عرض مشاركة واحدة
غير مقروء 24-Sep-2006, 11:25 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ناقل خبر
عضو
إحصائية العضو






ناقل خبر غير متواجد حالياً

افتراضي

رمضان في نجد قديماً
عبدالحكيم بن عبدالرحمن العواد (*)



عندما يحل رمضان يستقبله المسلمون أجمع بفرح وسرور طمعاً في المغفرة والرضوان من الله - سبحانه وتعالى - وتختلف الاستعدادات والطقوس المصاحبة لهذا الشهر الكريم من قطر إلى قطر في العالم الإسلامي بل من مجتمع إلى آخر في القطر نفسه تبعاً لتنوع ثقافات الشعوب واختلاف نظرتهم لهذا الشهر الكريم، فما أن يقترب موعده حتى يبادرون إلى استقباله باستعدادات روحانية ومادية مختلفة، ولكن كيف كان أهل نجد في القرون السابقة يستقبلون الشهر وكيف يقضونه؟
دخول الشهر
ما أن يحل اليوم التاسع والعشرون من شعبان حتى يكون أمراء الأقاليم والبلدات قد استعدوا لترائي هلال شهر رمضان وحثوا الناس على ترائيه، فيخرج الأمير والقاضي وثلة من الناس الثقات الذين اشتهروا بحدة النظر إلى مرتفع في أقاصي البلد ويتراءون الهلال في الأفق الغربي، فإذا ما رأوه سارعوا إلى إبلاغ بقية المسلمين أو أكملوا عدة شهر شعبان ثلاثين يوماً إذا غمّ عليهم.
وحيث إن وسائل الاتصال لم تكن مهيأة آنذاك، كان الوالي أو الأمير يعلن دخول الشهر بالأمر على منادٍ ينادي في البلدة بذلك وقد يصاحب ذلك إطلاق النار بالبنادق في حالة توفرها، وبالنسبة للبلدات المجاورة فإنه يتم إرسال عدة أشخاص على الجياد والجمال لإبلاغهم وهم بدورهم يبلغون من يجاورهم وهكذا حتى ينتشر خبر الشهر في المنطقة بأسرها، أو يشعلون النار فوق الجبال والأكمات ليراها الناس من بعيد، ولكن كثيراً ما كان بعض أهل البلدات البعيدة لا يعلمون بدخول الشهر إلا ظهر أو عصر أول يوم من الشهر الكريم فيمسكون بقية اليوم ويقضونه لاحقاً، وقل مثل ذلك عند خروج الشهر وحلول العيد أيضاً!
استقبال رمضان والعمل فيه
كان النجديون يستزيدون من إنارة المساجد بعد رؤية الهلال ويتسابقون إلى تقديم الفوانيس والسرج التي تعبأ بالزيت أنسا للسابلة وإضاءة للمتهجدين وتنزيها لبيوت الله من وحشة الظلم، بل بلغ من عنايتهم بالمساجد وإعمارها في هذا الشهر الكريم أن أوقفوا في وصاياهم على المساجد بقرب تصنع من جلود ضحاياهم وتملأ بالماء طوال الشهر الكريم إضافة إلى وقف ثمر بعض النخلات على الصوام في هذا الشهر وإقامة ما يسمى آنذاك عشاء رمضان، ويندر أن تجد وصية من وصايا تلك الفترة لا تخصص جزءاً من الوقف على الصوام، بل إنهم يتسابقون إلى الظفر بالصائم وإطعامه رغم قلة ذات اليد، بل إن عدم تفطير الصائم من المستحيلات، الأمر الذي جعل حميدان الشويعر يشير إلى تلك المسألة في معرض الهجاء، قال:
تاجر فاجر ما يزكي الحلال
لو يجي صايم العشر ما فطره!
أما الأطعمة التي تتناول عادة في هذا الشهر فليست بذاك التنوع الذي نراه اليوم، ذلك أن الفقر والجوع الذي يسميه النجديون (أبو موسى) وعيشة الكفاف هي السائدة في نجد آنذاك، ولم يكن الشهر يختلف عن غيره من الشهور في جانب الأطعمة والمأكولات، وكان القليل من يجد ما يكفيه من الطعام الذي يسد به رمقه ومن يعول، أما أكل صنوف الطعام فذاك ترف لم يبلغوه، فالجوع ملازم لهم طوال العام، والأمر الذي يستجد في رمضان الشعور بالعطش الشديد خصوصاً حين يصادف الشهر أيام الصيف الحارة وساعات العمل الطويلة المنهكة، ولم يكن الإجهاد والعطش الشديد يمنعهم من إكمال الصوم حتى غروب الشمس الأمر الذي أدهش غير المسلمين من قوة تحملهم، ومن ذلك ما ذكره الرحالة البريطاني الكابتن سادلير عام 1234هـ عندما التقى بشيخ بني خالد في الإحساء الذي أسماه الشيخ محمد ومما قاله: (وقد زارني الشيخ محمد وهو رجل مسن شديد الصمم مثقل بالثياب ولم يكن منتعلاً على الرغم من أن الرمال كانت تلتهب من شدة الحرارة فلم أكن أطيق أن تلمسها قدمي.. إلى أن قال: ولم أر أنه من الأدب أو من حسن الوفادة أن أحتجزه نظراً لأنه متمسك بصيام رمضان تحت الشمس المحرقة في الصحراء المخيفة)(1).
