد يرثي قومه:
جزعت أمامةُ أن مشيتُ على العصا @@ وتذكـرت إذ نحن ما الفِتْيـان
فلقبـل مـارام الإلـه بكيــده @@ إرماً وهـذا الحي من عـدوان
بعد الحـكومة والفضيـلة والنُّـهي @@ طـاف الزمـان عليهم بأوانِ
وتفرقـوا وتقطـعت أشـلاؤهـم @@ وتبـددوا فـرقا بكل مكـان
جدب البـلادُ فأعقمت أرحـامهم @@ و الدهر غـيرهـم مع الحدثـان
حتـى أبـادهُمُ علـى أُخراهُـم @@ صرعـى بكـل نُقيْـرة و مكان
لا تعجبن أُمـامُ مـن حدث عرا @@ فـالدهر غيّـرنا مع الأزمـان
وله أيضا:
أطاف بنا ريب الزمـان فجاسنا @@ له طائـف بالصالحـين يضـير
إذا قرعـت فينا صوائـب نبـله @@ صعـدن إلى أخرى فقلن نصـير
فما ان لنا نصف فيأخـذ حـقنا @@ وما ان على ريـب الزمان مجـير
وتقول أُمامة بنت ذي الاصبع العدواني في رثاء قومها:
قـد لقـيت فهـم وعـدوانها@@ قتـلا و هلكا آخـر الغابـر
كانـوا ملوكا سـادة في الذرا @@ دهـرا لها الفـخر على الفاخر
حـتى تساقوا كـأسهم بينهم @@ بغيا فيـا للشـارب الخاسـر
بـادوا فمن يـحلل بأوطانهم @@ يـحلل برسـم مقفـر داثر
ولو استعرضنا التعابير المستخدمة في النصوص السابقة، لوجدنها تحمل دلالات ومعاني تعبر عن واقع أليم وتحول كبير، فيما كانت عليه عدوان وفيما آلت إليه، مثل:
- تفرقوا وتقطعت أشلاؤهم.
- جدب البلاد فأعقمت أرحامهم.
- تساقوا كأسهم.
- حتى أبادهم عن أخراهم.
- صرعى بكل نقيرة.
- قتلا وهلكا.
- بادوا.
- فلم يبقوا على بعض.
لقد أصبح ما حل بعدوان وفهم بني عمرو بن قيس مثلاً لصروف الليالي وحوادث الأيام، حتى تلاشت أخبارهم، واندثرت مآثرهم، وانتهت دولتهم، وردد الشعراء المراثي فيهم، قال الشاعر الفهمي في رثاء قومه:
درج الليـالى عـلـى فــ @@ ـهم بن عمرو فاصبحوا كالصّرِيمِ
وخلت ديـارهم فأضحت يبابا @@ بعـد عـزّ وثـروة ونـعيـم
وكذاك الزمـان يذهب بالنـا @@ س وتبقـى ديـارهم كالرسُوم
وقال الأعيمي الأندلسي في رثاء شاب قُتل غيلة:
خـذا حدثاني عن فل وفـلان @@ لعـلي أرى باق على الحـدثان
…
ولو شاء عدوان الزمان ولويشا @@ لكان عذير الحي من عـدوان
وأي قبيـل لم يصدع جميعهم @@ ببكـر من الارزاء أو بعـوان