رغم إن كاتب هذا المقال مدح شاعرنا الكبير وشاعر وطننا الغالي الرمز المخضرم/خلف بن هذال بن سمران العتيبي في مجمل مقاله، إلا إن من يقرأ المقال يدرك أن كاتبه تاه في بحر عبقرية خلف التي جعلته محتاراً في اختيار الشواهد الشعرية فنجده غير قادر على بلورة النص بالشكل الذي يليق بهذا الصرع العملاق، وراح للتبليط!!، إلا أن حديثه حول طريق خلف إلى بلاط الملوك وأنه قام باستغلال الصدف لصالحه (على حد قوله) يحتاج لدراسة علمية منصفة (مع أن الفرص الشريفة لا تفوت الرجل المحنك وليس عيباً بل هي من متطلبات الحياة للوصول إلى الهدف الشريف). فالمعروف إن شاعر البلاط هو شاعر مداح يسترزق من وراء شعره ويعتاش عليه بمدح الملوك والسلاطين أو حتى الطبقات الغنية في المجتمع، وما أكبر الفرق بين اللقبين (شاعر وطن) و(شاعر بلاط). وإن كان امتداح الملوك والسلاطين وتصخير الشعر لمواقفهم النبيلة والشجاعة وإعلان الولاء لهم فخر وشرف وليس تهمة ونقيصة إلا أن وصف خلف بأنه (شاعر بلاط) تصغير وتحجيم لهذا العملاق الذي ربما طال انتظارنا لخليفته الذي سيحل محله بعد غيابه أطال الله عمره .
ويا أخي الذايدي (صاحب المقال): خلف عندما قال هذا البيت
لو المناوي تنفع أهل المنـاوي=ما صار في قلبي حزازات وفتوق
هو من ضمن قصيدة طويلة قالها في بداية حياته وعمره لم يتجاوز العشرين عاماً وكانت ظروفه صعبة، طبعاً من صعوبة ظروف الحياة التي كانت تعيشها الجزيرة العربية كلها بعامتها حتى على مستوى الملوك والأمراء.
فأنظر ماذا قال شاعر الوطن عندما بلغ مراده ومبتغاه:
قالوا أرقد قلت أنا وين أنا ويا الرقاد=الرقاد لخفرتن ضامر سرجوفها
وشبهها من رايب العين مطفي الزناد=دقسةٍ ما ميز الناس وش معروفها
أحمد الله طاب حظي وحققت المراد=طبت والفرصة تطوف الردي ويطوفها
فلو نظر صاحب المقال في هذه الأبيات (أيضا من قصيدة طويلة) التي تدل على همة (خلف بن هذال) وعدم قبوله للراحة والحياة الرغيدة وهو في قمة الثراء ومع هذا واصل خلف وطنيته وشاعريته وجهاده ومصارعة الحياة وهي قد أغدقت عليه من نعيمها بفضل الله سبحانه ثم بجهاده المتواصل فـهو رجل عصامي تأب نفسه عن كل ما يدنسها ويبلطها ولا يليق لهذا الكاتب أن يلقب شاعر الوطن بـ(شاعر بلاط).
فهل خلف عندما سطر إبداعاته وحماسه ومواقفه وشجاعته البدوية الأصيلة تجاه وطنه إبان حرب الخليج ورسمه لخطط المعركة وتصوراته ونظراته المستقبلية لها كانت تدل على أنه (شاعر بلاط) وهو في غناه ومكانته الكبيرة؟ أم أن القصد الذي أراده الكاتب في مقاله هو المدح والطعن على حدٍ سواء؟! يا للعجب!!
وخلف الذي يعترف صاحب المقال بأنه سطر الأحداث بإحساس ومشاعر المواطنين المخلصين وترجم لغته الوطنية الحماسية جسراً بين طبقات المجتمع ومناطقه وفئاته {وهذا ما يقره الكاتب في مقاله} وحتى لو لم يقره، فخلف في مواقفه الوطنية وظهوره مع الأحداث لا مع الملوك والسلاطين والحكام يشعر بوطنه النابض في عروقه ويتعايش مع أحداث وطنه لا مع رحلات سلاطينه وملوكه. مع أن للحكام والملوك والسلاطين حق كما للوطن حق! فقد عبر عن شعور المواطنين تجاه موطنهم وتسابقت فئات وطوائف المجتمع على جميع مستوياتهم لاستماع قصائده الوطنية في كثير من المواقف والمحافل الدولية كـ(الجنادرية، ويوم عيد الأضحى بمنى، والمناسبات الوطنية الطارئة وليس البلاطية!) التي تذاع على الهواء مباشرة ويسمعها القاصي والداني على المستوى العالمي في كل مكان، في المنازل والمحلات العامة والسيارات وتجدها تنطلق عبر القنوات الفضائية والإذاعية والصحف والمجلات والمنتديات في الإنترنت. فهل سيقابل شعر خلف بهذا الاحتضان لو أنه شاعر بلاط قد تم كسبه من أجل المدح في غرض الدولة والحكام والسلاطين!؟
فخلف بن هذال عندما يخرج على الهواء مباشرة أمام الملايين من الناس ويرسل مشاعره تجاه وطنه وأبناء وطنه ويقوم في أغلب الأحيان بالنصح والإرشاد والتوجيه والانتقاد والإشادة بالمواقف النبيلة يدل على أنه شاعر(بلاط)؟!
أفا ثم أفا على كاتب هذا المقال في بعض ما قال!!
إن مشاعرنا وقلوبنا التي احتضنت وطننا الغالي الذي عشناه بمره وحلوه الذي حارت في وصفه المشاعر، والله إنها لتدين لخلف بعد أن عبّر ومازال يعبر "أمدّ الله في عمره" عنها وأشبع حسها ولهفتها بمشاعره القلبية، بالنيابة عنا رغم أن الوطن يستحق الفداء بالدم والغالي، إن مشاعرنا تجاه بلادنا تثبت وبكل قوة وفخر واعتزاز أن خلف بن هذال العتيبي هو(شاعر الوطن الأول قلباً وقالباً) لا (شاعر بلاط).