أكلات رمضانية
وكان النجديون يخففون من شدة العطش بشرب (المريس) عند السحر وعند الإفطار، والمريس هو المشروب الحلو الناتج من نقع التمر الجيد في الماء ثم تصفيته وقد يضيفون إليه الأقط المطحون لإكسابه شيئا من الحموضة.
والموسرون منهم يأكلون من الأطعمة المشهورة آنذاك والتي لا زالت معروفة حتى الآن ومن ذلك (الحيس) وهو مكون من تمر وقمح وأقط أو تمر وأقط وسمن تعجن مع بعضها البعض وقد يضاف إليها الزبد وأحياناً حامض الأترج أو الليمون، وقد عرف في نجد منذ الجاهلية حيث تذكر كتب التاريخ أن بني حنيفة قد برعوا في صنعه، حتى عرف بهم فيقال: (حيس بني حنيفة) وهو يشبه الحنيني، كما يأكل النجديون في رمضان وغيره الحويس أو العفيس أو الدعيكة أو الخلاصة وهو خليط من التمر مع بقايا السمن ويطبخ مع الدقيق، كما يأكلون أيضاً القرصان والعصيد والمرقوق وأصلها جاهلي حيث عرفت بالرقاق أو المرقق، وذكر صاحب لمع الشهاب(2) أن النجديين يصنعون من القمح المسمى اللقيمي طعاماً يطبخونه كالأرز مع إضافة الدهن الكثير إليه وهو من أبرز أطعمتهم، وهذا الوصف ينطبق بلا شك على الجريش.
النوافل والعبادات المصاحبة
وفي جانب العبادة، كانت المساجد التي تضاء بالسرج طوال الليل لا تخلو من المصلين والقائمين خاصة في العشر الأواخر، وقد ورد في قصيدة لحميدان الشويعر الذي عاصر بدايات الدعوة السلفية ما يفيد بذلك كقوله:
الوعد مثل من قال كحي واكح في قيام العشر وإن ظهرت أظهري
ويبادرون أيضاً إلى تلاوة القرآن الكريم وتعدد الختمات كل بحسب استطاعته ومن لا يجيد القراءة - وهم كثر - يبحث عمن يقرأ له، أو يقرأ عن ظهر قلب ما يحفظه.
وكان الموسرون يبحثون عن القراء الذين يجيدون التلاوة وحسن الصوت فيجلبونهم ويدفعون لهم المال ليتولوا الإمامة والصلاة بهم في المساجد القريبة من منازلهم، ويقيمون موائد الإفطار في المساجد للفقراء وعابري السبيل.
وعند حصول النوازل والكوارث التي تصيب البلد خلال شهر رمضان كالحروب والأمراض الفتاكة والجوائح التي تداهم الزروع مثل الجراد والطيور وغيرها، كان العلماء آنذاك يسارعون إلى إصدار الفتوى بالإفطار ليتقوى الناس على دفع الضرر الذي وقع على البلدة، ومن ذلك ما ذكره ابن يوسف في تاريخه(3) أنه في سنة سبع بعد المائة والألف طلع الشريف سعد بن زيد على نجد ونزل أشيقر يوم واحد وعشرين من رمضان وحاصرهم وربط منهم حسن أباحسين ومحمد بن محمد القصير، وأفتى الشيخ الفقيه أحمد بن محمد القصير لأهل أشيقر بالفطر في رمضان وأفطروا وحصدوا زرعهم.
وقد كان رمضان آنذاك يحل في القيظ فأفتى الشيخ القصير لهم بالفطر تقوية لهم حتى يتمكنوا من حصد الزرع في مدة وجيزة، فأخذوا يماطلون الشريف فترة الحصاد حتى أنهوا حصادهم قبل أن يتمكن منهم واستطاعوا بسبب ذلك الصمود أمام الحصار فامتنعوا عن تنفيذ مطلب الشريف فرحل ولم يتمكن من تحقيق هدفه.
كما أن العلماء آنذاك قد أباحوا الفطر لبعض الفئات العاملة والقضاء في أيام أخرى، وقد أورد الشيخ أحمد المنقور فتوى لشيخه ابن ذهلان تجيز تطبيق هذا الحكم على بعض الفئات العاملة في المنطقة حيث قال: (إن الكالف والحشاش والحطاب والعامل والرائس والدايس والذاري والحصّاد والشمّال والصانع ونحوهم، إذا كان الصيام يضعف أحدهم عن معيشة أو بعضها جاز له التكفير بالإطعام)(4).
******
الهوامش:
(1) رحلة عبر الجزيرة العربية، الكابتن ج. فورتر سادلير، ترجمة أنس الرفاعي، (ص 53).
(2) حسن بن شهاب الريكي، لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب، (ص 190).
(3) تاريخ محمد بن يوسف، مخطوطة، الورقة الثانية.
(4) الشيخ أحمد المنقور، الفواكه العديدة في المسائل المفيدة، (2-73).




(*) للتواصل مع الكاتب -