,,,
::::::
::::::
::::::
:::::::
المشهد الأول: طالبة في الكلية تمشي في أمان الله وفجأة تفاجأ بشيء يهوي على رأسها وبعد أن ذهبت الصدمة تلفتت حولها لترى هذا الشيء وتعرف مصدره واذا هو عبوة بيبسي ألقتها فتاة عجزت عن ان تذهب الى سلة المهملات فآثرت ان تلقي عبوة البيبسي هذه من نافذة الطابق الأعلى غير عابئة بمن ستصيب هذه العبوة، ولكن الله سلم عندما كانت العبوة فارغة وإلا لأصيبت الفتاة أيما إصابة.
المشهد الثاني: مجموعة من الفتية الصغار المشرقي الوجوه يوزعون بعض المنشورات لإحدى الجمعيات الخيرية، يتسلم الرجل في السيارة هذه المنشورات، وبعد قليل تتطاير هذه المنشورات واحدا بعد الآخر من نافذة السيارة.
المشهد الثالث: في أحد الفنادق في دولتنا الحبيبة تظهر على مساحة كبيرة من سجاد الغرفة آثار المكواة واضحة.
المشهد الرابع: في أحد المجمعات التجارية في الدمام حيث اصطفت صناديق بريد واصل يكتشف المرء أن ربع هذه الصناديق تعرضت لعملية تدمير شرسة.
تلك أربع لوحات صامتة تعبر عن الكثير من الانتهاكات التي نمارسها ضد مرافقنا العامة فكلما ذهبت إلى الكلية، مثلا، يزداد يقيني بأنه مازال أمامنا مشوار طويل نحو الحضارة التي مع الأسف لم نأخذ منها في الواقع إلا ظاهرها، ويتبادر إلى ذهني هذا السؤال: هل لم نأخذ من الحضارة سوى قشورها بينما ظلت روحنا جاهلية؟ ففي الكلية حيث تجد الفتيات في كامل زينتهن وأزهى حللهن حتى أنك أحيانا تحسبك أخطأت العنوان فدخلت ماراثونا لعرض الأزياء لا صرحا تعليميا، ولكن ما إن ينتهي الدوام في الكلية حتى تتحول الكلية إلى لوحة سيريالية ناطقة، لوحة تختزل الكثير من مشاكلنا مع الحضارة، لوحة تحكي عن التناقض بين المخبر والمظهر الذي هو سر الكثير من إخفاقاتنا، فعلى امتداد الكلية تتناثر علب المشروبات ومخلفات الأطعمة في منظر أقل ما يقال عنه إنه مزر، حيث لا تغادر هذه الطالبة أو تلك مكانها إلا وقد تركت خلفها وليمة للذباب، بالرغم من أن سلة المهملات قد تكون أقرب إلى إحداهن من صديقتها التي تتحدث معها، ولا تنس أن الكثير ممن سيتخرجن من هذه الكلية سيصبحن معلمات، وأغلبهن سيغدون أمهات، فاي جيل سينشأ تحت أيديهن؟
لا أرغب في أن ألوم تلك الفتيات لأن المشكلة أكبر وأقدم وأعمق منهن، فهي مشكلة أساسها أننا مجتمع نفتقد ثقافة احترام الأماكن العامة.
ورغم أننا منذ طفولتنا المبكرة ونحن نكتب في دفاتر التعبير الحديث الأثير (النظافة من الإيمان) إلا أننا فشلنا مع الأسف في زرع ثقافة احترام الأماكن العامة في نفوس كبارنا قبل صغارنا، ولا عجب في ذلك إذ كيف يتعلم الطفل احترام الأماكن العامة إذا كان يرى والده يلقي بعلبة الكلينكس الفارغة من السيارة في لا مبالاة مقيتة.
كيف تتعلم الطفلة ثقافة احترام الأماكن العامة إذا كنت تشاهد والدتها تترك صنبور المياه مفتوحا في دورة مياه المسجد.
كيف يتعلم الأطفال ثقافة احترام الأماكن العامة إذا كانوا يرون والديهم وإخوتهم الكبار يغادرون الشاطىء وقد تركوا خلفهم القاذروات.
ثم بعد ذلك نتساءل عن سبب تردي أماكننا الترفيهية بعد وقت قصير من إنشائها.
انظر الى المنظر المزري في دورات المياه فالروائح تنبعث من على مسافة أمتار ومنظر الحمام - أعزكم الله- يبعث على الغثيان، انظر الى العبارات التي تلون الجدران، انظر الى القاذروات التي تزين الشواطىء.
والغريب أن البعض في منتهي النظافة في داخل منزله إلا أن حدود النظافة هذه تنتهي متى ما خرج من منزله.
ألا نعلم أن احترام الأماكن العامة هو قبل كل شيء تعبير عن حبنا لوطننا ومقياس لمدى تحضرنا، أم أن مقياس الحضارة لدينا توقف عند التفنن في اللباس الذي افتتن به رجالنا قبل نسائنا.
نعم جميعنا يعجبه الجمال، والأناقة وحسن الهندام يبعثان في النفس البهجة والسرور، ولكن أن نتوقف فقط عند هذا الحد ويكون هذا نصيبنا من الحضارة فمعناه أن هناك خللا ما.
اعتقد انه لابد من التحرك لحل هذه المشكلة فنحاول ان نروج لثقافة احترام الأماكن العامة في مدارسنا وجامعاتنا ونوادينا ونجعل من هذه الثقافة جزءا من مادة الوطنية، ونسعى لذلك بطرق عملية فنأخذ الأولاد مثلا في رحلات لتنظيف الشواطىء والحدائق، ولابد أن تتحرك الجهات المسئولة فتصدر قانونا بتغريم كل من يرمي القاذورات في الأماكن العامة أسوة بالكثير من الدول اليوم، ويا حبذا لو فرضت رسوم رمزية على استخدام دورات اليماه حتى نضمن نظافتها.
الحضارة ليست عطرا وليست قميصا من ماركة معينة أو سيارة فارهة، الحضارة سلوك وأسلوب حياة، وحتى تمتد حدود النظافة إلى خارج منازلنا سيظل دائما نصيبنا من الحضارة قشورها.
هنا كانــــــــــ مروريــــــــ
معــ كلــ الودــ
التوقيع |
دنيــــا ومــن يـــــدري كلــــ شــــئ يصـــير فيهــــا |